الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 يناير 2018

عدم دستورية بقاء الصغير (القبطي) المشمول بالولاية على النفس تحت يد الولي عليه بعد بلوغ 15 سنة من عمره أو بعد البلوغ الطبيعي

القضية رقم 79 لسنة 18 ق "دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 ديسمبر سنة 1997 الموافق 6 شعبان سنة 1418 هـ . 
برئاسة السيد المستشار الدكتور  عوض محمد عوض المر                    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : سامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفي على جبالى     رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر                     أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 79 لسنة 18 قضائية "دستورية "
المقامة من
السيدة / لوريس فريد المصرى
ضد
1 - السيد / رئيس الجمهورية
2 - السيد / رئيس مجلس الوزراء
3 - السيد / رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب
4 - السيد / بطريرك الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة
5 - السيد الدكتور / حلمى فيلمون الحديدى
" الإجراءات  "
بتاريخ 14 يوليه سنة 1996، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبة الحكم بعدم دستورية   المادتين رقمى (139، 169) من لائحة الأقباط الأرثوذكس  الصادرة سنة 1938.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى
وقدم المدعى عليه الخامس مذكرة طلب فيها الحكم بعدم قبول الدعوى لانعدام مصلحة وصفة المدعية ، وفى الموضوع برفضها
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعية تزوجت المدعى عليه الخامس بموجب العقد الكنسى الموثق على شريعة الأقباط الأرثوذكس التى ينتمى الطرفان إليها، ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج حتى أنجب منها ولدهما سامح  فى 13/2/1981 وإذ نشب خلاف بينهما، فقد أقام زوجها ضدها الدعوى رقم 120 لسنة 1992 أمام محكمة الدقى الجزئية للأحوال الشخصية طالباً فى صحيفتها الحكم بضم ابنهما إليه، بعد أن بلغ أقصى سن للحضانة عملاً بنص المادة (139) من لائحة الأقباط الارثوذكس لعام 1938 وقد قضت المحكمة فى هذه الدعوى بعدم اختصاصها بنظرها وبإحالتها إلى محكمة النزهة للأحوال الشخصية ، حيث قيدت بجدول محكمة مصر الجديدة الجزئية للأحوال الشخصية (الدائرة الملية ) تحت رقم 512 لسنة 1993،  ثم قضى فيها بضم الصغير إلى والده. وقد استأنفت المدعية هذا الحكم تحت رقم 1044 لسنة 1994، إلا أن استئنافها قضى برفضه مع تأييد الحكم المطعون فيه.
وتلا ذلك رفع  الدعوى رقم 10 لسنة 1996 ملى مصر الجديدة التى أقامها ولدهما ضد والده، طالباً فيها - وبصفة مستعجلة - بوقف تنفيذ الحكم الصادر فى الدعوى رقم 512 لسنة 1993 ملى جزئى مصر الجديدة لحين الفصل فى دعواه هذه؛ وبصفة أصلية بمنع والده من التعرض له بمقتضى حكم الضم الصادر فى الدعوى رقم 512 لسنة 1993، وذلك تأسيساً على أنه بلغ الخامسة عشرة من عمره، وصار بذلك بالغاً وفقاً للراجح من مذهب أبى حنيفة المعمول به طبقاً لنص المادة (280) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية .
كذلك أقامت المدعية الدعوى رقم 448 لسنة 1995 أمام محكمة مصر الجديدة الجزئية للأحوال الشخصية (الدائرة الملية ) ضد زوجها طالبة منع تعرضه لولدهما بمقتضى الحكم المؤيد استئنافياً الصادر فى الدعوى رقم 512 لسنة 1993 جزئى ملى مصر الجديدة ، وذلك إستناداً منها إلى أن أمر ولدهما صار بيده، وله بذلك أن يقيم وحده أو مع من يختاره من أبويه؛ وجاحدة ما نصت عليه المادة (169) من لائحة الأقباط الأرثوذكس من استمرار ولاية الوالد على ولده حتى الحادية والعشرين من عمره.
وأثناء نظر هذه الدعوى ، دفع وكيلها بعدم دستورية نص المادتين (139، 169) من لائحة الأقباط الأرثوذكس وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعية باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فأقامت الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (139) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التى أقرها المجلس الملى العام، والمعمول بها اعتباراً من 8 يوليو 1938  تقضى فى فقرتها الأولى بأن تنتهى الحضانة ببلوغ الصبى سبع سنين، وبلوغ الصبية تسع سنين، وحينئذ يسلم الصغير إلى أبيه، أو عند عدمه إلى من له الولاية على نفسه. وفى فقرتها الثانية بأنه إذا لم يكن للصغير ولى ، يترك عند الحاضنة إلى أن يرى المجلس من هو أولى منها باستلامه.
وحيث إن المادة (169) من هذه اللائحة تقضى بأن تنتهى الولاية التى عرفتها المادة (159) منها، "بأنها قيام شخص رشيد عاقل بشئون القاصر أو من فى حكمه سواء ماكان منها متعلقاً بالنفس أو المال" متى بلغ القاصر من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية ، إلا إذا قرر المجلس استمرارها.
وحيث إن هذه المحكمة كانت قد انتهت بحكمها الصادر فى 1/3/1997 إلى عدم دستورية نص المادة (139) من لائحة الأقباط الأرثوذكس المعمول بها اعتباراً من 8/7/1938، وقد نشر حكمها هذا بالعدد رقم 13 فى الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 13/3/1997؛ وكانت أحكامها  فى الدعاوى الدستورية - أياً كان مضمون حكمها أو المسائل التى تناولتها فيها - تحوز حجية كاملة فى مواجهة الدولة بكل أفرعها وسلطاتها، وقبل كل الجهات القضائية على اختلافها، فلا تملك إحداها مراجعتها فيه، ولا أن تعيد النظر فيما انتهت إليه، فإن الخصومة الماثلة بالنسبة إلى هذا الشق من الدعوى الماثلة ، تكون منتهية .
وحيث إن المدعية تنعى على المادة (169) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، أن مؤداها انتفاء  أهلية الصغير عن نفسه أو ماله مالم يبلغ الحادية والعشرين من عمره، وهو ما يناقض نص المادة (280) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التى تقضى بأن تصدر الأحكام طبقاً للمدون فى هذه اللائحة ، ولأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة ماعدا الأحوال التى ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة ، فيجب أن تصدر الأحكام طبقاً لتلك القواعد وإذ خلت تلك اللائحة والتشريعات الخاصة ، من قاعدة محددة فى شأن السن التى تنتهى عندها الولاية على النفس، فإنه يتعين الرجوع فى شأن تحديدها إلى ما تقرر وفقاً للراجح فى المذهب الحنفى   من انتهاء الولاية على النفس ببلوغ الصغير - ذكراً كان أم أنثى - خمس عشرة سنة ، وهى السن التى يكون للصغير عندها أن يُقَاضِى وأن يُخْتصم، وأن يكون بالخيار بين أن يقيم عند أحد أبويه أو أن يستقل عنه ما  وإذ جرى النص المطعون فيه على غير هذا النظر، مقيماً تمييزاً تحكمياً بين أبناء الوطن الواحد، فإنه يكون بذلك مخالفاً لنص المادة (40) من الدستور. بل إن النص المطعون فيه أهدر كذلك ما تنص عليها المادة (10) من الدستور، التى تقضى بأن ترعى الدولة النشء وتوفر لهم ظروفاً مناسبة لتنمية ملكاتهم.
وحيث إن المدعى عليه الخامس جحد مصلحة المدعية فى إثارة النزاع الماثل، على أساس أن الخصومة الدستورية لا تقبل من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً؛ فإذا لم يكن النص المطعون فيه قد طبق أصلاً على المدعية ، فلا يتصور أن يكون قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها الدستور لها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكانت المدعية تنازع فى مباشرة زوجها لولايته على ولدهما، وتسعى لدفعها من خلال  دعواها الموضوعية التى تطلب فيها ألا يتعرض لابنه بعد أن بلغ الخامسة عشرة من  عمره، وصار بذلك مهيمناً على شئون نفسه يستقل بها من دون أبيه، فلا يقيم عنده إلا باختياره، فإن مصلحتها فى الدعوى الماثلة تكون متوافرة . ضماناً لتواصل علاقتها بابنها، فلا تنفصم عراها أو تهن رابطتها، بل يكون توثقها وترسخها من خلال بقاء ابنها فى كنفها، إذا اختار أن يلوذ بها.
وحيث إن تحديد ما يدخل فى نطاق مسائل الأحوال الشخصية - وفى مجال التمييز بينها وبين الأحوال العينية - وإن ظل أمراً مختلفاً عليه، إلا أن  أوضاع الولاية على النفس -وهى تتعلق بنظام الأسرة - تدخل فى نطاق هذه المسائل، فتحكمها قواعدها.
وحيث إن غبطة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية كان قد أفاد بكتابه إلى هيئة المفوضين بالمحكمة المؤرخ 11/9/1997 بأن ما احتواه نص المادة (169) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، من تحديد سن تنتهى به الولاية على نفس القاصر متى بلغ إحدى وعشرين سنة ميلادية مع وجود سن آخر يحكم ذات المسألة بالنسبة لانتهاء الولاية عند إخوتهم المسلمين فى ذات الوطن، يناقض أصل المساواة بينهم فى مسائل مردها لا إلى نصوص دينية ،  بل إلى أوضاع المجتمع ماكان منها طبيعياً أو بيئياً أواجتماعياً، مما يقتضى إخضاعهم لقاعدة موحدة تجمعهم.
وحيث إن المجالس الملية هى التى كان لها اختصاص الفصل فى مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وكان تطبيقها لشرائعهم الدينية مقارناً لاختصاصها بالفصل فى نزاعاتهم المتصلة بأحوالهم الشخصية ، فلا يكون قانونها الموضوعى إلا قانوناً دينياً. وظل هذا الاختصاص ثابتاً لهذه المجالس إلى أن صدر القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية ، فقد قضى هذا القانون فى مادته الأولى بأن تلغى المحاكم الشرعية والملية ابتداء من 1/1/1956، على أن تحال الدعاوى التى كانت منظورة أمامها حتى 31/12/1955 إلى المحاكم الوطنية لاستمرار نظرها وفقاً لأحكام قانون المرافعات.
ولئن وحد هذا القانون بذلك جهة القضاء التى عهد إليها بالفصل فى مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم، فحصرها - وأياً كانت ديانتهم - فى جهة القضاء الوطنى ، إلا أن القواعد الموضوعية التى ينبغى تطبيقها على منازعاتهم فى شئون أحوالهم الشخصية ، لا تزال غير موحدة ،رغم تشتتها وبعثرتها بين مظان وجودها، وغموض بعضها أحياناً. ذلك أن الفقرة الأولى من المادة (6) من هذا القانون تقضى بأن تصدر الأحكام فى منازعات الأحوال الشخصية التى كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرر بنص المادة (280) من لائحة ترتيبها. وتنص فقرتها الثانية على أنه فيما يتعلق بالمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين، الذين تتحد طائفتهم وملتهم، وتكون لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون، فإن الفصل فيها يتم - فى نطاق النظام العام - طبقاً لشريعتهم.
وحيث إن ما تقدم مؤداه: أنه فيما عدا الدائرة المحدودة التى وحد المشرع فى نطاقها القواعد الموضوعية فى مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم - كتلك التى تتعلق بمواريثهم ووصاياهم وأهليتهم - فإن المصريين غير المسلمين لايحتكمون لغير شرائعهم الدينية بالشروط التى حددها القانون رقم 462 لسنة 1955 المشار إليه، بل إن المادة (7) من هذا القانون تنص على أن تغيير الطائفة أو الملة بما يخرج أحد الخصوم عن وحدة طائفية إلى أخرى أثناء سير الدعوى ، لا يؤثر فى تطبيق الفقرة الثانية من المادة (6) من هذا القانون، مالم يكن التغيير إلى الإسلام.
وحيث إن المشرع، وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين - وفى إطار القواعد الموضوعية التي تنظمها - إلى شرائعهم مستلزماً تطبيقها دون غيرها فى كل ما يتصل بها، فإن المشرع يكون قد ارتقى بالقواعد التي تضمنتها هذه الشرائع، إلى مرتبة القواعد القانونية التي ينضبط بها المخاطبون بأحكامها، فلا يحيدون عنها فى مختلف مظاهره سلوكهم . ويندرج تحتها - وفي نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس - لائحتهم التى أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة فى 9 مايو 1938، والتى عمل بها اعتباراً من 8 يولية 1938، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها  لائحتهم هذه - وعلى ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (6) من القانون رقم 462 لسنة 1955 المشار اليه- شريعتهم التى تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية ، بما مؤداه: خضوعها للرقابة الدستورية التى تتولاها هذه المحكمة .
وحيث إن الولاية على النفس تتمحض عن سلطة شرعية يباشرها شخص على غيره، وهى بذلك ولاية متعديه لا ذاتية يمارسها الأولياء فى شأن الصغار ليتموا بها إعمالاً بدأتها حاضنتهم من النساء فى مجال رعايتهم تعليماً وتوجيهاً وتأديباً وتهذيباً حتى يصير الصغير المولى عليه مهيأ للحياة ، متصلاً بأسبابها، ميسراً لحقائقها، نابذاً شرورها، متجنباً أوضارها من خلال انتهاج الفضائل بقيمها العليا، فلا يكون  الصغير مظلوماً أو مضيعاً أو منبوذاً أو سقيماً.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت الولاية على النفس التي يؤديها من يباشرونها بحقها، غايتها أن تحفظ للصغار دينهم وخلقهم، وأن تقيم نوازعهم على سوائها، وأبدانهم وعقولهم على ما يصححها وينميها؛ وكان دور حاضنتهم قبل بلوغهم سن التمييز، وإن كان أظهر من دور أوليائهم، إلا أن يد هؤلاء عليهم - بعد مجاوزتهم لهذه السن  - أبعد سلطاناً وأَحَدَّ أثراً.
فإذا استقام عودهم، دبروا أمرهم خير ما يكون التدبير، وحسن مجتمعهم، فلا يكون متباغضاً متباعداً أبناؤه عن بعضهم البعض، بل تظلهم وحدة الوطن انتماءً ومصيراً. ومن ثم كان اختيار الأولياء ومراقبتهم، شرطاً لازماً لضمان شرعية تصرفاتهم، وكان حق الصغار فى أن يُضَموا إليهم كافلاً مصلحتهم، فلا ينزعون بغير حق من أيديهم.
وحيث إن الأصل أن تظل الولاية على نفس الصغير قائمة ما بقى الولي مستوفياً لشروطها، وما ظل سببها ممتدا ببقاء زمنها. ومن ثم كان بلوغ النكاح نهايتها كلما كان الصغر سببها، وبمراعاة أن الأنوثة - ومن غير ارتباطها بصغر أو بآفة عقلية - تعد بذاتها سبباً للولاية على النفس؛ وكان بلوغ الصغير راشداً ليس متطلباً فى غير الولاية على المال لقوله عز وجل "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشداً، فادفعوا اليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً"؛ وكان بلوغ الصغير بلوغا طبيعياً  - وهو المقصود ببلوغ النكاح – لا يظهر إلا بالإمارة التي تدل عليه، فإن هى لم تظهر، اعتد فى   تقدير بلوغ الصغير وانتهاء ولاية النفس عليه بالتالي ، بالسن التى اختلف الفقهاء فى شأن بيانها، وإن قدرها أبو يوسف ومحمد بالخامسة عشر، وعليها استقر الراجح من مذهب أبى حنيفة باعتبارها حداً زمنياً لانتهاء الولاية على النفس، إذا لم يدع الصغير البلوغ الطبيعى قبلها، وكان الظاهر لايكذبه، وبشرط أن يكون الصغير قد بلغها مأموناً على نفسه، وعندئذ يكون بالخيار بين أن يستقل بالسكنى عن أبويه، أو أن يقيم مع من يختاره منهما.
وحيث إن تحديد سن لانتهاء الولاية على نفس الصغير وفقاً للراجح من مذهب أبى حنيفة ، وان تعلق بالمسلمين من المصريين؛ وكان هذا التحديد أوثق اتصالاً بمصلحة الصغير فى مسألة لا تتصل بأصول العقيدة وجوهر بنيانها؛ وكان لا يجوز في غير المسائل التى حسمتها نصوص دينية مقطوع بثبوتها ودلالتها، أن يمايز المشرع في مجال ضبطها بين المصريين تبعاً لديانتهم، تقديراً بأن الأصل هو تساويهم جميعاً في الحقوق التي يتمتعون بها وكذلك على صعيد واجباتهم؛ وكانت الأسرة القبطية هي ذاتها الأسرة المسلمة فيما خلا الأصول الكلية لعقيدة كل منهما، تجمعه ما القيم والتقاليد عينها، وإلى مجتمعهم يفيئون تقيداً بالأسس التي يقوم عليها في مقوماتها وخصائصها، وتعبيراً عن إنصهارهم فى إطار أمتهم، ونأيهم عن اصطناع الفواصل التى تفرقهم  أو الدعوة إليها، فقد صار أمراً محتوماً ألا يمايز المشرع بينهم في مجال الولاية على النفس التى تتحد مراكزهم بشأنها سواء في موجباتها أو حد انتهائها، وإلا كان هذا التمييز منفلتاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي أن يترسمها، ومخالفاً بالتالي لنص المادة (40) من الدستور،  ومجاوزاً كذلك الحق في الحرية الشخصية التي يكون التماس وسائلها - ويندرج انتهاء الولاية على النفس تحتها - مطلباً لكل مواطن وفقاً لنص المادة (41) من الدستور.
وحيث إن الدستور قد دل بالمواد (9، 10، 11، 12) منه على أن للجماعة مقوماتها الأساسية التي لا يجوز أن ينعزل بنيان الأسرة عنها، باعتبار أن تكوينها وصونها على امتداد مراحل بقائها، أكفل لوحدتها، وأدعى لاتصال أفرادها ببعض من خلال روافد لا انقطاع لجريانها يتصدرها إرساء أمومتها وطفولتها بما يحفظها ويرعاها؛ والتوفيق بين عمل المرأة   في مجتمعها وواجباتها فى نطاق أسرتها؛ وبمراعاة طابعها الأصيل بوصفها الوحدة الأولى التي تكفل لمجتمعها تلك القيم والتقاليد التي يستظلون بها.
وهذه الأسرة ذاتها - وبغض النظر عن عقيدة أطرافها - لا يصلحها مباشرة الأولياء لولايتهم على أنفس الصغار دون ما ضرورة ، ولا مجاوزتهم مقاصد ولايتهم هذه بما يخرجها عن طبيعتها، ويمزجها بالولاية على المال سواء في سبب نشوئها أو انتهائها، وإنما ينبغي أن يكون لكل من الولايتين دوافعها وشروط انقضائها، فلا يتزاحمان مع بعضهما. وشرط ذلك أن يكون للولاية على أنفس الصغار زمنها، فلا يكون بقاؤها مجاوزاً تلك الحدود المنطقية التي تقتضيها مصلحتهم فى أن يمارس أولياؤهم عليهم إشرافاً ضرورياً لتقويمهم، ولا أقل مما يكون لازماً لاعتمادهم على أنفسهم فى مجال الاتصال بالحياة ، وولوج طرائقها واختيار أن ماطها. ومن ثم يكون بلوغ الصغير بلوغاً طبيعياً كافياً لزوالها، وإلا كان بلوغ السن التي يتهيأ عندها لتدبير أمره، منهياً لها وتلك هى القاعدة الموحدة التي ينبغي لكل أسرة التزامها، ضماناً لترابطها واتساق نسيجها مع مجتمعها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي ؛ ولا في نطاق القواعد الموضوعية والإجرائية التي تحكم الخصومة عينها؛ ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور للحقوق التي يطلبونها؛ ولا في اقتضائها وفق مقاييس واحدة عند توافر شروط طلبها؛ ولا في طرق الطعن التي تنتظمها، بل يجب أن يكون للحقوق ذاتها، قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها، أو استئدائها، أو الطعن فى الأحكام الصادرة فصلاً فيها. ولا يجوز بالتالي أن يعطل المشرع إعمال هذه القواعد في شأن فئة بذاتها من المواطنين؛ ولا أن يقلص دور الخصومة القضائية التي يعتبر ضمان الحق فيها، والنفاذ إليها، طريقاً وحيداً لمباشرة حق التقاضي المنصوص عليه في المادة (68) من الدستور؛ ولا أن يجرد هذه الخصومة من الترضية القضائية التي يعتبر إهدارها أو تهوينها، إخلالاً بالحماية التي يكفلها الدستور للحقوق جميعها.
وحيث إن لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس - وعلى ما يبين من نص المادتين (159، 169) منها -
لا تفرق بين الولاية على النفس والولاية على المال، بل تُنهيهما معاً عند الحادية والعشرين إذا بلغها  الصغير سوياً، وإلا كان للمجلس الملي العام أن يبقيها لمدة تزيد عليها أياً كان مقدارها؛ وكان ذلك مؤداه: حرمان أم الصغير الذى اختار أن يبقى معها بعد الخامسة عشرة ، أو قبلها بالبلوغ الطبيعي ، في أن تتخذ الوسائل القضائية التي ترد بها صغيرها إليها، فلا يكون إلا في كنفها؛ وكان ذلك من النص المطعون فيه إخلالاً بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة (68) من الدستور، فإن هذا النص يكون متضمناً - وفى هذه الحدود - مصادرة لهذا الحق، ونكولاً عن مبدأ الخضوع للقانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون النص المطعون فيه مخالفاً لأحكام المواد (9، 10، 11،  12، 40، 41، 65، 68) من الدستور.
وحيث إن المادة (125) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس تقضى بأن يبقى الولد تحت سلطة والديه إلى أن يبلغ سن الرشد، وألا يغادر منزل والديه إلا بسبب التجنيد؛ وكان حكمها هذا ملتئماً مع الأحكام التي تضمنها النص المطعون فيه فى شأن الولاية على نفس الصغير؛ فإن إبطال هذا النص، مؤداه: سقوط المادة (125) المشار إليها في مجال تطبيقها بالنسبة إلى هذه الولاية ذاتها فى شأن الصغير المشمول بها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :-
أولاً: بعدم دستورية المادة (169) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته في 9 مايو 1938، والمعمول بها اعتباراً من 8 يوليو 1938، وذلك فيما تضمنته من بقاء الصغير المشمول بالولاية على النفس تحت يد الولي عليه بعد بلوغ الخامسة عشرة من عمره أو بعد البلوغ الطبيعي ؛ أي الواقعتين أقرب زمناً.
ثانياً: بسقوط نص المادة (125) من هذه اللائحة في مجال تطبيقها بالنسبة إلى الولاية على نفس الصغير.

ثالثاً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

الطعن 260 لسنة 35 ق جلسة 5 / 1 / 1971 مكتب فني 22 ج 1 ق 1 ص 3

جلسة 5 من يناير سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، ومحمد أسعد محمود.

--------------

(1)
الطعن رقم 260 لسنة 35 القضائية

(أ) صورية.. "إثبات الصورية". إثبات. "عبء الإثبات" بيع. وصية.
الطعن على عقد البيع من أحد طرفية بأنه يخفي وصية. هو طعن بالصورية النسبية بطريق الغش. عبء إثبات ذلك على من يدعيه. وجوب الأخذ بظاهر نصوص العقد عند العجز عن إثبات الصورية.
(ب) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة". نظام عام.
قاعدة عدم جواز الإثبات بشهادة الشهود وبالقرائن في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام. جواز الاتفاق صراحة أو ضمناً على مخالفتها. عدم تمسك الطاعنة بهذه القاعدة أمام محكمة الموضوع وقيامها بتنفيذ حكم الإحالة إلى التحقيق. قبول للإثبات بغير الكتابة.
(جـ) حكم. "عيوب التدليل". "فساد الاستدلال". وصية. صورية.
إقامة الحكم قضاءه بأن العقد المتنازع عليه يخفي وصية على أقوال شاهدي البائعة خلو هذه الأقوال مما يفيد اتجاه قصد المتصرفة إلى التبرع وإضافة التمليك إلى ما بعد موتها. فساد في الاستدلال.
(د) إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن".. بيع.
وضع يد المشتري على العين المبيعة ليس شرطاً ضرورياً في اعتبار التصرف منجزاً.
(هـ) إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن". حكم. "عيوب التدليل". "فساد الاستدلال". وصية. صورية. بيع.
اتخاذ الحكم من عجز المشترية عن إثبات أدائها للثمن قرينة على أن العقد يخفي وصية. استناداً إلى قرينة فاسدة. البائعة الطاعنة على العقد هي المكلفة بإثبات صورية ما ورد فيه من أنها اقتضت الثمن.

---------------
1 - إذ كان البين مما حصله الحكم المطعون فيه أن النصوص الواردة في العقد المختلف على تكييفه صريحة في أنه عقد منجز، فإن ما طعنت به المطعون ضدها (البائعة) على هذا العقد وهي إحدى طرفيه من عدم صحة ما أثبت فيه من أنه عقد بيع، وأن الثمن المسمى فيه قد دفع وأن الصحيح هو أنه يستر وصية، ولم يدفع فيه أي ثمن، إنما هو طعن بالصورية النسبية بطريق التستر، وعليها يقع عبء إثبات هذه الصورية، فإن عجزت وجب الأخذ بظاهر نصوص العقد، لأنها تعتبر عندئذ حجة عليها.
2 - قاعدة عدم جواز الإثبات بشهادة الشهود وبالقرائن في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام، فيجوز الاتفاق صراحة أو ضمناً على مخالفتها. وإذ كانت محكمة الاستئناف قد أجازت للمطعون ضدها (البائعة) إثبات طعنها على العقد بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود، ولم تعترض الطاعنة (المشترية) على ذلك، بل قامت من جانبها بتنفيذ الحكم الصادر بهذا الإجراء بأن أشهدت شاهدين سمعتهما المحكمة فإن ذلك يعتبر قبولاً منها للإثبات بغير الكتابة.
3 - إذا كانت محكمة الاستئناف قد أقامت قضاءها بأن العقد المتنازع عليه يخفي وصية على ما استخلصته من أقوال شاهدي المطعون ضدها (البائعة) وكان هذا الاستخلاص يتجافى مع مدلول هذه الأقوال، إذ أنها جاءت خلواً مما يفيد اتجاه قصد المتصرفة إلى التبرع، وإضافة التمليك إلى ما بعد موتها، وهو ما يشترط إثابته لاعتبار العقد ساتراً لوصية، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال.
4 - عدم وضع يد الطاعنة (المشترية) على الأعيان محل التصرف منذ صدور العقد إليها ليس من شأنه أن يؤدي إلى عدم تنجيز التصرف، ذلك أن و ضع يد المشتري على العين المبيعة ليس شرطاً ضرورياً في اعتبار التصرف منجزاً، إذ قد يكون التصرف منجزاً مع استمرار حيازة البائع للعين المبيعة لسبب من الأسباب التي لا تنافي إنجاز التصرف.
5 - إذ اتخذ الحكم المطعون فيه من عجز الطاعنة (المشترية) عن إثبات أدائها الثمن قرينة على أن العقد يخفى وصية، فإنه يكون قد استند إلى قرينة فاسدة في خصوصية هذه الدعوى، لأن المطعون ضدها (البائعة) هي التي يقع على عاتقها عبء إثبات صورية العقد ما ورد في العقد من أنها اقتضت الثمن المسمى فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة كانت قد أقامت على والدتها المطعون ضدها الدعوى رقم 1674 سنة 1954 كلي القاهرة وطلبت الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 4/ 5/ 1947 الصادر إليها من والدتها ببيع العقارات المبينة بصحيفة الدعوى لقاء ثمن مقداره 1330 جنيهاً أقرت البائعة بقبضه وقت التعاقد، فأنكرت الأم صدور العقد منها لابنتها وادعت بتزويره، وأقامت عليها بالطريق المباشر الجنحة رقم 1162 سنة 1955 الجمالية باتهامها بالتزوير، وبعد أن قضي نهائياً ببراءتها من هذه التهمة، عادت فرفعت الدعوى الحالية رقم 2201 سنة 1962 مدني كلي القاهرة بطلباتها السالف بيانها. دفعت المطعون ضدها بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في الدعوى الأولى رقم 1674 سنة 1954 كلي القاهرة سالفة الذكر، وبتاريخ 24/ 11/ 1963 قضت المحكمة الابتدائية برفض الدفع وبصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 4/ 5/ 1947. استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 149 لسنة 81 ق وطلبت فيه إلغاء الحكم المستأنف والقضاء برفض دعوى الطاعنة، تأسيساً على أن عقد البيع محل النزاع يخفي وصية ولها حق الرجوع فيها، ودللت على ذلك بأنها ظلت تضع اليد على العقارات التي تصرفت فيها وتستغلها لحسابها منذ حصول التصرف في 4/ 5/ 1947 حتى تاريخ رفع الدعوى، وأن الطاعنة لم تدفع لها ثمنهاً لهذه الصفقة، ومحكمة الاستئناف قضت في 27/ 10/ 1964 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون ضدها بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود الوقائع المشار إليها، وبعد أن سمعت تلك المحكمة شهود الطرفين إنفاذاً لذلك الحكم حكمت في 23/ 2/ 1965 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم اعتبر العقد يخفي وصية، استناداً إلى ما استخلصه من أقوال شاهدي المطعون ضدها وإلى أن الطاعنة لم تضع اليد على العقارات محل التصرف وأن ثمناً لم يدفع في الصفقة، هذا في حين أن الشاهدين اللذين اشهدتهما المطعون ضدها قد صرحا أنهما لا يعرفان شيئاً عن العقد موضوع الدعوى، فلم يذكرا أن المطعون ضدها قصدت إضافة تصرفها إلى ما بعد الموت، أو أن ثمناً لم يدفع في الصفقة، وفي حين أن عدم وضع يد الطاعنة على العقارات المتصرف فيها بعد صدور العقد إليها، أو الادعاء من جانب المطعون ضدها بعدم اقتضائها الثمن دون أن تقيم الدليل على ذلك لا يؤدي إلى اعتبار العقد ساتراً لوصية، مما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أن المطعون ضدها وهي البائعة تمسكت أمام محكمة الاستئناف بأن العقد يخفي وصية وأنها لم تقبض شيئاً من الثمن المنصوص عليه فيه، وتحقيقاً لهذا الدفاع قضت تلك المحكمة بتاريخ 27/ 10/ 1964 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون ضدها بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود أنها ظلت واضعة يدها على الأعيان المتصرف فيها وتستغلها لحسابها، وأنها لم تقبض شيئاً من الثمن وصرحت للطاعنة بالنفي بذات الطرق، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين انتهت إلى اعتبار العقد يخفي وصية، مقيمة قضاءها على ما استخلصته من أقوال شاهدي المطعون ضدها، وعلى أن هذه الأقوال قد تأيدت بما ثبت في الدعوى من أن الطاعنة لم تضع يدها على الأعيان المتصرف إليها فيها ومن عجزها عن إثبات أداء الثمن المنصوص عليه في العقد. ولما كان البين مما حصله الحكم المطعون فيه أن النصوص الواردة في العقد المختلف على تكييفه صريحة في أنه عقد بيع منجز، فإن ما طعنت به المطعون ضدها على هذا العقد - وهي إحدى طرفيه - من عدم صحة ما أثبت فيه من أنه عقد بيع وأن الثمن المسمى فيه قد دفع وأن الصحيح هو أنه يستر وصية ولم يدفع فيه أي ثمن، هذا الذي طعنت به المطعون ضدها على العقد إنما هو طعن بالصورية النسبية بطريق التستر وعليها يقع عبء إثبات هذه الصورية فإن عجزت وجب الأخذ بظاهر نصوص العقد لأنها تعتبر عندئذ حجة عليها. ولما كانت محكمة الاستئناف قد أجازت للمطعون ضدها إثبات طعنها على العقد بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود ولم تعترض الطاعنة على ذلك بل قامت من جانبها بتنفيذ الحكم الصادر بهذا الإجراء بأن أشهدت شاهدين سمعتهما المحكمة مما يعتبر منها قبولاً للإثبات بغير الكتابة، إذ أن قاعدة عدم جواز الإثبات بشهادة الشهود وبالقرائن في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق صراحة أو ضمناً على مخالفتها. لما كان ذلك وكانت محكمة الاستئناف - على ما سلف البيان - قد أقامت قضاءها بأن العقد المتنازع عليه يخفي وصية على ما استخلصته من أقوال شاهدي المطعون ضدها. وإذ يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل هذه الأقوال على الوجه الآتي "وبما أن المستأنفة "المطعون ضدها" أشهدت شاهدين قرر أولهما وهو أنور عبده عفيفي بأن المستأنف عليها "الطاعنة" بلغته أنها قاضت والدتها حتى لا يتمكن أولاد خالها من الميراث في والدتها التي ليس لها أولاد ذكور وأنه لا يعرف شيئاً عن واقعة البيع، وقرر ثانيهما وهو عبد الوهاب يوسف مصطفى أن المستأنفة المطعون ضدها كانت تنوي السفر للحجاز وكتبت عقد لابنتها المستأنف عليها التي قامت بتصويره حتى لا يعرف أولاد خالها شيئاً عنه وأنه لم يسمع شيئاً عن واقعة البيع ثم خلصت المحكمة إلى القول بأنها "تأخذ بهذه الأقوال وترجحها على أقوال شاهدي النفي"، ومضمونها أن "العقد الصادر من المستأنفة لابنتها المستأنف عليها لم يكن مقصوداً به أن يكون عقداً منجزاً بل قصد به الحيلولة دون ميراث أولاد أخ المطعون ضدها إذا ما توفيت في الحجاز" وكان ما استخلصه الحكم على النحو السالف ذكره من أقوال هذين الشاهدين يتجافى مع مدلولها، إذ أن هذه الأقوال جاءت خلواً مما يفيد اتجاه قصد المتصرفة إلى التبرع وإضافة التمليك إلى ما بعد موتها وهو ما يشترط إثباته لاعتبار العقد ساتراً لوصية. وكان ما ساقه الحكم المطعون فيه بعد ذلك لتأييده هذه الدعامة، من أن الطاعنة لم تضع يدها على الأعيان التي هي محل التصرف منذ صدور العقد إليها ليس من شأنه أن يؤدي إلى عدم تنجيز التصرف، ذلك أن وضع يد المشتري على العين المبيعة ليس شرطاً ضرورياً في اعتبار التصرف منجزاً، إذ قد يكون التصرف منجزاً مع استمرار حيازة البائع للعين المبيعة لسبب من الأسباب التي لا تنافي إنجاز التصرف، كما أن الحكم إذ اتخذ من عجز الطاعنة عن إثبات أدائها الثمن قرينة على أن العقد يخفى وصية، يكون قد استند إلى قرينة فاسدة في خصوصه هذه الدعوى، لأن المطعون ضدها وهي التي يقع على عاتقها عبء إثبات صورية ما ورد في العقد من أنها اقتضت الثمن المسمى فيه لم تثبت هذه الصورية على ما حصله الحكم من أقوال شاهديها التي سلف بيانها. لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب يكون في محله بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

الطعن 25 لسنة 38 ق جلسة 1 / 12 / 1971 مكتب فني 22 ج 3 أحوال شخصية ق 163 ص 972

جلسة أول ديسمبر سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وحامد وصفي، ومحمد عادل مرزوق، وإبراهيم السعيد ذكرى.

-----------------

(163)
الطعن رقم 25 لسنة 38 ق "أحوال شخصية"

(أ) إثبات. "إجراءات الإثبات". "الإحالة إلى التحقيق". محكمة الموضوع. "سلطتها في الإحالة إلى التحقيق". أحوال شخصية.
ثبوت الواقعة المدعي بها أو عدم ثبوتها. استقلال محكمة الموضوع به دون معقب. عدم التزامها بإجابة طلب الإحالة إلى التحقيق متى كان فيما قدم إليها ما يكفي لاقتناعها. مثال في دعوى أحوال شخصية.
(ب) إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير القرائن". نقض. "سلطة محكمة النقض".
تقدير القرائن وما يستنبط منها. استقلال محكمة الموضوع به دون معقب من محكمة النقض متى كان سائغاً.
(ج) أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالمصريين غير المسلمين". "القانون الواجب التطبيق". قانون. "التنازع الداخلي لقوانين الأحوال الشخصية".
مسائل الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين المتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور القانون 462 لسنة 1955. تطبيق "شريعتهم" في نطاق النظام العام. المقصود بلفظ "شريعتهم". عدم اقتصار مدلوله على ما جاء في الكتب السماوية وحدها. انصرافه إلى كل ما كانت تطبقه جهات القضاء الملي قبل إلغائها. تطبيق مجموعة سنة 1938 الخاصة بقواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس. لا خطأ.
(د) أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالمصريين غير المسلمين". "الزواج". إثبات. محكمة الموضوع. نقض.
تقدير قيام العنة والخنوثة والخصاء كمانع طبيعي أو عرضي لا يرجي زواله ويحول دون مباشرة العلاقة الزوجية. دخوله في سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض متى كان قضاؤها قائماً على أسباب سائغة.

-----------------
1 - ثبوت الواقعة المدعى بها - وهي أن الزوجة تجنح للتبتل ومصابة بالعنة النفسية - أو عدم ثبوتها، مما تستقل به محكمة الموضوع بلا معقب، وهي ليست ملزمة بإجابة طلب إجراء التحقيق متى كان فيما قدم إليها ما يكفي لإقناعها بما انتهت إليه من عدم قيام الدليل على صحة الواقعة المطلوب إثباتها.
2 - تقدير القرائن مما يستقل به قاضي الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض فيما يستنبطه من هذه القرائن متى كان استنباطه سائغاً.
3 - تنص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية على أنه "أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام في نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم" ولفظ "شريعتهم" هو لفظ عام لا يقتصر مدلوله على ما جاء في الكتب السماوية وحدها بل ينصرف إلى كل ما كانت تطبقه جهات القضاء الملي قبل إلغائها باعتباره شريعة نافذة، إذ لم يكن في ميسور المشرع حين ألغى هذه الجهات أن يضع القواعد الواجبة التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين فاكتفى بتوحيد جهات القضاء تاركاً الوضع على ما كان عليه بالنسبة للأحكام الموضوعية التي يتعين على المحاكم تطبيقها وأحال إلى الشريعة التي كانت تطبق في تلك المسائل أمام جهات القضاء الملي، ولم تكن هذه الشريعة التي جرى العمل على تطبيقها تقتصر على ما جاء بالكتب السماوية، ومما يدل على حقيقة المشرع وأن ما يعتبر شريعة عند غير المسلمين لم يكن قاصراً على القواعد التي جاءت بها الكتب المنزلة ما أورد المشرع بالمذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه من أن "القواعد الموضوعية التي تطبقها أكثر المجالس فيما يطرح عليها من الأقضية غير مدونة، وليس من اليسير أن يهتدي إليها عامة المتقاضين وهي مبعثرة في مظانها بين متون الكتب السماوية وشروح وتأويلات لبعض المجتهدين من رجال الكهنوت" وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استند في قضائه بإبطال عقد الزواج إلى نص المادة 27 من مجموعة القواعد الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي العام في 9/ 5/ 1938 وعمل بها من 8/ 7/ 1938 بعد تجميعها من مصادرها واطردت المجالس الملية على تطبيقها، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
4 - تقضي المادة 27 من مجموعة سنة 1938 للأقباط الأرثوذكس بأنه "لا يجوز الزواج إذا كان لدى أحد طالبي الزواج مانع طبيعي أو عرضي لا يرجى زواله يمنعه من الاتصال الجنسي كالعنة والخنوثة والخصاء..." وتقدير قيام المانع الطبيعي أو العرضي الذي لا يرجى زواله ويحول دون مباشرة العلاقة الزوجية هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض متى كان قضاؤها يقوم على أسباب سائغة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 1057 سنة 1966 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية "ولاية على النفس" ضد الطاعن تطلب الحكم ببطلان عقد زواجه منها المؤرخ 17/ 2/ 1963 استناداً إلى أنها تزوجت من الطاعن بالعقد المشار إليه طبقاً لشريعة الأقباط الأرثوذكس، وأنه مصاب بالعنة وغير قادر على الدخول بها، وبتاريخ 18/ 2/ 1967 حكمت المحكمة بندب الطبيب الشرعي المختص بمصلحة الطب الشرعي بالقاهرة لتوقيع الكشف على الزوجين لبيان حالة غشاء بكارة المطعون عليها إن وجد ونوعه، وهل هو مما يمكن معه حصول الاتصال الجنسي دون تمزق ومدى ذلك وهل حصل اتصال فعلاً أم لا وسببه مع بيان حالة الجهاز التناسلي للطاعن، وهل هو مصاب بالعنة ونوعها إن وجدت وبيان تاريخ عنته، وبعد أن قدم الطبيب الشرعي تقريره عادت وبتاريخ 25/ 11/ 1967 فحكمت بإبطال عقد زواج المطعون عليها من الطاعن المؤرخ 17/ 2/ 1963. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد هذا الاستئناف برقم 1213 سنة 84 ق أحوال شخصية (ملي)، وبتاريخ 27/ 5/ 1968 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع من ثلاثة أوجه (أولاً) تمسك الطاعن في دفاعه أمام محكمة الاستئناف بأن سكوت المطعون عليها عن رفع دعواها مدة تزيد على ثلاث سنوات من انعقاد الزواج يرجع إلى سر أقسم الزوجان أمام المذبح المقدس على عدم إباحته، وهو رغبة المطعون عليها في المحافظة على تبتلها وعفافها، وطلب الطاعن أن ينفرد الزوجان في حضرة أحد كبار رجال الدين ليتقبل منهما "سر الاعتراف" غير أن الحكم المطعون فيه أغفل تحقيق هذا الدفاع (ثانياً) قضى الحكم بإبطال عقد الزواج لإصابة الطاعن بالعنة النفسية استناداً إلى أن المطعون عليها لا تزال عذراء ولم يأخذ بما تمسك به الطاعن من أن الزوجة تجنح لتبتل ومصابة بالعنة النفسية تأسيساً على أنه دفاع جديد لم يبده الطاعن إلا أمام محكمة ثاني درجة، في حين أن إبداء هذا الدفاع أمام تلك المحكمة لم يكن ليحول دون تحقيقه (ثالثاً) لم يعول الحكم على دفاع الطاعن سالف البيان مع أنه يوجد بالدعوى قرائن تؤيده تتحصل في أن المطعون عليها لم ترفع دعواها إلا بعد انقضاء أكثر من ثلاث سنوات على انعقاد الزواج وأنها كانت لا تشكو شيئاً طوال مدة الزوجية بل كانت على مودة ورحمة مع الطاعن.
وحيث إن هذا النعي بجميع أوجهه مردود ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد في هذا الخصوص ما يلي: "إنه بالنسبة لأسباب الاستئناف ومؤداها أن الزوجة تجنح للتبتل ومصابة بالعنة النفسية فإنه مردود بأن الأوراق لا تكشف عن أية دلائل أو قرائن تقوى على حمل هذا الادعاء محمل الصدق حتى يصلح سنداً لتحقيق ذلك الادعاء الذي لم يبده المستأنف - الطاعن - إلا أمام هذه المحكمة وفي مرحلتها الختامية الأمر الذي يدل على أنه مجرد ادعاء لا يسانده واقع مما يتعين طرحه"، ولما كان ثبوت الواقعة المدعى بها أو عدم ثبوتها مما تستقل به محكمة الموضوع بلا معقب وهي ليست ملزمة بإجابة طلب إجراء التحقيق متى كان فيما قدم إليها ما يكفي لاقتناعها بما انتهت إليه من عدم قيام الدليل على صحة الواقعة المطلوب إثباتها، وكان تقدير القرائن مما يستقل به قاضي الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض فيما يستنبطه من هذه القرائن متى كان استنباطه سائغاً، ولما كان يبين مما قرره الحكم المطعون فيه على النحو السالف بيانه أن محكمة الموضوع - في حدود سلطتها التقديرية - لم تقتنع بصحة دفاع الطاعن الذي تمسك به من جنوح المطعون عليها إلى التبتل وإصابتها بالعنة النفسية وذلك للأسباب السائغة التي أوردتها ولم تر في القرائن التي ساقها الطاعن ما يؤيد صحة هذا الدفاع، وكان غير صحيح ما يقول به الطاعن من أن محكمة ثاني درجة لم تبحث دفاعه سالف الذكر لمجرد أنه دفاع جديد أبداه أمام محكمة ثاني درجة بل الثابت من الحكم أن المحكمة لم تر للأسباب التي استندت إليها ما يدعو إلى إجابة الطاعن إلى طلبه بتحقيق هذا الدفاع، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ويقول في بيان ذلك إن الحكم قضى بإبطال عقد زواجه من المطعون عليها لإصابته بالعنة النفسية طبقاً لنص المادة 27 من مجموعة قواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس باعتبارها الشريعة الواجب تطبيقها فيما يثور بينهم من منازعات متعلقة بالأحوال الشخصية والتي أشارت إليها المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955، هذا في حين أن الشريعة عند الأقباط الأرثوذكس المشار إليها في المادة السادسة سالفة الذكر قاصرة على ما ورد في الكتب المنزلة فقط دون المصادر الأخرى، ولم يرد في هذه الكتب نص يجيز إبطال الزواج لإصابة أحد الزوجين بعنة نفسية.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كانت الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية تنص على أنه "أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام في نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم"، وكان لفظ "شريعتهم" التي تصدر الأحكام طبقاً لها في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة والذين لهم جهات ملية منظمة هو لفظ عام لا يقتصر مدلوله على ما جاء في الكتب السماوية وحدها بل ينصرف إلى كل ما كانت تطبقه جهات القضاء الملي قبل إلغائها باعتباره شريعة نافذة، إذ لم يكن في ميسور المشرع حين ألغى هذه الجهات أن يضع القواعد الواجبة التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين فاكتفى بتوحيد جهات القضاء تاركاً الوضع على ما كان عليه بالنسبة للأحكام الموضوعية التي يتعين على المحاكم تطبيقها، وأحال إلى الشريعة التي كانت تطبق في تلك المسائل أمام جهات القضاء الملي، ولم تكن هذه الشريعة التي جرى العمل على تطبيقها تقتصر على ما جاء بالكتب السماوية، وكان مما يدل على حقيقة قصد المشرع وأن ما يعتبر شريعة عند غير المسلمين لم يكن قاصراً على القواعد التي جاءت بها الكتب المنزلة - ما أورده المشرع بالمذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه من أن "القواعد الموضوعية التي تطبقها أكثر المجالس فيما يطرح عليها من الأقضية غير مدونة وليس من اليسير أن يهتدي إليها عامة المتقاضين وهي مبعثرة في مظانها بين متون الكتب السماوية وشروح وتأويلات لبعض المجتهدين من رجال الكهنوت"، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استند في قضائه بإبطال عقد الزواج إلى نص المادة 27 من مجموعة القواعد الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي العام في 9/ 5/ 1938 وعمل بها من 8/ 7/ 1938 بعد تجميعها من مصادرها، واطردت المجالس الملية على تطبيقها، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قطع بإصابة الطاعن بالعنة النفسية، وقرر أنه لا يرجي زوالها، وقضي بإبطال الزواج طبقاً للمادة 27 من مجموعة القواعد الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، في حين أنه ثبت من تقرير الطبيب الشرعي أن العنة النفسية تزول في الغالب بزوال بواعثها.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كانت المادة 27 من مجموعة سنة 1938 للأقباط الأرثوذكس التي طبقها الحكم المطعون فيه تقضي بأنه "لا يجوز الزواج إذا كان لدى أحد طالبي الزواج مانع طبيعي أو عرضي لا يرجى زواله يمنعه من الاتصال الجنسي كالعنة والخنوثة والخصاء..."، ولما كان تقدير قيام المانع الطبيعي أو العرضي الذي لا يرجى زواله، ويحول دون مباشرة العلاقة الزوجية هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض متى كان قضاؤها يقوم على أسباب سائغة، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قرر في هذا الخصوص ما يلي "إنه وإن كان التقرير الطبي الشرعي لم يقطع في خصوص دوام العنة النفسية لدى المستأنف - الطاعن - إذ ذهب إلى أن الغالب فيه يزول بزوال بواعثه، فإن في دوام العلاقة الزوجية ثلاثة أعوام متصلة، والزوجة على فراش الزوجية لا تفارق مزوجها طوالها، تعطيه طواعية واختياراً المكنة لتدارك ما فاته، حريصة على الإبقاء على رباط الزوجية المقدسة مع ذلك ظلت عذراء، بل قطع تقرير الطب الشرعي فوق ذلك أن المعاشرة الزوجية الصحيحة لم تتم بينهما على صورة ما، وأن ما ادعاه الزوج من حصول الوقاع كاملاً مرة واحدة منذ بدء الحياة الزوجية غير صحيح، فإن ذلك كله يتوافر معه الدليل المقنع القاطع على عنة المستأنف وأنها غير قابلة للزوال"، ولما كان يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه استخلص أن الطاعن مصاب بعنة نفسيه لا يرجى زوالها منعته من الاتصال الجنسي بالمطعون عليها، واستند في ذلك إلى أسباب سائغة، فإن النعي بهذا الوجه لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير موضوعي سائغ لمحكمة الموضوع وهو ما لا يقبل أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

سنة المكتب الفني 22 مدني (1971)

------------------------------
------------------------------

لائحة تشكيل المجلس الملي عام 1883م

المادة (1) : يشكل مجلس عمومي لجميع الأقباط بالقطر المصري للنظر في كافة مصالحهم الداخلة في دائرة اختصاصاته.

المادة (2) : يتركب المجلس المذكور من اثني عشر عضواً واثني عشر نائباً يتعينون بالانتخاب في جمعية عمومية يكون عدد أعضائها مائة وخمسين بالأقل وتكون تحت رياسة البطريرك.

المادة (3) : يتولى رياسة المجلس حضرة البطريرك.

المادة (4) : يتعين أحد أعضاء المجلس وكيلاً للرئيس يقوم مقامه عند حدوث عذر له ويتعين هذا الوكيل بالانتخاب بمعرفة أعضاء ونواب المجلس.

المادة (5) : يكون تعيين الأعضاء والنواب لمدة خمس سنين تبدئ من تاريخ الانتخاب.

المادة (6) : لانتخاب أعضاء ونواب لمدة خمس سنين أخرى.

المادة (7) : يشترط فيمن يجوز انتخابه عضواً أو نائباً أن يكون من رعايا الحكومة من ذوي الاستقامة والشرف.

المادة (8): يختص المجلس المذكور بالنظر في جميع ما تعلق بالأوقاف الخيرية التابعة للأقباط وما يتعلق بمدارسهم وكنائسهم وفقرائهم وكافة المواد المعتاد نظرها بالبطريكخانة.

المادة (9): يختص المجلس فيما يتعلق بالأوقاف بحصر جميع الأوقاف الخيرية الموقوفة على الكنائس والأديرة وقيدها يسجل مخصوص جمع الحجج وسائر مستندات الملكية، وطلب كشوف ببيان المتأخرات والنقود التابعة لتلك الأوقاف والاستحصال على حسابات عن الإيرادات والمصروفات للنظر فيها وحفظ ما يكون زائداً من الإيرادات عن المصروفات بخزينة البطريكخانة.

المادة (10): من وظائف المجلس فيما يتعلق بالمدارس إجراء الأتي: تعيين عدد التلامذة الذين يمكن قبولهم في كل مدرسة وسن من يقبل منهم وتعين العلم والفنون واللغات التي يصير تدريسها وتعيين الدروس والكتب، ومراقبة سير النظام والمعلمين والمعلمات، واختبار التلاميذ بامتحانات عمومية أو خصوصية، وكذا افتتاح مدارس ومكاتب جديدة ومدارس دينية.

المادة (11): تكون كافة المدارس القبطية تحت ملاحظة وتعيين نظارة المعارف.

المادة (12): يختص المجلس فيما يتعلق بإجراء ما يؤمل منه الانتفاع بها حسب قانون المطبوعات.

المادة (13) : من وظائف المجلس فيما يتعلق بالفقراء : 

- حصر وجمع الإيرادات المخصصة للفقراء وتوزيعاه على المحتاجين بالعدل والإنصاف وصرف ما يلزم ما يترتب لكل منهم في الأوقات اللازمة.

- وصرف ما يلزم لدفن المعدمين وتربية أيتامهم.

- البحث والنظر فيما يترتب عليه زيادة تلك الإيرادات وتحسين حالة الفقراء.

المادة (14): يختص المجلس فيما يتعلق بالكنائس والأديرة بما يلي : 

- حصر عدد الكنائس وقسسها وخدماتها وعدد الأديرة والرهبان وغيرهم.

- حصر الأمتعة الموجودة بتلك الكنائس والأديرة بما فيها الكتب وقيدها بسجل البطريكخانة.

- تحديد السجلات بكل كنيسة يقيد بها من يتعمد أو يتزوج أو يتوفى وطلب كشوفات عن ذلك في كل شهر لقيدها بسجل بالبطريكخانة.

- المحافظة على تنفيذ قوانين الكنيسة المتعلقة بقبول الرهبان بالأديرة ورسامة القسس وترقيتهم إلى الرتب الكنائسية.

المادة (15) : على المجلس أن يشكل قلماً للإدارة بالبطريكخانة ويعين له من يلزم من المديرين والعمال ويخصص لهم حدودهم وواجباتهم.

المادة (16) : من وظائف المجلس المذكور أيضاً النظر فيما يتعلق من أبناء الملة من الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية الواضحة أنواعها بكتاب الأحوال الشخصية.

المادة (17) : ينتخب بمعرفة حضرة البطريرك باتحاده مع المجلس أربعة من الأكليروس للنظر في الأمور الدينية تحت رئاسة البطريرك أو رياسة من ينتدبه لينوب عنه في حالة غيابه والفصل في الدعاوى.

المادة (18): يجوز للمجلس تعيين قومسيونات من طرفه من ضمن أعضائه أو من غيرهم ويكلفها بالأعمال التي يرى له لزوم إحالتها عليها من الأعمال الداخلة في دائرة اختصاصه.

المادة (19) : يجوز للمجلس أن يرتب مجالس فرعية بالجهات المهمة التي يرى لزوم تعيين مجالس فيها وتعيين عدد أعضاء كل مجلس منها وحدود اختصاصاته.

المادة (20): متى تم انتخاب أعضاء كل مجلس من المجالس المذكورة يتقدم كشف بأسماء من صار انتخابهم للمجلس العمومي للعرض عليهم للحكومة وصدور الأوامر اللازمة للجهة المعينين فيها بمعرفتهم واعتمادهم.

المادة (21): نظام الجلسة وجميع الآراء منوطان بالرئيس.

المادة (22) : تعقد جلسات المجلس في كل خمسة عشر يوماً.

المادة (23): يلزم أن تكون الجلسة مركبة من جميع الأعضاء والرئيس إنما عند المداولة في المسائل المهمة تكون الجلسة مركبة من الأعضاء والنواب و يصح انعقاد الجلسة متى حضر الثلثان.

المادة (24):إذا رأى أحد الأعضاء انه لا يتيسر له الحضور في الجلسة يجب عليه اختبار من دعاة للحضور من الرئيس أو الوكيل قبل الاجتماع بيومين على الأقل.

المادة (26): لا يرخص لأحد خلاف أرباب المجلس بالدخول في محله حال انعقاده ما لم يكن يطلب منه.

المادة (27): لا تجوز المداولة في المجلس في جملة أمور معاً بل يجب رؤية الأمور بالدور والنمرة باعتبار تاريخ ورودها أو رفعها له.

المادة (28):تكون المداولة في المجلس بأنه بعد أن تعرض المسألة على المجلس يسأل الرئيس الأعضاء عما يراه كل منهم فيها مبتدئاً في توجيه السؤال بأخرهم في الجلسة ثم بعد تمام الآراء بهذه الكيفية يصدر القرار بما اتحدت عليه الآراء.

المادة (29): أحكام المجلس التي تصدر منه في دائرة اختصاصاتها الموضحة بهذه اللائحة سواء كانت باتحاد الآراء أو بالأغلبية يكون تنفيذها بمعرفة الرئيس أو وكيله.

المادة (30): تتحرر محاضر الجلسات في دفتر مخصص بمعرفة من ينتخبه المجلس لذلك.

المادة (31) : إذا حضر في الجلسة عدد زوجي وانقسمت الآراء ولمي توفر الأغلبية لأحد الأقسام فيترجح رأي القسم الذي ينضم إليه الرئيس.

المادة (32):إذا غاب الرئيس أو وكيله في الوقت المعين للاجتماع يتولى رئاسة المجلس مؤقتاً من ينتخبه المجلس من الأعضاء.

المادة (33): إذا استعفى أو توفى واحد أو أكثر من الأعضاء أو النواب في أثناء مدة الخمس سنين جاز للمجلس أن ينتخب بدلهم بمعرفته متى كان عدد المستعفين أو المتوفين في آن واحد لا يزيد على ثلاثة.

المادة (34): من يستعفي من المجلس لسبب غير مقبول ناشئ من مجرد إرادته لا يجوز انتخابه في الدفعة المقبلة.

المادة (35): لا يجوز للأعضاء ولا النواب الانقطاع عن الحضور بالمجلس لغير عذر مقبول فإذا انقطع أحدهم ثلاث مرات ولم يببد أعذاراً مقبولة فيصدر له إنذار بعدم التأخير من الرئيس أو الوكيل وإن انقطع بعد ذلك ثلاث مرات أخرى ليسبب غير مقبول ينتخب بدله.