الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

فرض الدولة لتدابير الحراسة واقعة منعدمة لا يتصور قانونًا أن تكون مرتبة لأية آثار في محيط العلاقات القانونية


الدعوى رقم 42 لسنة 40 ق " منازعة تنفيذ " جلسة 7 / 12 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من ديسمبر سنة 2019م، الموافق العاشر من ربيع آخر سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا                         نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع          أمين السر


أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 42 لسنة 40 قضائية "منازعة تنفيذ".
المقامة من
* ورثة المرحوم/ حمزة محمد الشبراويشى، وهم:
1-    أحمد حمزة محمد الشبراويشــى
2- خديجة حمزة محمد الشبراويشــــــى
3- أم كلثوم حمزة محمد الشبراويشى
4- هــدى حمزة محمد الشبراويشــــــــــــى
* ورثة المرحوم/ محمد صبحى حمزة الشبراويشى، وهم:
5-    عمرو محمد صبحى الشبراويشى
6- منى محمد صبحى الشبراويشــــــى
7- جيهان محمد فتحى المسلمـــــــــــــــــى
* ورثة المرحومة/ فاطمة حمزة محمد الشبراويشى، وهم:
   8 - مصطفى محمد كمال الحُسينـــــــــى
   9 - حمزة محمد كمال الحسينــــــــــــــــــــــــــى
   10- نعيمة محمد كمال الحُسينــــــــــــــــــــى
   11- منى شيرين محمد كمال الحسينـى
* ورثة المرحومة/ آمنة حمزة محمد الشبراويشى، وهم:
   12- ماجد محمد محمود شوقى المتينى
   13- مها محمد محمود شوقى المتينـــــــى
   14- منى محمد محمود شوقى المتينـــــى
ضد
1- رئيس مجلس الـــــــوزراء
2- وزيــــر الماليــــــــة
3- رئيس جهاز تصفية الحراسات
4- الممثل القانونى لشركة السكر والصناعات التكميلية


الإجراءات
      بتاريخ السادس عشر من أغسطس سنة 2018، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، بطلب الحكم وقبل الفصل في الموضوع وبصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ الحكم الصادر بجلسة 17/3/2018، من محكمة النقض في الطعــــــن رقم 10951 لسنة 85 قضائية. وفى الموضوع: بعدم الاعتداد بذلك الحكم والمضى قدمًا في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 130 لسنة 5 قضائية "دستورية" الصادر بجلسة 6/2/1993


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
    وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
     ونُظرت الدعوى، على النحـو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.



المحكمة
            بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
            حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعين الثلاثة الأول، وهم من بين ورثة المرحوم/ حمزة محمد الشبراويشى ومورثى سائر المدعين، عن أنفسهم وبصفتهم ورثة، كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 103 لسنة 6 قضائية قيم، طلبًا للحكم: أولاً: بانعدام فرض الحراسة، سواء كانت حراسة طوارئ أو حراسة أمن، وسواء تلك التى فرضت عليهم أو على مورثهم. ثانيًّا: عدم الاعتداد بالتصرفات التى قامت بها الحراسة، المتمثلة في بيع منشأة الشبراويشى وملحقاتها وفروعها. ثالثًا: الحكم بالتعويض العادل عما تم التصرف فيه بمعرفة الحراسة، وقالوا بيانًا لدعواهم أن الحراسة فرضت على أموالهم مرتين، أولاهما في سنة 1961 استنادًا إلى قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وثانيتهما في سنة 1967 استنادًا إلى القانون رقم 119 لسنة 1964، وبمقتضى هذه الحراسة، قام الحارس العام ببيع منشأة عطور الشبراويشى إلى شركة السكر والتقطير بتاريخ 18/4/1967، وإذ كان فرض الحراسة وما لحقه من بيع للمنشأة قد صدر منعدمًا، فقد أقاموا دعواهم بالطلبات السالفة. وبجلسة 28/11/1987 قضت محكمة القيم بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد. طعن المدعون على هذا الحكم أمام المحكمة العليا للقيم بالطعن رقم 5 لسنة 8 قضائية عليا، وبجلسة 9/4/1988 حكمت المحكمة برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه. وإذ صدر حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 130 لسنة 5 قضائية "دستورية" بجلسة 6/2/1993 بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، فقد أقام المدعون دعوى جديدة أمام محكمة القيم قُيدت برقم 93 لسنة 13 قضائية قيم، بذات الطلبات السابقة. وبجلسة 2/7/1994 حكمت محكمة القيم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 103 لسنة 6 قضائية قيم، المؤيد بالحكم الصادر في الطعن رقم 5 لسنة 8 قضائية قيم عليا، طعن المدعون على هذا الحكم أمام المحكمة العليـــــا للقيـــــم قُيد برقـــــم 108 لسنة 14 قضائية قيـم عليـــــا. وبجلســـــة 13/2/1999 حكمت المحكمة العليا للقيم أولاً: بقبول الطعن شكلاً. ثانيًّا: بإلغاء الحكم المطعون فيه. ثالثًا: وقبــــــــل الفصــــــــل في الموضـوع بندب خبيــــــــر. وبجلسة 11/4/2015 حكمت المحكمة العليــــا للقيــــم في موضوع الطعــــن بإلـــزام وزيــــر المالية - بصفته الرئيس الأعلى لجهاز تصفية الحراسات – بأن يؤدى للمدعين مبلغ 38951370 جنيهًا قيمة أرض وبناء المصنع المبين بالأوراق. ومبلغ 6501370 جنيهًا، مقابل عدم الانتفاع بإيجار المصنع وفروعه من سنة 1967 وحتى سنة 2013، مضافًا إليه القيمة المعنوية للمصنع. طعن المدعى عليهم من الأول حتى الثالث على هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 10951 لسنة 85 قضائية، وبجلسة 17/3/2018 حكمت محكمة النقض، بنقض الحكم المطعون فيه، وفى موضوع الطعن رقم 108 لسنة 14 قضائية قيم عليا برفضه وتأييد الحكم المطعون فيه. واستندت في ذلك على أن "الثابت بالأوراق أن المطعون ضدهم الثلاثة الأول كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 103 لسنة 6 قضائية قيم – بذات الطلبات المطروحة في الدعوى المعروضة – وقضى فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد استنادًا إلى نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن الحراسة، وتأيد هــــــذا القضـاء بالحكــــــم الصــــــادر من محكمة القيم العليا في الطعن رقم 5 لسنة 8 قضائية قيم عليا بتاريخ 9/4/1988، وكان هذا الحكم غير جائز الطعن فيه بطريق النقض عملاً بالقانون السارى آنذاك ومن ثم يكون باتًا. وإذ صدر حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 130 لسنة 5 قضائية "دستورية" بتاريخ 6/2/1993 بعدم دستورية نص الفقرة سالفة الذكر، فإن الحكم بعدم الدستورية لا يمس المركز القانوني الذى استقر بموجب الحكم البات السابق صدوره في الدعوى السابقة قبل صدور الحكم بعدم الدستورية، ومن ثم يتعين القضاء في الدعوى المعروضة - وهى بذات الطلبات في الدعوى السابقة – بعدم جواز نظر الدعوى السابق الفصل فيها. وإذ ارتأى المدعون أن حكم محكمة النقض المشار إليه يُعد عقبة تحول دون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 6/2/1993 في الدعوى رقم 130 لسنة 5 قضائية "دستورية"، أقاموا دعواهم المعروضة.

وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن قوام منازعة التنفيذ أن يكون تنفيذ الحكم القضائى لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل، تبعًا لذلك، أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ التى تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صادر في دعوى دستورية، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى احتواها، والآثار المتولدة عنها، هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين كذلك ما يكون لازمًا لضمـــــــان فاعليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- حائلة دون تنفيذ أحكامها، أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام، وربطهــا منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بهـا من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيـــــــــذ لا تُعــــــد طريقًا للطعن في الأحكام القضائيــــــة، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.



وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 6/2/1993 في الدعوى رقم 130 لسنة 5 قضائية "دستورية" بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981، بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، تأسيسًا على أن "الأصل في دعوى الاستحقاق، أنه ليس لها أجل محدد تزول بانقضائه، وذلك بناء على ما لِحق الملكية من خاصية تميزه عن غيره من الحقوق الشخصية، وكذلك عن غيره من الحقوق العينية الأصلية منها أو التبعية. وتتمثل هذه الخاصية في أن الملكية وحدها هى التى تعتبر حقًا دائمًا، وتقتضى طبيعتها ألا يزول هذا الحق بعدم الاستعمال، ذلك أنه أيًّا كانت المدة التى يخرج فيها الشيئ من حيازة مالكه، فإنه لا يفقد ملكيته بالتقاعس عن استعمالها، بل يظل من حقه أن يقيم دعواه لطلبها مهما طال الزمن عليها إلا إذا كسبها غيره وفقًا للقانون، بما مؤداه أن حق الملكية باق لا يزول ما بقى الشيئ المملوك. ومن ثم لا تسقط الدعوى التى تحميه بانقضاء زمن معين سواء كان محــــــل الملكية منقـــولاً أو عقارًا. ولئن نص القانون المدنى على أن المنقول يصبح لا مالك له إذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكيته، إلا أن هذا التخلى لا يفيد أن حق الملكية في المنقول من الحقوق الموقوتة، بل يظل حق الملكية في المنقول حقًا دائمًا إلى أن ينزل عنه صاحبـــه ولا يعتبر النزول عن الحق توقيتًا له". متى كان ذلك، وكان لا يتصور أن يكون حق الملكية ذاته غير قابل للسقوط بالتقادم، وتسقط مع ذلك بالتقادم الدعوى التي يُطلب بها هذا الحق، فإن النص المطعون عليه يكون قد انتقص من الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية، وجاء بالتالي مخالفًا لنص المادة (34) منه. ولا ينال مما تقدم قالة أن الذين خضعوا لتدابير الحراسة يعتبرون بالنسبة إلى أموالهم وممتلكاتهم التي يطلبون ردها في مركز قانوني مختلف عن غيرهم ممن يدعون ملكية شيء غير خاضع لهذه التدابير ويقيمون دعوى الاستحقاق لطلبه، ذلك أن هؤلاء وهؤلاء يطلبون رد أموالهم وممتلكاتهم إليهم أيًّا كان سبب كسبهم ملكيتها، ولا يتمايزون عن بعضهم البعض إلا في واقعة بعينها، هي في ذاتها منعدمة من الناحية الدستورية والقانونية، تلك هي المتعلقة بخضوع الأولين لتدابير الحراسة التى فرضتها الدولة عدوانًا على ملكيتهم واغتصابًا لها. ولا يتصور قانونًا أن تكون الواقعة المنعدمة مرتبة لأية آثار في محيط العلاقات القانونية، ذلك أن انعدامها زوال لها واجتثاث لها من منابتها وإفناء لذاتيتها، وإذ كان القضاء قد جرد أوامر الحراسة من كل قيمة وقرر انحدارها إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونًا، فإن من غير المتصور أن تؤول في أثرها إلى الانتقاص من حقوق هؤلاء الذين ناءوا بعبئها.



وحيث إن مقتضى الحكم الصادر بجلسة 6/2/1993 في الدعوى رقم 130 لسنة 5 قضائية "دستورية"، بعدم دستورية المادة (6/2) من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليه إسقاط ميعاد السنة المحددة لرفع دعوى الاستحقاق والعودة إلى الأصل العام في دعوى الاستحقاق، وأنه ليس لها أجل محدد تزول بانقضائه. وهذا هو التنظيم القانوني التي أقيمت في ظله الدعوى رقم 93 لسنة 6 قضائية قيم، المستأنف حكمها برقم 108 لسنة 14 قضائية قيم عليا، التي قضت محكمة النقض بجلسة 17/3/2018 في الطعن رقم 10951 لسنة 85 قضائية بإلغائه، والقضاء بتأييد الحكم المطعون فيه الذى كان قد قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. وإذ كان ما يصدر عن المحكمة الدستورية العليا من قضاء – إعمالاً للمادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - يحوز الحجية المطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، بحيث تلتزم تلك السلطات – بما فيها الجهات القضائية على اختلافها – باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على الوجه الصحيح.



وحيث إن الحكم الصادر من محكمة النقض بجلسة 17/3/2018 في الطعن رقم 10951 لسنة 85 قضائية قد انتهى في قضائه إلى إعمال قيد السنة الوارد بنص المادة السادسة في فقرتها الثانية من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن الحراسة بالرغم من سابقة قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته وانفتاح مواعيد إقامة دعوى الاستحقاق دون أجل محدد، فإنه يكون – تبعًا لذلك – قد خالف مقتضى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، مما يعتبر عقبة في تنفيذه تستنهض ولاية هذه المحكمة لإزالتها والمضي في تنفيذ حكمها الآنف البيان.

وحيث عن طلب المدعين وقف الحكم الموضوعي المشار إليه، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع حول منازعة التنفيذ الراهنة، بما مؤداه أن مباشرة هذه المحكمة، طبقًا لنص المادة (50) من قانونها، اختصاص البت في طلب وقف التنفيذ المقدم من المدعين، يكون وفقًا لما جرى عليه قضاؤها، قد بات غير ذى موضوع.




فلهـذه الأسبـاب
      حكمت المحكمة بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 6/2/1993 في الدعوى رقم 130 لسنة 5 قضائية "دستورية"، وعدم الاعتداد بحكم محكمة النقض الصادر بجلسة 17/3/2018 في الطعن رقم 10951 لسنة 85 قضائية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

طعون الجمعية العمومية لنقابة المحامين وقراراتها منازعات إدارية يختص بها مجلس الدولة

الدعوى رقم 131 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 7 / 12 / 2019

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من ديسمبر سنة 2019م، الموافق العاشر من ربيع آخر سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو                   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمـد عماد النجــار والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع                            أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 131 لسنة 37 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية (الدائرة الثالثة والثلاثون) بحكمها الصادر بجلسة 23/2/2015 ملف الدعوى رقم 2678 لسنة 10 قضائية.
المقامة من
محمد عبداللطيف محمد بسيونى الخولى
ضــــد
1- رئيس اللجنة العامة المشرفة على انتخابات نقابة المحامين
2- رئيس اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات النقابـة الفرعية بمحكمة دمنهور الابتدائية
3- نقيــب المحاميــــن
4- نقيب المحامين بالبحيرة

الإجـراءات
بتاريخ السابع عشر من أغسطس سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 2678 لسنة 10 قضائية، بعد أن حكمت محكمـــة القضـاء الإداري بالإسكندريـة بجلسة الثالث والعشريـن من فبرايـر سنة 2015، بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية:
أولاً: الفقرة الأولى من نص المادة (135مكررًا) من القانون رقم 227 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما تضمنته من اشتراط إقامة الطعن من خمسين محاميًّا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية أو شاركوا في انتخاب مجلس النقابة، للطعن في القرارات الصادرة منها وفى تشكيل مجلس النقابة، وذلك بتقرير موقع عليه منهم يُقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض خلال أسبوعين من تاريخ القرار بشرط التصديق على إمضاءاتهم.
ثانيًّا: الفقرة الثانية من المادة ذاتها فيما تضمنته من عقد الاختصاص بالطعن على صحة انعقاد الجمعيات العمومية لنقابة المحامين بصفة عامة أو في تشكيل مجالس إدارة هذه النقابة أو في القرارات الصادرة منها، لجهة القضاء العادى ممثلة في محكمة النقض.
ثالثًا: الفقرة الثالثة من القانون رقم 98 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما تضمنته من عقد الاختصاص بالطعن على قرار المجلس المؤقت لنقابة المحامين برئاسة رئيس محكمة استئناف القاهرة لجهة القضاء العادى ممثلة في محكمة النقض.


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للفقرتين الثانية والثالثة من النص المحال، وبرفض الدعوى بالنسبة لفقرته الأولى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
            حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكــــم الإحالة وسائر الأوراق – في أن السيد/ محمد عبداللطيف محمد بسيونى الخولى، كان قد أقام الدعوى رقم 2678 لسنة 10 قضائية، أمام محكمة القضاء بالإسكندرية "دائرة البحيرة"، بطلب الحكـم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بإعـــلان نتيجة انتخابات نقابة المحامين بالبحيرة عن دائرة مركز شبراخيت بتاريخ 10/12/2009، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها بطلان إعلان فوز السيد/ عنتر عيسوى حسين نعيم في انتخابات نقابة المحامين الفرعية بالبحيرة عن مقعد محكمة شبراخيت الجزئية، وإعادة تلك الانتخابات، لما شابها من بطلان ومخالفة لأحكام القانون، تمثلت في احتساب عدد من الأصوات الباطلة رغم صحة بعضها، وكان يتعين حسابها لصالحه، وهو ما كان سيترتب عليه فوزه في الانتخابات، فضلاً عن وجـــــــود عدد من البطاقات غير الممهور بخاتم اللجنة المشرفة على الانتخابات، أو بخاتم نقابة المحامين، وكذلك إصدار بطاقات بأسماء أشخاص متوفين أو موجودين خارج البلاد، بالإضافة إلى التلاعب في كشوف الناخبين بإدراج بعض المحامين غير المقيدين بالدائرة الانتخابية محل التداعى. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع مخالفة نص المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 بفقراتها الثلاث لأحكام المادتين (97، 190) من الدستور، فقد قضت بجلسة 23/2/2015، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية عقد الاختصاص بالفصل في القرارات الصادرة من الجمعية العمومية لنقابة المحامين أو النقابات الفرعية لمحكمة النقض، وكذلك ما نصت عليه من اشتراط نصاب معين للطعن على تلك القرارات، والتصديق على توقيعات الطاعنين من الجهة المختصة.

  وحيث إن المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر بالقانـون رقم 17 لسنة 1983، المضافة بالقانون رقم 227 لسنة 1984 (النص المحال) تنص على أنه "يجوز لخمسين محاميًّا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية أو شاركوا في انتخاب مجلس النقابة الطعن في القرارات الصادرة منها، وفى تشكيل مجلس النقابة، وذلك بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض خلال أسبوعين من تاريخ القرار بشرط التصديق على إمضاءاتهم.

ويجب أن يكون الطعن مسببًا، وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال بعد سماع أقوال النيابة وأقوال النقيب أو من ينوب عنه ووكيل الطاعنين، فإذا قضى ببطلان تشكيل الجمعية العمومية، بطلت قراراتها، وإذا قضى ببطلان انتخاب النقيب أو أكثر من ثلاثة من أعضاء المجلس أجريت انتخابات جديدة لانتخاب من يحل محلهم.
يشكل مجلس مؤقت برياسة رئيس محكمة استئناف القاهرة، وعضوية أقدم ستة من رؤساء أو نواب رئيس بهذه المحكمة، يختص وحده دون غيره، بإجراء الانتخابات في مدة لا تجاوز ستين يومًا من تاريخ القضاء بالبطلان، فإذا اعتذر أىِ من هؤلاء أو قام به مانــــــــــع حل محله الأقـــــــــدم فالأقدم ، وتكون لهذا المجلس - إلى حين تشكيل المجلس الجديد - جميع الاختصاصات المقررة لمجلس النقابة، وتكون لرئيسه اختصاصات النقيب، وتختص محكمة النقض دون غيرها بالفصل في الطعن على قراراته في المواعيد والإجراءات المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين".


وتنص المادة (151) من القانون ذاته على أن "تسرى بشان دعوة الجمعية العمومية للنقابة الفرعية وشروط انعقادها وإجراءاتها وقراراتها ومحاضر جلساتها، الأحكام المقررة في هذا القانون وفى النظام الداخلى للنقابة بشأن الجمعية العمومية للنقابة العامة".


وتنص المادة (156) من ذلك القانون على أن "تسرى على نظام الترشيح وشروطه وحالات عدم الجمع وطريقة الانتخاب أو الإشراف عليه وإسقاط العضوية وشغل الأماكن الشاغرة واجتماعات المجلس وقراراته ومحاضر جلساته، الأحكام المقررة في هذا القانون وفى النظام الداخلى للنقابة بشان مجلس النقابة العامة" .


وحيث إن حقيقة الإحالة التى تضمنها حكم محكمة القضاء الإدارى الصادر بجلسة 23/2/2015 كما قصدت إليه محكمة الموضوع إنما تنصب على ما تضمنته الفقـــــرة الأولـــــى من المـــــادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة المشار إليه من اشتراط إقامة الطعن في قرارات الجمعية العمومية وفى تشكيل مجلس النقابـــــة من خمسين محاميًّا على الأقـــــل ممن حضروا الجمعية العمومية للنقابـة أو شاركوا في انتخابات مجلس النقابة، وذلك بتقرير مصدق على توقيعاتهم عليه، يُقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض خلال أسبوعين من تاريخ صدور القرار، وكذا ما تضمنه هذا النص من عقد الاختصاص لمحكمة النقض بالفصل في هذا الطعن، وما تضمنته الفقرة الثالثة من هذا النص من عقد الاختصاص لمحكمة النقض بالفصل في الطعن في قرار المجلس المؤقت لنقابة المحامين.


وحيث إن المصلحة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية، لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضـوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى لا يتعلق بتشكيل المجلس المؤقت لنقابة المحامين الذى تناولته بالتنظيم الفقرة الثالثة من المادة (135 مكررًا) المشار إليها أو القرارات الصادرة منه، واختصاص محكمة النقض بالطعن في قراراته، وإنما يدور حول حق عضو نقابة المحامين الفرعية في الطعن في قرارات الجمعية العمومية لها وعلى انتخابات مجلسها، دون التقيد بالشروط التى تضمنها النص المحال. وكان الفصل في دستورية الشروط التى فرضها النص المحال لقبول الطعن واختصاص محكمة النقض بالفصل في الطعن في تلك القرارات، والمعقود إلى تلك المحكمة بمقتضى الإحالة على نص المادة (135 مكررًا)، التى تشملها الإحالة العامة الواردة بنصى المادتين (151، 156) من قانون المحاماة، خاصة ما يتعلق منها بالأحكام الخاصة بالجمعية العمومية للنقابة العامة، ونظامها الانتخابى والقواعد الحاكمة له، التى تسرى بموجب هذه الإحالة على النقابات الفرعية، وهى الأحكام مدار الدعوى الدستورية التى تبتغى محكمة الموضوع إبطالها وتجريدها من كل آثارها، فإن تلك الدعوى ترتبط بالنزاع الموضوعى برابطة وثقى، باعتبار أن الحكم في المسائل الدستورية التى تدور حولها الخصومة الدستورية، يؤثر بالضرورة في الطلبات الموضوعية المتصلة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع، ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة والمصلحة فيها في نص الفقرة الأولى من النص المحال دون غيره من الفقرات، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص الفقرة الثالثة من المادة (135 مكررًا) سالفة الذكر، وقبولها بالنسبة لنص الفقرة الأولى منها.


      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع الدستورى، بدءًا من دستور سنة 1971 قد حرص على دعم مجلس الدولة، الذى أصبح بنص المادة (172) منه جهة قضائية قائمة بذاتها، محصنة ضـد أى عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا، وهو ما أكده الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30/3/2011، الذى أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، وكذلك المادة (174) من الدستور الصادر بتاريـخ 25/12/2012، وأخيرًا المادة (190) من الدستـور الحالى التى تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية ..... ". ولم يقف دعم المشرع الدستورى لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التى كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة 1971، نصًّا يقضى بأن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستورى الصادر في 30/3/2011، ونص المادة (75) من الدستور الصادر في 25/12/2012، وقد سار الدستور الحالى على النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التى كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التى كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضى الطبيعى للمنازعات الإدارية . وإذ كان المشرع الدستورى بنصه في عجز المادة (97) من الدستور الحالى على أن " ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى "، فقد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعى بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغى دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، سـواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التى تصدر فيها، وكان مجلس الدولة قد غدا في ضوء الأحكام المتقدمة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل في كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.


      وحيث إن الدستور الحالى قد نص في مادته (76) على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم". كما نص في المادة (77) منه على أن " ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطى، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهنى، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية .....".


وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد استقر على أن الحق في تكوين التنظيم النقابى، فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفًا إراديًّا حرًا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ليظل بعيدًا عن سيطرتها، ومن ثم تنحل الحرية النقابية، إلى قاعدة أولية في التنظيم النقابى، تمنحها بعض الدول – ومن بينها جمهورية مصر العربية – قيمة دستورية في ذاتها، لتكفل لكل عامل أو مهنى حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التى يطمئن إليها، أو أن يَعدل عن البقاء فيها مُنهيًّا عضويته بها. وهذه الحقوق التى تتفرع عن الحرية النقابية، تُعد من ركائزها، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها.


      وحيث إن قانـون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، قد نص في مادته المائة والعشرين على إنشاء نقابة للمحامين، تكون لها الشخصية الاعتبارية، تضم المحامين في جمهورية مصر العربية المقيدين بجداولها، وقد أضفى هذا القانون على النقابة شخصية اعتبارية مستقلة، وخولها حقوقًا من نوع ما تختص به الهيئات الإدارية العامة، مما يدل على أنها جمعت بين مقومات الهيئة العامة وعناصرها من شخصية مستقلة وقيامها على إدارة مرفق عام، مستعينة في ذلك ببعض مزايا السلطة العامة التي منحها لها القانون، تمكينًا لها من أداء المهام الموكلة لها في خدمة المهنة القائمة عليها، ورعاية أعضائها، والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم، ومن أجل ذلك جعل عضويتها إجبارية على المشتغلين بمهنة المحاماة، كما ألزم المنتمين للنقابة بأداء رسم قيد واشتراكات سنوية، وأنشأ هيئة تأديبية يحاكم أمامها الأعضاء الذين يخالفون قانون النقابة أو لائحتها الداخلية أو يرتكبون أمورًا مخلة بواجبات المهنة أو ماسة بكرامتها، ومن ثم تغدو نقابة المحامين من أشخاص القانون العام، وتُعد الطعون المتعلقة بصحة انعقاد الجمعية العمومية لأى من تشكيلاتها النقابية المختلفة، أو القرارات الصادرة منها، من قبيل المنازعات الإدارية، التي ينعقد الاختصاص بنظرها والفصل فيها لمحاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيرها، طبقًا لنص المادة (190) من الدستور، وإذ أسندت الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، المضافة بالقانون رقم 227 لسنة 1984، الفصل في تلك المنازعات إلى محكمة النقض، التابعة لجهة القضاء العادي، فإن مسلك المشرع، على هذا النحو يكون مصادمًا لنص المادة (190) من الدستور، الذى أضحى، بمقتضاه، مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية العامة في الفصل في المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعي.

      وحيث إن البيّن من نص الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) – النص المحال - أن ثمة شرطيـن يتعين توافرهـــــما معًا لجواز الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو في تشكيل مجالس الإدارة، أو القرارات الصادرة منها، أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدمًا من خمسين محاميًا على الأقل ممن حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو النقابة الفرعية أو اللجنة النقابية، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًا للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفيًا شكلية بذاتها، قوامها أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، مصادقًا عليها جميعًا من الجهة المختصة.

      وحيث إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي، ويعصفان بجوهـره، على الأخص من زاويتين، أولاهمـا: أن الدسـتور كفل للناس جميعًا – بنص المادة 97 – حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، لا يتمايـزون في ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض في مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التي يحاط بها، ليكون عبئًا عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق التي يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون في استنهاض الأسس الموضوعية التي نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم – سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا – الحق في الدعوى، ليكون تعبيرًا عن سيادة القانون، ونمطًا من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصمًا من جموحها وانفلاتهـا من كوابحها، وضمانًا لردها على أعقابها إن هى جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التي كفلها القانون للحقوق على اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع عنها ترفًا أو إسرافًا، بل لازمًا لاقتضائها وفق القواعد القانونية التي تنظمها. ثانيتهما: أن الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية القضائية التى يطلبها المتداعون، ويسعون للحصول عليها تأمينًا لحقوقهم. وهم بذلك لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة، ولا عن عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون في الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال الخصومة القضائية تلك الحقوق التي أُضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما يكون منها متعلقًا بمجاوزة نقابتهم للقيود التي فرضها الدستور عليها، لتنفصل حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية التي تحميها نقابتهم بوصفها شخصًا معنويًّا يستقل بالدفاع عنها في إطار رسالتها وعلى ضوء أهدافها والقيم التي تحتضنها. وهو ما يعنى أن تأمينها لمصالح أعضائها – منظورًا إليها في مجموعها – لا يعتبر قيدًا على حق كل منهم في أن يستقل عنها بدعواه التي يكفل بها حقوقًا ذاتية يكون صونها ورد العدوان عنها، متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة، ليتعلق بها مركزه القانوني الخاص في مواجهة غيره، فلا ينال من وجوده – ولو بنص تشريعي – قيد تقرر دون مسوغ.


      وحيث إن الطعن على قرار معين – كلما توافر أصل الحق فيه – لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التي يقتضيها تنظيم هذا الحق، وإلا كان القيد مضيقًا من مداه أو عاصفًا بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم. وكان حق النقابة ذاتها في تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها في الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنماءها للقيم التي يدعون إليها في إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضمانًا لصون الأسس التي حددها الدستور بنص المادتين (76، 77) منه، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابي ومتطلباته، إلا أن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددًا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيدًا أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطًا للأعمال جميعها، محيطًا بكل صورها، ما كان منها تصرفًا قانونيًّا أو متمحضًا عملاً ماديًّا، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعًا، ليكون تقويمها حقًّا مقررًا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.

      وحيث إن نص الفقرة الأولـى من المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 – النص المحال - قد نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن في قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية، نصابًا عدديًّا، فلا يقبل إلا إذا كان مقدمًا من خمسين محاميًا على الأقل ممن حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو الفرعية أو اللجنة النقابية، ليحول هذا القيد – بالنظر إلى مداه – بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التى أخل بها القرار المطعون فيه، والتي لا يقـوم العمل النقابي سويًّا دونها، وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا. وقد افترض النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصابًا محتومًا للطعن في قراراتها – متحدون فيما بينهم في موقفهم منها، وأنهم جميعًا قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من آثارها وتعطيلاً للعمل بها، لتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قَلّما يتحقق عملاً، ولا يتوخى واقعًا غير مجرد تعويق الحق في الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون    أفدح عبئًا، وأقل احتمالاً.
      وحيث إن البيّن كذلك من النص المشار إليه، أن الطعن في قرار صادر عن الجمعية العمومية للنقابة العامة أو الفرعية– ولو كان مكتملاً نصابًا – يظل غير مقبول، إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص؛ وكان ما توخاه النص المحال بذلك، أن يكون هذا التصديق إثباتًا لصفاتهم، فلا يكون تقرير الطعن مقدمًا من أشخاص لا يعتبرون أعضاء في النقابة العامة أو الفرعية، أو من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية؛ وكان التصديق وإن تم في هذا النطاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظل منطويًا على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضي، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسرًا من الناحيتين الإجرائية والمالية؛ وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن في مجال تثبتهـا من الشـروط التي لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها – وتندرج صفاتهم تحتها – باعتبار أن تحقيقهـا وبسطها لرقابتها على توافرها، أو تخلفها، مما يدخل في اختصاصها. ولا يجوز بالتالي أن تتولاه الجهة الإدارية، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على الوظيفة القضائية التي اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها.
      وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المحال يغدو مصادمًا لنصوص المواد (76، 77، 94، 97، 184، 190) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) المشار إليها برمتها.
      وحيث إن الدستور الحالي قد اعتبر بمقتضى نص المادة (189) منه النيابة العامة جزءًا لا يتجزأ من جهة القضاء العادي، وكان القضاء بعدم دستورية اختصاص محكمة النقض، وبالتالي جهة القضاء العادي، بنظر الطعون المتقدمة والفصل فيها، يستتبع حتمًا وبحكم اللزوم العقلي والمنطقي سقوط عبارة " بعد سماع أقوال النيابة الواردة بالفقرة الثانية من المادة (135 مكررًا) المشار إليه.

فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وسقوط عبارة " بعد سماع أقوال النيابة العامة" الواردة بالفقرة الثانية من هذه المادة.

أثر وحجية حكم عدم دستورية الشروع الفوري في توقيع الحجز الإداري


الدعوى رقم 10 لسنة 30 ق "دستورية" جلسة 7 / 12 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من ديسمبر سنة 2019م، الموافق العاشر من ربيع آخر سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا                         نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع          أمين السر


أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 10 لسنة 30 قضائية "دستورية".
المقامة من
محمد محمد عبد الونيس
ضــــد
1- رئيس مجلــس الـــوزراء
2- وزير الزراعة واستصلاح الأراضي


الإجـراءات
بتاريخ الرابع عشر من يناير سنة 2008، أقام المدعى الدعوى المعروضة، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (4)، والفقرتين الثانية والثالثة من المادة (7)، من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإدارى.


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أنه بتاريخ 1/5/2007، تم توقيع حجز إدارى على منقولات مملوكة للمدعى، وفاءً لمبلغ 59228 جنيهًا، تداينه بها وزارة الزراعة، وعُين المدعى حارسًا على المنقولات، وتحدد يوم 2/6/2007، للبيع، ورفض المدعى التوقيع على محضر الحجز. وفى اليوم المحدد للبيع، تبين تبديده للمحجوزات، فتحرر ضده المحضر رقم 4766 لسنة 2007 جنح مركز إدكو، وقدمته النيابة العامة للمحاكمة الجنائية، بطلب عقابه بالمادتين (341 و342) من قانون العقوبات، بوصف تبديده المنقولات المملوكة له والمحجوز عليها إداريًّا لصالح وزارة الزراعة، والمسلمة إليه على سبيل الوديعة لحراستها وتقديمها يوم البيع، فاختلسها لنفسه إضرارًا بالجهة الحاجزة. وحال نظر الدعوى، دفع المدعى بعدم دستورية المادة (4) والفقرتين الثانية والثالثة من المادة (7) من قانون الحجز الإدارى الصادر بالقانون رقم 308 لسنة 1955، وإذ قدرت محكمة الموضوع بجلسة 30/12/2007 جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة، ناعيًّا على النصين المطعون عليهما، مخالفتهما لأحكام المواد (32، 34، 64، 65، 67، 68) من دستور سنة 1971.
      وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإدارى، تنص على أن "يعلن مندوب الحاجز إلى المدين أو من يجيب عنه، تنبيهًا بالأداء وإنذارًا بالحجز، ويشرع فورًا في توقيع الحجز مصحوبًا بشاهدين".
      وتنص المادة (7) من القانون ذاته على أن "يوقع التنبيه بالأداء والإنذار بالحجز ومحضر الحجز كل من المدين و......... وتسلم صورة من التنبيه والإنذار ومحضر الحجز إلى المدين .........، وإذا رفض المدين أو من يجيب عنه التوقيع على التنبيه والإنذار ومحضر الحجز واستلام نسخة منه، أثبت ذلك في المحضر.
      وتعلق نسخة من محضر الحجز على باب المركز أو القسم أو المأمورية أو على باب دار العمدة أو الشيخ الذى يقع الحجز في دائرته، ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان.
      وإذا لم يوجد المدين أو من يجيب عنه، أثبت ذلك بمحضر الحجز وتسلم نسخة منه إلى مأمور القسم أو .......".
      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية التى تطرح على هذه المحكمة، لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، فلا تفصل المحكمة الدستورية العليا في غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى. متى كان ذلك، وكان الثابت بأوراق الدعوى الموضوعية أن المدعى كان حاضرًا وقت توقيع الحجز على منقولاته، ورفض التوقيع على محضر الحجز، ومن ثم فإنه يكون غير مخاطب بأحكام الفقرة الثالثة من المادة (7) من القانون رقم 308 لسنة 1955 المشار إليه، وتنتفى مصلحته في الطعن على دستورية تلك الفقرة.



      وحيث إن مناعي المدعى على النصين المطعون فيهما تنصب على عدم تحقيقهما للغاية من الإعلان، إذ يمنحان مندوب الحاجز سلطة الشروع الفوري في توقيع الحجز الإداري، على افتراض علم المدين المحجوز عليه بكل تفاصيل الحجز من تنبيه بالأداء، وإنذار بالحجز، ويوم البيع وساعته، وأمور الحراسة، وذلك وفق إجراءات لا تؤدى إلى علمه اليقيني، الأمر الذي يفضي إلى إهدار الحماية المقررة للملكية الخاصة ومبدأ سيادة القانون وخضوع الدولة له، وإهدار أصل البراءة، والإخلال بحق التقاضي. ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى في شأن النصين المطعون عليهما، في ضوء مناعيه وما يستهدفه من ورائها، ربطًا لها بمصلحته في الدعوى الجنائية المقامة ضده، تغدو منحصرة فيما ورد بعجز الفقرة الأولى من المادة (4) من عبارة "ويشرع فورًا في توقيع الحجز"، وما ورد بعجز الفقرة الثانية من المادة (7) من عبارة " ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان"، إذ الفصل في مدى صحتهما الدستورية، حسم كامل لجوهر المثالب التي يقيم عليها المدعى مناعيه في الدعوى المعروضة، التى تحددت مصلحته في ضوئها. الأمر الذى يتحدد معه نطاق هذه الدعوى في هاتين العبارتين فقط، دون غيرهما مما اشتملت عليه المادتان (4، 7/2) من القانون المشار إليه من أحكام أخرى.
      وحيث إن هذه المحكمة سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة في الدعوى المعروضة، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 4/5/2019 في الدعوى رقم 185 لسنة 32 قضائية "دستورية"، والقاضي بعدم دستورية عبارة "ويشرع فورًا في توقيع الحجز" المنصوص عليها في عجز الفقرة الأولى من المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري، وعبارة "ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان"، الواردة بعجز الفقرة الثانية من المادة (7) من القانون ذاته، وقد نُشر هذا الحكم في العدد رقم 19 (مكرر) من الجريدة الرسمية بتاريخ 12/5/2019.
      وحيث كان ما تقدم، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، ونصى المادتين (48، 49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام هذه المحكمة ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، باعتبارها قولاً فصلاً في المسألـة المقضي فيها، لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أى جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها. متى كان ذلك، وإذ سـبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا في الدعوى الدستورية المشار إليها بعدم دستورية النصين التشريعيين ذاتهما التي تحدد فيهما نطاق الدعوى المعروضة، فإن الخصومة الدستورية بالنسبة لهما، وهي عينية بطبيعتها، تكون قد انحسمت، الأمر الذى يتعين معه القضاء باعتبار الخصومة منتهية في نطاق العبارتين المحددتين آنفًا في هذين النصين، وعدم قبول الدعوى فيما جاوز ذلك من طلبات.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة باعتبار الخصومة منتهية.

الطعن 11407 لسنة 82 ق جلسة 6 / 1 / 2012


باسم الشعب
محكمـة النقــض
الدائرة العمالية
-----
برئاسة السيد القاضـى/ عــزت البـــندارى                   نـائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة / محمـد نجيب جـاد        ،          منصورى العشــرى
                           خالــد مدكـــور                نواب رئيس المحكمـة
                                            وأحمد قاعــــود
ورئيس النيابة السيد / محمد عبد الجواد حمزه .
وأمين السر السيد / عادل الحسينى .
فى الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالى بمدينة القاهرة .
فى يوم الأحد 24 من صفر سنة 1434هـ 6  من يناير سنة 2013 م .
أصدرت الحكم الآتى :
فى الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم 11407 لسنة 82 قضائية .
المرفوع من :
-       السيد / رئيس مجلس إدارة شركة .... للتنمية الزراعية والتصدير بصفته.
ومقره ..... – محافظة الجيزة . لم يحضر عنه أحد  .
ضـــد
-       السيد / ......... . المقيم ........ – محافظة الجيزة . لم يحضر عنه أحد  .
الوقائــع
فى يوم 5/7/2012 طعن بطريق النقض فى حكم محكمــة استئـناف القاهـرة    " مأمورية الجيزة " الصادر بتاريخ 8/5/2012 فى الاستئناف رقم 2214 لسنة 127 ق وذلك بصحيفة طلبت فيها الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه.
وفى نفس اليوم أودعت الطاعنة مذكرة شارحة .
وفى 8/8/2012 أعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن .
ثم أودعت النيابـة مذكرتهـا وطلبـت فيها قبول الطعن شكـلاً وفى الموضوع برفضه .
وعرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة 16/12/2012 للمرافعة وبها سمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة - حيث صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها - والمحكمة أرجأت إصدار الحكـم لجلسة اليوم .
المحكمــة
        بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تـلاه الســيد القاضى المقرر / خالد مدكــور " نائب رئيس المحكمة " والمرافعة وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع – على ما سجله الحكمان الابتدائى والمطعون فيه - تتحصل فى أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 1411 لسنة 2008 عمال الجيزة الابتدائية على المطعون ضده طالبة الحكم بإنهاء خدمته للانقطاع عن العمل ، وقالت بياناً لدعواها إن الأخير من العاملين لديها ، وإذ انقطع عن العمل دون عذر اعتباراً من 6/8/2005 رغم إنذارها له بخطاب موصى عليه بعلم الوصول على محل إقامته فى 13/8/2005 فقد أقامت الدعوى بطلبها سالف البيان ، وكان المطعون ضده قد أقام أيضاً الدعوى رقـم 1413 لسنــة 2008 على الطاعنة بطلب الحكم بإلزامها أن تؤدى له مبلغ 150000 جنيه تعويضاً مادياً وأدبياً من جراء فصله تعسفيا ، وقال بياناً لها إنه من العاملين لدى الطاعنة بفرع كفر الزيات ، وقد تم نقله لمزرعة الهنا بمدينة النوبارية ثم فوجئ بصدور قرار بفصله من العمل دون مبرر رغم استلامه له لدى الجهة المنقول إليها ، ولما كان هذا القرار قد صدر على خلاف القانون وأصابه بأضرار يقدر التعويض عنها بالمبلغ المطالب به فقد أقام الدعوى بطلبه آنف البيان . وبعد أن ضمت المحكمة الدعوى  الثانية للأولى وندبت خبيراً ، قدم تقريرين حكمت أولاً : فى الدعوى الأولى برفض طلب الطاعنة وإلزامها بإعادة المطعون ضده للعمل وصرف كافة مستحقاته . ثانياً : فى الدعوى الثانية برفضها . استأنفت الطاعنة هذا الحكم فى خصوص ما قضى به فى الدعوى الأولى لدى محكمة استئناف القاهرة " مأمورية الجيزة " بالاستئناف رقم 2214 لسنة 127 ق ، كما استأنفه المطعون ضده لدى ذات المحكمة بالاستئناف رقم 2621 لسنة 128 ق ، قررت المحكمة ضم هذا الاستئناف لسابقه ، وبتاريخ 8/5/2012 قضت فى موضوع استئناف الطاعنة بتأييد الحكم المستأنف ، وفى موضوع استئناف المطعون ضده برفضه . طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض فيما قضى به فى موضوع استئنافها ، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى  برفض الطعن ، وإذ عرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابـة رأيها .
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون وتـأويله ، وفى بيان ذلك تقول إن البين من الأوراق أن المطعون ضده علم بقرار نقله  للعمل بمنطقة النوبارية فى 7/8/2005 وبالتالى فإنه كان يتعين عليه استلام العمل فى 8/8/2005، وإذ لم يثبت بالأوراق تسلمه العمل منذ هذا التاريخ وظل منقطعاً عنه فأنذرته الطاعنة فى 13/8/2005 على محل إقامته المعلوم لديها بضرورة استلامه للعمل ، واستمر رغم ذلك فى الانقطاع عنه ، فإنه يحق لها المطالبة بإنهاء خدمته ، وإذ خالف الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا النظر  ، وقضى برفض دعوى الطاعنة وإعادة المطعون ضده للعمل مـع صرف مستحقاته على سند من أنها أنذرته قبل اكتمال المدة التى تطلبتها المادة 69 من القانون رقم 12 لسنة 2003 بإصدار قانون العمل ، وأن الإنذار الذى أرسلته إليه ارتد إليها من البريد رغم أن القانون لم يتطلب استلام العامل له ، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى فى محله ، ذلك أنه لما كان النص فى المادة 69 من القانون رقم 12 لسنة 2003 بإصدار قانون العمل على أنه " لا يجوز فصل العامل إلا إذا ارتكب خطأ جسيماً ، ويعتبر من قبيل الخطأ الجسيم الحالات الآتية : 1- 000 2-00000 3- 0000 4- إذا تغيب العامل بدون مبرر مشروع أكثر من عشرين يوماً متقطعة خلال السنة الواحدة أو أكثر من عشرة أيام متتالية ، على أن يسبق الفصل إنذار كتابى موصى عليه بعلم الوصول من صاحب العمل للعامل بعد غيابه عشرة أيام فى الحالة الأولى ، وبعد غيابه خمسة أيام فى الحالة الثانية 000 " مفاده أن لصاحب العمل فسخ عقد العمل إذا انقطع العامل أكثر من عشرة أيام متصلة أو عشرين يوماً متقطعة خلال السنة الواحدة بدون سبب مشروع بشرط إنذاره بعد مضى خمسة أيام فى حالة الانقطاع المتصل أو عشرة أيام فى حالة الغياب المتقطع ما لم يقدم ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول ، وأنه وإن تطلب المشرع فى حالة الغياب المتصل إرسال صاحب العمل للإنذار بعد خمسة أيام من الانقطاع إلا أنه لم يرتب على إرساله قبل اكتمال هذه المدة أي جزاء ، ولما كان الأصل فى حالة عدم النص على البطلان أن الإجـراء لا يبطل إلا إذا أثبت المتمسك بالبطلان أن مخالفة هذا الإجراء أدت إلى عدم تحقق الغاية ، وكان الغرض من الإنذار – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يستبين لصاحب العمل مدى إصرار العامل على ترك العمل وعزوفه عنه ، وكذا إعلانه بما سوف يتخذ قبله من إجراءات حيال هذا الانقطاع حتى يتمكن من إبداء عذره قبل اتخاذ هذه الإجراءات ، وإذ يتحقق هذا الغرض سواء أرسل الإنذار قبل مدة الأيام الخمسة أو بعدها مادام صاحب العمل لم يصدر قرار إنهاء خدمة العامل إلا بعد انقضاء المدة المتطلبة لذلك ، فإن هذا الميعاد لا يعـدو أن يكون ميعاداً تنظيمياً لا يترتب على مخالفته بإرسال الإنذار قبل انقضائه أي بطلان ، ومن ثم فإنه يعتد بالإنذار الذى أرسلته الطاعنة للمطعون ضده بصرف النظر عما ثار من خلاف فى شأن ميعاد إرساله سواء أكان أربعة أيام أو ستة أيام لتحقق الغرض من إرساله . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده كان يعمل لدى الطاعنة اعتباراً من 1/9/1991 بمهنة " مدخل بيانات حاسب آلى " بفرعها بمدينة كفر الزيات ، واستمر فى العمل لديها إلى أن أصدرت قررا بنقله إلى مزرعة الهنا بمدينة النوبارية فى 4/8/2005 ونبهت عليه باستلام العمل فى 6/8/2005 بموجب خطاب مسجل مصحوب بعلم الوصول ، وإزاء انقطاعه عن العمل وعدم استلامه له فى الجهة المنقول إليها فقد قامت بإنذاره فى 13/8/2005 على محل إقامته المعلوم لديها بضرورة استلامه للعمل قبل اكتمال عشرة أيام من تاريخ الانقطاع وإلا اعتبرته مستقيلاً ، غير أن الأوراق خلت مما يفيد استلامه للعمل بما يدل على استمراره فى الانقطاع عنه أكثر من عشرة أيام متصلة دون عذر مقبول ، ولا ينال من  ذلك – ووفقاً للثابت من الصورة الرسمية لتقرير الخبير الأول – تقديم المطعون ضده لصورتى الفاكس وأمر التكليف للتدليل على عدم انقطاعه عن العمل ذلك أنهما يتعلقان بالعمل بمزرعة الخير ، فى حين أن الجهة المنقول إليها هى مزرعة الهنا ، وهو الأمر الذى يحق معه للطاعنة المطالبة بإنهاء خدمته ، وإذ خالف الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا النظر ، وقضى برفض دعوى الطاعنة وإلزامها بإعادة المطعون ضده للعمل وصرف مستحقاته على سند من أنها أرسلت إليه الإنذار قبل اكتمال خمسة أيام من تاريخ الانقطاع رغم ثبوت استمرار انقطاعه عن العمل بعد ذلك دون عذر مقبول ، وأنه لم يثبت تسلمه للإنذار فى حين أن القانون لم يستلزم استلام العامل للإنذار الذى توجهه إليه جهة العمل عند الانقطاع فهو ينتج أثره طالما وجه إليه فى محل إقامته  الذى أفصح عنه لجهة العمل ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقى أوجه الطعن .  وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ، ولما تقدم يتعين القضاء فى الاستئناف رقم 2214 لسنة 127 ق القاهرة " مأمورية الجيزة " بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بإنهاء خدمة المطعون ضده .
لذلـــــك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه فى خصوص ما قضى به فى استئناف الطاعنة وألزمت المطعون ضده المصروفات ومائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة وأعفته من الرسوم القضائية ، وحكمت فى موضوع الاستئناف رقم 2214 لسنة 127 ق القاهرة " مأمورية الجيزة " بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بإنهاء خدمة المطعون ضده ، وألزمته مصروفات درجتى التقاضى ومائة وخمسة وسبعين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة وأعفته من الرسوم القضائية .