جلسة 4 يناير 1997
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين،
وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.
-----------------
قاعدة رقم (15)
القضية رقم 34 لسنة 17 قضائية "دستورية"
1- دعوى دستورية "شرط المصلحة الشخصية المباشرة - ضرر"
عدم قبول الدعوى الدستورية من غير هؤلاء الذين أضيروا من جراء سريان النص المطعون عليه في شأنهم - سواء كان هذا الضرر وشيكاً يهددهم أم كان واقعاً فعلاً.
2- دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: ضرر"
من المتعين أن يكون الضرر المسوغ لرفع الدعوى الدستورية ممن لحق بهم من جراء النص المطعون فيه منفصلاً عن مجرد مخالفته للدستور.
3- دعوى دستورية "انتفاء المصلحة"
انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة فيمن لم يطبق عليه النص المطعون فيه أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه.
4- عقار "بيع - تسجيل"
البيع غير المسجل لعقار لا يزال بيعاً منتجاً لآثاره عدا نقل الملكية، ويظل بائعه مالكاً له ملزماً بتسليمه وبضمان التعرض والاستحقاق.
5- حقوق عينية عقارية "دعوى صحة التعاقد"
وفقاً لقانون تنظيم الشهر العقاري فإن دعوى صحة التعاقد على حقوق عينية عقارية واجب تسجيلها - من شأن هذا التسجيل أن يكون للحكم الصادر للمدعي فيها حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداءً من تاريخ تسجيل دعواه.
6- تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية: ضوابطها"
الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق هو إطلاقها ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة.
7- ملكية خاصة "أجانب: قيود.
للدولة أن تفرض قيوداً في شأن الأموال التي يجوز لغير مواطنيها تملكها - لها كذلك أن تخرج فئة منها من دائرة الأموال التي يجوز التعامل فيها.
8- ملكية خاصة "قيود"
تقييد الدولة حق غير المواطنين في تملك أموال بذاتها في مرحلة ما لا يحول دون إسقاطها لهذه القيود في مرحلة أخرى.
9- ملكية خاصة "وظيفة اجتماعية"
لم تعد الملكية حقاً مطلقاً، بل يتعين أن يكون تنظيمها كاشفاً عن وظيفتها الاجتماعية.
10- دستور "المادة الثانية" - تشريع "المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب الأراضي الزراعية والصحراوية".
اعتباراً من تاريخ تعديل المادة الثانية من الدستور في سنة 1980، غدت السلطة التشريعية ملزمة فيما تقره من النصوص القانونية بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الكلية مصدراً وتأويلاً، انحسار ذلك عن المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 الصادر قبل هذا التعديل.
11- دستور: المادة الثانية: إنفاذها".
إنفاذ حكم المادة الثانية من الدستور لم يكن مشروطاً بتدخل السلطة التشريعية لتبادر بنفسها إلى تنقية القوانين القانونين القائمة مما قد يشوبها من عوار مخالفتها لمبادئ الشريعة الإسلامية.
12- رقابة قضائية "مناطها"
مناط الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا تثبيتاً للشرعية الدستورية تلك النصوص القانونية التي أقرتها السلطة التشريعية أو أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي بينها الدستور - لا شأن لهذه الرقابة بتخلي إحداهما عن واجباتها.
13- دستور "المادة 191: مقتضاها".
مقتضى ما قررته هذه المادة من أن يبقى صحيحاً ونافذاً كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور، لا يتوخى غير مجرد استمرار العمل بها دون تطهيرها من عوار يبطلها ولا تحصينها من الطعن عليها.
14- تشريع "المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963: حق التملك".
عدم معارضة هذه المادة قيوداً فرضها الدستور في شأن حق التملك.
الإجراءات
بتاريخ 25 مايو سنة 1995، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية نصوص المواد الأربع الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية والصحراوية وما في حكمها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وقدم المدعي عليه السادس مذكرة طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي - وهو كويتي الجنسية - كان قد اشترى - بموجب عقد ابتدائي مؤرخ 25 يونيو سنة 1959 - من المدعي عليها الثانية وآخرين أرضاً مساحتها 9 س، 12 ط، 534 ف كائنة بحوض الدير المستجد رقم 16 بناحية العجمي محافظة الإسكندرية.
وإذ تصرف البائعون في جزء من المبيع، فقد أقام المدعي الدعوى رقم 4057 لسنة 1976 مدني شمال القاهرة، طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المشار إليه، مسجلاً صحيفتها برقم 220 في 26 مايو سنة 1976. وإذ طلب الحاضر عن الحكومة الحكم بعدم قبول دعواه هذه استناداً إلى صدور القانون رقم 15 لسنة 1963 الذي حظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما في حكمها، فقد دفع المدعي بعدم دستورية المواد الأربع الأولى من هذا القانون، ثم أقام الدعوى المثالة بعد تقدير محكمة الموضوع لجدية دفعه، وتصريحها برفع الدعوى الدستورية بشأن المسائل التي أثارها.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 تقضي بأن يحظر على الأجانب سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم اعتباريين، تملك الأراضي الزراعية وما في حكمها من الأراضي القابلة للزراعة والبور والصحراوية في جمهورية مصر العربية، ويشمل هذا الحظر الملكية التامة، كما يشمل ملكية الرقبة أو حق الانتفاع.
ولا تعتبر أرضاً زراعية في تطبيق أحكام هذا القانون الأراضي الداخلة في نطاق المدن والبلاد التي تسري عليها أحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 المشار إليه إذا كانت غير خاضعة لضريبة الأطيان.
وعملاً بمادته الثانية، تؤول إلى الدولة ملكية الأراضي الزراعية وما في حكمها من الأراضي القابلة للزراعة والبور والصحراوية المملوكة للأجانب وقت العمل بهذا القانون بما عليها من المنشآت والآلات الثابتة والأشجار وغيرها من الملحقات الأخرى المخصصة لخدمتها، ولا يعتد في تطبيق أحكام هذا القانون بتصرفات الملاك الخاضعين لأحكامه ما لم تكن صادرة إلى أحد المتمتعين بجنسية جمهورية مصر العربية، وثابتة التاريخ قبل يوم 23 من ديسمبر سنة 1961.
وتنص مادته الثالثة، على أن تتسلم الهيئة العامة للإصلاح الزراعي الأراضي المشار إليها في المادة السابقة، وتتولى إدارتها نيابة عن الدولة حتى يتم توزيعها على صغار الفلاحين وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه. ونزولاً على مادته الرابعة، يؤدي إلى ملاك الأراضي المشار إليها في المادة 2 تعويض يقدر وفقاً للأحكام المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه، وبمراعاة الضريبة السارية في 9 من سبتمبر سنة 1952.
وحيث إن البين من أحكام هذه المواد، أنه بينما حظرت أولاها على كل أجنبي أن يتملك بعد العمل بهذا القانون أراض زراعية أو ما في حكمها، وإلا كان اكتسابها باطلاً بطلاناً مطلقاً؛ واجهت مواده الثانية والثالثة والرابعة ما يكون عند نفاذ ذلك القانون مملوكاً لأجنبي من هذا الأراضي، فهذه وحدها هي التي كفلت هذه المواد أيلولتها إلى الدولة مع تعويض أصحابها عنها على أن تتسلمها الهيئة العامة للإصلاح الزراعي لتتولى إدارتها حتى يتم توزيعها على صغار المزارعين، بما مؤداه أن للمادة الأولى من القانون المشار إليه مجالاً منفصلاً عن باقي المواد المطعون عليها، بما يحول دون تداخلها.
وحيث إن الفصل في شروط قبول الدعوى، سابق بالضرورة على الخوض في موضوعها.
وحيث إن ما تنص عليه المواد 2 و3 و4 المطعون عليها من أحكام في شأن الأراضي الزراعية وما في حكمها التي قرر المشرع أيلولتها إلى الدولة، مع تعويض أصحابها عنها، وتسليمها للهيئة العامة للإصلاح الزراعي لإدارتها حتى يتم توزيعها على صغار المزارعين، مشروط بأن تكون هذه الأراضي مملوكة لأجانب في تاريخ العمل بهذا القانون.
وحيث إن من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم حدود ولايتها، فلا تمتد لغير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي وبالقدر اللازم للفصل فيه. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير هؤلاء الذين أضيروا من جراء سريان النص المطعون عليه، سواء كان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً.
ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إن من المقرر في المواد العقارية - وعملاً بالفقرة الأولى من المادة 934 من القانون المدني - لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية الأخرى، سواء أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان في حق الغير إلا إذا روعيت الأحكام المبينة في قانون الشهر العقاري. وقد نصت المادة 9 من قانون تنظيم الشهر العقاري على أن "جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو تغييره أو زواله، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك، يجب شهرها بطريق التسجيل.... ويترتب على عدم التسجيل، أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن، ولا بالنسبة إلي غيرهم. ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن".
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن البيع غير المسجل لعقار، لا زال بيعاً منتجاً لآثاره عدا نقل الملكية، ذلك أن العين لا تكون لمن اشتراها إلا إذا قام بتسجيلها، فإن لم يفعل ظل بائعها مالكاً لها، وإن كان ملتزماً على الأخص بتسليمها وبضمان التعرض والاستحقاق؛ وكان من المقرر وفقاً لنص المادتين 15 و17 من قانون تنظيم الشهر العقاري، أن دعوى صحة التعاقد على حقوق عينية عقارية، يجب تسجيلها. ومن شأن هذا التسجيل، أن حق المدعي إذا تقرر بحكم مؤشر به طبقاً للقانون، فإنه يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداءً من تاريخ تسجيل دعواه بصحة التعاقد؛ وكان المدعي وإن سجل صحيفة دعواه بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المتعلق بالأطيان المتنازع عليها؛ وكان هذا التسجيل قد تم في 26 من مايو 1976، إلا أن صدور حكم مؤشر به طبقاً للقانون في شأن هذه الأطيان، مثبتاً للمدعي صحة سند بيعها، لن يرد ملكيته لها إلا إلى تاريخ ذلك التسجيل، ولن يكون المدعي بالتالي مخاطباً بأحكام المواد 2 و3 و4 من القانون المطعون إليه التي لا يجوز تطبيقها في شأن أجنبي لم يكن وقت نفاذ هذا القانون في 19 يناير 1963 مالكاً لأراض زراعية أو ما في حكمها، فلا تتوافر للمدعي بالتالي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على الأحكام التي تضمنتها المواد 2 و3 و4 المشار إليها. ومن ثم يكون الحكم بعدم قبول دعواه الدستورية - في هذا الشق منها - لازماً.
وحيث إن المدعي ينعي على المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1963 آنف البيان مخالفتها لأحكام المواد 2 و22 و34 من الدستور، وذلك باعتدائها على الملكية الخاصة التي صانتها الشريعة الإسلامية والدساتير المصرية جميعها، لم تجز نزع ملكيتها إلا استثناء، ولمنفعة عامة، ومقابل تعويض عادل. ولا يجوز بالتالي تجريد أصحابها نهائياً منها من خلال استيلاء الدولة على أراضيهم الزراعية لتوزيعها على صغار المزارعين، دون سند من اعتبارات النفع العام التي قد تبرر تصرفها. وقد كان تطبيق حكم المادة الثانية من الدستور مشروطاً بتدخل السلطة التشريعية لتبادر بنفسها إلى تنقية القوانين القائمة من عوار مخالفتها لأصول الشريعة الإسلامية وقواعدها الكلية.
هذا فضلاً عما نشأ عن إعمال أحكام القانون المطعون فيه من آثار اقتصادية سيئة ترتب عليها حرمان مصر من تدفق رءوس الأموال الأجنبية إليها، واستثمارها فيها، مما حملها بعدئذ على أن تعدل عن سياستها هذه، وأن تفتح للتنمية آفاقا تعتمد فيها على وسائلها، ومن بينها جذبها لرءوس الأموال الأجنبية، وتأمينها لاستثمارها في ميادين مختلفة يندرج تحتها استصلاح الأراضي ضماناً لاتساع الرقعة الزراعية والارتفاع بإنتاجيتها.
وحيث إن ما نعاه المدعي على المادة الأولى على النحو المتقدم، مردود أولاً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق هو إطلاقها، باعتبار أن جوهرها تلك المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم التشريعي، موازناً بينها، مرجحاً ما يراه أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها لأكثر المصالح ثقلاً في مجال إنفاذها. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، تعتبر تخوماً لها لا يجوز تجاوزها، بل يكون التزامها نزولاً عليها وتقيداً بها.
ومردود ثانياً: بأن للدولة - بناءً على ضرورة تفرضها أوضاعها الاقتصادية، أو تتطلبها إدارة علاقاتها الخارجية، أو توجبها روابطها القومية أو غير ذلك من مصالحها الحيوية - أن تفرض قيوداً في شأن الأموال التي يجوز لغير مواطنيها تملكها. ولها كذلك أن تخرج فئة منها من دائرة الأموال التي يجوز لهم التعامل فيها، فلا يكون لتصرفاتهم بشأنها من أثر، لتهيمن بذلك على شئونها، وتصرفها إلى الوجهة التي تراها أكفل لتأمين مصالحها.
ومردود ثالثاً: بأن اعتناق الدولة خلال فترة زمنية محددة لاتجاه معين يتوخى تقييد حق غير المواطنين في تملك أموال بذواتها، لا يحول دون إسقاطها لهذه القيود بتمامها في مرحلة أخرى، دون أن يعتبر فرضها أو التحلل منها منافياً للدستور إلا بقدر خروجها على الأحكام التي تضمنها.
ومردود رابعاً: بأن الملكية الخاصة وإن كفل الدستور دورها، ولم يجز المساس بها إلا استثناء، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها ووقايتها من تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، إلا أن الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها بل يتعين أن يكون تنظيمها كاشفاً عن وظيفتها الاجتماعية، ودائراً حول طبيعة الأموال محلها، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها على ضوء واقع اجتماعي معين من بيئة بذاتها لها مقوماتها.
وكلما تعلق الأمر بتحديد الأموال التي لا يجوز لغير المواطنين تملكها، فإن المشرع يرجح على ضوء الموازنة التي يجريها، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية وفقاً لأحكام الدستور، مستهدياً في ذلك بقيم الجماعة ومتطلباتها في مرحلة بذاتها من مراحل تطورها.
ومردود خامساً: بأن حكم المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو 1980 - يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل - قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية - في أصولها الكلية مصدراً وتأويلاً - بعد أن اعتبرها الدستور مرجعاً ترد إليه هذه النصوص فلا تعارضها، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها في ممارستها لاختصاصاتها التشريعية. وإذ كان الأصل في كل مصدر ترد إليه النصوص القانونية لضمان اتساقها ومقتضاه، أن يكون أسبق وجوداً من هذه النصوص ذاتها، فإن مجال إعمال نص المادة الثانية من الدستور، يكون بالضرورة مرتبطاً بالنصوص القانونية التي تصدر بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور عليها دون سواها، وهو ما ينحسر عن المادة الأولى المطعون عليها الصادرة قبل العمل بتعديل المادة الثانية من الدستور، والتي لم يلحقها منذئذ تغيير ينال من محتواها بما يؤثر في الحقوق التي يطلبها المدعي بمناسبة تطبيقها عليه، ومن ثم يكون النعي عليها بمخالفتها نص المادة الثانية من الدستور، غير سديد.
ومردود سادساً: بأن إنفاذ حكم المادة الثانية من الدستور لم يكن مشروطاً بتدخل السلطة التشريعية لتبادر بنفسها إلى تنقية القوانين القائمة مما قد يشوبها من عوار مخالفتها لمبادئ الشريعة الإسلامية، بل اقترن هذا التعديل بحثها على أن تفعل ذلك ضماناً لاتساق هذه القوانين - في نسيجها - مع الأصول الكلية للعقيدة الإسلامية، وليكون عمل السلطة التشريعية - وقد تعلق بالقوانين السابقة على تعديل المادة الثانية من الدستور - متناغماً مع عمل المحكمة الدستورية العليا فيما يصدر عنها من قضاء في شأن القوانين الصادرة بعد هذا التعديل. ومن ثم تتكامل هاتان الحلقتان في إرسائهما للأسس الجوهرية لتلك العقيدة. والقول بنكول السلطة التشريعية عن مهمتها هذه أو تراخيها في ولوج أبوابها، مما يخرج عن نطاق الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة تثبيتاً للشرعية الدستورية، ذلك أن مناطها تلك النصوص القانونية التي أقرتها السلطة التشريعية أو التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي بينها الدستور، ولا شأن لها بتخلي إحداهما عن واجباتها، ولا بتفريطها في مسئوليتها. بل مرد أمرها إلى هيئة الناخبين التي منحتها ثقتها.
ومردود سابعاً: بأن ما تقضي به المادة 191 من الدستور، من أن يبقى صحيحاً ونافذاً كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور، لا يتوخى غير مجرد استمرار العمل بنصوصها، دون تطهيرها مما قد يشوبها من عوار يبطلها، ولا تحصينها من الطعن عليها، وبما لا يحول دون تعديلها أو إلغائها وفقاً للدستور، إذ كان ذلك، وكان صدور القانون رقم 15 لسنة 1963 المشار إليه قبل العمل بالدستور القائم، لا يحول دون الطعن بعدم دستورية النصوص التي تضمنها، ولا يعصمها من الحكم ببطلانها إذا قام الدليل على مخالفتها للدستور؛ وكانت المادة الأولى من هذا القانون لا تعارض - وعلى ما تقدم - قيوداً فرضها الدستور في شأن حق التملك، فإن دعوة هذه المحكمة إلى إبطالها لحفز السلطة التشريعية على تنقيتها من عوار مخالفتها لمبادئ الشريعة الإسلامية - وبافتراض تعارضها معها - يكون لغواً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق