الدعوى رقم 131
لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 7 / 12 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية
العليا
بالجلسة العلنية
المنعقدة يوم السبت السابع من ديسمبر سنة 2019م، الموافق العاشر من ربيع آخر سنة
1441 هـ.
برئاسة السيد
المستشار / سعيد مرعى عمرو
رئيس المحكمة
وعضوية السادة
المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى
والدكتور محمـد عماد النجــار والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد
المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد /
محمـد ناجى عبد السميع
أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة
بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 131 لسنة 37 قضائية "دستورية" بعد
أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية (الدائرة الثالثة والثلاثون) بحكمها
الصادر بجلسة 23/2/2015 ملف الدعوى رقم 2678 لسنة 10 قضائية.
المقامة من
محمد عبداللطيف
محمد بسيونى الخولى
ضــــد
1- رئيس اللجنة
العامة المشرفة على انتخابات نقابة المحامين
2- رئيس اللجنة
القضائية المشرفة على انتخابات النقابـة الفرعية بمحكمة دمنهور الابتدائية
3- نقيــب
المحاميــــن
4- نقيب المحامين
بالبحيرة
الإجـراءات
بتاريخ السابع عشر
من أغسطس سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم
2678 لسنة 10 قضائية، بعد أن حكمت محكمـــة القضـاء الإداري بالإسكندريـة بجلسة
الثالث والعشريـن من فبرايـر سنة 2015، بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة
الدستورية العليا للفصل في دستورية:
أولاً: الفقرة
الأولى من نص المادة (135مكررًا) من القانون رقم 227 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام
قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما تضمنته من اشتراط إقامة
الطعن من خمسين محاميًّا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية أو شاركوا في انتخاب
مجلس النقابة، للطعن في القرارات الصادرة منها وفى تشكيل مجلس النقابة، وذلك
بتقرير موقع عليه منهم يُقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض خلال أسبوعين من تاريخ
القرار بشرط التصديق على إمضاءاتهم.
ثانيًّا: الفقرة
الثانية من المادة ذاتها فيما تضمنته من عقد الاختصاص بالطعن على صحة انعقاد
الجمعيات العمومية لنقابة المحامين بصفة عامة أو في تشكيل مجالس إدارة هذه النقابة
أو في القرارات الصادرة منها، لجهة القضاء العادى ممثلة في محكمة النقض.
ثالثًا: الفقرة
الثالثة من القانون رقم 98 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام قانون المحاماة الصادر
بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما تضمنته من عقد الاختصاص بالطعن على قرار المجلس
المؤقت لنقابة المحامين برئاسة رئيس محكمة استئناف القاهرة لجهة القضاء العادى
ممثلة في محكمة النقض.
وقدمت هيئة قضايا
الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للفقرتين الثانية
والثالثة من النص المحال، وبرفض الدعوى بالنسبة لفقرته الأولى.
وبعد تحضير الدعوى،
أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على
النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على
الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكــــم
الإحالة وسائر الأوراق – في أن السيد/ محمد عبداللطيف محمد بسيونى الخولى، كان قد
أقام الدعوى رقم 2678 لسنة 10 قضائية، أمام محكمة القضاء بالإسكندرية "دائرة
البحيرة"، بطلب الحكـم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بإعـــلان
نتيجة انتخابات نقابة المحامين بالبحيرة عن دائرة مركز شبراخيت بتاريخ 10/12/2009،
وما يترتب على ذلك من آثار أخصها بطلان إعلان فوز السيد/ عنتر عيسوى حسين نعيم في انتخابات
نقابة المحامين الفرعية بالبحيرة عن مقعد محكمة شبراخيت الجزئية، وإعادة تلك
الانتخابات، لما شابها من بطلان ومخالفة لأحكام القانون، تمثلت في احتساب عدد من
الأصوات الباطلة رغم صحة بعضها، وكان يتعين حسابها لصالحه، وهو ما كان سيترتب عليه
فوزه في الانتخابات، فضلاً عن وجـــــــود عدد من البطاقات غير الممهور بخاتم
اللجنة المشرفة على الانتخابات، أو بخاتم نقابة المحامين، وكذلك إصدار بطاقات
بأسماء أشخاص متوفين أو موجودين خارج البلاد، بالإضافة إلى التلاعب في كشوف
الناخبين بإدراج بعض المحامين غير المقيدين بالدائرة الانتخابية محل التداعى. وإذ
تراءى لمحكمة الموضوع مخالفة نص المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر
بالقانون رقم 17 لسنة 1983 بفقراتها الثلاث لأحكام المادتين (97، 190) من الدستور،
فقد قضت بجلسة 23/2/2015، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية
العليا، للفصل في دستورية عقد الاختصاص بالفصل في القرارات الصادرة من الجمعية
العمومية لنقابة المحامين أو النقابات الفرعية لمحكمة النقض، وكذلك ما نصت عليه من
اشتراط نصاب معين للطعن على تلك القرارات، والتصديق على توقيعات الطاعنين من الجهة
المختصة.
وحيث إن المادة (135 مكررًا) من قانون
المحاماة الصادر بالقانـون رقم 17 لسنة 1983، المضافة بالقانون رقم 227
لسنة 1984 (النص المحال) تنص على أنه "يجوز لخمسين محاميًّا على الأقل ممن
حضروا الجمعية العمومية أو شاركوا في انتخاب مجلس النقابة الطعن في القرارات
الصادرة منها، وفى تشكيل مجلس النقابة، وذلك بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم
كتاب محكمة النقض خلال أسبوعين من تاريخ القرار بشرط التصديق على إمضاءاتهم.
ويجب أن يكون الطعن
مسببًا، وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال بعد سماع أقوال النيابة وأقوال
النقيب أو من ينوب عنه ووكيل الطاعنين، فإذا قضى ببطلان تشكيل الجمعية العمومية،
بطلت قراراتها، وإذا قضى ببطلان انتخاب النقيب أو أكثر من ثلاثة من أعضاء المجلس
أجريت انتخابات جديدة لانتخاب من يحل محلهم.
يشكل مجلس مؤقت
برياسة رئيس محكمة استئناف القاهرة، وعضوية أقدم ستة من رؤساء أو نواب رئيس بهذه
المحكمة، يختص وحده دون غيره، بإجراء الانتخابات في مدة لا تجاوز ستين يومًا من
تاريخ القضاء بالبطلان، فإذا اعتذر أىِ من هؤلاء أو قام به مانــــــــــع حل محله
الأقـــــــــدم فالأقدم ، وتكون لهذا المجلس - إلى حين تشكيل المجلس الجديد -
جميع الاختصاصات المقررة لمجلس النقابة، وتكون لرئيسه اختصاصات النقيب، وتختص
محكمة النقض دون غيرها بالفصل في الطعن على قراراته في المواعيد والإجراءات
المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين".
وتنص المادة (151)
من القانون ذاته على أن "تسرى بشان دعوة الجمعية العمومية للنقابة الفرعية
وشروط انعقادها وإجراءاتها وقراراتها ومحاضر جلساتها، الأحكام المقررة في هذا
القانون وفى النظام الداخلى للنقابة بشأن الجمعية العمومية للنقابة العامة".
وتنص المادة (156)
من ذلك القانون على أن "تسرى على نظام الترشيح وشروطه وحالات عدم الجمع
وطريقة الانتخاب أو الإشراف عليه وإسقاط العضوية وشغل الأماكن الشاغرة واجتماعات
المجلس وقراراته ومحاضر جلساته، الأحكام المقررة في هذا القانون وفى النظام
الداخلى للنقابة بشان مجلس النقابة العامة" .
وحيث إن حقيقة
الإحالة التى تضمنها حكم محكمة القضاء الإدارى الصادر بجلسة 23/2/2015 كما قصدت
إليه محكمة الموضوع إنما تنصب على ما تضمنته الفقـــــرة الأولـــــى من
المـــــادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة المشار إليه من اشتراط إقامة الطعن في
قرارات الجمعية العمومية وفى تشكيل مجلس النقابـــــة من خمسين محاميًّا على
الأقـــــل ممن حضروا الجمعية العمومية للنقابـة أو شاركوا في انتخابات مجلس
النقابة، وذلك بتقرير مصدق على توقيعاتهم عليه، يُقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض
خلال أسبوعين من تاريخ صدور القرار، وكذا ما تضمنه هذا النص من عقد الاختصاص
لمحكمة النقض بالفصل في هذا الطعن، وما تضمنته الفقرة الثالثة من هذا النص من عقد
الاختصاص لمحكمة النقض بالفصل في الطعن في قرار المجلس المؤقت لنقابة المحامين.
وحيث إن المصلحة -
وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة
القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية،
لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة
الموضـوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى لا يتعلق بتشكيل المجلس المؤقت
لنقابة المحامين الذى تناولته بالتنظيم الفقرة الثالثة من المادة (135 مكررًا)
المشار إليها أو القرارات الصادرة منه، واختصاص محكمة النقض بالطعن في قراراته،
وإنما يدور حول حق عضو نقابة المحامين الفرعية في الطعن في قرارات الجمعية
العمومية لها وعلى انتخابات مجلسها، دون التقيد بالشروط التى تضمنها النص المحال.
وكان الفصل في دستورية الشروط التى فرضها النص المحال لقبول الطعن واختصاص محكمة
النقض بالفصل في الطعن في تلك القرارات، والمعقود إلى تلك المحكمة بمقتضى الإحالة
على نص المادة (135 مكررًا)، التى تشملها الإحالة العامة الواردة بنصى المادتين
(151، 156) من قانون المحاماة، خاصة ما يتعلق منها بالأحكام الخاصة بالجمعية
العمومية للنقابة العامة، ونظامها الانتخابى والقواعد الحاكمة له، التى تسرى بموجب
هذه الإحالة على النقابات الفرعية، وهى الأحكام مدار الدعوى الدستورية التى تبتغى
محكمة الموضوع إبطالها وتجريدها من كل آثارها، فإن تلك الدعوى ترتبط بالنزاع
الموضوعى برابطة وثقى، باعتبار أن الحكم في المسائل الدستورية التى تدور حولها
الخصومة الدستورية، يؤثر بالضرورة في الطلبات الموضوعية المتصلة بها، والمطروحة
على محكمة الموضوع، ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة والمصلحة فيها في نص الفقرة
الأولى من النص المحال دون غيره من الفقرات، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول
الدعوى بالنسبة لنص الفقرة الثالثة من المادة (135 مكررًا) سالفة الذكر، وقبولها
بالنسبة لنص الفقرة الأولى منها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع الدستورى، بدءًا من دستور سنة 1971
قد حرص على دعم مجلس الدولة، الذى أصبح بنص المادة (172) منه جهة قضائية
قائمة بذاتها، محصنة ضـد أى عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر
دستوريًّا، وهو ما أكده الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30/3/2011،
الذى أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، وكذلك المادة (174)
من الدستور الصادر بتاريـخ 25/12/2012، وأخيرًا المادة (190)
من الدستـور الحالى التى تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية
مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية ..... ". ولم يقف دعم
المشرع الدستورى لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التى
كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة
1971، نصًّا يقضى بأن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق
الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة
الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من
رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستورى الصادر في 30/3/2011،
ونص المادة (75) من الدستور الصادر في 25/12/2012، وقد سار الدستور الحالى على
النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التى كانت تحظر
الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التى كانت تحول بين المواطنين
والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضى الطبيعى للمنازعات الإدارية . وإذ كان
المشرع الدستورى بنصه في عجز المادة (97) من الدستور الحالى على أن " ولا
يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى "، فقد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو
حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم
والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال
حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية
التى تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعى بشأن الحقوق المدعى بها وفق
مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغى دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة
قواعد موحدة، سـواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها
أو الطعن في الأحكام التى تصدر فيها، وكان مجلس الدولة قد غدا في ضوء الأحكام
المتقدمة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل
في كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها
وثيقته.
وحيث إن الدستور الحالى قد نص في مادته (76) على أن "إنشاء النقابات
والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية،
وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم،
وحماية مصالحهم". كما نص في المادة (77) منه على أن " ينظم القانون
إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطى، ويكفل استقلالها ويحدد
مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهنى، وفقًا
لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية .....".
وحيث إن قضاء
المحكمة الدستورية العليا قد استقر على أن الحق في تكوين التنظيم النقابى، فرع من
حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفًا إراديًّا حرًا لا تتدخل فيه
الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ليظل بعيدًا عن سيطرتها، ومن ثم تنحل الحرية
النقابية، إلى قاعدة أولية في التنظيم النقابى، تمنحها بعض الدول – ومن بينها
جمهورية مصر العربية – قيمة دستورية في ذاتها، لتكفل لكل عامل أو مهنى حق الانضمام
إلى المنظمة النقابية التى يطمئن إليها، أو أن يَعدل عن البقاء فيها مُنهيًّا
عضويته بها. وهذه الحقوق التى تتفرع عن الحرية النقابية، تُعد من ركائزها، ويتعين
ضمانها لمواجهة كل إخلال بها.
وحيث إن قانـون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، قد نص في مادته المائة
والعشرين على إنشاء نقابة للمحامين، تكون لها الشخصية الاعتبارية، تضم المحامين في
جمهورية مصر العربية المقيدين بجداولها، وقد أضفى هذا القانون على النقابة شخصية
اعتبارية مستقلة، وخولها حقوقًا من نوع ما تختص به الهيئات الإدارية العامة، مما
يدل على أنها جمعت بين مقومات الهيئة العامة وعناصرها من شخصية مستقلة وقيامها على
إدارة مرفق عام، مستعينة في ذلك ببعض مزايا السلطة العامة التي منحها لها القانون،
تمكينًا لها من أداء المهام الموكلة لها في خدمة المهنة القائمة عليها، ورعاية
أعضائها، والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم، ومن أجل ذلك جعل عضويتها إجبارية على
المشتغلين بمهنة المحاماة، كما ألزم المنتمين للنقابة بأداء رسم قيد واشتراكات
سنوية، وأنشأ هيئة تأديبية يحاكم أمامها الأعضاء الذين يخالفون قانون النقابة أو
لائحتها الداخلية أو يرتكبون أمورًا مخلة بواجبات المهنة أو ماسة بكرامتها، ومن ثم
تغدو نقابة المحامين من أشخاص القانون العام، وتُعد الطعون المتعلقة بصحة انعقاد
الجمعية العمومية لأى من تشكيلاتها النقابية المختلفة، أو القرارات الصادرة منها،
من قبيل المنازعات الإدارية، التي ينعقد الاختصاص بنظرها والفصل فيها لمحاكم مجلس
الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيرها، طبقًا لنص المادة (190) من الدستور، وإذ أسندت
الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17
لسنة 1983، المضافة بالقانون رقم 227 لسنة 1984، الفصل في تلك المنازعات إلى محكمة
النقض، التابعة لجهة القضاء العادي، فإن مسلك المشرع، على هذا النحو يكون مصادمًا
لنص المادة (190) من الدستور، الذى أضحى، بمقتضاه، مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب
الولاية العامة في الفصل في المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعي.
وحيث إن البيّن من نص الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) – النص المحال - أن
ثمة شرطيـن يتعين توافرهـــــما معًا لجواز الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية،
أو في تشكيل مجالس الإدارة، أو القرارات الصادرة منها، أولهما: أن يكون هذا الطعن
مقدمًا من خمسين محاميًا على الأقل ممن حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة
العامة أو النقابة الفرعية أو اللجنة النقابية، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًا
للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفيًا شكلية
بذاتها، قوامها أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، مصادقًا عليها جميعًا من الجهة
المختصة.
وحيث إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي، ويعصفان بجوهـره، على الأخص من
زاويتين، أولاهمـا: أن الدسـتور كفل للناس جميعًا – بنص المادة 97 – حقهم في اللجوء
إلى قاضيهم الطبيعي، لا يتمايـزون في ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض في مجال
النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق
الإجرائية أو المالية التي يحاط بها، ليكون عبئًا عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق
التي يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون في استنهاض
الأسس الموضوعية التي نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور
لكل منهم – سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا – الحق في الدعوى، ليكون تعبيرًا
عن سيادة القانون، ونمطًا من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها
عاصمًا من جموحها وانفلاتهـا من كوابحها، وضمانًا لردها على أعقابها إن هى
جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التي كفلها القانون للحقوق على
اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع
عنها ترفًا أو إسرافًا، بل لازمًا لاقتضائها وفق القواعد القانونية التي تنظمها.
ثانيتهما: أن الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة
يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية القضائية التى يطلبها المتداعون، ويسعون
للحصول عليها تأمينًا لحقوقهم. وهم بذلك لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة، ولا عن
عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون في الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال
الخصومة القضائية تلك الحقوق التي أُضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما
يكون منها متعلقًا بمجاوزة نقابتهم للقيود التي فرضها الدستور عليها، لتنفصل
حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية التي تحميها نقابتهم بوصفها شخصًا معنويًّا
يستقل بالدفاع عنها في إطار رسالتها وعلى ضوء أهدافها والقيم التي تحتضنها. وهو ما
يعنى أن تأمينها لمصالح أعضائها – منظورًا إليها في مجموعها – لا يعتبر قيدًا على
حق كل منهم في أن يستقل عنها بدعواه التي يكفل بها حقوقًا ذاتية يكون صونها ورد
العدوان عنها، متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة، ليتعلق بها مركزه القانوني الخاص
في مواجهة غيره، فلا ينال من وجوده – ولو بنص تشريعي – قيد تقرر دون مسوغ.
وحيث إن الطعن على قرار معين – كلما توافر أصل الحق فيه – لا يجوز تقييده فيما
وراء الأسس الموضوعية التي يقتضيها تنظيم هذا الحق، وإلا كان القيد مضيقًا من مداه
أو عاصفًا بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم. وكان حق النقابة ذاتها في تكوينها على أسس
ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها في الدفاع عن مصالح
أعضائها، وإنماءها للقيم التي يدعون إليها في إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم،
ومراجعتها لسلوكهم ضمانًا لصون الأسس التي حددها الدستور بنص المادتين (76، 77)
منه، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابي
ومتطلباته، إلا أن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم
القانون عليها، باعتباره محددًا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيدًا أدناها
بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطًا للأعمال جميعها،
محيطًا بكل صورها، ما كان منها تصرفًا قانونيًّا أو متمحضًا عملاً ماديًّا، فلا
تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعًا، ليكون
تقويمها حقًّا مقررًا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية
المباشرة.
وحيث إن نص الفقرة الأولـى من المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر
بالقانون رقم 17 لسنة 1983 – النص المحال - قد نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن في قرار
صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية، نصابًا عدديًّا، فلا يقبل إلا إذا كان
مقدمًا من خمسين محاميًا على الأقل ممن حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة
العامة أو الفرعية أو اللجنة النقابية، ليحول هذا القيد – بالنظر إلى مداه – بين
من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها يقيمها استقلالاً
عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التى أخل بها القرار المطعون فيه، والتي لا يقـوم
العمل النقابي سويًّا دونها، وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها،
فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا. وقد افترض
النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصابًا
محتومًا للطعن في قراراتها – متحدون فيما بينهم في موقفهم منها، وأنهم جميعًا
قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من
آثارها وتعطيلاً للعمل بها، لتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قَلّما يتحقق عملاً،
ولا يتوخى واقعًا غير مجرد تعويق الحق في الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق
فيه، ليكون أفدح عبئًا، وأقل احتمالاً.
وحيث إن البيّن كذلك من النص المشار إليه، أن الطعن في قرار صادر عن الجمعية
العمومية للنقابة العامة أو الفرعية– ولو كان مكتملاً نصابًا – يظل غير مقبول، إذا
كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص؛ وكان ما
توخاه النص المحال بذلك، أن يكون هذا التصديق إثباتًا لصفاتهم، فلا يكون تقرير
الطعن مقدمًا من أشخاص لا يعتبرون أعضاء في النقابة العامة أو الفرعية، أو من
أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية؛ وكان التصديق وإن تم في هذا
النطاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظل منطويًا على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها
تنظيم حق التقاضي، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسرًا من الناحيتين الإجرائية
والمالية؛ وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن في مجال
تثبتهـا من الشـروط التي لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها – وتندرج صفاتهم تحتها –
باعتبار أن تحقيقهـا وبسطها لرقابتها على توافرها، أو تخلفها، مما يدخل في اختصاصها.
ولا يجوز بالتالي أن تتولاه الجهة الإدارية، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على
الوظيفة القضائية التي اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً
لاقتحام حدودها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المحال يغدو مصادمًا لنصوص المواد (76، 77،
94، 97، 184، 190) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية نص الفقرة
الأولى من المادة (135 مكررًا) المشار إليها برمتها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتبر بمقتضى نص المادة (189) منه النيابة العامة جزءًا
لا يتجزأ من جهة القضاء العادي، وكان القضاء بعدم دستورية اختصاص محكمة النقض، وبالتالي
جهة القضاء العادي، بنظر الطعون المتقدمة والفصل فيها، يستتبع حتمًا وبحكم اللزوم العقلي
والمنطقي سقوط عبارة " بعد سماع أقوال النيابة الواردة بالفقرة الثانية من
المادة (135 مكررًا) المشار إليه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) من قانون
المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وسقوط عبارة " بعد سماع أقوال
النيابة العامة" الواردة بالفقرة الثانية من هذه المادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق