الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 أبريل 2024

القضية 47 لسنة 17 ق جلسة 4 / 1 / 1997 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 16 ص 223

جلسة 4 يناير 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين. 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (16)
القضية رقم 47 لسنة 17 قضائية "دستورية"

1- دعوى دستورية "بيانات" - تشريع "المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا".
ما اقتضته هذه المادة من وجوب أن تتضمن صحيفة الدعوى أو قرار الإحالة بيان النصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور ومواقع بطلانها، إنما تغيا ألا يكون هذا القرار أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعي هذه المحكمة للفصل فيها.
2- دعوى دستورية "شكلية"
كل شكلية لا يجوز فصلها عن دواعيها.
3- دعوى دستورية "تجهيل"
إذا كان أعمال النظر في المسألة الدستورية يفصح عن حقيقتها وما قصد إليه الطاعن من إثارتها: فلا تجهيل.
4- دفع بعدم الدستورية "تقدير الجدية: قرار ضمني"
يعتبر قراراً ضمنياً من محكمة الموضوع بتقدير جدية هذا الدفع إرجاؤها الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن تقدم المدعية ما يدل على رفع دعواها الدستورية.
5- دعوى دستورية "شرط المصلحة الشخصية المباشرة: ضرر"
شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية - وليس من معطياتها النظرية - عدم قبول الخصومة الدستورية من غير هؤلاء الذي أضيروا من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أو كان قد وقع فعلاً، انفصال هذا الضرر عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور.
6- دعوى دستورية "انتفاء المصلحة"
إذا لم يكن النص المطعون فيه قد طبق أصلاً على من أدعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها غير عائد إليه، فلا مصلحة له في الدعوى.
7- تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية - حق التقاضي"
الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية - ليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط لها.
8- حق التقاضي "تنظيم تشريعي"
التنظيم التشريعي لحق التقاضي - وكلما كان منصفاً - لا يناقض وجود هذا الحق، ولا يصل إلى حد إهداره.
9- دستور "المادة 70" - دعوى جنائية "الادعاء المباشر"
الدعوى الجنائية - إعمالاً للمادة 70 من الدستور - لا تقام إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون - الادعاء المباشر هو استثناء من قواعد تحريك الدعوى الجنائية - جواز تضييق السلطة التشريعية نطاق الحق في الادعاء المباشر.
10- دعوى جنائية "الادعاء المباشر: إساءة استعمال الحق" - تشريع "المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية"
موازنة النص المذكور بين أمرين:
- الضرورة التي يقتضيها استعمال حق الادعاء المباشر.
- توقي الأضرار الناشئة عن تهديد مسئولية أداء العمل العام.
ترجيحه ثانيهما على أولهما، تقديراً بأن هذه الأضرار لا يجوز أن تتقدمها مزايا هذا الحق.
11- دعوى جنائية "الادعاء المباشر" - موظف عام "حماية" - تشريع "المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية"
الموظفون العامون معرضون في مباشرة أعمالهم المتصلة بمصالح المواطنين للتطاول عليهم حطاً من قدرهم - من غير الجائز انفراط اطمئنانهم إذا لاحقهم كل مدع بالحقوق المدنية جنائياً عن جرائم يدعى ارتكابهم لها ولو كان الدليل عليها واهياً - كان على المشرع أن يرد عنهم بالنص المشار إليه غائلة عدوان أكثر احتمالاً - إسقاط الحق في الادعاء المباشر قبلهم صون للوظيفة العامة من معوقاتها.
12- دعوى جنائي "موظف عام"
عدم إفلات الموظف العام من المسئولية الجنائية عن أفعاله التي أثمها المشرع - محاسبتهم عن هذه الأفعال حق للنيابة العامة.
13- مبدأ المساواة "مفهومه"
مبدأ المساواة ليس مبدأ جامداً منافياً للضرورة العملية - لا تمييز بين المواطنين إملاءً أو عسفاً - من الجائز أن تغاير السلطة التشريعية وفقاً لمقاييس منطقية بين مراكز لا تتحد معطياتها على أن تكون الفوارق بينها حقيقة لا اصطناع فيها - ما يصون مبدأ المساواة هو ذلك التنظيم الذي ترتبط فيه النصوص القانونية بالأغراض المشروعة التي يتوخاها - انفصال هذه النصوص عن أهدافها مؤداه أن يكون التمييز انفلاتاً.
14- تشريع "المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية: مساواة"
كفالة نص هذه المادة للأسس الموضوعية التي ينظم المشرع الحقوق في نطاقها - لا إخلال فيه بمبدأ المساواة.
15- مواثيق دولية "الحق في الادعاء المباشر"
عدم انطواء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على تنظيم للحق في الادعاء المباشر - عدم تطلبهما غير الحق في المحاكمة المنصفة.

-----------------
1- ما نصت عليه المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا، من أن القرار الصادر عن محكمة الموضوع بإحالة مسألة دستورية بذاتها إلى هذه المحكمة للفصل في مطابقة النصوص القانونية التي تثيرها للدستور أو خروجها عليه، وكذلك صحيفة الدعوى الدستورية التي يرفعها إلى خصم للفصل في بطلان النصوص القانونية المطعون عليها أو صحتها، يتعين أن يتضمنا بيان النصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور ومواقع بطلانها، إنما تغيا ألا يكون هذا القرار أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعي هذه المحكمة للفصل فيها، ضماناً لتحديدها تحديداً كافياً يبلور مضمونها ونطاقها، فلا تثير - بماهيتها أو مداها - خفاء يحول دون إعداد ذوي الشأن جميعاً - ومن بينهم الحكومة - لدفاعهم بأوجهه المختلفة خلال المواعيد التي حددتها المادة 37 من قانون المحكمة الدستورية العليا؛ بل يكون بيانها لازماً لمباشرة هيئة المفوضين - بعد انقضاء هذه المواعيد - لمهامها في شأن تحضير جوانبها، ثم إبدائها رأياً محايداً فيها يكشف عن حكم الدستور والقانون بشأنها.
2- كل شكلية - ولو كانت جوهرية فرضها المشروع لمصلحة عامة حتى ينتظم التداعي وفقاً لحكمها - لا يجوز فصلها عن دواعيها، وإلا كان القول بها إغراقاً في التقيد بضوابطها، وانحرافاً عن مقاصدها.
3- التجهيل بالمسائل الدستورية يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر في شأنها - ومن خلال الرباط المنطقي للوقائع المؤدية إليها - يفصح عن حقيقتها، وما قصد إليه الطاعن حقاً من إثارتها، فإن القول بمخالفة نص المادة 30 المشار إليها، يكون لغواً.
متى كان ذلك، وكانت المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - المطعون عليها - هي التي تحول بذاتها دون مباشرة المدعي بالحقوق المدنية للحق في الادعاء المباشر، فإذا عيبتها المدعية في الدعوى الماثلة ناعية عليها مخالفتها للدستور، مع سكوتها عن تبيان مداخل بطلانها؛ وكان استظهارها ممكناً من خلال حمل النص المطعون فيه على صور العوار التي يرتبط منطقياً بها؛ وكان ثابتاً كذلك أن المضار التي ألحقها هذا النص بها تتمثل في حرمانها من حق الإدعاء المباشر المكفول لغيرها؛ فإن مواقع البطلان في ذلك النص تتحدد على أساس إهداره مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وإنكاره لحقها في اللجوء لقاضيها الطبيعي، بالمخالفة للمادتين 40 و68 من الدستور.
4- تقدير محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم دستورية نص قانوني لازم للفصل في النزاع المعروض عليها، لا يتعمق المسائل الدستورية التي يثيرها هذا النزاع، ولا يعتبر فصلاً فيها بقضاء قطعي، بل يعود الأمر في شأنها إلى المحكمة الدستورية العليا لتزن وفقاً لمقاييسها جوهر المطاعن الدستورية وأبعادها، تحديداً لصحتها أو فسادها. وإذ تفصل محكمة الموضوع في دفع مثار أمامها بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فإن قرارها في هذا الصدد إما أن يكون صريحاً أو مستفاداً ضمناً من عيون الأوراق. ويعتبر قراراً ضمنياً بقبول الدفع، إرجاء الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن تقدم المدعية ما يدل على رفع دعواها الدستورية.
5- 6- من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير هؤلاء الذين أضيروا من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً.
ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
7- الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزناً. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخوماً لها ينبغي التزامها.
8- قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي - وكلما كان منصفاً - لا يناقض وجود هذا الحق، ولا يقتحم الدائرة التي يتنفس فيها، وأن هذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها، تُفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء الأوضاع التي يباشر هذا الحق عملاً في نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرناً، فلا يكون إفراطاً يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافاً بها عن أهدافها، ولا تفريطاً مجافياً لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواماً، التزاماً بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
9- ما تنص عليه المادة 70 من الدستور من أن الدعوى الجنائية لا تقام إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون، يعني أن الادعاء المباشر ليس استصحاباً للأصل في الدعوى الجنائية، بل هو استثناء من قواعد تحريكها، تقديراً بأن النيابة العامة - وعلى ما تنص عليه المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية - هي التي تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، ولا ترفع عن غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون. كذلك فإن تفويض الدستور السلطة التشريعية في تحديد الأحوال التي لا تقام الدعوى الجنائية فيها بأمر من جهة قضائية، مؤداه جواز تضييقها لنطاق الحق في الادعاء المباشر، لا تتقيد في ذلك بغير الشروط الموضوعية التي لا يناقض تطبيقها حكماً في الدستور.
10، 11- إن المشرع وازن بالنص المطعون فيه بين أمرين، أولهما: الضرورة التي يقتضيها استعمال هذا الحق في إطار الأغراض التي شرع لها؛ وثانيهما الأضرار التي ينبغي توقيها إذا نقض هذا الاستعمال تلك الأغراض وتنكبها، مهدداً بذلك مسئولية أداء العمل العام، فرجح ثانيهما على أولهما، تقديراً بأن الأضرار التي ترتبط بإساءة استعمال الحق في الادعاء المباشر، يكون دفعها لازماً، ولا يجوز أن تتقدمها مزاياه.
ذلك أن الموظفين العامين - الذين حال النص المطعون فيه دون تكليفهم من قبل المدعي بالحقوق المدنية للحضور مباشرة أمام المحكمة الجنائية - لا يباشرون أعمال وظائفهم بعيداً عن مصالح المواطنين الذين يلجون أبوابهم لقضاء حوائجهم، بل يتردد موقفهم منها بين تلبيتها أو معارضتها، مما يثير غرائز النفس البشرية ونزواتها التي كثيراً ما تجنح مع سوء ظنها إلى التجريح نأياً عن موازين الحق والعدل، فلا يكون اندفاعها إلا شططاً، وضيقها بالقائمين على العمل العام إلا تسرعاً وافتراءً، يقترن - في الأعم - بالتطاول عليهم حطاً من قدرهم، ونيلاً من اعتبارهم، لتهن عزائمهم فلا يثابرون على أعمالهم، بل يتراخون فيها نكولاً أو يقعدون عنها وجلاً، مما يصرفهم عن أدائها على وجهها الصحيح سيما وأن المشروع قد اختصهم بجرائم قصرها عليهم وغلظ عقوباتها حملاً لهم على القيام بواجباتهم. ولا يجوز بالتالي أن ينفرط اطمئنانهم إذا كان لكل مدع بالحقوق المدنية أن يلاحقهم جنائياً عن جرائم يُدعى ارتكابهم لها، ولو كان الدليل عليها واهياً متخاذلاً، متدثراً برداء الحق، ليقوض بذلك سكينتهم ما بقى الاتهام الجنائي مسلطاً عليهم، مبدداً جهدهم، مثبطاً هممهم، مثيراً للشبهات من حولهم. وكان على المشرع بالتالي أن يرد عنهم - بالنص المطعون فيه - غائلة عدوان أكثر احتمالاً وأدنى وقوعاً ضماناً لأن يظل الحق في الادعاء المباشر مقيداً بالأغراض التي شرع من أجلها، فلا ينقلب عليها.
وذلك مؤداه أن إسقاط الحق في الإدعاء المباشر في الحدود التي بينها النص المطعون فيها، لا يتوخى حماية القائم بالعمل العام، بل صون الوظيفة العامة من معوقاتها، بما يمكن القائمين عليها من أداء خدماتهم المقصودة منها، فلا يعرقل تدفقها قيد يحول دون جريانها أو انتظامها، أو يكون منافياً جوهر مقاصدها.
12- الدعوى الجنائية لا يحركها الادعاء المباشر إلا طلباً لحقوق مدنية بطبيعتها، فلا ترفعها - عند إنكاره في جرائم بذواتها - إلا الجهة التي تختص أصلاً بإقامتها، شأن الجرائم التي يرتكبها الموظفون العامون أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها - في ذلك - شأن غيرها من الجرائم، وهو ما يعني أن الموظفين العامين لن يفلتوا من المسئولية الجنائية عن أفعالهم التي أثمها المشرع، بل تظل محاسبتهم عنها - إذا قام الدليل عليها - حقاً للنيابة العامة في إطار اختصاصاتها الأصلية.
13- مبدأ المساواة أمام القانون، ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء iron rule تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد أو توقياً لشر تقدر ضرورة رده؛ وكان دفعها للضرر الأكبر بالضرر الأقل لازماً؛ إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائزة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدواناً معبراً عن بأس سلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفاً. ومن الجائز بالتالي أن تغاير السلطة التشريعية - ووفقاً لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل Real and not feigned differences ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل علي انفصال هذه النصوص عن أهدافها، كان التمييز انفلاتاً لا تبصر فيه. كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، إذ يعتبر عندئذ مستنداً إلى وقائع يتعذر أن يُحْمَل عليها، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
14- النص المطعون فيه لم يقصد إلى إفراد المتهمين بالجرائم المشار إليها فيه، بمعاملة استثنائية يختصون بها علواً على غيرهم، ولا أن يمنحهم ميزة يؤثرهم بها على سواهم من المتهمين، بل تغيا أن يظل العمل العام منتظماً وأن يكون الطريق إليه قويماً، فلا ينفذ إليه متخرصون يعطلون سيره بنيلهم من القائمين عليه إفكاً وبغيا. وهو بذلك يكون كافلاً للأسس الموضوعية التي ينظم المشرع الحقوق في نطاقها، بما لا إخلال فيه بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور.
15- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وإن صح القول باحتوائهما على عديد من الحقوق التي كفلها الدستور القائم، وأن هاتين الوثيقتين تضمان في جوهر أحكامهما تلك القيم التي التزمتها الدول الديموقراطية باطراد في مجتمعاتها، والتي تظاهرها هذه المحكمة وترسيها باعتبارها تراثاً إنسانياً احتواه دستور جمهورية مصر العربية في نطاق الحقوق والحريات الأساسية التي كفلها؛ وكان هذا الإعلان وذلك العهد لا ينطويان على تنظيم للحق في الادعاء المباشر، ولا يتطلبان غير المحاكمة المنصفة طريقاً للفصل في كل اتهام جنائي، فإن إقحامها في نطاق الدعوى الماثلة يكون عبثاً.


الإجراءات

بتاريخ 24 يوليه سنة 1995، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبة الحكم بعدم دستورية المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، وذلك فيما نصت عليه من حظر رفع الدعوى الجنائية بالطريق المباشر ضد الموظف أو المستخدم العام أو رجل الضبط عن جريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية كانت قد أقامت بطريق الادعاء المباشر، الدعوى رقم 1465 لسنة 1995 جنح الأربعين ضد السيد/ السيد إبراهيم طه الموظف بمديرية الشئون الصحية بمحافظة السويس - المدعى عليه الأول في الدعوى الماثلة - طالبة الحكم عليه بأقصى العقوبة المقررة بالمادة 302 من قانون العقوبات عن جريمة القذف العلني، مع إلزامه بأن يؤدي لها تعويضاً مؤقتاً قدره خمسمائة جنيه وواحداً والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 2/ 7/ 1995 دفع الحاضر عن المدعية أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها.
وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وقررت تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة 6/ 8/ 1995 لتقديم ما يفيد الطعن بعدم الدستورية، فقد أقامت المدعية الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت هذه الدعوى بعدم قبولها، تأسيساً على أن المدعية لم تبين أمام محكمة الموضوع النصوص الدستورية المدعى مخالفتها، ومناحي الخروج عليها. فضلاً عن أن إرجاء محكمة الموضوع الفصل في الجنحة المرفوعة
إليها بطريق الادعاء المباشر، إلى أن تقدم المدعية ما يفيد الطعن بعدم الدستورية، لا يدل على تصريحها لها برفع دعواها الدستورية.
وحيث إن هذا الدفع مردود أولاً: بأن ما نصت عليه المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا، من أن القرار الصادر عن محكمة الموضوع بإحالة مسألة دستورية بذاتها إلى هذه المحكمة للفصل في مطابقة النصوص القانونية التي تثيرها للدستور أو خروجها عليه، وكذلك صحيفة الدعوى الدستورية التي يرفعها إليها خصم للفصل في بطلان النصوص القانونية المطعون عليها أو صحتها، يتعين أن يتضمنا بيان النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور ومواقع بطلانها، إنما تغيا ألا يكون هذا القرار أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ضماناً لتحديدها تحديداً كافياً يبلور مضمونها ونطاقها، فلا تثير - بماهيتها أو مداها - خفاءً يحول دون إعداد ذوي الشأن جميعاً - ومن بينهم الحكومة - لدفاعهم بأوجهه المختلفة خلال المواعيد التي حددتها المادة 37 من قانون المحكمة الدستورية العليا؛ بل يكون بيانها لازماً لمباشرة هيئة المفوضين - بعد انقضاء هذه المواعيد - لمهامها في شأن تحضير جوانبها، ثم إبدائها رأياً محايداً فيها يكشف عن حكم الدستور والقانون بشأنها.
ومردود ثانياً: بأن كل شكلية - ولو كانت جوهرية فرضها المشرع لمصلحة عامة تحتي ينتظم التداعي وفقاً لحكمها - لا يجوز فصلها عن دواعيها، وإلا كان القول بها إغراقاً في التقيد بضوابطها، وانحرافاً عن مقاصدها.
ومردود ثالثاً: بأن التجهيل بالمسائل الدستورية يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر في شأنها - ومن خلال الرباط المنطقي للوقائع المؤدية إليها - يفصح عن حقيقتها، وما قصد إليه الطاعن حقاً من إثارتها، فإن القول بمخالفة نص المادة 30 المشار إليها، يكون لغواً.
ومردود رابعاً: بأن المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - المطعون عليها - هي التي تحول بذاتها دون مباشرة المدعي بالحقوق المدنية للحق في الادعاء المباشر، فإذا عيبتها المدعية في الدعوى الماثلة ناعية عليها مخالفتها للدستور، مع سكوتها عن تبيان مداخل بطلانها؛ وكان استظهارها ممكناً من خلال حمل النص المطعون فيه على صور العوار التي يرتبط منطقياً بها؛ وكان ثابتاً كذلك أن المضار التي ألحقها هذا النص بها تتمثل في حرمانها من حق الإدعاء المباشر المكفول لغيرها، فإن مواقع البطلان في ذلك النص تتحدد على أساس إهداره مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وإنكاره لحقها في اللجوء لقاضيها الطبيعي، بالمخالفة للمادتين 40 و68 من الدستور.
وحيث إن تقدير محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم دستورية نص قانوني لازم للفصل في النزاع المعروض عليها، لا يتعمق المسائل الدستورية التي يثيرها هذا النزاع، ولا يعتبر فصلاً فيها بقضاء قطعي، بل يعود الأمر في شأنها إلى المحكمة الدستورية العليا لتزن وفقاً لمقاييسها جوهر المطاعن الدستورية وأبعادها، تحديداً لصحتها أو فسادها. وإذ تفصل محكمة الموضوع في دفع مثار أمامها بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فإن قرارها في هذا الصدد إما أن يكون صريحاً أو مستفاداً ضمناً من عيون الأوراق. ويعتبر قراراً ضمنياً بقبول الدفع، إرجاء الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن تقدم المدعية ما يدل على رفع دعواها الدستورية.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بما يأتي "تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناءً على أمر يصدر من قاضي التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة أو بناءً على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعي بالحقوق المدنية".
وتنص فقرتها الثالثة على أنه "ومع ذلك فلا يجوز للمدعي بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين:
(أولاً) إذا صدر أمر من قاضي التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يستأنف المدعي بالحقوق المدنية هذا الأمر في الميعاد أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة.
(ثانياً) إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات".
وحيث إن من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير هؤلاء الذين أضيروا من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً.
ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت المدعية تتوخى بدعواها الموضوعية أن تلاحق موظفاً عاماً - من خلال الادعاء المباشر - عن جريمة ارتكبها أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، لتعويضها عن الأضرار التي أصابتها من جراء إتيانها، وكان البند ثانياً من الفقرة الثالثة من نص المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية، حائلاً بينها وبين اقتضاء الحقوق التي تطلبها في النزاع الموضوعي، فإن مصلحتها الشخصية في الدعوى الدستورية، تنحصر في الطعن على هذا البند دون غيره.
وحيث إن المدعية تنعي في صحيفة دعواها الدستورية، مخالفة النص المطعون عليه للمواد 40 و64 و65 و68 من الدستور، فضلاً عن القواعد التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية كليهما، ومن بينها على الأخص الحماية القانونية المتكافئة التي كفلاها لكل إنسان دون تمييز, والحق في أن تنظر دعواه أمام محكمة مستقلة محايدة ينشئها المشرع، نظراً علنياً ومنصفاً للفصل في الحقوق المدنية التي يدعيها، وكذلك فيما قد يكون موجهاً إليه من اتهام جنائي، وألا يتعرض - فوق هذا - لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو لتلويث شرفه وسمعته. وفي بيان ذلك تقول المدعية أن النص المطعون فيه صادر - بطريقة تحكميه وغير مبررة - حق الناس في ملاحقة الجناة أمام القضاء بما أضفاه من حصانة على الموظفين والمستخدمين ورجال الضبط، وهم فئة بعينها قصد أن يعطل مساءلتهم قضائيا عن الجرائم التي حددها، ودون أن يستند في ذلك لغير صفاتهم، متذرعاً بوقوع جرائمهم هذه أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بسببها.
وحيث إن النعي بإخلال النص المطعون فيه بحق التقاضي مردود أولاً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزناً. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخوماً لها ينبغي التزامها.
ومردود ثانياً: بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي - وكلما كان منصفاً - لا يناقض وجود هذا الحق، ولا يقتحم الدائرة التي يتنفس فيها، وأن هذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها، تُفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء الأوضاع التي يباشر هذا الحق عملاً في نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرناً، فلا يكون إفراطاً يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافاً بها عن أهدافها، ولا تفريطاً مجافياً لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواماً، التزاماً بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
ومردود ثالثاً: بأن ما تنص عليه المادة 70 من الدستور من أن الدعوى الجنائية لا تقام إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون، يعني أن الادعاء المباشر ليس استصحاباً للأصل في الدعوى الجنائية، بل هو استثناء من قواعد تحريكها، تقديراً بأن النيابة العامة - وعلى ما تنص عليه المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية - هي التي تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، ولا ترفع عن غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون. كذلك فإن تفويض الدستور السلطة التشريعية في تحديد الأحوال التي لا تقام الدعوى الجنائية فيها بأمر من جهة قضائية، مؤداه جواز تضييقها لنطاق الحق في الادعاء المباشر وقف شروط موضوعية لا يناقض تطبيقها حكماً في الدستور.
ومردود رابعاً: بأن تخويل المدعي بالحقوق المدنية حق الادعاء المباشر - وإن توخي مراقبتها تفادياً لإساءتها استعمال سلطتها هذه بالامتناع عن مباشرتها دون مقتض - إلا أن المشرع وازن بالنص المطعون فيه بين أمرين، أولهما: الضرورة التي يقتضيها استعمال هذا الحق في إطار الأغراض التي شرع لها؛ وثانيهما الأضرار التي ينبغي توقيها إذا نقض هذا الاستعمال تلك الأغراض وتنكبها، مهدداً بذلك مسئولية أداء العمل العام، فرجح ثانيهما على أولهما، تقديراً بأن الأضرار التي ترتبط بإساءة استعمال الحق في الادعاء المباشر، يكون دفعها لازماً، ولا يجوز أن تتقدمها مزاياه.
ذلك أن الموظفين العامين - الذين حال النص المطعون فيه دون تكليفهم من قبل المدعي بالحقوق المدنية للحضور مباشرة أمام المحكمة الجنائية - لا يباشرون أعمال وظائفهم بعيداً عن مصالح المواطنين الذين يلجون أبوابهم لقضاء حوائجهم، بل يتردد موقفهم منها بين تلبيتها أو معارضته، مما يثير غرائز النفس البشرية ونزواتها التي كثيراً ما تجنح مع سوء ظنها إلى التجريح نأياً عن موازين الحق والعدل، فلا يكون اندفاعها إلا شططاً، وضيقها بالقائمين على العمل العام إلا تسرعاً وافتراءً يقترن - في الأعم - بالتطاول عليهم حطاً من قدرهم، ونيلاً من اعتبارهم، لتهن عزائمهم فلا يثابرون على أعمالهم، بل يتراخون فيها نكولاً أو يقعدون عنها وجلاً، مما يصرفهم عن أدائها على وجهها الصحيح سيما وأن المشرع قد اختصهم بجرائم قصرها عليهم وغلظ عقوباتها حملاً لهم على القيام بواجباتهم. ولا يجوز بالتالي أن ينفرط اطمئنانهم إذا كان لكل مدع بالحقوق المدنية أن يلاحقهم جنائياً عن جرائم يُدعى ارتكابهم لها، ولو كان الدليل عليها واهياً متخاذلاً، متدثراً برداء الحق، ليقوض بذلك سكينتهم ما بقى الاتهام الجنائي مسلطاً عليهم، مبدداً جهدهم، مثبطاً هممهم، مثيراً للشبهات من حولهم. وكان على المشرع بالتالي أن يرد عنهم - بالنص المطعون فيه - غائلة عدوان أكثر احتمالاً وأدنى وقوعاً ضماناً لأن يظل الحق في الادعاء المباشر، مقيداً بالأغراض التي شرع من أجلها، فلا ينقلب عليها.
ومردود خامساً: بأن إسقاط الحق في الإدعاء المباشر في الحدود التي بينها النص المطعون فيها، لا يتوخى حماية القائم بالعمل العام، بل صون الوظيفة العامة من معوقاتها، بما يمكن القائمين عليها من أداء خدماتهم المقصودة منها، فلا يعرقل تدفقها قيد يحول دون جريانها وانتظامها، أو يكون منافياً جوهر مقاصدها.
ومردود سادساً: بأن الدعوى الجنائية لا يحركها الادعاء المباشر إلا طلباً لحقوق مدنية بطبيعتها، فلا ترفعها - عند إنكاره في جرائم بذواتها - إلا الجهة التي تختص أصلاً بإقامتها، شأن الجرائم التي يرتكبها الموظفون العامون أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها - في ذلك - شأن غيرها من الجرائم، وهو ما يعني أن الموظفين العامين لن يفلتوا من المسئولية الجنائية عن أفعالهم التي أثمها المشرع، بل تظل محاسبتهم عنها - إذا قام الدليل عليها - حقاً للنيابة العامة في إطار اختصاصاتها الأصلية.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون، ليس مبدأً تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء iron rule تنبذ صورة التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد أو توقياً لشر تقدر ضرورة رده؛ وكان دفعها للضرر الأكبر بالضرر الأقل لازماً؛ إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائزة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدواناً معبراً عن بأس سلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفاً. ومن الجائز بالتالي أن تغاير السلطة التشريعية - ووفقاً لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحدن معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل Real and not feigned differences ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل علي انفصال هذه النصوص عن أهدافها، كان التمييز انفلاتاً لا تبصر فيه. كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، إذ يعتبر التمييز عندئذ مستنداً إلى وقائع يتعذر أن يُحْمَل عليها، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
وحيث إن النص المطعون فيه - وعلى ما تقدم - لم يقصد إلى إفراد المتهمين بالجرائم المشار إليها فيه، بمعاملة استثنائية يختصون بها علواً على غيرهم، ولا أن يمنحهم ميزة يؤثرهم بها على سواهم من المتهمين، بل تغيا أن يظل العمل العام منتظماً وأن يكون الطريق إليه قواماً، فلا ينفذ إليه متخرصون يعطلون سيره بنيلهم من القائمين عليه إفكاً وبغياً. فإن النص المطعون فيه يكون بذلك كافلاً للأسس الموضوعية التي ينظم المشرع الحقوق في نطاقها، بما لا إخلال فيه بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور.
وحيث إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد للحقوق المدنية والسياسية، وإن صح القول باحتوائهما على عديد من الحقوق التي كفلها الدستور القائم، وأن هاتين الوثيقتين تضمان في جوهر أحكامهما تلك القيم التي التزمتها الدول الديموقراطية باطراد في مجتمعاتها، والتي تظاهرها هذه المحكمة وترسيها باعتبارها تراثاً إنسانياً احتواه دستور جمهورية مصر العربية في نطاق الحقوق والحريات الأساسية التي كفلها؛ وكان هذا الإعلان وذلك العهد لا ينطويان على تنظيم للحق في الادعاء المباشر، ولا يتطلبان غير المحاكمة المنصفة طريقاً للفصل في كل اتهام جنائي، فإن إقحامها في نطاق الدعوى الماثلة يكون عبثاً.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أي حكم في الدستور من أوجه أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.


استناداً إلى الحجية المطلقة لهذا الحكم قضت المحكمة - خلال الفقرة التي صدر عنها هذا الجزء من أحكامها - بعدم قبول الدعوى المماثلة رقم 61 لسنة 17 ق دستورية جلسة 1/ 2/ 1997.

القضية 34 لسنة 17 ق جلسة 4 / 1 / 1997 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 15 ص 209

جلسة 4 يناير 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور. 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (15)
القضية رقم 34 لسنة 17 قضائية "دستورية"

1- دعوى دستورية "شرط المصلحة الشخصية المباشرة - ضرر"
عدم قبول الدعوى الدستورية من غير هؤلاء الذين أضيروا من جراء سريان النص المطعون عليه في شأنهم - سواء كان هذا الضرر وشيكاً يهددهم أم كان واقعاً فعلاً.
2- دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: ضرر"
من المتعين أن يكون الضرر المسوغ لرفع الدعوى الدستورية ممن لحق بهم من جراء النص المطعون فيه منفصلاً عن مجرد مخالفته للدستور.
3- دعوى دستورية "انتفاء المصلحة"
انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة فيمن لم يطبق عليه النص المطعون فيه أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه.
4- عقار "بيع - تسجيل"
البيع غير المسجل لعقار لا يزال بيعاً منتجاً لآثاره عدا نقل الملكية، ويظل بائعه مالكاً له ملزماً بتسليمه وبضمان التعرض والاستحقاق.
5- حقوق عينية عقارية "دعوى صحة التعاقد"
وفقاً لقانون تنظيم الشهر العقاري فإن دعوى صحة التعاقد على حقوق عينية عقارية واجب تسجيلها - من شأن هذا التسجيل أن يكون للحكم الصادر للمدعي فيها حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداءً من تاريخ تسجيل دعواه.
6- تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية: ضوابطها"
الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق هو إطلاقها ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة.
7- ملكية خاصة "أجانب: قيود.
للدولة أن تفرض قيوداً في شأن الأموال التي يجوز لغير مواطنيها تملكها - لها كذلك أن تخرج فئة منها من دائرة الأموال التي يجوز التعامل فيها.
8- ملكية خاصة "قيود"
تقييد الدولة حق غير المواطنين في تملك أموال بذاتها في مرحلة ما لا يحول دون إسقاطها لهذه القيود في مرحلة أخرى.
9- ملكية خاصة "وظيفة اجتماعية"
لم تعد الملكية حقاً مطلقاً، بل يتعين أن يكون تنظيمها كاشفاً عن وظيفتها الاجتماعية.
10- دستور "المادة الثانية" - تشريع "المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب الأراضي الزراعية والصحراوية".
اعتباراً من تاريخ تعديل المادة الثانية من الدستور في سنة 1980، غدت السلطة التشريعية ملزمة فيما تقره من النصوص القانونية بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الكلية مصدراً وتأويلاً، انحسار ذلك عن المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 الصادر قبل هذا التعديل.
11- دستور: المادة الثانية: إنفاذها".
إنفاذ حكم المادة الثانية من الدستور لم يكن مشروطاً بتدخل السلطة التشريعية لتبادر بنفسها إلى تنقية القوانين القانونين القائمة مما قد يشوبها من عوار مخالفتها لمبادئ الشريعة الإسلامية.
12- رقابة قضائية "مناطها"
مناط الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا تثبيتاً للشرعية الدستورية تلك النصوص القانونية التي أقرتها السلطة التشريعية أو أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي بينها الدستور - لا شأن لهذه الرقابة بتخلي إحداهما عن واجباتها.
13- دستور "المادة 191: مقتضاها".
مقتضى ما قررته هذه المادة من أن يبقى صحيحاً ونافذاً كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور، لا يتوخى غير مجرد استمرار العمل بها دون تطهيرها من عوار يبطلها ولا تحصينها من الطعن عليها.
14- تشريع "المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963: حق التملك".
عدم معارضة هذه المادة قيوداً فرضها الدستور في شأن حق التملك.

---------------
1- 2- 3- من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي وبالقدر اللازم للفصل فيه. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير هؤلاء الذين أضيروا من جراء سريان النص المطعون عليه في شأنهم، سواء كان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً.
ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
4- 5- البيع غير المسجل لعقار، لا زال بيعاً منتجاً لآثاره عدا نقل الملكية، ذلك أن العين لا تكون لمن اشتراها إلا إذا قام بتسجيلها، فإن لم يفعل ظل بائعها مالكاً لها، وإن كان ملتزماً على الأخص بتسليمها وبضمان التعرض والاستحقاق؛ وكان من المقرر وفقاً لنص المادتين 15 و17 من قانون تنظيم الشهر العقاري، أن دعوى صحة التعاقد على حقوق عينية عقارية، يجب تسجيلها. ومن شأن هذا التسجيل، أن حق المدعي إذا تقرر بحكم مؤشر به طبقاً للقانون، فإنه يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداءً من تاريخ تسجيل دعواه بصحة التعاقد؛ وكان المدعي وإن سجل صحيفة دعواه بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المتعلق بالأطيان المتنازع عليها؛ وكان هذا التسجيل قد تم في 26 من مايو 1976، إلا أن صدور حكم مؤشر به طبقاً للقانون في شأن هذه الأطيان، مثبتاً للمدعي صحة سند بيعها إليه، لن يرد ملكيته لها إلا إلى تاريخ ذلك التسجيل، ولن يكون المدعي بالتالي مخاطباً بأحكام المواد 2 و3 و4 من القانون المطعون إليه التي لا يجوز تطبيقها في شأن أجنبي لم يكن وقت نفاذ هذا القانون في 19 يناير 1963 مالكاً لأراض زراعية أو ما في حكمها.
6- الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق هو إطلاقها، باعتبار أن جوهرها تلك المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم التشريعي، موازناً بينها، مرجحاً ما يراه أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها لأكثر المصالح ثقلاً في مجال إنفاذها. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، تعتبر تخوماً لها لا يجوز تجاوزها، بل يكون التزامها نزولاً عليها وتقيداً بها.
7- للدولة - بناءً على ضرورة تفرضها أوضاعها الاقتصادية، أو تتطلبها إدارة علاقاتها الخارجية، أو توجبها روابطها القومية أو غير ذلك من مصالحها الحيوية - أن تفرض قيوداً في شأن الأموال التي يجوز لغير مواطنيها تملكها. ولها كذلك أن تخرج فئة منها من دائرة الأموال التي يجوز لهم التعامل فيها، فلا يكون لتصرفاتهم بشأنها من أثر، لتهيمن بذلك على شئونها، وتصرفها إلى الوجهة التي تراها أكفل لتأمين مصالحها.
8- اعتناق الدولة خلال فترة زمنية محددة لاتجاه معين يتوخى تقييد حق غير المواطنين في تملك أموال بذواتها، لا يحول دون إسقاطها لهذه القيود بتمامها في مرحلة أخرى، دون أن يعتبر فرضها أو التحلل منها منافياً للدستور إلا بقدر خروجها على الأحكام التي تضمنها.
9- الملكية الخاصة وإن كفل الدستور دورها، ولم يجز المساس بها إلا استثناء، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها ووقايتها من تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، إلا أن الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها. بل يتعين أن يكون تنظيمها كاشفاً عن وظيفتها الاجتماعية، ودائراً حول طبيعة الأموال محلها، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها على ضوء واقع اجتماعي معين من بيئة بذاتها لها مقوماتها.
وكلما تعلق الأمر بتحديد الأموال التي لا يجوز لغير المواطنين تملكها، فإن المشرع يرجح على ضوء الموازنة التي يجريها، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية وفقاً لأحكام الدستور، مستهدياً في ذلك بقيم الجماعة ومتطلباتها في مرحلة بذاتها من مراحل تطورها.
10- حكم المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو 1980 - يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل - قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانون، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية - في أصولها الكلية مصدراً وتأويلاً - بعد أن اعتبارها الدستور مرجعاً ترد إليه هذه النصوص فلا تعارضها، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها في ممارستها لاختصاصاتها التشريعية. وإذ كان الأصل في كل مصدر ترد إليه النصوص القانونية لضمان اتساقها ومقتضاه، أن يكون أسبق وجوداً من هذه النصوص ذاتها، فإن مجال إعمال نص المادة الثانية من الدستور، يكون بالضرورة مرتبطاً بالنصوص القانونية التي تصدر بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور عليها دون سواها، وهو ما ينحسر عن المادة الأولى المطعون عليها الصادرة قبل العمل بتعديل المادة الثانية من الدستور، والتي لم يلحقها منذئذ تغيير ينال من محتواها بما يؤثر في الحقوق التي يطلبها المدعي بمناسبة تطبيقها عليه، ومن ثم يكون النعي عليها بمخالفتها نص المادة الثانية من الدستور، غير سديد.
11- 12- إنفاذ حكم المادة الثانية من الدستور لم يكن مشروطاً بتدخل السلطة التشريعية لتبادر بنفسها إلى تنقية القوانين القائمة مما قد يشوبها من عوار مخالفتها لمبادئ الشريعة الإسلامية، بل اقترن هذا التعديل بحثها على أن تفعل ذلك ضماناً لاتساق هذه القوانين - في نسيجها - مع الأصول الكلية للعقيدة الإسلامية، وليكون عمل السلطة التشريعية - وقد تعلق بالقوانين السابقة على تعديل المادة الثانية في الدستور - متناغماً مع عمل المحكمة الدستورية العليا فيما يصدر عنها من قضاء في شأن القوانين الصادرة بعد هذا التعديل. ومن ثم تتكامل هاتان الحلقتان في إرسائهما للأسس الجوهرية لتلك العقيدة. والقول بنكول السلطة التشريعية عن مهمتها هذه أو تراخيها في ولوج أبوابها، مما يخرج عن نطاق الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة تثبيتاً للشرعية الدستورية، ذلك أن مناطها تلك النصوص القانونية التي أقرتها السلطة التشريعية أو التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي بينها الدستور، ولا شأن لها بتخلي إحداهما عن واجباتها، ولا بتفريطها في مسئوليتها. بل مرد أمرها إلى هيئة الناخبين التي منحتها ثقتها.
13- 14- ما تقضي به المادة 191 من الدستور، من أن يبقى صحيحاً ونافذاً كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور، لا يتوخى غير مجرد استمرار العمل بنصوصها، دون تطهيرها مما قد يشوبها من عوار يبطلها، ولا تحصينها من الطعن عليها، وبما لا يحول دون تعديلها أو إلغائها وفقاً للدستور. إذ كان ذلك، وكان صدور القانون رقم 15 لسنة 1963 المشار إليه قبل العمل بالدستور القائم، لا يحول دون الطعن بعدم دستورية النصوص التي تضمنها، ولا يعصمها من الحكم ببطلانها إذا قام الدليل على مخالفتها للدستور؛ وكانت المادة الأولى من هذا القانون لا تعارض - وعلى ما تقدم - قيوداً فرضها الدستور في شأن حق التملك، فإن دعوة هذه المحكمة إلى إبطالها لحفز السلطة التشريعية على تنقيتها من عوار مخالفتها لمبادئ الشريعة الإسلامية - وبافتراض تعارضها معها - يكون لغواً.


الإجراءات

بتاريخ 25 مايو سنة 1995، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية نصوص المواد الأربع الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية والصحراوية وما في حكمها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وقدم المدعي عليه السادس مذكرة طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي - وهو كويتي الجنسية - كان قد اشترى - بموجب عقد ابتدائي مؤرخ 25 يونيو سنة 1959 - من المدعي عليها الثانية وآخرين أرضاً مساحتها 9 س، 12 ط، 534 ف كائنة بحوض الدير المستجد رقم 16 بناحية العجمي محافظة الإسكندرية.
وإذ تصرف البائعون في جزء من المبيع، فقد أقام المدعي الدعوى رقم 4057 لسنة 1976 مدني شمال القاهرة، طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المشار إليه، مسجلاً صحيفتها برقم 220 في 26 مايو سنة 1976. وإذ طلب الحاضر عن الحكومة الحكم بعدم قبول دعواه هذه استناداً إلى صدور القانون رقم 15 لسنة 1963 الذي حظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما في حكمها، فقد دفع المدعي بعدم دستورية المواد الأربع الأولى من هذا القانون، ثم أقام الدعوى المثالة بعد تقدير محكمة الموضوع لجدية دفعه، وتصريحها برفع الدعوى الدستورية بشأن المسائل التي أثارها.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 تقضي بأن يحظر على الأجانب سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم اعتباريين، تملك الأراضي الزراعية وما في حكمها من الأراضي القابلة للزراعة والبور والصحراوية في جمهورية مصر العربية، ويشمل هذا الحظر الملكية التامة، كما يشمل ملكية الرقبة أو حق الانتفاع.
ولا تعتبر أرضاً زراعية في تطبيق أحكام هذا القانون الأراضي الداخلة في نطاق المدن والبلاد التي تسري عليها أحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 المشار إليه إذا كانت غير خاضعة لضريبة الأطيان.
وعملاً بمادته الثانية، تؤول إلى الدولة ملكية الأراضي الزراعية وما في حكمها من الأراضي القابلة للزراعة والبور والصحراوية المملوكة للأجانب وقت العمل بهذا القانون بما عليها من المنشآت والآلات الثابتة والأشجار وغيرها من الملحقات الأخرى المخصصة لخدمتها، ولا يعتد في تطبيق أحكام هذا القانون بتصرفات الملاك الخاضعين لأحكامه ما لم تكن صادرة إلى أحد المتمتعين بجنسية جمهورية مصر العربية، وثابتة التاريخ قبل يوم 23 من ديسمبر سنة 1961.
وتنص مادته الثالثة، على أن تتسلم الهيئة العامة للإصلاح الزراعي الأراضي المشار إليها في المادة السابقة، وتتولى إدارتها نيابة عن الدولة حتى يتم توزيعها على صغار الفلاحين وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه. ونزولاً على مادته الرابعة، يؤدي إلى ملاك الأراضي المشار إليها في المادة 2 تعويض يقدر وفقاً للأحكام المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه، وبمراعاة الضريبة السارية في 9 من سبتمبر سنة 1952.
وحيث إن البين من أحكام هذه المواد، أنه بينما حظرت أولاها على كل أجنبي أن يتملك بعد العمل بهذا القانون أراض زراعية أو ما في حكمها، وإلا كان اكتسابها باطلاً بطلاناً مطلقاً؛ واجهت مواده الثانية والثالثة والرابعة ما يكون عند نفاذ ذلك القانون مملوكاً لأجنبي من هذا الأراضي، فهذه وحدها هي التي كفلت هذه المواد أيلولتها إلى الدولة مع تعويض أصحابها عنها على أن تتسلمها الهيئة العامة للإصلاح الزراعي لتتولى إدارتها حتى يتم توزيعها على صغار المزارعين، بما مؤداه أن للمادة الأولى من القانون المشار إليه مجالاً منفصلاً عن باقي المواد المطعون عليها، بما يحول دون تداخلها.
وحيث إن الفصل في شروط قبول الدعوى، سابق بالضرورة على الخوض في موضوعها.
وحيث إن ما تنص عليه المواد 2 و3 و4 المطعون عليها من أحكام في شأن الأراضي الزراعية وما في حكمها التي قرر المشرع أيلولتها إلى الدولة، مع تعويض أصحابها عنها، وتسليمها للهيئة العامة للإصلاح الزراعي لإدارتها حتى يتم توزيعها على صغار المزارعين، مشروط بأن تكون هذه الأراضي مملوكة لأجانب في تاريخ العمل بهذا القانون.
وحيث إن من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم حدود ولايتها، فلا تمتد لغير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي وبالقدر اللازم للفصل فيه. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير هؤلاء الذين أضيروا من جراء سريان النص المطعون عليه، سواء كان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً.
ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إن من المقرر في المواد العقارية - وعملاً بالفقرة الأولى من المادة 934 من القانون المدني - لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية الأخرى، سواء أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان في حق الغير إلا إذا روعيت الأحكام المبينة في قانون الشهر العقاري. وقد نصت المادة 9 من قانون تنظيم الشهر العقاري على أن "جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو تغييره أو زواله، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك، يجب شهرها بطريق التسجيل.... ويترتب على عدم التسجيل، أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن، ولا بالنسبة إلي غيرهم. ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن".
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن البيع غير المسجل لعقار، لا زال بيعاً منتجاً لآثاره عدا نقل الملكية، ذلك أن العين لا تكون لمن اشتراها إلا إذا قام بتسجيلها، فإن لم يفعل ظل بائعها مالكاً لها، وإن كان ملتزماً على الأخص بتسليمها وبضمان التعرض والاستحقاق؛ وكان من المقرر وفقاً لنص المادتين 15 و17 من قانون تنظيم الشهر العقاري، أن دعوى صحة التعاقد على حقوق عينية عقارية، يجب تسجيلها. ومن شأن هذا التسجيل، أن حق المدعي إذا تقرر بحكم مؤشر به طبقاً للقانون، فإنه يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداءً من تاريخ تسجيل دعواه بصحة التعاقد؛ وكان المدعي وإن سجل صحيفة دعواه بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المتعلق بالأطيان المتنازع عليها؛ وكان هذا التسجيل قد تم في 26 من مايو 1976، إلا أن صدور حكم مؤشر به طبقاً للقانون في شأن هذه الأطيان، مثبتاً للمدعي صحة سند بيعها، لن يرد ملكيته لها إلا إلى تاريخ ذلك التسجيل، ولن يكون المدعي بالتالي مخاطباً بأحكام المواد 2 و3 و4 من القانون المطعون إليه التي لا يجوز تطبيقها في شأن أجنبي لم يكن وقت نفاذ هذا القانون في 19 يناير 1963 مالكاً لأراض زراعية أو ما في حكمها، فلا تتوافر للمدعي بالتالي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على الأحكام التي تضمنتها المواد 2 و3 و4 المشار إليها. ومن ثم يكون الحكم بعدم قبول دعواه الدستورية - في هذا الشق منها - لازماً.
وحيث إن المدعي ينعي على المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 آنف البيان مخالفتها لأحكام المواد 2 و22 و34 من الدستور، وذلك باعتدائها على الملكية الخاصة التي صانتها الشريعة الإسلامية والدساتير المصرية جميعها، لم تجز نزع ملكيتها إلا استثناء، ولمنفعة عامة، ومقابل تعويض عادل. ولا يجوز بالتالي تجريد أصحابها نهائياً منها من خلال استيلاء الدولة على أراضيهم الزراعية لتوزيعها على صغار المزارعين، دون سند من اعتبارات النفع العام التي قد تبرر تصرفها. وقد كان تطبيق حكم المادة الثانية من الدستور مشروطاً بتدخل السلطة التشريعية لتبادر بنفسها إلى تنقية القوانين القائمة من عوار مخالفتها لأصول الشريعة الإسلامية وقواعدها الكلية.
هذا فضلاً عما نشأ عن إعمال أحكام القانون المطعون فيه من آثار اقتصادية سيئة ترتب عليها حرمان مصر من تدفق رءوس الأموال الأجنبية إليها، واستثمارها فيها، مما حملها بعدئذ على أن تعدل عن سياستها هذه، وأن تفتح للتنمية آفاقا تعتمد فيها على وسائلها، ومن بينها جذبها لرءوس الأموال الأجنبية، وتأمينها لاستثمارها في ميادين مختلفة يندرج تحتها استصلاح الأراضي ضماناً لاتساع الرقعة الزراعية والارتفاع بإنتاجيتها.
وحيث إن ما نعاه المدعي على المادة الأولى على النحو المتقدم، مردود أولاً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق هو إطلاقها، باعتبار أن جوهرها تلك المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم التشريعي، موازناً بينها، مرجحاً ما يراه أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها لأكثر المصالح ثقلاً في مجال إنفاذها. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، تعتبر تخوماً لها لا يجوز تجاوزها، بل يكون التزامها نزولاً عليها وتقيداً بها.
ومردود ثانياً: بأن للدولة - بناءً على ضرورة تفرضها أوضاعها الاقتصادية، أو تتطلبها إدارة علاقاتها الخارجية، أو توجبها روابطها القومية أو غير ذلك من مصالحها الحيوية - أن تفرض قيوداً في شأن الأموال التي يجوز لغير مواطنيها تملكها. ولها كذلك أن تخرج فئة منها من دائرة الأموال التي يجوز لهم التعامل فيها، فلا يكون لتصرفاتهم بشأنها من أثر، لتهيمن بذلك على شئونها، وتصرفها إلى الوجهة التي تراها أكفل لتأمين مصالحها.
ومردود ثالثاً: بأن اعتناق الدولة خلال فترة زمنية محددة لاتجاه معين يتوخى تقييد حق غير المواطنين في تملك أموال بذواتها، لا يحول دون إسقاطها لهذه القيود بتمامها في مرحلة أخرى، دون أن يعتبر فرضها أو التحلل منها منافياً للدستور إلا بقدر خروجها على الأحكام التي تضمنها.
ومردود رابعاً: بأن الملكية الخاصة وإن كفل الدستور دورها، ولم يجز المساس بها إلا استثناء، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها ووقايتها من تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، إلا أن الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها بل يتعين أن يكون تنظيمها كاشفاً عن وظيفتها الاجتماعية، ودائراً حول طبيعة الأموال محلها، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها على ضوء واقع اجتماعي معين من بيئة بذاتها لها مقوماتها.
وكلما تعلق الأمر بتحديد الأموال التي لا يجوز لغير المواطنين تملكها، فإن المشرع يرجح على ضوء الموازنة التي يجريها، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية وفقاً لأحكام الدستور، مستهدياً في ذلك بقيم الجماعة ومتطلباتها في مرحلة بذاتها من مراحل تطورها.
ومردود خامساً: بأن حكم المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو 1980 - يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل - قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية - في أصولها الكلية مصدراً وتأويلاً - بعد أن اعتبرها الدستور مرجعاً ترد إليه هذه النصوص فلا تعارضها، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها في ممارستها لاختصاصاتها التشريعية. وإذ كان الأصل في كل مصدر ترد إليه النصوص القانونية لضمان اتساقها ومقتضاه، أن يكون أسبق وجوداً من هذه النصوص ذاتها، فإن مجال إعمال نص المادة الثانية من الدستور، يكون بالضرورة مرتبطاً بالنصوص القانونية التي تصدر بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور عليها دون سواها، وهو ما ينحسر عن المادة الأولى المطعون عليها الصادرة قبل العمل بتعديل المادة الثانية من الدستور، والتي لم يلحقها منذئذ تغيير ينال من محتواها بما يؤثر في الحقوق التي يطلبها المدعي بمناسبة تطبيقها عليه، ومن ثم يكون النعي عليها بمخالفتها نص المادة الثانية من الدستور، غير سديد.
ومردود سادساً: بأن إنفاذ حكم المادة الثانية من الدستور لم يكن مشروطاً بتدخل السلطة التشريعية لتبادر بنفسها إلى تنقية القوانين القائمة مما قد يشوبها من عوار مخالفتها لمبادئ الشريعة الإسلامية، بل اقترن هذا التعديل بحثها على أن تفعل ذلك ضماناً لاتساق هذه القوانين - في نسيجها - مع الأصول الكلية للعقيدة الإسلامية، وليكون عمل السلطة التشريعية - وقد تعلق بالقوانين السابقة على تعديل المادة الثانية من الدستور - متناغماً مع عمل المحكمة الدستورية العليا فيما يصدر عنها من قضاء في شأن القوانين الصادرة بعد هذا التعديل. ومن ثم تتكامل هاتان الحلقتان في إرسائهما للأسس الجوهرية لتلك العقيدة. والقول بنكول السلطة التشريعية عن مهمتها هذه أو تراخيها في ولوج أبوابها، مما يخرج عن نطاق الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة تثبيتاً للشرعية الدستورية، ذلك أن مناطها تلك النصوص القانونية التي أقرتها السلطة التشريعية أو التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي بينها الدستور، ولا شأن لها بتخلي إحداهما عن واجباتها، ولا بتفريطها في مسئوليتها. بل مرد أمرها إلى هيئة الناخبين التي منحتها ثقتها.
ومردود سابعاً: بأن ما تقضي به المادة 191 من الدستور، من أن يبقى صحيحاً ونافذاً كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور، لا يتوخى غير مجرد استمرار العمل بنصوصها، دون تطهيرها مما قد يشوبها من عوار يبطلها، ولا تحصينها من الطعن عليها، وبما لا يحول دون تعديلها أو إلغائها وفقاً للدستور، إذ كان ذلك، وكان صدور القانون رقم 15 لسنة 1963 المشار إليه قبل العمل بالدستور القائم، لا يحول دون الطعن بعدم دستورية النصوص التي تضمنها، ولا يعصمها من الحكم ببطلانها إذا قام الدليل على مخالفتها للدستور؛ وكانت المادة الأولى من هذا القانون لا تعارض - وعلى ما تقدم - قيوداً فرضها الدستور في شأن حق التملك، فإن دعوة هذه المحكمة إلى إبطالها لحفز السلطة التشريعية على تنقيتها من عوار مخالفتها لمبادئ الشريعة الإسلامية - وبافتراض تعارضها معها - يكون لغواً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضية 41 لسنة 17 ق جلسة 5 / 10 / 1996 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 7 ص 121

جلسة 5 أكتوبر 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف. 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (7)
القضية رقم 41 لسنة 17 قضائية "دستورية"

دعوى دستورية "رفع الدعوى بدون ترخيص من محكمة الموضوع: عدم قبول".
رفع الدعوى دون ترخيص من محكمة الموضوع - اتصالها من ثم بالمحكمة عن غير الطريق الذي رسمه القانون، مما يجعلها حقيقة بعدم قبولها.

-----------------
إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن ولايتها في الفصل في الدعوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بها اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة في المادة 29 من قانونها، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي للفصل في المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية دفع فيها بعدم دستورية نص تشريعي وقدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له برفع الدعوى الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقامها في الموعد المحدد. وهذه الأوضاع الإجرائية سواء ما يتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام العام، باعتبارها أشكالاً جوهرية تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية.


الإجراءات

في الخامس عشر من يونيو سنة 1995 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 83 من قانون الضريبة على الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصلياً عدم قبولها الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 433 لسنة 1993 أمام محكمة الجيزة الابتدائية طعناً على قرارات لجنة طعن ضرائب القاهرة في شأن ضريبة الدمغة النسبية المستحقة على رأس مال الشركة المدعية، وأثناء نظر الدعوى دفعت الشركة بعدم دستورية نص المادة 83 من قانون الضريبة على الدمغة، فأصدرت محكمة الموضوع حكماً تمهيدياً بجلسة 30 أبريل سنة 1995 يقضي باستجواب الشركة المدعية بجلسة 18 يونيو سنة 1995 عما إذا كانت قد رفعت دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا بشأن الدفع المثار منها من عدمه، فبادرت الشركة بإقامة الدعوى الماثلة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ولايتها في الفصل في الدعوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بها اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة في المادة 29 من قانونها، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي للفصل في المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية دفع فيها بعدم دستورية نص تشريعي وقدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له برفع الدعوى الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقامها في الموعد المحدد. وهذه الأوضاع الإجرائية سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام العام، باعتبارها أشكالاً جوهرية تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية وفقاً لحكمها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن الشركة المدعية قد دفعت أمام محكمة الموضوع بجلسة 12 مارس سنة 1995، بعدم دستورية نص المادة 83 سالفة الذكر، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى الموضوعية إلى جلسة 9 أبريل سنة 1995 لتقديم مذكرة في شأن الدفع والرد عليه، وبجلسة 30 أبريل سنة 1995 أصدرت المحكمة حكماً تمهيدياً باستجواب الشركة بجلسة 18 يونيو سنة 1995 في شأن إقامتها الدعوى الدستورية من عدمه، فبادرت الشركة في الخامس عشر من يونيو سنة 1995 - ورغم خلو الأوراق من تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم الدستورية وتصريحها بإقامة هذه الدعوى - إلى إيداع صحيفتها الماثلة قلم كتاب المحكمة، ومن ثم تكون هذه الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن غير الطريق الذي رسمه القانون، مما يجعلها حقيقة بعدم قبولها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضيتان 67 ، 68 لسنة 17 ق جلسة 7 / 9 / 1996 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 5 ص 113

جلسة 7 سبتمبر 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (5)
القضية رقم 67، 68 لسنة 17 قضائية "دستورية"

دستور "المادة الثانية: نطاق سريانها".
ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها سنة 1980- من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، هو بمثابة قيد على المشرع يتعين التزامه في التشريعات الصادرة بعد هذا التعديل دون سواها - إذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه - ومنها المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.

-----------------
من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980- يدل على أن الدستور - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية، بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن ترد إليه هذه النصوص، أو تستمد منه، لضمان توافقها مع مقتضاه، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية، وقيدها بمراعاتها والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية، وإذ كان من المقرر كذلك، أن كل مصدر ترد إليه النصوص التشريعية، أو تكون نابعة منه، يتعين بالضرورة أن يكون سابقاً في وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية، التي أقامها الدستور معياراً للقياس في مجال الشرعية الدستورية، تفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بمبادئ الشريعة الإسلامية - والتي تراقبها هذه المحكمة - صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور الذي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد، أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفاً إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هي تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور على مادته الثانية، بحيث إذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية. وإذا كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه، تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.
لما كان ذلك، وكان المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - المتضمن نص المادة الثالثة المطعون عليها - قد صدر قبل نفاذ المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 مايو 1980، ولم يدخل المشرع عليها ثمة تعديل بعد هذا التاريخ، فإن قالة مخالفتها حكم المادة الثانية من الدستور - وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية - يكون في غير محله.


الإجراءات

بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1995 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة الثالثة من المرسوم بقانون 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فيما قرره المدعيان، من أنه بموجب إشهاد وقف بتاريخ 18/ 10/ 1940 ومسجل برقم 46/ 1940 أنشأت السيدة/ حميدة حسنين عامر وقفاً على نفسها مدة حياتها، ثم بعد وفاتها على زوجها عامر سيد عامر مدى حياته، ومن بعده على أولادها، ذكوراً وإناثاً للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم. ثم على ذريتهم ونسلهم، وعقبهم كذلك، وهكذا طبقة بعد طبقة إلى وقت انقراضهم جميعاً، فيكون ريع وقفها مصروفاً على أولاد زوجها، ثم على أولادهم، ثم على أولاد أولاد أولادهم، وهكذا إلى حين انقراضهم، فيكون وقفاً على الفقراء والمساكين من أهل قرابتها وقرابة زوجها، إلى أن ينقرضوا، فيكون وقفاً على الفقراء والمساكين من المسلمين، من أهل ناحية المعابدة، وأن تعذر الصرف عليهم، كان ذلك على الفقراء والمساكين من المسلمين - أينما كانوا وحيثما وجدوا - حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وبتاريخ 4/ 4/ 1942 توفيت الواقفة. وانحصر إرثها في وارثيها الشرعيين، وهما زوجها عامر سيد عامر ويستحق ربع تركتها فرضاً، وأخوها الشقيق عامر ويستحق باقي تركتها تعصيباً، وإذ صدر المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 152 قاضياً بحل الوقف الأهلي حال حياة زوج الواقفة؛ وكان الأخ الشقيق للواقفة قد تزوج وأنجب ابناً، ثم تزوج هذا الابن كذلك، وأنجب محمود حسين عامر، الذي تصرف مرتين بالبيع في بعض أطيان الوقف بصفته وارثاً لها عن أبيه عن جده، فقد أقام ورثة المستحق للوقف عامر سيد عامر زوج الواقفة، الدعوى رقم 2617 لسنة 1992 مدني كلي أسيوط، مختصمين فيها المدعيين في الدعوى الماثلة، طالبين الحكم بعدم نفاذ البيع الأول في حقهم، ثم اتبعوها بالدعوى رقم 2618 لسنة 1992 مدني كلي أسيوط بالنسبة للبيع الثاني، بغية الحكم أيضاً بعدم نفاذه، مستندين في ذلك إلى أنهم يملكون الأطيان المبيعة بالميراث عن مورثهم المرحوم عامر سيد عامر الذي كسب ملكيتها عملاً بالمادة 3 من المرسوم بقانون رقم 180 سنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات. وأمام محكمة أسيوط الابتدائية دفع الحاضر عن المدعى عليهما (المدعيان في الدعوى الماثلة)، بعدم دستورية نص المادة 3 من هذا المرسوم بقانون. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد قررت بالنسبة للدعوى رقم 2617/ 1992 مدني كلي أسيوط، تأجيل نظرها إلى جلسة 1/ 11/ 1995، وصرحت لهما بإقامة الدعوى الدستورية، فأقاماها.
وحيث إن الدعوى رقم 68 لسنة 17 قضائية "دستورية" قد أقيمت من المدعيين في الدعوى الماثلة، ضد الخصوم أنفسهم، وبالطلبات الدستورية عينها، فإن المحكمة تأمر بضمها إلى الدعوى الحالية، ليصدر فيهما حكم واحد.
وحيث إن المدعيين ينعيان على النص المطعون فيه، أنه إذ قضى بأن يصبح ما ينتهي فيه الوقف ملكاً للمستحقين - كل بقدر حصته في الاستحقاق - يكون قد انطوى على مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية في قواعد الميراث، قولاً منهما بأن هذه القواعد قد تحددت على سبيل الحصر، واتصفت بالجزم واليقين، كما بينت موانع الميراث بما لا مجال فيه للاجتهاد أو لإرادة المورث، وأن مؤدي النص المطعون فيه، حرمان الورثة الشرعيين - سواء أكانوا من أصحاب العصبة النسبية كالأخ الشقيق، أم من أصحاب الفروض النسبية كالأم والأخت - من الميراث، بينما هم شركاء فيه، يتقدمون المستحقين في الوقت المنحل، وهو ما يناقض حكم المادة الثانية من الدستور التي جعلت مبادئ الشريعة الإسلامية، هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وحيث إن البين من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، أنه بعد أن نص في مادته الأولى، على أنه لا يجوز الوقف على غير الخيرات، ونص في مادته الثانية على أن يعتبر منتهياً كل وقف لا يكون مصرفه في الحال خالصاً لجهة من جهات البر.. قضى في مادته الثالثة - مثار الطعن الماثل - بأن "يصبح ما ينتهي فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة، ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه، فإن لم يكن، آلت الملكية للمستحقين الحاليين، كل بقدر حصته في الاستحقاق، وإن كان الوقف مرتب الطبقات، آلت الملكية للمستحقين الحاليين، ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم، كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق.
وحيث إن استقراء المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 180 سنة 1952 المشار إليه، يدل على أن أحكامها التفصيلية، لا قوام لها بغير القاعدة التي أرستها، وجعلتها دعامتها الأساسية، ألا وهي أيلولة ملكية ما انتهى فيه الوقف إلى المستحقين - كل بقدر حصته في الاستحقاق؛ إذ كان ذلك، وكان جوهر الطعن الماثل يتناول هذه القاعدة ذاتها ويتوخى هدمها، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعين، تتوافر من خلال الطعن عليها، ذلك أن تقرير صحتها أو بطلانها، يؤثر بالضرورة على النزاع الموضوعي القائم حول ملكية الأطيان التي انتهى وقفها، لأحكام المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 آنف البيان.
وحيث إن يبين من تعديل الدستور الذي تم بتاريخ 22 مايو 1980، أن المادة الثانية منه أصبحت تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" بعد أن كانت تنص عند صدور الدستور في 11 سبتمبر 1971 على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية. ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع".
وحيث إنه من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة -أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو 1980- يدل على أن الدستور - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية، بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن ترد إليه هذه النصوص، أو تستمد منه، لضمان توافقها مع مقتضاه، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية، وقيدها بمراعاتها والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. وإذ كان من المقرر كذلك، أن كل مصدر ترد إليه النصوص التشريعية، يفترض انبثاقها عنه أو على الأقل اتساقها مع فيضه، فلا يكون هذا المصدر بالضرورة إلا سابقاً في وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور معياراً للقياس في مجال الشرعية الدستورية، تفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بمبادئ الشريعة الإسلامية - والتي تراقبها هذه المحكمة - صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور الذي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد، أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفاً إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هي تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور على مادته الثانية، بحيث إذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية. وإذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه، تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - المتضمن نص المادة الثالثة المطعون عليها - قد صدر قبل نفاذ المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 مايو 1980، ولم يدخل المشرع عليها ثمة تعديل بعد هذا التاريخ، فإن قالة مخالفتها حكم المادة الثانية من الدستور - وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية - يكون في غير محله، الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعويين رقمي 67، 68 لسنة 17 قضائية "دستورية". وبمصادرة الكفالة في كل منهما، وألزمت المدعيين المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضية 9 لسنة 17 ق جلسة 7 / 9 / 1996 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 4 ص 87

جلسة 7 سبتمبر 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين،

 وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (4)
القضية رقم 9 لسنة 17 قضائية "دستورية"

1- دعوى دستورية "نطاقها"
نطاق الدعوى الدستورية ينحصر في النصوص القانونية التي دفع خصم أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وفي حدود تقديرها لجدية الدفع.
2- دعوى دستورية "قاعدة قانونية ملغاة"
إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليهم خلال فترة نفاذها.
3- ضريبة "الملتزم - المسئول عن التوريد"
عدم جواز الخلط بين الملتزم أصلاً بالضريبة وبين من اعتبره المشرع مسئولاً عن توريدها.
4- ضريبة "الملتزم بها"
لا يكون الشخص ملتزماً أصلاً بالضريبة إلا إذا توافرت بالنسبة إليه الواقعة التي أنشأتها.
5- ضريبة "المسئول عنها"
لا يكون الشخص مسئولاً عن الضريبة إلا إذا كان وفاؤه بها تابعاً للالتزام الأصلي بأدائها.
6- حرية شخصية: "مصادرة"
مصادرة حرية الفرد في اختيار الطريق الأفضل وفق تقديره لاستثمار أمواله يناقض الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يقبل تنازلاً.
7- استثمار "ضريبة - عدالة اجتماعية"
إذا كان استثمار الأموال في نشاط معين ممكناً قانوناً، فإن الحمل على عدم ولوجه من خلال الضريبة، يردها إلى دائرة عدم المشروعية ويبلور منافاتها للعدالة الاجتماعية.
8- دستور "ضريبة عامة: ضريبة الدمغة النسبية - رقابة"
قدر الدستور خطورة الضريبة العامة - وتندرج تحتها ضريبة الدمغة النسبية - بالنظر إلى تعلقها بجماهير غفيرة وتأثيرها بوجه عام في الأوضاع الاقتصادية، من اللازم - بالتالي - أن تراقبها المحكمة الدستورية العليا إذا ما طعن عليها التقرير مدى مشروعيتها الدستورية.
9- تشريع "المادتان 83 و86 من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: استحقاق الضريبة"
تداول الأوراق المالية التي حددتها المادة 83 المشار إليها ليس شرطاً لاستحقاق هذه الضريبة - تناول الضريبة قيم رؤوس أموال بذاتها ولو لم تصدر صكوكها - لا شأن لضريبة الدمغة النسبية تلك بما يمكن أن يتولد عن رؤوس الأموال هذه من إيراد.
10- زكاة- ضريبة "ازدواجهما"
الضريبة والزكاة مختلفتان - نطاقاً وعلة - وهما بالتالي متغايرتان، وتحملهما معاً لا مخالفة فيه للدستور
11- ضريبة عامة "نطاقها"
اعتبار تحقق الواقعة المنشئة للضريبة العامة على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول.
12- دستور "ضريبة عامة - فرائض أخرى"
مايز الدستور بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض الأخرى، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي يبينها القانون.
13- ضريبة عامة - سلطة تشريعية
السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة في كل ما يتصل ببنيان هذه الضريبة عدا الإعفاء منها، فيجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون.
14- ضريبة عامة "أسس موضوعية - جزاء - عدالة اجتماعية"
ينظم القانون الضريبة العامة متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لمتطلبات وأسس فرضها - ضرورة عدم اتسامها بوطأة الجزاء - وجوب عدم مناقضة معدلها وأحوال فرضها الضوابط اللازمة لعدالتها الاجتماعية.
15- دستور "ملكية خاصة: حمايتها - وظيفة اجتماعية"
إعلاء الدستور لقدر الملكية الخاصة - كفالته حمايتها لكل فرد وطنياً كان أم أجنبياً - من السائغ تحميل الملكية الخاصة بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية.
16- دستور "ملكية خاصة: نطاق حمايتها"
امتداد الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها.
17- ضريبة "رؤوس الأموال: عدوان"
لا يجوز فرض ضريبة على رؤوس أموال المكلفين بها بما يجتثها أو يقلصها إلى حد كبير - الضريبة على هذا النحو عدوان على رؤوس الأموال.
18- ضريبة "مجال طبيعي: الإيراد"
للضريبة مجال طبيعي وذلك من خلال ربطها بصور الإيراد - التي يقدر المشرع ملاءمة إخضاعها للضريبة - الناجمة عن استثمار الأموال في ألوان من التعامل جائزة قانوناً.
19- ضريبة "رؤوس الأموال"
من غير الجائز أن تكون رؤوس الأموال ذاتها وعاء للضريبة إلا بصورة استثنائية لا تعطل حقاً دستورياً ويقدر الضرورة وبما لا يؤول إلى تآكلها.
20- ضريبة "رؤوس الأموال"
يفترض ألا يكون تطبيق الضريبة التي فرضها المشرع على رؤوس الأموال ممتداً إلى غير حد ولا أن تكون لها وطأة الجزاء.
21- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: وعاء الضريبة"
وفقاً لهذا القانون فإن واقعة الملكية لرؤوس أموال بذاتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - هي المنشئة للضريبة سواء كانت تغل أو لا تنتج دخلاً.
22- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 سنة 1980: قيم الأموال"
استنزال مبلغ هذه الضريبة وفقاً لهذا القانون في قيم الأموال ذاتها بما يؤدي إلى امتصاصها - افتقادها من ثم مقوماتها الدستورية.
23- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: منافاة العدالة الاجتماعية"
منافاة هذه الضريبة للعدالة الاجتماعية تبدو من خلال ما قضت به الفقرة الثانية من المادة 86 من قانونها من إلزام الهيئة أو الشركة المصدرة للورقة المالية بأداء الضريبة. مع أن الضريبة المذكورة محلها أوراق مالية أو حصص أو أنصبة أخرجتها الهيئة أو الشركة التي أصدرتها عن ملكيتها بنقل الحق فيها إلى آخرين، ولم يعد لها من صلة تربطها بها، مؤدي ذلك: إضرار تلك الضريبة بالمركز المالي للهيئة أو الشركة.
24- دستور - ضريبة "جباية"
جباية الأموال في ذاتها لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور بل يتعين أن تتم وقف قواعده وبالتطبيق لأحكامه.
25- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: جباية"
البادي من هذا القانون أن الجباية في ذاتها هدف منظور ورئيسي لهذه الضريبة.
26- ضريبة "الغرض منها"
الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التي يفرضها أمرين:
أولهما: الحصول على غلتها.
ثانيهما: التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة.
27- تشريع "قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980: استثمار"
الضريبة المذكورة أضرت، من زاوية أثارها العرضية، بفرص الاستثمار وأعاقت الادخار الذي اعتبره الدستور واجباً قومياً - تحصيلها غدا مجرد جباية لا ضابط لها - عدم استقامة بنيانها - من ثم - وفق الأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة دستورياً في غيابها.

-----------------
1- من المقرر - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن الدعوى الدستورية، ينحصر نطاقها في النصوص القانونية التي دفع خصم أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وفي حدود ترجيحها لمنطقية المطاعن الموجهة إليها، تقديراً بأن المسائل الدستورية التي أثارها هذا الدفع، هي التي قدر الحكم الصادر عنها جديتها، والتي أتصل بها تصريحها برفع الدعوى الدستورية. إذ كان ما تقدم، وكان هذا الدفع قد تعلق بنص المادة 83 من قانون ضريبة الدمغة دون غيرها، فإن الدعوى الدستورية لا تدور إلا حولها، ولا شأن لها بغيرها من النصوص القانونية التي تضمنها هذا القانون.
2- إن المادة 83 المطعون عليها، وإن ألغتها المادة الأولى من القانون رقم 115 لسنة 1995 اعتباراً من تاريخ العمل بها في أول يناير 1996، إلا أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها - ومن بينهم المدعية - وترتبت بمقتضاها أثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها وحتى إلغائها فإذا ألغيت هذه القاعدة، وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من هاتين القاعدين، فما نشأ مكتملاً في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعاً لحكمها وحدها.
3، 4، 5- إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لا يجوز الخلط بين الملتزم أصلاً بالضريبة، وبين من اعتبره المشرع مسئولاً عن توريدها، بل يتعين التمييز بينهما، فلا يكون الشخص ملتزماً أصلاً بها، إلا إذا توافرت بالنسبة إليه الواقعة التي أنشأتها، والتي يتمثل عنصراها في المال المحمل بعبئها - والمتخذ وعاءً لها - ثم وجود علاقة بين هذا المال وشخص معين، ليكون اجتماعهما معاً مُظهراً للالتزام بالضريبة من خلال تحديد المشرع لظروفها الموضوعية والشخصية. ولا يكون الشخص مسئولاً عن الضريبة إلا إذا كان وفاؤه بها تابعاً للالتزام الأصلي بأدائها، ليبقى بوجوده ويزول بانقضائه، وشرط ذلك أن تكون علاقة المسئول عن الضريبة في شأن المال المتخذ وعاء لها - وهو العنصر الموضوعي في الضريبة - منتفية.
إذ كان ما تقدم، وكانت الضريبة التي فرضتها المادة 83 المطعون على الأوراق المالية والحصص والأنصبة التي حددتها، لا يتحمل بها أصلاً إلا أصحابها الذين يملكونها - على ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 86 من قانون هذه الضريبة - إلا أن الفقرة الثانية من المادة 86 ذاتها، تقيم إلى جانبهم مسئولين عنها يلتزمون - في الموعد المحدد بها - بتوريدها إلى مصلحة الضرائب ضماناً لتحصيلها، وتوقياً للتحايل عليها أو التخلص منها، وتأميناً لانتظام جبايتها وسرعتها، والتقليل من تكلفتها. متى كان ذلك، وكانت الشركات والهيئات التي صدرت عنها الأوراق المالية والحصص والأنصبة محل الضريبة، هي التي اعتبرتها الفقرة الثانية من المادة 86 من قانونها، مسئولة عن توريدها إلى الخزانة العامة؛ وكانت مسئوليتها هذه تدور وجوداً وعدماً مع وجود الضريبة ذاتها أو زوالها، فإن مصلحتها في الطعن عليها بمقولة مجاوزتها الحدود التي رسمها الدستور للضريبة العامة، وأن عبئها يظل واقعاً في ميزانيتها، مقتطعاً جانباً من مواردها، حائلاً دون استثمارها في وقت ملائم، ولو أمكنها بعد دفعها من الرجوع بها واقتضائها من الملتزمين أصلاً بها، تكون قائمة.
6، 7، 8- إن مصادرة حرية الفرد في اختيار الطريق الأفضل وفق تقديره لاستثمار أمواله، يناقض الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يقبل تنازلاً، غائراً في النفس البشرية، كافلاً إنسانيتها. والأصل في كل عمل أن يكون مشروعاً، ولا تخرج بعض الأعمال من دائرة التعامل إلا إذا حظرها المشرع، فإذا كان التعامل في أموال بذاتها جائزا، وكان استثمارها في نشاط معين ممكناً قانوناً، فإن الحمل على عدم ولوجها - من خلال الضريبة - يردها إلى دائرة عدم المشروعية، ويبلور منافاتها للعدالة الاجتماعية. والقول بأن مناعي المدعية خوض من جانبها في السياسة الضريبية التي يستقل المشرع بتقديرها؛ مردود، بأن الدستور قدر خطورة الضريبة العامة - وتندرج تحتها الضريبة المطعون عليها - بالنظر إلى تعلقها بجماهير غفيرة، ومساسها المباشر بمصالحها وتأثيرها بوجه عام في الأوضاع الاقتصادية، وكان لازماً بالتالي أن تراقبها هذه المحكمة - إذا ما طعن عليها - ضماناً لفرضها لمصلحة لها اعتبارها، وبمراعاة الأسس الموضوعية التي تقيم بنيانها الحق على ضوء معايير تكفل عدالتها اجتماعيا، وتتحدد على ضوئها جميعاً مشروعيتها الدستورية، وعلى الأخص في مجال اتصال أهدافها بمضمون النصوص القانونية التي فرضتها.
9- تداول الأوراق المالية التي حددتها المادة 83 من قانون هذه الضريبة ليس شرطاً لاستحقاقها، بل تتناول الضريبة قيم رؤوس أموال بذاتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - ولو لم تصدر صكوكها، بل ولو لم يجر تسليمها لأصحابها. ولا شأن لضريبة الدمغة النسبية بما يمكن أن يتولد عن رؤوس الأموال هذه من إيراد، بل يعتبر هذا الإيراد دخلاً لها، ينضم إلى غيره من الدخول التي يحققها الشخص، ليخضع صافي مجموعها، للضريبة السنوية التي فرضها قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 178 لسنة 1993.
10- الزكاة فرضتها النصوص القرآنية، لا النصوص التشريعية الوضعية التي ترتد الضريبة المطعون عليها إليها في مصدرها. والزكاة كذلك - وباعتبارها من الأركان الأساسية للعقيدة الإسلامية - لا يجوز العدول عنها، ولا التعديل في أحكامها المقطوع بثبوتها ودلالتها، خلافاً لكل ضريبة إذ يجوز دوماً النظر فيها، وتغيير بنيانها، بل وإلغاؤها. والضريبة والزكاة مختلفتان - نطاقاً وعلة - وهما بالتالي متغايرتان، وتحملها معاً، لا مخالفة فيه للدستور.
11- الضريبة العامة، لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها. بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول، بما مؤداه تكافؤ الممولين المخاطبين بها في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي - بالقوة ذاتها - كلما توافر مناطها في أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة. ولا يعني ذلك أن يتماثل الممولون في مقدار الضريبة التي يؤدونها، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، فالتكافؤ أو التعادل بينهم ليس فعلياً، بل جغرافياً.
12، 13- إن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج، أو طردها، أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها بالتالي على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق؛ وكان الدستور - نزولاً على هذه الحقائق واعترافاً بها - قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي يبينها القانون؛ وكانت السلطة التشريعية هي التي تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمناً تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإغفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون، فإن زمام الضريبة العامة يكون بيد السلطة التشريعية، فلا نزول قبضتها عنها.
14- نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة، إذ ينظم رابطتها محيطاً بها في إطار من قواعد القانون العام، متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لمتطلبات وأسس فرضها، وبمراعاة أن حق الدولة في إنشائها لتنمية مواردها، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها وفق أسس موضوعية، يكون إنصافها نافياً لتحيفها، فلا يناقض معدلها وأحوال فرضها الضوابط اللازمة لعدالتها الاجتماعية، ولا تتسم بوطأة الجزاء بما يباعد بينها وبين الأغراض المالية التي ينبغي أن تتوخاها أصلاً.
15- إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة - كفل بالمادتين 32 و34 حمايتها لكل فرد - وطنياً كان أم أجنبياً، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء - وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها - باعتبارها عائدة في الأعم من الأحوال إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها، معبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً في كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء دورها في إطار وظيفتها الاجتماعية. ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها هذه الوظيفة التي تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها لها مقوماتها وتوجهاتها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة.
16، 17، 18، 19، 20- إن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً، أم كان من حقوق الملكية الأدبية والفنية أو الصناعية؛ وكان لا يجوز على ضوء هذه الحماية، فرض ضريبة على رءوس أموال المكلفين بها بما يجتثها أو يقلصها إلى حد كبير، لتخرج بتمامها أو في كثير من أجزائها من يد أصحابها، مما يفقد الضريبة وظيفتها الأساسية بوصفها "إسهاماً منطقياً" من الملتزمين بأدائها في تحمل نصيبهم من الأعباء العامة لتغطية تكلفتها. والأدق أن يقال أن ضريبة على هذا النحو، عدوان على رؤوس هذه الأموال، ينال من قيمتها، ويحول دون تراكمها لبناء قاعدة اقتصادية أعرض. ومن ثم كان للضريبة مجال طبيعي يتصل بتطبيقاتها في الأعم من الأحوال، وذلك من خلال ربطها بصور الإيراد التي يقدر المشرع ملاءمة إخضاعها للضريبة، ليكون الدخل بذلك محوراً لها، ناجماً عن استثمار رؤوس الأموال في ألوان من التعامل جائزة قانوناً، وهو ما يعني أن الدخل - وباعتباره إيراداً متجدداً - يمثل من الضريبة مجالها الأكثر فاعلية، سواء كان هذا الإيراد ناجماً عن قيم منقولة، أم عن المهن غير التجارية، أم عن الثروة العقارية، أم كان مرتباً أم ربحاً صافياً محققاً من غير ذلك من المصادر، ومن ثم كان الدخل وعاء أساسياً للضريبة، متطلباً فيها كشرط مبدئي لموضوعيتها وعدالتها. ولا يجوز بالتالي أن تكون رؤوس الأموال ذاتها وعاءً لها، إلا بصورة استثنائية لا تعطل حقاً دستورياً، وبقدر الضرورة، وبما لا ينتزعها أو يؤول إلى تآكلها، ويفترض ذلك لزوماً ألا يكون تطبيق الضريبة التي فرضها المشرع عليها ممتداً في الزمان إلى غير حد، ولا أن تكون لها وطأة الجزاء، ولا أن "تظلها أغراض الجباية" لتهيمن عليها محددة مسارها.
21، 22- متى كان قانون ضريبة الدمغة المطعون عليها، قد فرضها على رؤوس أموال بذواتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - فاعتبرها وعاءً لها محملاً أصحابها بعبئها بوصفهم ملتزمين أصلاً بها، بما مؤداه ربط الضريبة بقيم هذه الأصول واقتضائها منها، فلا تزايلها أو تتحول عنها، ليكون إسناد الضريبة إليها - واطراد زمن تطبيقها - عاصفاً بها أو محدداً مجال حركتها، باعتبارها ضماناً لتحصيل الضريبة التي فرضها المشرع في شأنها. وهي بعد ضريبة يستأديها من أصحابها سنوياً - ومقدماً - بناءً على مجرد تملكهم لها، ومن ثم تكون "واقعة الملكية" - في ذاتها - هي المنشئة للضريبة المطعون عليها. وسواء كانت الأسهم أو السندات أو الحصص أو الأنصبة التي حملها المشرع بعبئها، تغل أو لا تنتج دخلاً، فليس لدخلها - وجوداً أو عدماً - من أثر على نفاذ الضريبة المطعون عليها، بل يظل رأس المال المحمل بها، وعاءً لها، وسعرها منسوباً إلى قيمته الاسمية أو الفعلية، ومبلغها مستنزلاً من قيم هذه الأموال ذاتها انتهاء إلى امتصاصها، بما يعيبها دستورياً ويفقدها مقوماتها، ليحيلها عدماً، ذلك أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً قانوناً - وعلى ما تنص عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية، وإلى جانبها أسسها الموضوعية محدد مفهومها على ضوء العدالة الاجتماعية، والتي تعتبر محوراً لتنظيم الضريبة في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور.
23- تبدو منافاة الضريبة المطعون عليها للعدالة الاجتماعية، من زاوية اتصال تطبيقها بالمسئولين عن أدائها، وهي الهيئة أو الشركة المصدرة للورقة المالية (سهماً كانت أم سنداً) أو للحصة أو النصيب، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 86 من قانون هذه الضريبة، تلزمها بأن تؤديها إلى مصلحة الضرائب خلال الخمسة عشر يوماً الأولى من يناير من كل سنة، ليقوم التزامها بتوريد هذه الضريبة إلى جوار المدينين أصلاً بها وفقاً لفقرتها الأولى، وهم أصحاب هذه الأوراق أو الحصص أو الأنصبة التي افترض المشرع قيام صله بينها وبينهم تسوغ حملها على توريد الضريبة إلى جانبهم, وهي صلة واهية انتحلها المشرع تقوية من جهته لضمان إيفاء الضريبة في موعدها وتيسيراً لتحصيلها، ذلك أن الضريبة المطعون عليها - وعلى ما تقدم - محلها أوراق مالية أو حصص أو أنصبة أخرجتها الهيئة أو الشركة المصرية التي أصدرتها من ملكيتها، بنقلها الحق فيها إلى آخرين.
وإصدارها لا يفصلها عنها، وليس لها من شأن بتداولها ولا بما ينجم عن التعامل فيها من إيراد، بل مرد ومردود ذلك إلى أصحابها.
بيد أن قانون هذه الضريبة، حمل الجهة المصدرة لها بعبئها، وجعلها مسئولة عن توريدها من رأسمالها المصدر الذي قد يزيد كثيراً على رأس مالها المدفوع، وألزمها بأدائها مقدماً، سواء أكان العمل بها قد بدأ، أم كان لا زال في مرحلة التحضير، وسواء كان نشاطها قد مضى قدماً محققاً ربحاً، أم كان متعثراً متراجعاً كاشفاً عن خسائر أصابتها مهما بلغ عمقها ومداها، وسواء كان وجودها قانونا محققاً، أم كان كيانها غير مكتمل، بما مؤداه إضرار الضريبة المطعون عليها بمركزها المالي، وتسويتها لفرص توجيهها لجهودها، وحشدها لتحقيق الأغراض التي تقوم أصلاً عليها.
24- دل المشرع على أن سعيه لتحصيل الضريبة، كان توجهاً منهما بما نص عليه في المادة 85 من قانونها من سريانها اعتباراً من تاريخ مزاولة الشركة لعملها، أو من تاريخ صدور القرار المرخص في تأسيسها، أو اعتباراً من نشر المحرر المتعلق بتأسيسها، أيها أسبق زمناً، لتكون الجباية في ذاتها هدفاً منظوراً ورئيسياً لهذه الضريبة، فلا تمتد إليها حماية الدستور، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التي تقرر "ليس ثمة مصلحة مشروعة ترتجى من وراء إقرار تنظيم تشريعي يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال فرض ضريبة تفتقر إلى قوالبها الشكلية أو لا تتوافر - في أركانها ودوافعها - الأسس الموضوعية التي ينبغي أن تقوم عليها، ذلك أن جباية الأموال في ذاتها، لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور، بل يتعين أن تتم وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه".
25- إن المشرع عزز اتجاهه إلى تحصيل الضريبة المطعون عليها، بغض النظر عن عواقبها بما نص عليه في البند (ب) من المادة 83 من قانونها من فرضها على القيمة الاسمية للأوراق غير المقيدة في البورصة أو المقيدة بها "التي ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التي تمت بشأنها من القلة بحيث لا يمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها" بما مؤداه، أنه حتى ولو أسفرت العمليات التي جرت في شأن الورقة المالية، عن تضاؤل قيمتها، فإن قلة هذه العمليات - وفق تقدير الجهة الدائنة بالضريبة - تخولها محاسبة الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عن أدائها، على ضوء القيمة الاسمية - لا الفعلية - للورقة المالية. وهي عين القاعدة التي التزمها المشرع في شأن ضريبة الدمغة النوعية التي فرضها على حصص التأسيس وفقاً للبند (د) من المادة 83 المشار إليها.
26- الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التي يفرضها أمرين، يكون أحدهما أصلاً مقصوداً منها ابتداءً primary motive، ويتمثل في الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها، تصبها في خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها. ويكون ثانيهما مطلوباً منها بصفة عرضية أو جانبية، أو غير مباشرة Incidential Motive كاشفاً عن طبيعتها التنظيمية Regulatary Nature، دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التي تتناولها، أو حمل المكلفين بها - عن طريق عبئها - على التخلي عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثماً جنائياً، كالتعامل في المواد المخدرة.
وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيراً ما تلازمها، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية، ولا تزايلها طبيعتها هذه، لمجرد أنها تولد أثاراً عرضية بمناسبة إنشائها.
27- إن الضريبة المطعون عليها - ومن زاوية آثارها العرضية - تلحق بفرص الاستثمار أفدح الأضرار، وهي كذلك تعوق الادخار الذي اعتبره الدستور واجباً قومياً، وليس أدل على ذلك، من أن وزير المالية حين سئل عن كيفية تعويض حصيلتها بعد إلغائها، كان قاطعاً في أن إلغاءها يوفر ظروفاً أفضل للاستثمار، تزداد بها العمالة، وينكمش معها التضخم، ويدور في نطاقها رأس المال، من خلال قاعدة إنتاجية أعرض، كاشفاً بذلك عن أن فرض هذه الضريبة كان عملاً عشوائياً منافياً لعدالتها الاجتماعية، مجاوزاً الحدود التي يكون فيها أداؤها واجباً قانوناً، معطلاً دورها في مجال تحقيق الكفاية والعدل اللذين جعلهما الدستور أساساً للنظام الاقتصادي، وغدا تحصيلها بالتالي مجرد جباية لا ضابط لها ولا يستقيم بنيانها وفق الأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة دستورياً في غيابها.


الإجراءات

في الخامس عشر من فبراير سنة 1995 أودعت الشركة المدعية قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى طالبة الحكم بعدم دستورية نصي المادتين 83، 86 من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية - الشركة الأمريكية للبويات والدهانات - كانت قد أقامت ضد المدعى عليه الثالث بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب، الدعوى رقم 103 لسنة 1992 ضرائب كلي شمال القاهرة، طعناً على قرار لجنة الطعن رقم 99 لسنة 1990 بتحديد ضريبة الدمغة النسبية التي تلتزم بأدائها، وطلبت في دعواها هذه الحكم بأحقيتها في التمتع بإعفاء رأسمالها من الخضوع لهذه الضريبة لمدة عشر سنين من تاريخ تأسيسها، وعدم سريان تلك الضريبة على الزيادة في رأس مالها بالتالي. إلا أن محكمة شمال القاهرة قضت برفض الدعوى، فطعنت الشركة على هذا الحكم بالاستئناف رقم 1482 لسنة 11 قضائية. وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص المادة 83 من قانون ضريبة الدمغة النسبية الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت المدعية الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعية وإن ضمنت صحيفة دعواها الدستورية، الطعن بعدم دستورية المادتين 83، 86 من قانون ضريبة الدمغة، إلا أن من المقرر - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن الدعوى الدستورية، ينحصر نطاقها في النصوص القانونية التي دفع خصم أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وفي حدود ترجيحها لمنطقية المطاعن الموجهة إليها، تقديراً بأن المسائل الدستورية التي أثارها هذا الدفع، هي التي قدر الحكم الصادر عنها جديتها، والتي أتصل بها تصريحها برفع الدعوى الدستورية. إذ كان ما تقدم، وكان هذا الدفع قد تعلق بنص المادة 83 من قانون ضريبة الدمغة دون غيرها، فإن الدعوى الدستورية لا تدور إلا حولها، ولا شأن لها بغيرها من النصوص القانونية التي تضمنها هذا القانون.
وحيث إن المادة 83 المطعون عليها، وإن ألغتها المادة الأولى من القانون رقم 115 لسنة 1995 اعتباراً من تاريخ العمل بها في أول يناير 1996، إلا أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها - ومن بينهم المدعية - وترتبت بمقتضاها أثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها وحتى إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة، وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من هاتين القاعدتين، فما نشأ مكتملاً في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعا لحكمها وحدها.
وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لا يجوز الخلط بين الملتزم أصلاً بالضريبة، وبين من اعتبره المشرع مسئولاً عن توريدها، بل يتعين التمييز بينهما، فلا يكون الشخص ملتزماً أصلاً بها، إلا إذا توافرت بالنسبة إليه الواقعة التي أنشأتها، والتي يتمثل عنصراها في المال المحمل بعبئها - والمتخذ وعاءً لها - ثم وجود علاقة بين هذا المال وشخص معين، ليكون اجتماعهما معاً مُظهراً للالتزام بالضريبة من خلال تحديد المشرع لظروفها الموضوعية والشخصية. ولا يكون الشخص مسئولاً عن الضريبة إلا إذا كان وفاؤه بها تابعاً للالتزام الأصلي بأدائها، ليبقى بوجوده ويزول بانقضائه، وشرط ذلك أن تكون علاقة المسئول عن الضريبة في شأن المال المتخذ وعاءً لها - وهو العنصر الموضوعي في الضريبة - منتفية.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكانت الضريبة التي فرضتها المادة 83 المطعون عليها على الأوراق المالية والحصص والأنصبة التي حددتها، لا يتحمل بها أصلاً إلا أصحابها الذين يملكونها - على ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 86 من قانون هذه الضريبة - إلا أن الفقرة الثانية من المادة 86 ذاتها، تقيم إلى جانبهم مسئولين عنها يلتزمون - في الموعد المحدد بها - بتوريدها إلى مصلحة الضرائب ضماناً لتحصيلها، وتوقياً للتحايل عليها أو التخلص منها، وتأميناً لانتظام جبايتها وسرعتها، والتقليل من تكلفتها. متى كان ذلك، وكانت الشركات والهيئات التي صدرت عنها الأوراق المالية والحصص والأنصبة محل الضريبة، هي التي اعتبرتها الفقرة الثانية من المادة 86 من قانونها، مسئولة عن توريدها إلى الخزانة العامة؛ وكانت مسئوليتها هذه تدور وجوداً وعدماً مع وجود الضريبة ذاتها أو زوالها، فإن مصلحتها في الطعن عليها بمقولة مجاوزتها الحدود التي رسمها الدستور للضريبة العامة، وأن عبئها يظل واقعاً في ميزانيتها، مقتطعاً جانباً من مواردها، حائلاً دون استثمارها في وقت ملائم، ولو أمكنها بعد دفعها من الرجوع بها واقتضائها من الملتزمين أصلاً بها، تكون قائمة.
وحيث إن المادة 83 المطعون عليها - بعد تعديلها - تنص على ما يأتي:
"تستحق ضريبة سنوية على السندات أياً كانت جهة إصدارها وجميع الأسهم والحصص والأنصبة الصادرة من الشركات المصرية سواء أكانت مساهمة أو توصية بالأسهم أو ذات مسئولية محدودة، وسواء مثلت تلك الأسهم والحصص والأنصبة والسندات في صكوك أو لم تمثل، وسواء سلمت الصكوك إلى أصحابها أو لم تسلم وذلك على النحو التالي:-
( أ ) نسبية: ثمانية في الألف من متوسط السعر خلال الستة أشهر السابقة على تاريخ استحقاق الضريبة، وذلك بالنسبة للأوراق المالية المقيدة والمتداولة في البورصة.
(ب) نسبية: أثنا عشر في الألف من القيمة الاسمية للأوراق غير المقيدة في البورصة أو المقيدة بها، التي ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التي تمت بشأنها في البورصة من القلة بحيث لا يمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها.
(ج) نسبية: أثنا عشر في الألف من قيمة رأس مال الشركات المساهمة وذات المسئولية المحدودة غير الممثل في أسهم أو حصص أو أنصبة.
(د) نوعية: مائة وثمانون قرشاً بالنسبة لحصص التأسيس غير المقيدة في البورصة أو المقيدة بها، التي ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التي تمت بشأنها في البورصة من القلة بحيث لا يمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها.
وتخفض الضريبة إلى النصف خلال السنتين الأوليين من تاريخ تأسيس الشركة".
وحيث إن المادة 85 من قانون ضريبة الدمغة، تنص كذلك على أن تسري الضريبة من تاريخ مزاولة الشركة عملها، أو من تاريخ صدور القرار المرخص في تأسيسها، أو من تاريخ نشر المحرر الذي أسست بمقتضاه، أي هذه التواريخ أسبق.
وحيث إن المذكرة الإيضاحية التي صاغها مشروع هذه الضريبة، تدل على انصرافها إلى الأوراق المالية الصادرة عن شركات المساهمة، ما كان منها تابعاً للقطاع العام أو الخاص، وكذلك إلى ما يصدر عنها من أسهم خلال السنة لمقابلة الزيادة في رأسمالها، ولو لم تمثل أسهمها في صكوك تدل عليها، وتعتبر سنداً مثبتاً لملكيتها، بل ولو لم يجر تسليمها لأصحابها، فضلاً عن أن ما نص عليه المشروع من استحقاق الضريبة من تاريخ مزاولة الشركة نشاطها، أو اعتباراً من تاريخ تأسيسها أيهما أسبق، مؤداه أنها تستحق "قبل أن تولد الشركة "قانوناً" فلا يكون القول بضرورة تمثيل الأسهم في صكوك تم تسليمها لأصحابها، إلا لغواً.
وحيث إن البين من مضبطة الجلسة الثامنة والخمسين المعقودة في 13/ 3/ 1995 والتي ناقش مجلس الشعب فيها، مشروع إلغاء نص المادة 83 التي كان قد فرض بها ضريبة الدمغة النسبية على الأوراق المالية، أن الضرائب بوجه عام ينبغي ألا تكون مجرد الجباية هدفها، بل يتعين ألا تعوق الاستثمار، وأن تكون حافزاً للادخار، كافلة للعدالة الاجتماعية، فلا تكون عبئاً غير مقبول، ولا تخالطها عشوائية تفقدها مبرراتها، وأن إلغاءها - وعلى رأسها ضريبة الدمغة النسبية على رأس المال، وكان مطلباً ثابتاً للجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، لا سيما وقد اعتبر المشرع الشركة أو الهيئة التي صدرت عنها الأوراق المالية، مسئولة عن توريد هذه الضريبة، رغم التزام أصحابها أصلاً بها، ودون ما اعتداد بما إذا كان نشاطها قد حقق ربحاً أم آل إلى خسارتها. وقد أقر رئيس الجمهورية وجهة النظر التي تدعو لإلغائها، وقرر وزير المالية في بيانه أمام المجلس، أنها تفرض على رأس المال المصدر - لا المدفوع - وأنها تحصل في بداية كل سنة من المسئولين عن توريدها، سواء بداً العمل في شركاتهم أو لم يبدأ، وأياً كان ناتج نشاطها. وحين سئل عن كيفية تعويض حصيلتها إذا ما تقرر إلغاؤها، أفاد بأن فرص الاستثمار التي تتهيأ بإلغائها، هي التي تكفل التعويض المرجو، بالنظر إلى العمالة الأكبر التي تتيحها، والقاعدة الإنتاجية الأغراض التي تقيمها، والتي ينمو الدخل في ظلها، وينكمش معها التضخم ويزداد معها الممولون وعياً وعدداً.
وحيث إن المدعية وآخرين ممن أدوا الضريبة محل النزاع الماثل، أقاموا مناعيهم في شأنها على سند من أن الأصل في الضريبة، أن يكون محلها إيراداً دورياً منتظماً، وهو ما يعني أن يكون وعاؤها دخلاً متجدداً، وأن يظل وعاؤها قائماً، فإذا زال بعد وجوده، أو كان غير محقق الوجود، أو كان استمرار تطبيقها مفضياً إلى تآكله، كان فرضها منافياً للدستور، وإذا جاز أن يكون رأس المال محلاً للضريبة ليقع عليه عبؤها، فذلك في الظروف الاستثنائية، ولمرة واحدة. والضريبة المطعون عليها وإن كان ظاهرها ليناً، إلا أن حقيقتها استنفاد لوعائها إذا استطال زمنها، فقد فرضها المشرع أصلاً وابتداءً على من يملكون أوراقاً مالية أو حصصاً أو أنصبة، ليؤديها هؤلاء من وعائها ممثلاً في قيمتها، وهو ما يعني حَمْلهم على اقتطاعها منه بغير حكم قضائي؛ وانصرافاً عن مفهوم الادخار الذي اعتبر الدستور حمايته، والحض عليه، واجباً وطنياً؛ وتخلياً عن اتسامها بالعدالة الاجتماعية التي أقامها بنياناً لكل ضريبة؛ وإهداراً لصون الملكية الخاصة التي تقوم في جوهرها على رأس المال غير المستغل، والتي لا يجوز المساس بها إلا استثناء، وفي الحدود التي نص الدستور عليها، ليكون فرض الضريبة المطعون عليها منافياً لمواده 34 و38 و39.
وحيث إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة، من أن الملتزمين أصلاً بالضريبة، كان بوسعهم تجنبها لو أنهم وجهوا أموالهم لاستثمارها عن غير طريق الأوراق المالية التي حددتها المادة 83 من قانون الضريبة؛ مردود، بأن مصادرة حرية الفرد في اختيار الطريق الأفضل وفق تقديره لاستثمار أمواله، يناقض الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يقبل تنازلاً، غائراً في النفس البشرية، كافلاً إنسانيتها. والأصل في كل عمل أن يكون مشروعاً، ولا تخرج بعض الأعمال من دائرة التعامل إلا إذا حظرها المشرع، فإذا كان التعامل في أموال بذاتها جائزاً، وكان استثمارها في نشاط معين ممكناً قانوناً، فإن الحمل على عدم ولوجها - من خلال الضريبة - يردها إلى دائرة عدم المشروعية، ويبلور منافاتها للعدالة الاجتماعية. والقول بأن مناعي المدعية خوض من جانبها في السياسة الضريبية التي يستقل المشرع بتقديرها؛ مردود، بأن الدستور قدر خطورة الضريبة العامة - وتندرج تحتها الضريبة المطعون عليها - بالنظر إلى تعلقها بجماهير غفيرة، ومساسها المباشر بمصالحها وتأثيرها بوجه عام في الأوضاع الاقتصادية، وكان لازماً بالتالي أن تراقبها هذه المحكمة - إذا ما طعن عليها - ضماناً لفرضها لمصلحة لها اعتبارها، وبمراعاة الأسس الموضوعية التي تقيم بنيانها الحق، على ضوء معايير تكفل عدالتها اجتماعيا، وتتحدد على ضوئها جميعاً مشروعيتها الدستورية، وعلى الأخص في مجال اتصال أهدافها بمضمون النصوص القانونية التي فرضتها.
وغير صحيح كذلك في القانون، ما تدعيه هذه الهيئة، من أن الضريبة المطعون عليها يبررها أنها تتناول مستثمرين يتداولون رؤوس أموال بذواتها ويضاربون عليها من خلال بورصة الأوراق المالية التي تكفل لهذا النوع من الاستثمار استمراره وتطويره، ومن ثم كان إسهامهم في أعباء إنشائها لازماً. غير صحيح ما تقدم، ذلك أن تداول الأوراق المالية التي حددتها المادة 83 من قانون هذه الضريبة، ليس شرطاً لاستحقاقها، بل تتناول الضريبة قيم رؤوس أموال بذواتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - ولو لم تصدر صكوكها، بل ولو لم يجر تسليمها لأصحابها. ولا شأن لضريبة الدمغة النسبية بما يمكن أن يتولد عن رؤوس الأموال هذه من إيراد، بل يعتبر هذا الإيراد دخلاً لها، ينضم إلى غيره من الدخول التي يحققها الشخص، ليخضع صافي مجموعها، للضريبة السنوية التي فرضها قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 178 لسنة 1993.
وحيث إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة، من أن الضريبة المطعون عليها نوع من الزكاة مردود، بأن الزكاة فرضتها النصوص القرآنية، لا النصوص التشريعية الوضعية التي ترتد الضريبة المطعون عليها إليها في مصدرها. والزكاة كذلك - وباعتبارها من الأركان الأساسية للعقيدة الإسلامية - لا يجوز العدول عنها، ولا التعديل في أحكامها المقطوع بثبوتها ودلالتها، خلافاً لكل ضريبة إذ يجوز دوماً النظر فيها، وتغيير بنيانها، بل وإلغاؤها. والضريبة والزكاة مختلفتان - نطاقاً وعلة - وهما بالتالي متغايرتان، وتحملهما معاً، لا مخالفة فيه للدستور.
وحيث إن الضريبة المطعون عليها ضريبة عامة، لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول، بما مؤداه تكافؤ الممولين المخاطبين بها في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي - بالقوة ذاتها - كلما توافر مناطها في أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة. ولا يعني ذلك أن يتماثل الممولون في مقدار الضريبة التي يؤدونها، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، فالتكافؤ أو التعادل بينهم ليس فعلياً، بل جغرافياً.
وحيث إن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج، أو طردها أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها بالتالي على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق؛ وكان الدستور - نزولاً على هذه الحقائق واعترافاً بها - قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي يبينها القانون. ولازم ذلك أن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمناً تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإغفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة، إذ ينظم رابطتها محيطاً بها في إطار من قواعد القانون العام، متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لمتطلبات وأسس فرضها، وبمراعاة أن حق الدولة في إنشائها لتنمية مواردها، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها وفق أسس موضوعية، يكون إنصافها نافياً لتحيفها، فلا تتسم بوطأة الجزاء بما يباعد بينها وبين الأغراض المالية التي ينبغي أن تتوخاها أصلاً، ولا يناقض معدلها وأحوال فرضها الضوابط اللازمة لعدالتها الاجتماعية.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة - كفل بالمادتين 32 و34 حمايتها لكل فرد - وطنياً كان أم أجنبياً، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء - وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها - باعتبارها عائدة في الأعم من الأحوال إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها، معبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً في كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء دورها في إطار وظيفتها الاجتماعية. ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها هذه الوظيفة التي تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها لها مقوماتها وتوجهاتها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة.
وحيث إن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً، أم كان من حقوق الملكية الأدبية والفنية أو الصناعية؛ وكان لا يجوز على ضوء هذه الحماية، فرض ضريبة على رؤوس أموال المكلفين بها بما يجتثها أو يقلصها إلى حد كبير، لتخرج بتمامها أو في كثير من أجزائها من يد أصحابها، مما يفقد الضريبة وظيفتها الأساسية بوصفها "إسهاماً منطقياً" من الملتزمين بأدائها في تحمل نصيبهم من الأعباء العام لتغطية تكلفتها. والأدق أن يقال أن ضريبة على هذا النحو، عدوان على رؤوس هذه الأموال، ينال من قيمتها، ويحول دون تراكمها لبناء قاعدة اقتصادية أعرض. ومن ثم كان للضريبة مجال طبيعي يتصل بتطبيقاتها في الأعم من الأحوال، وذلك من خلال ربطها بصور الإيراد التي يقدر المشرع ملاءمة إخضاعها للضريبة، ليكون الدخل بذلك محوراً لها، ناجماً عن استثمار رؤوس الأموال في ألوان من التعامل جائزة قانوناً، وهو ما يعني أن الدخل - وباعتباره إيراداً متجدداً - يمثل من الضريبة مجالها الأكثر فاعلية، سواء كان هذا الإيراد ناجماً عن قيم منقولة، أم عن المهن غير التجارية، أم عن الثروة العقارية، أم كان مرتباً أم ربحاً صافياً محققاً من غير ذلك من المصادر، ومن ثم كان الدخل وعاءً أساسياً للضريبة، متطلباً فيها كشرط مبدئي لموضوعيتها وعدالتها. ولا يجوز بالتالي أن تكون رؤوس الأموال ذاتها وعاءً لها، إلا بصورة استثنائية لا تعطل حقاً دستورياً، وبقدر الضرورة، وبما لا ينتزعها أو يؤول إلى تآكلها، ويفترض ذلك لزوماً ألا يكون تطبيق الضريبة التي فرضها المشرع عليها ممتداً في الزمان إلى غير حد، ولا أن تكون لها وطأة الجزاء، ولا أن "تظلها أغراض الجباية" لتهيمن عليها محددة مسارها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان قانون ضريبة الدمغة المطعون عليها، قد فرضها على رؤوس أموال بذواتها - سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً - فاعتبرها وعاءً لها محملاً أصحابها بعبئها بوصفهم ملتزمين أصلاً بها، بما مؤداه ربط الضريبة بقيم هذه الأصول واقتضائها منها، فلا تزايلها أو تتحول عنها، ليكون إسناد الضريبة إليها - واطراد زمن تطبيقها - عاصفاً بها أو محدداً مجال حركتها، باعتبارها ضماناً لتحصيل الضريبة التي فرضها المشرع في شأنها. وهي بعد ضريبة يستأديها من أصحابها سنوياً - ومقدماً - بناءً على مجرد تملكهم لها، ومن ثم تكون "واقعة الملكية" - في ذاتها - هي المنشئة للضريبة المطعون عليها. سواء كانت الأسهم أو السندات أو الحصص أو الأنصبة التي حملها المشرع بعبئها، تغل أو لا تنتج دخلاً. فليس لدخلها - وجوداً أو عدماً - من أثر على نفاذ الضريبة المطعون عليها، بل يظل رأس المال المحمل بها، وعاءً لها، وسعرها منسوباً إلى قيمته الاسمية أو الفعلية، ومبلغها مستنزلاً من قيم هذه الأموال ذاتها انتهاء إلى امتصاصها، بما يعيبها دستورياً ويفقدها مقوماتها، ليحيلها عدماً، ذلك أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً قانوناً - وعلى ما تنص عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية، وإلى جانبها أسسها الموضوعية محدد مفهومها على ضوء العدالة الاجتماعية، والتي تعتبر محوراً لتنظيم الضريبة في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور.
وحيث إن منافاة الضريبة المطعون عليها للعدالة الاجتماعية، تبدو كذلك من زاوية اتصال تطبيقها بالمسئولين عن أدائها، وهي الهيئة أو الشركة المصدرة للورقة المالية (سهماً كانت أم سنداً) أو للحصة أو النصيب, ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 86 من قانون هذه الضريبة، تلزمها بأن تؤديها إلى مصلحة الضرائب خلال الخمسة عشر يوماً الأولى من يناير من كل سنة، ليقوم التزامها بتوريد هذه الضريبة إلى جوار المدينين أصلاً بها وفقاً لفقرتها الأولى، وهم أصحاب هذه الأوراق أو الحصص أو الأنصبة التي افترض المشرع قيام صله بينها وبينهم تسوغ حملها على توريد الضريبة إلى جانبهم, وهي صلة واهية انتحلها المشرع تقوية من جهته لضمان إيفاء الضريبة في موعدها وتيسيراً لتحصيلها، ذلك أن الضريبة المطعون عليها - وعلى ما تقدم - محلها أوراق مالية أو حصص أو أنصبة أخرجتها الهيئة أو الشركة المصرية التي أصدرتها من ملكيتها، بنقلها الحق فيها إلى آخرين.
وإصدارها لها يفصلها عنها، وليس لها من شأن بتداولها ولا بما ينجم عن التعامل فيها من إيراد، بل مرد ومردود ذلك إلى أصحابها.
بيد أن قانون هذه الضريبة، حمل الجهة المصدرة لها بعبئها، وجعلها مسئولة عن توريدها من رأسمالها المصدر الذي قد يزيد كثيراً على رأس مالها المدفوع، وألزمها بأدائها مقدماً، سواء أكان العمل بها قد بدأ، أم كان لا زال في مرحلة التحضير، وسواء كان نشاطها قد مضى قدماً محققاً ربحاً، أم كان متعثراً متراجعاً كاشفاً عن خسائر أصابتها مهما بلغ عمقها ومداها، وسواء كان وجودها قانوناً محققاً، أم كان كيانها غير مكتمل، بما مؤداه إضرار الضريبة المطعون عليها بمركزها المالي، وتسويتها لفرص توجيهها لجهودها، وحشدها لتحقيق الأغراض التي تقوم أصلاً عليها.
وقد دل المشرع على أن سعيه لتحصيل الضريبة، كان توجهاً منهما بما نص عليه في المادة 85 من قانونها من سريانها اعتباراً من تاريخ مزاولة الشركة لعملها، أو من تاريخ صدور القرار المرخص في تأسيسها، أو اعتباراً من نشر المحرر المتعلق بتأسيسها، أيها أسبق زمناً، لتكون الجباية في ذاتها هدفاً منظوراً ورئيسياً لهذه الضريبة، فلا تمتد إليها حماية الدستور، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التي تقرر "ليس ثمة مصلحة مشروعة ترتجى من وراء إقرار تنظيم تشريعي يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال فرض ضريبة تفتقر إلى قوالبها الشكلية أو لا تتوافر - في أركانها ودوافعها - الأسس الموضوعية التي ينبغي أن تقوم عليها، ذلك أن جباية الأموال في ذاتها، لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور، بل يتعين أن تتم وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه".
وحيث إن المشرع عزز اتجاهه إلى تحصيل الضريبة المطعون عليها، بغض النظر عن عواقبها بما نص عليه في البند (ب) من المادة 83 من قانونها من فرضها على القيمة الاسمية للأوراق غير المقيدة في البورصة أو المقيدة بها "التي ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التي تمت بشأنها من القلة بحيث لا يمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها" بما مؤداه، أنه حتى ولو أسفرت العمليات التي جرت في شأن الورقة المالية، عن تضاؤل قيمتها، فإن قلة هذه العمليات - وفق تقدير الجهة الدائنة بالضريبة - تخولها محاسبة الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عن أدائها، على ضوء القيمة الاسمية - لا الفعلية - للورقة المالية. وهي عين القاعدة التي التزمها المشرع في شأن ضريبة الدمغة النوعية التي فرضها على حصص التأسيس وفقاً للبند (د) من المادة 83 المشار إليها.
وحيث إن الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التي يفرضها أمرين، يكون أحدهما أصلاً مقصوداً منها ابتداء primary motive، ويتمثل في الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها، تصبها في خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها؛ ويكون ثانيهما مطلوباً منها بصفة عرضية أو جانبية، أو غير مباشرة Incidential Motive كاشفاً عن طبيعتها التنظيمية Regulatary Nature، دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التي تتناولها، أو حمل المكلفين بها - عن طريق عبئها - على التخلي عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثماً جنائياً، كالتعامل في المواد المخدرة.
وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيراً ما تلازمها، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية، ولا تزايلها طبيعتها هذه، لمجرد أنها تولد أثاراً عرضية بمناسبة إنشائها.
وحيث إن الضريبة المطعون عليها - ومن زاوية آثارها العرضية - تلحق بفرص الاستثمار أفدح الأضرار، وهي كذلك تعوق الادخار الذي اعتبره الدستور واجباً قومياً، وليس أدل على ذلك، من أن وزير المالية حين سئل عن كيفية تعويض حصيلتها بعد إلغائها، كان قاطعاً في أن إلغاءها يوفر ظروفاً أفضل للاستثمار، تزداد بها العمالة، وينكمش معها التضخم، ويدور في نطاقها رأس المال، من خلال قاعدة إنتاجية أعرض، كاشفاً بذلك عن أن فرض هذه الضريبة كان عملاً عشوائياً منافياً لعدالتها الاجتماعية، مجاوزاً الحدود التي يكون فيها أداؤها واجباً قانوناً، معطلاً دورها في مجال تحقيق الكفاية والعدل اللذين جعلهما الدستور أساساً للنظام الاقتصادي، وغدا تحصيلها بالتالي مجرد جباية لا ضابط لها ولا يستقيم بنيانها وفق الأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة دستورياً في غيابها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً أحكام المواد 4 و23 و32 و34 و38 و119 و120 من الدستور.
وحيث إن المواد 84 و85 و86 و87 من قانون هذه الضريبة - قبل إلغائها - ترتبط بنص المادة 83 المطعون عليها ارتباطاً لا يقبل التجزئة، بحيث لا يمكن فصلها عنها أو تطبيقها استقلالاً، فإنها تسقط جميعاً تبعاً لإبطال النص المطعون فيه، ولا تقوم لها من بعد من قائمة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 83 من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 وبسقوط مواده 84 و85 و86 و87 المرتبطة بها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.


- استناداً إلى الحجية المطلقة لهذا الحكم قضت المحكمة - خلال الفترة التي صدر عنها هذا الجزء من أحكامها - باعتبار الخصومة منتهية في الدعاوى المماثلة الآتية:-
1- الدعوى رقم 10 لسنة 17 ق دستورية جلسة 5/ 10/ 1996.
2- الدعوى رقم 33 لسنة 17 ق دستورية جلسة 5/ 10/ 1996.
3- الدعوى رقم 89 لسنة 17 ق دستورية جلسة 5/ 10/ 1996.
4- الدعوى رقم 13 لسنة 18 ق دستورية جلسة 16/ 11/ 1996.