الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 28 أبريل 2024

القضية 48 لسنة 18 ق جلسة 15 / 9 / 1997 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 57 ص 854

جلسة 15 سبتمبر سنة 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف، 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (57)
القضية رقم 48 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط هذه المصلحة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي - ذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
2 - عقود "مسئولية عقدية" - مسئولية جنائية.
قيام المسئولية العقدية باعتبارها جزاء إخفاق المدين في تنفيذ عقد نشأ صحيحاً ملزماً - تحقق هذه المسئولية بتوافر أركانها - جواز اجتماعها مع المسئولية الجنائية - من الجائز تدخل المشرع لتجريم واقعة النكول عن تنفيذ التزام عقدي.
3 - حرية شخصية "تنظيمها".
من الجائز كبح الحرية الشخصية بقيود تقتضيها أسس تنظيمها.
4 - تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية": قيود".
الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط تحد منها.
5 - دستور "تضامن اجتماعي".
ما نص عليه الدستور من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي يعني وحدة الجماعة في بنيانها واتصال أفرادها وترابطهم لا تناحرهم.
6 - جزاء جنائي "ضرورة اجتماعية".
الجزاء الجنائي لا يكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية - تجاوزه الحدود التي يكون معها ضرورياً يجعله مخالفاً للدستور.
7 - تشريع "نص الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 81: تجريم".
تدخل المشرع بالجزاء الجنائي لحمل البائعين على تسليم الوحدات السكنية لأصحابها في الموعد المحدد - التجريم مرده في هذه الحالة إلى الضرورة الاجتماعية - لا تجهيل بمادية الأفعال التي أثمها المشرع - لا غلو في الجزاء المقرر بمقتضى هذه الفقرة - عدم مناقضتها لافتراض البراءة - لا مخالفة في النص المشار إليه من ثم للدستور.

------------------
1 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان النزاع الموضوعي يتعلق بوحدة سكنية تخلف المدعي - وبصفته مالكاً - عن تسليمها إلى من ابتاعها منه، فإن مصلحته - وعلى ضوء الدعوى الجنائية التي أتهم فيها - تنحصر في الفصل في دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه - وذلك في مجال تطبيقها بالنسبة إلى من يبيعون وحدة سكنية، ويخلون - دون مقتض - بالتزامهم بتسليمها لأصحابها في الموعد المحدد.
2، 3 - الأصل في العقود - وباعتبارها شريعة المتعاقدين تقوم نصوصها مقام القانون في الدائرة التي يجيزها - هو ضرورة تنفيذها في كل ما تشمل عليه، فلا يجوز نقصها أو تعديلها إلا باتفاق الطرفين أو وفقاً للقانون. وكلما نشأ العقد صحيحاً ملزماً، كان تنفيذه واجباً، فقد التزم المدين بالعقد، فإذا لم يقم بتنفيذه، كان ذلك خطأ عقدياً سواء نشأ هذا الخطأ عن عمد أو إهمال أو عن مجرد فعل لا يقترن بأيهما.
ومن ثم تظهر المسئولية العقدية باعتبارها جزاء إخفاق المدين في تنفيذ عقد نشأ صحيحاً ملزماً، وهي تتحقق بتوافر أركانها؛ وليس ثمة ما يحول بين المشرع وبين أن يقيم مسئولية جنائية إلى جانبها، فلا يكون اجتماعهما أمراً عصياً أو مستبعداً، بل متصوراً في إطار دائرة بذاتها، هي تلك التي يكون الإخلال بالالتزام العقدي فيها قد أضر بمصلحة اجتماعية لها وزنها. وهو ما يعني أن الدستور لا يتضمن قاعدة كلية أو فرعية يمكن ردها إلى النصوص التي انتظمها أو ربطها بها، تحول دون تدخل المشرع لتأثيم واقعة النكول عن تنفيذ التزام لم ينشأ مباشرة عن نص القانون، وإنما كان العقد مصدره المباشر، وبشرط أن يكون هذا التأثيم محدداً بصورة واضحة لعناصر الجريمة التي أحدثها المشرع.
وهذه القاعدة ذاتها هي التي صاغها المجلس الدستوري الفرنسي وذلك على النحو التالي:
Aucun principe ou régle de valeur constitutionnelle n’interdit au lègislateur d’èriger en infraction le manquement à des obligations qui ne résultent pas directement de la loi elle-même. la méconnaissance par une personne d’obligations contractuelles ayant force obligatoire à son égard peut donc faire l’objet d’une répression pénale des lors que le législateur définit de facon précise et compléte les éléments constitutifs des infractions pu’il vise.
(82 - 145 DC, 10 november 1982, Rec. p. 64)
يؤيد ما تقدم، أن الحرية الشخصية التي يكلفها الدستور، لا تخول أي فرد حقاً مطلقاً في أن يتحرر نهائياً في كل وقت، وتحت كل الظروف، من القيود عليها، بل يجوز كبحها بقيود تتعدد جوانبها تقتضيها أوضاع الجماعة وضرورة صون مصالحها، وتتطلبها كذلك أسس تنظيمها، دون إخلال بأمن أعضائها.
،،The liberty secured to every person does not import an absolute right in each person to be, at all times and in all circumstances, wholly free from restraint. There are manifold restraints which every person is necessarily subject for the common good. On any other basis organized society could not exist with safety to its members ،،Jacobson V. Massachusetts, 197 U. S. 11, 26 (1905).
4 - الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط ترسم تخومها وتحد منها، فلا يكون الإخلال بها إلا عدواناً على هذه الحقوق سواء عن طريق تهميشها أو بإهدار مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها.
5 - ما نص عليه الدستور من المادة 7 من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتدخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا يتفوقون بدداً أو يتناحرون طمعاً، أو يتنابذون بغياً، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم بالتالي أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال من الحقوق قدراً منها يكون به - عدواناً - أكثر علواً. بل يتعين أن تتضافر جهودهم لتكون لهم الفرص ذاتها، التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
6 - القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علاقة الأفراد سواء فيها بينهم، أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد - ومن منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التي لا يكون معها ضرورياً، غدا مخالفاً للدستور.
7 - التجريم المقرر بالفقرة المطعون عليها مرده إلى الضرورة الاجتماعية التي يمثلها أن صور التعامل في تلك الأعيان من خلال بيعها، ينبغي أن يحيطها ما يكون كافلاً لصدقها ويبعد بها عن الالتواء، فلا يكون هذا التعامل زيفاً أو تربحاً غير مشروع بل حقاً وإنصافاً، لتعايش البيوع الأغراض التي يرتجيها المتبايعون منها، فلا يتوهمها أطرافها على غير حقيقتها.
غموض النصوص العقابية يعني انفلاتها من ضوابطها وتعدد تأويلاتها، فلا تكون الأفعال التي منعها المشرع أو طلبها محددة بصورة يقينية، بل شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو خفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها. ولا كذلك الفقرة المطعون عليها التي صاغها المشرع مؤثماً بحكمها من يبيعون أو يؤجرون أعياناً، ولا يقومون اختياراً - في الموعد المحدد - بتسليمها لمشتريها أو مستأجريها.
كذلك فإن الفقرة المطعون عليها تتعلق - في بعض جوانبها - بمن يعرضون على الغير وحدة سكنية لتمليكها أو تأجيرها، ولا يخل الجزاء المقرر بها بوجود عقد بيعها أو إجارتها، ولا ينال كذلك من الآثار التي يرتبها.
كما أن قضاء هذه المحكمة وإن جرى على أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها يقتضي أن تتوازن خصائصها مع وطأة عقوبتها؛ وكان ذلك مؤداه أن يفرد المشرع لكل جريمة العقوبة التي تناسبها، إلا أن ما يكون من الجزاء ملائماً لجريمة بذاتها، ينبغي أن يتحدد على ضوء درجة خطورتها ونوع المصالح التي ترتبط بها، وبمراعاة أن الجزاء الجنائي لا يكون مخالفاً للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة La disproportion manifeste بين مداه وطبيعة الجريمة التي تعلق بها. ودون ذلك يعني إحلال هذه المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التي فرضتها.
الضرورة الاجتماعية التي تقرر الجزاء المنصوص عليه بالفقرة المطعون عليها لصونها، تبلور تلك الضوابط التي لا يتصور أن يتم التعامل في الأعيان بعيداً عنها، وإلا كان هذا التعامل انتهازاً وضرباً من التحايل، فلا يطمئن من كان طرفاً فيه للحقوق التي تتولد عنه إذا صار أمرها نهباً وكان لازماً بالتالي أن يقرن المشرع العقوبة التي فرضتها الفقرة المطعون عليها في شأن الجريمة التي حددتها، بجزاء مالي يردع من يرتكبونها عن العودة إليها، وينذر غيرهم بأثقالها، فلا يقدمون عليها.
الجزاء المالي المقرر بالفقرة المطعون عليها، وإن تمثل في التزام بائع الوحدة السكنية بأن يؤدي لمن ابتاعها مثلى مقدار المقدم المدفوع، إلا أن جزاء على هذا النحو ليس أمراً فجاً، ولا يتمحض كذلك غلواً، بل إن لهذا الجزاء نظائره كلما كان لازماً لردع من ينكثون بعهودهم مثلما فعل المشرع بنص المادة 103 من القانون المدني التي أوردها في شأن العربون.
كذلك فإن القول بأن عبارة "دون مقتض" التي تضمنها النص المطعون فيه لا تقل في غموضها عن عبارة "التخلف عن تسليم الواحدة السكنية" مردود بأن هاتين العبارتين متكاملتان في تحديدهما لعناصر الجريمة التي حددتها الفقرة المطعون عليها، ذلك أنهما تواجهان امتناع بائع العين عن تسليمها أو تراخيه في ذلك عن الموعد المحدد، وتقرران أن لذلك جزاء جنائياً مشروطاً بألا يكون الإخلال بهذا الالتزام ناشئاً عن سبب أجنبي، بما لا مخالفة فيه الدستور.
وبذلك تفارق هذه المسئولية، تلك التي تنشأ وفقاً لأحكام القانون المدني عن الإخلال بالالتزام بالتسليم، باعتباره متفرعاً عن الالتزام بنقل ملكية شيء ومنصرفاً كذلك إلى تحقيق غاية، لا إلى مجرد بذل عناية. فإذا لم يتم التسليم كاملاً - ولو بسبب أجنبي كقوة قاهرة هلك بها المبيع أو تلف قبل تسليمه - ظل البائع مسئولاً. وما ذلك إلا لأن المشرع تغيا بالمسئولية الجنائية التي قررتها الفقرة المطعون عليها، أن يرد عن التعامل المشروع في الأعيان التي عناها، أبواباً ينفذ التحايل منها، فإذا انقطع دابره، لعذر قام ببائعها وحال دون تسليمه العين لمشتريها، فإن اعتباره مسئولاً جنائياً عن عدم تسليمها، يكون أمراً منهياً عنه دستورياً، على تقدير أن وقوع جريمة ما يفترض إرادة ارتكابها.
فضلاً عن أن الجريمة التي أحدثتها الفقرة المطعون عليها قوامها أن شخصاً باع وحدة سكنية يملكها، ولم يقم مختاراً بتسليمها في الموعد المحدد، وهي جريمة لا يتم إثباتها بعيداً عن تدخل سلطة الاتهام للتدليل على توافر أركانها هذه بأوصافها التي حددها المشرع. وإثباتها لها مؤداه نقضها لبراءة ذمة متهمها مما يثقلها، حال أن هذه البراءة هي الأصل في الحقوق الشخصية جميعها. وبنفيها لهذا الأصل، يكون للمتهم بالجريمة محل النزاع الموضوعي - وفي إطار وسائل الدفاع التي يملكها أن يقيم الدليل على توافر مقتض حال دون تسليمه الوحدة التي باعها في موعدها. ولا مخالفة في ذلك للقواعد التي يقوم عليها النظام الاختصامي للعدالة الجنائية. ولا لافتراض البراءة المقرر بنص المادة 67 من الدستور.


الإجراءات

بتاريخ 26 مايو 1996، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 سنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن. وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعي للمحاكمة الجنائية في القضية رقم 1 لسنة 1992 جنح أمن دولة الدخيلة، متهمة إياه بأنه في غضون شهر يونيه 1989 بدائرة قسم الدخيلة قد تخلف - بصفته مالكاً - ودون مقتض عن تسليم الوحدة السكنية التي ابتاعها منه السيد/ محمد العريف إبراهيم، مخالفاً بذلك أحكام المواد 1 و13/ 5 و71 و8/ 1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكذلك الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فضلاً عن المادة 336 من قانون العقوبات. وإذ قضي غيابياً بحبس المتهم ستة أشهر، فقد عارض في هذا الحكم، وقضي في معارضته بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً، مما دعاه إلى الطعن استئنافياً في الحكم الصادر فيها، فقضي غيابياً في استئنافه بقبوله كذلك شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. وإذ عارض في هذا الحكم ودفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون 139 لسنة 1981 المشار إليه؛ وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامها.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تقضي بأن "يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها في قانون العقوبات، المالك الذي يتقاضى بأية صورة من الصور. بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها. ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولو كان مسجلاً".
وتنص فقرتها الثانية على أن "ويعاقب بذات العقوبة المالك الذي يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة في الموعد المحدد فضلاً عن إلزامه بأن يؤدي إلى الطرف الآخر مثلي مقدار المقدم، وذلك دون إخلال بالتعاقد وبحق المستأجر في استكمال الأعمال الناقصة وفقاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 49 لسنة 1977".
وتقضي فقرتها الثالثة بأن "ويكون ممثل الشخص الاعتباري مسئولاً عما يقع من مخالفات لأحكام هذه المادة".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان النزاع الموضوعي يتعلق بوحدة سكنية تخلف المدعي - وبصفته مالكاً - عن تسليمها إلى من ابتاعها منه، فإن مصلحته - وعلى ضوء الدعوى الجنائية التي أتهم فيها - تنحصر في الفصل في دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، وذلك في مجال تطبيقها بالنسبة إلى من يبيعون وحدة سكنية، ويخلون - دون مقتض - بالتزامهم بتسليمها لأصحابها في الموعد المحدد.
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - مخالفته لنص المادة 66 من الدستور، وذلك تأسيساً على عدة وجوه:
أولها: أن المشرع وإن جاز أن يحدد بالنصوص القانونية ماهية الأفعال التي يعبر إتيانها أو تركها جريمة معاقباً عليها قانوناً؛ إلا أن ذلك لا يعني إطلاق يده بعيداً عن إطار الشرعية الدستورية، ذلك أن ما يعتبر جريمة أسبق تاريخاً من كل الدساتير الوضعية، هذا فضلاً عن أن الجريمة في الشريعة الإسلامية تمثلها لتك الأفعال التي زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير، وهي كذلك أفعال لا ينهى المشرع عنها، إلا على ضوء تقديره لإضرارها بمصالح الجماعة سواء في عقائدها أو حياة أفرادها أو أموالهم أو أعراضهم، ويتعين بالتالي أن يكون تجريم إتيان الأفعال أو الامتناع عنها، مرتبطاً بعلة تأثيمها، وهو ما يعني انتفاء الجريمة التي لا تبررها علة شرعية.
ثانيها: أن الأصل في النصوص العقابية - وعلى ما جرى به قضاء الدستورية العليا - أن تصاغ في حدود ضيقة تعريفاً بالأفعال التي جرمها المشرع وتحديداً لمضمونها، فلا يكون التجهيل بها موطئاً للإخلال بحقوق كفلها الدستور لكل مواطن.
والنص المطعون فيه لا يجرم سلوكاً محدداً أتاه المدعي عن عمد وإرادة واعية، وإنما أثم واقعة مادية هي تخلفه عن تسليم وحدة سكنية باعها إلى آخر أياً كان سبب ذلك، بل ولو كان عدم تسليمها ليس مترتباً على نتيجة قصد إليها. ولا يزيل هذا العوار، أن يكون النص المطعون فيه قد شرط لقيام الجريمة التي حددها، أن يكون تخلفه عن تسليم تلك الوحدة "دون مقتض"، ذلك أن هذه العبارة أكثر غموضاً من تعبير "التخلف عن التسليم".
ثالثها: أن النص المطعون فيه ينقض افتراض البراءة، إذ يُحَمِّل المتهم عبء إثبات توافر المقتضى المسوغ للتخلف عن التسليم، وإلا حقت عليه العقوبة المقررة قانوناً.
رابعها: أن النص المطعون فيه استعمل تعبير المالك ليدل به على كل من المؤجر والبائع، وهو ما يعني أن يؤخذ النص مطلقاً ليشمل التجريم كليهما. كذلك فإن عبارة "مثلي المقدم" يمكن حملها على عقدي البيع والإجارة، مما يؤكد غموض النص العقابي.
خامسها: أن النص المطعون فيه اصطنع التجريم في مسألة تحكمها قواعد المسئولية المدنية. بل إن العقوبة التي فرضها لهذه الجريمة، تزيد عما يعتبر معقولاً لتناسبها مع الأفعال التي أثمها، ومن ثم يكون توقيعها إيلاماً غير مبرر وقسوة لا ضرورة لها، خاصة وأن هذه العقوبة هي ذاتها التي فرضها قانون العقوبات لجريمة النصب التي تمس مرتكبها في شرفه واعتباره.
وحيث إن الأصل في العقود - وباعتبارها شريعة المتعاقدين تقوم نصوصها مقام القانون في الدائرة التي يجيزها - هو ضرورة تنفيذها في كل ما تشمل عليه، فلا يجوز نقضها أو تعديلها إلا باتفاق الطرفين أو وفقاً للقانون. وكلما نشأ العقد صحيحاً ملزماً، كان تنفيذه واجباً، فقد التزم المدين بالعقد، فإذا لم يقم بتنفيذه، كان ذلك خطأ عقدياً سواء نشأ هذا الخطأ عن عمد أو إهمال أو عن مجرد فعل لا يقترن بأيهما.
ومن ثم تظهر المسئولية العقدية باعتبارها جزاء إخفاق المدين في تنفيذ عقد نشأ صحيحاً ملزماً، وهي تتحقق بتوافر أركانها؛ وليس ثمة ما يحول بين المشرع وبين أن يقيم مسئولية جنائية إلى جانبها، فلا يكون اجتماعهما أمراً عصياً أو مستبعداً، بل متصوراً في إطار دائرة بذاتها، هي تلك التي يكون الإخلال بالالتزام العقدي فيها قد أضر بمصلحة اجتماعية لها وزنها. وهو ما يعني أن الدستور لا يتضمن قاعدة كلية أو فرعية يمكن ردها إلى النصوص التي انتظمها أو ربطها بها، تحول دون تدخل المشرع لتأثيم واقعة النكول عن تنفيذ التزام لم ينشأ مباشرة عن نص القانون، وإنما كان العقد مصدره المباشر، وبشرط أن يكون التأثيم مُحدِّداً بصورة واضحة لعناصر الجريمة التي أحدثها المشرع.
وهذه القاعدة ذاتها هي التي صاغها المجلس الدستوري الفرنسي وذلك على النحو الآتي:
Aucun principe ou régle de valeur constitutionnelle n’interdit au législateur d’èriger en infraction le manquement à des obligations qui ne résultent pas directement de la loi elle-même. la méconnaissance par une personne d’obligations contractuelles ayant force obligatoire à son égard peut donc faire l’objet d’une répression pénale des lors que le législateur définit de facon précise et compléte les éléments constitutifs des infractions pu’il vise.
(82 - 145 DC, 10 november 1982, Rec. p. 64)
يؤيد ما تقدم، أن الحرية الشخصية التي يكلفها الدستور، لا تخول أي فرد حقاً مطلقاً في أن يتحرر نهائياً في كل وقت، وتحت كل الظروف، من القيود عليها، بل يجوز كبحها بقيود تتعدد جوانبها تقتضيها أوضاع الجماعة وضرورة صون مصالحها، وتتطلبها كذلك أسس تنظيمها، دون إخلال بأمن أعضائها.
،،The liberty secured to every person does not import an absolute right in each person to be, at all times and in all circumstances, wholly free from restraint. There are manifold restraints which every person is necessarily subject for the common good. On any other basis organized society could not exist with safety to its members ،،Jacobson V. Massachusetts, 197 U. S. 11, 26 (1905).
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط ترسم تخومها وتحد منها، فلا يكون الإخلال بها إلا عدواناً على هذه الحقوق سواء عن طريق تهميشها أو بإهدار مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها.
وحيث إن ما نص عليه الدستور من المادة 7 من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحده الجماعة في بنيانها، وتدخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا يتفوقون بدداً أو يتناحرون طمعاً، أو يتنابذون بغياً، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم بالتالي أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال من الحقوق قدراً منها يكون به - عدواناً - أكثر علواً. بل يتعين أن تتضافر جهودهم لتكون لهم الفرص ذاتها، التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد سواء فيها بينهم، أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد - ومن منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التي لا يكون معها ضرورياً، غدا مخالفاً للدستور.
وحيث إن الفصل في دستورية الفقرة المطعون عليها، يتحدد على ضوء اتصال عقوبتها بالأغراض التي يتوخاها الجزاء الجنائي باعتباره عقاباً واقعاً بالضرورة في إطار اجتماعي، منطوياً غالباً من خلال قوة الردع على تقييد للحرية الشخصية، ومستنداً إلى قيم ومصالح اجتماعية تبرره، كتلك التي تتعلق بضمان جريان التعامل في الأموال بما يرد عنها أشكالاً من التحايل تقوض الحماية المقرة لها.
وحيث إن من المقرر قانوناً - وعلى ما تقضي به المادة 206 من القانون المدني - أن الالتزام بنقل حق عيني يتضمن الالتزام بتسليم الشيء والمحافظة عليه حتى التسليم؛ وكان ذلك مؤداه أن التزامين يتفرعان عن الالتزام الأصلي بنقل الملكية، أولهما: محافظة بائع العين عليها إلى حين تسليمها، وثانيهما: تسليمها فعلاً إلى من ابتاعها، وإن كان أولهما لا يعدو أن يكون التزاماً ببذل عناية، وثانيهما بتحقيق غاية بذاتها، فلا يعتبر تسليمها قد تم صحيحاً إلا إذا تمكن مشتريها من حيازتها والانتفاع بها دون عائق، ولو لم يستول عليها استيلاء مادياً.
وحيث إن المشرع قدر بالفقرة المطعون عليها أن بعض من يبيعون وحدات سكنية لا يسلمونها لأصحابها في الموعد المحدد، مما يخل بالحقوق الناشئة عن ملكيتهم لها، ويهدر كذلك الثقة المشروعة التي ينبغي أن تسود تعاملهم فيها، فلا يكون امتناعهم دون مقتض عن تسليهما إلا صورة من صور التدليس في الأعم من الأحوال يقارنها انتفاعهم بالأعيان التي باعوها واحتفاظهم بثمنها دون مقابل يعود على أصحابها منها، وإعادة بيعها أحياناً سعياً لنقض ما تم من جهتهم عدواناً، فلا يكون التزامهم بالتسليم ناجزاً محققاً، بل معلقاً متراخياً. ومن ثم تدخل المشرع بالجزاء الجنائي لحمل البائعين على إيفاء تعهداتهم ما استطاعوا، فلا ينغلق الطريق إلى إنفاذها، ولا ينال الجمود مسراها، وعلى الأخص كلما كان شراء العين بقصد استغلالها أو استعمالها في أغراض الإسكان.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن التجريم المقرر بالفقرة المطعون عليها مرده إلى الضرورة الاجتماعية التي يمثلها أن صور التعامل في تلك الأعيان من خلال بيعها، ينبغي أن يحيطها ما يكون كافلاً لصدقها ويبعد بها عن الالتواء، فلا يكون هذا التعامل زيفاً أو تربحاً غير مشروع بل حقاً وإنصافاً، لتعايش البيوع الأغراض التي يرتجيها المتبايعون منها، فلا يتوهمها أطرافها على غير حقيقتها.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من أن الفقرة المطعون عليها لا تتضمن تعريفاً واضحاً بماهية الأفعال التي جرمتها، مردود أولاً: بأن الجزاء الجنائي المقرر بها يفترض أن مالكاً قد اختار ألا يقوم بتسليم الوحدة التي باعها في الموعد المحدد. وليس التسليم بواقعة مجردة من ملامحها، بل يتم أصلاً - وما لم يتفق المتبايعان على غير ذلك - على ضوء الحالة التي كان عليها المبيع عند التعاقد، وبافتراض أن الشيء المبيع كان معيناً وقت العقد تعييناً كافياً، وبمراعاة أن تسليمه يمتد إلى ملحقاته وإلى كل ما أعد بصفة دائمة لاستعماله، وبما يتفق وطبيعة المبيع، ولا تجهيل في ذلك كله بمادية الأفعال التي أثمها المشرع.
ومردود ثانياً: بأن الفقرة المطعون عليها لا تؤثم واقعة التخلف عن التسليم في ذاتها، بل سلوكاً اتصل بها، وكان مؤدياً إليها.
ومردود ثالثاً: بأن الفقرة المطعون عليها تفترض اتجاه إرادة الجاني إلى الأفعال التي أثمتها مع قصده إلى تحقيق نتيجتها بعد العلم بدلالتها الإجرامية، وهو ما دلت عليه بنصها على انتفاء التجريم كلما وجد المقتضى المانع من التسليم. ومردود رابعاً: بأن الجريمة التي عينتها الفقرة المطعون عليها وقد توافر ركناها - ما كان منهما مادياً أو معنوياً - فإن القول بالتباسها بغيرها، أو إن خفاء قد غشيها وجهل بمضمونها، يكون لغواً.
وحيث إن ما ينعاه المدعي على الفقرة المطعون عليها من اتساعها لكل من يؤجر وحدة سكنية أو يملكها للغير، ولا يقوم - في الموعد المحدد - بتسليمها بعد تأجيرها أو بيعها، مما يجهل بدائرة المخاطبين بحكمها، مردود أولاً: بأن الفقرة المشار إليها تضمنها قانون ينظم مسائل متعددة، من بينها تلك الأحكام التي تتعلق بمن يعرضون وحدة سكنية على الغير لتملكيها أو استئجارها، وكان منطقياً بالتالي أن يكون تسليمها بعد بيعها أو إجارتها لازماً، وأن يمتد التنظيم التشريعي للفقرة المطعون عليها إلى هاتين الصورتين معاً.
ومردود ثانياً: بأن غموض النصوص العقابية يعني انفلاتها من ضوابطها وتعدد تأويلاتها، فلا تكون الأفعال التي منعها المشرع أو طلبها محددة بصورة يقينية، بل شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو خفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها. ولا كذلك الفقرة المطعون عليها التي صاغها المشرع مؤثماً بحكمها من يبيعون أو يؤجرون أعياناً، ولا يقومون اختياراً - في المواعد المحدد - بتسليمها لمشتريها أو مستأجريها.
ومردود ثالثاً: بأن الفقرة المطعون عليها تتعلق - في بعض جوانبها - بمن يعرضون على الغير وحدة سكنية لتمليكها أو تأجيرها، ولا يخل الجزاء المقرر بها بوجود عقد بيعها أو إجارتها، ولا ينال كذلك من الآثار التي يرتبها.
وحيث إن ما ينعاه المدعي على الفقرة المطعون عليها من فرضها لعقوبة لا تتسم بمعقوليتها، فلا يكون توقيعها إلا تعبيراً عن قسوتها في غير ضرورة، ومنافاتها بالتالي للحدود المنطقية التي ينبغي أن تكون إطاراً لها، مردود أولاً: بأن قضاء هذه المحكمة وإن جرى على أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها يقتضي أن تتوازن خصائصها مع وطأة عقوبتها؛ وكان ذلك مؤداه أن يفرد المشرع لكل جريمة العقوبة التي تناسبها، إلا أن ما يكون من الجزاء ملائماً لجريمة بذاتها، ينبغي أن يتحدد على ضوء درجة خطورتها ونوع المصالح التي ترتبط بها، وبمراعاة أن الجزاء الجنائي لا يكون مخالفاً للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة La disproportion manifeste بين مداه وطبيعة الجريمة التي تعلق بها. ودون ذلك يعني إحلال هذه المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التي فرضتها.
ومردود ثانياً: بأن الضرورة الاجتماعية التي تقرر الجزاء المنصوص عليه بالفقرة المطعون عليها لصونها، تبلور تلك الضوابط التي لا يتصور أن يتم التعامل في الأعيان بعيداً عنها، وإلا كان هذا التعامل انتهازاً وضرباً من التحايل، فلا يطمئن من كان طرفاً فيه للحقوق التي تتولد عنه إذا صار أمرها نهباً، وكان لازماً بالتالي أن يقرن المشرع العقوبة التي فرضتها الفقرة المطعون عليها في شأن الجريمة التي حددتها، بجزاء مالي يردع من يرتكبونها عن العودة إليها، وينذر غيرهم بأثقالها، فلا يقدمون عليها.
ومردود ثالثاً: بأن الجزاء المالي المقرر بالفقرة المطعون عليها، وإن تمثل في التزام بائع الوحدة السكنية بأن يؤدي لمن ابتاعها مثلي مقدار المقدم المدفوع، إلا أن جزاء على هذا النحو ليس أمراً فجاً، ولا يتمحض كذلك غلواً، بل إن لهذا الجزاء نظائره كلما كان لازماً لردع من ينكثون بعهودهم، مثلما فعل المشرع بنص المادة 103 من القانون المدني التي أوردها في شأن العربون.
ومردود رابعاً: بأن المشرع ما كان ليخول المستأجر بالفقرة المطعون عليها استكمال الأعمال الناقصة في العين المؤجرة، إلا لضمان صلاحيتها للاستعمال، والانتفاع بها بالتالي في الأغراض التي عقدت الإجارة من أجلها، ذلك أن أجرة العين تقابل منفعتها، وينبغي من ثم استيفاؤها بتمامها.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من أن عبارة "دون مقتض" التي تضمنها النص المطعون فيه لا تقل في غموضها عن عبارة "التخلف عن تسليم الواحدة السكنية"، مردود بأن هاتين العبارتين متكاملتان في تحديدهما لعناصر الجريمة التي حددتها الفقرة المطعون عليها، ذلك أنهما تواجهان امتناع بائع العين عن تسليمها أو تراخيه في ذلك عن الموعد المحدد، وتقرران أن لذلك جزاء جنائياً مشروطاً بألا يكون الإخلال بهذا الالتزام ناشئاً عن سبب أجنبي، بما لا مخالفة فيه الدستور.
وبذلك تفارق هذه المسئولية، تلك التي تنشأ وفقاً لأحكام القانون المدني عن الإخلال بالالتزام بالتسليم، باعتباره متفرعاً عن الالتزام بنقل ملكية شيء، ومنصرفاً كذلك إلى تحقيق غاية، لا إلى مجرد بذل عناية. فإذا لم يتم التسليم كاملاً - ولو بسبب أجنبي كقوة قاهرة هلك بها المبيع أو تلف قبل تسليمه - ظل البائع مسئولاً. وما ذلك إلا لأن المشرع تغيا بالمسئولية الجنائية التي قررتها الفقرة المطعون عليها، أن يرد عن التعامل المشروع في الأعيان التي عناها، أبواباً ينفذ التحايل منها، فإذا انقطع دابره، لعذر قام ببائعها وحال دون تسليمه العين لمشتريها، فإن اعتباره مسئولاً جنائياً عن عدم تسليمها، يكون أمراً منهياً عنه دستورياً، على تقدير أن وقوع جريمة ما يفترض إرادة ارتكابها.
وحيث إن المدعي ينعي على الفقرة المطعون عليها إلقاؤها على المتهم عبء التدليل على توافر المقتضى سبيلاً وحيداً للتخلص من مسئوليته الجنائية، مما يناقض افتراض البراءة المقرر بنص المادة 67 من الدستور.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الجريمة التي أحدثتها الفقرة المطعون عليها قوامها أن شخصاً باع وحدة سكنية يملكها، ولم يقم مختاراً بتسليمها في الموعد المحدد، وهي جريمة لا يتم إثباتها بعيداً عن تدخل سلطة الاتهام للتدليل على توافر أركانها هذه بأوصافها التي حددها المشرع. وإثباتها لها مؤداه نقضها لبراءة ذمة متهمها مما يثقلها، حال أن هذه البراءة هي الأصل في الحقوق الشخصية جميعها. وبنفيها لهذا الأصل، يكون للمتهم بالجريمة محل النزاع الموضوعي - وفي إطار وسائل الدفاع التي يملكها - أن يقيم الدليل على توافر مقتض حال دون تسليمه الوحدة التي باعها في موعدها. ولا مخالفة في ذلك للقواعد التي يقوم عليها النظام الاختصامي للعدالة الجنائية. ولا لافتراض البراءة المقرر بنص المادة 67 من الدستور.
وحيث إن الفقرة المطعون عليها - في مجال تطبيقها بالنسبة إلى الاتهام الجنائي المنسوب إلى المدعي - لا تناقض حكماً آخر ورد في الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق