باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من نوفمبر سنة 2025م، الموافق
السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1447ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد ومحمد أيمن سعد الدين
عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 24 لسنة 43
قضائية "تنازع"
المقامة من
...........
ضد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- رئيس جامعة قناة السويس
3- كامل أحمد أحمد حسين طرطورة
--------------
الإجراءات
بتاريخ التاسع والعشرين من أغسطس سنة 2021، أودع المدعي صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بالاعتداد بحكم مجلس
تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس، الصادر في الدعوى التأديبية رقم 86
لسنة 2010، المعدل بحكم المحكمة الإدارية العليا – الدائرة الرابعة - الصادر بجلسة
2/11/2013، في الطعن رقم 36148 لسنة 57 قضائية "عليا"، وعدم الاعتداد
بحكم محكمة جنايات الإسماعيلية الصادر بجلسة 24/12/2011، في الجناية رقم 3286 لسنة
2011، المقيدة برقم 505 لسنة 2011 جنايات كلي الإسماعيلية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى
لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليه الأول.
وأودع المدعى عليه الثالث مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق–
في أنه بناءً على شكوى المدعي أقيمت الدعوى التأديبية رقم 86 لسنة 2010 تأديب
أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس، ضد المدعى عليه الثالث، على سند من أن
الأخير-يعمل أستاذًا مساعدًا بقسم النبات بكلية الزراعة- قام بنزع إحدى صفحات ورقة
الإجابة الخاصة بالمدعي، ولم يقم برصد الدرجات التي حصل عليها؛ مما أدى إلى رسوبه.
وبجلسة 19/5/2011، قرر مجلس التأديب مجازاة المدعى عليه الثالث بعقوبة اللوم، مع
تأخير التعيين في الوظيفة الأعلى لمدة سنة. طعن المدعى عليه الثالث أمام المحكمة
الإدارية العليا بالطعن رقم 36148 لسنة 57 قضائية "عليا". وبجلسة
2/11/2013، قضت المحكمة الإدارية العليا بتعديل قرار مجلس التأديب ليكون بمجازاة
المدعى عليه الثالث بعقوبة التنبيه عن تهمة الإهمال في المحافظة على أوراق الأسئلة
والأجوبة لمادة "فسيولوجيا تحولات غذائية ب" المسلمة إليه بسبب وظيفته.
وكانت النيابة العامة قد أحالت المدعي إلى محكمة جنايات الإسماعيلية
في الجناية رقم 3286 لسنة 2011، المقيدة برقم 505 لسنة 2011 جنايات كلي
الإسماعيلية، بوصف أنه بصفته موظفًا عموميًّا "مدرس مساعد بكلية الزراعة -
جامعة قناة السويس" استولى بغير حق على ورقة الأسئلة والأجوبة التي تحمل
مسلسل رقم (6) والمخصصة لتلقي إجاباته في مادة "فسيولوجيا تحولات غذائية
ب"، بأن قام بنزعها من موضعها والاحتفاظ بها خلسة عن مراقبي لجنة الامتحان،
وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتي تزوير واستعمال محرر رسمي ارتباطًا لا يقبل
التجزئة؛ بأنه في ذات الزمان والمكان، وبصفته الوظيفية سالفة الذكر: ارتكب تزويرًا
ماديًّا بالإضافة في محرر رسمي هو ورقة الأسئلة والأجوبة التي تحمل مسلسل رقم (6)
والمخصصة لتلقي إجاباته في مادة "فسيولوجيا تحولات غذائية ب"، وذلك بجعل
واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة؛ بأن قام بتدوين الأجوبة النموذجية للأسئلة
الواردة بها نقلاً من مصدرها بما يخالف مستواه التعليمي الدالة عليه إجاباته بباقي
الأوراق المعدة لاختباره وفي غير الوقت المحدد للإجابة، واستعمل المحرر المزور آنف
الإشارة إليه فيما زور من أجله؛ بأن قدمه إلى عميد الكلية بجامعة قناة السويس،
محتجًّا بصحته على خلاف الحقيقة.
وبصفته سالفة الذكر أضر عمدًا بمصالح الجهة التي يعمل بها إضرارًا
جسيمًا، بأن قام بنزع ورقة الأسئلة والأجوبة التي تحمل مسلسل رقم (6) والمخصصة
لتلقي إجاباته في مادة "فسيولوجيا تحولات غذائية ب" من موضعها وملء
بياناتها بالأجوبة النموذجية نقلاً من مصدرها والادعاء كذبًا بقيام المُبلغ/ كامل
أحمد أحمد حسين طرطورة بتدبير تلك المكيدة له على خلاف الحقيقة، وذلك بغرض الترقي
لدرجة علمية دون وجه حق؛ مما ترتب عليه تشويه وجه الصرح العلمي الذي يعمل به،
ومجازاة المُبلغ باللوم والحرمان من الترقية لمدة عام دونما جريرة.
وبصفته سالف الذكر أتلف عمدًا ورقة الأسئلة والأجوبة التي تحمل مسلسل
رقم (6) المخصصة لتلقي إجاباته في مادة "فسيولوجيا تحولات غذائية ب"
والمملوكة لجهة عمله؛ بأن قام بتمزيقها إلى أربع شرائح طولية، وقذف في حق المُبلغ/
كامل أحمد أحمد حسين طرطورة، بأن أسند إليه وعلى خلاف الحقيقة أمورًا لو صحت
لأوجبت عقابه قانونًا واحتقاره عند أهل وطنه، وأبلغ كذبًا مع سوء القصد النيابة
العامة وجهة عمله بقيام المبُلغ/ كامل أحمد أحمد حسين طرطورة بنزع ورقة الأسئلة
والأجوبة التي تحمل مسلسل رقم (6) والمدونة بها إجاباته الكاملة والصحيحة في مادة
"فسيولوجيا تحولات غذائية ب"، والاستيلاء عليها، وتمزيقها إضرارًا به،
على خلاف الحقيقة. وبجلسة 24/12/2011، حكمت المحكمة حضوريًّا بمعاقبة المدعي
بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات، وأمرت المحكمة بعزله من وظيفته، ومصادرة المحرر
المزور المضبوط، وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة. طعن المدعي
على الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 1878 لسنة 82 قضائية. وبجلسة 16/10/2012، قضت
المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات الإسماعيلية لتحكم
فيها من جديد دائرة أخرى. وبجلسة 17/3/2013، قضت المحكمة –حضوريًّا– بمعاقبة المدعي
بالحبس مع الشغل لمدة سنة، وأمرت بعزله من وظيفته ومصادرة المحرر المزور المضبوط،
وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة. طعن المدعي على الحكم، للمرة الثانية،
أمام محكمة النقض بالطعن رقم 18363 لسنة 83 قضائية. وبجلسة 12/6/2014، حكمت
المحكمة بتصحيح الحكم المطعون فيه، بتوقيت عقوبة العزل بجعلها لمدة سنتين ورفض
الطعن فيما عدا ذلك. واستنادًا إلى الحكم الجنائي الصادر ضد المدعي، أقام المدعى
عليه الثالث الدعوى رقم 73 لسنة 2013 مدني الإسماعيلية ضد جامعة قناة السويس
لإلزامها بأداء مبلغ 900000 جنيه، تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية التي
ألمَّت به.
وإذ ارتأى المدعي أن ثمة تناقضًا ببن حكم مجلس تأديب أعضاء هيئة
التدريس بجامعة قناة السويس في الدعوى التأديبية رقم 86 لسنة 2010، المعدل بحكم
المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 36148 لسنة 57 قضائية، وبين حكم محكمة جنايات
الإسماعيلية الصادر في الجناية رقم 3286 لسنة 2011، المقيدة برقم 505 لسنة 2011
جنايات كلي الإسماعيلية؛ إذ خلص القضاء التأديبي في الحكمين المشار إليهما إلى
إدانة المدعى عليه الثالث عن نزع إحدى صحائف ورقة إجابة المدعي، في حين أدان
القضاء الجنائي المدعي عن الواقعة ذاتها –وفق تصويره للوقائع– بما يتآدى إلى
تناقضهما وتعذر تنفيذهما معًا؛ فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إنه بشأن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى
بالنسبة للمدعى عليه الأول –رئيس مجلس الوزراء– لرفعها على غير ذي صفة، فهو سديد؛
ذلك أنه لم يكن طرفًا في أي من الحكمين المدعى تناقضهما؛ ومن ثم فإن اختصامه في
الدعوى المعروضة يغدو مفتقدًا سنده، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة
إليه.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول طلب الفصل في
النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين، طبقا للبند
"ثالثًا" من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون أحد الحكمين صادرًا من أية جهة من جهات القضاء
أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد تعامدا على محل
واحد، وحسما النزاع في موضوعه، وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا، على نحو يستنهض
ولاية المحكمة الدستورية العليا للفصل في هذا التناقض بالمفاضلة بين الحكمين على
أساس من قواعد الاختصاص الولائي، لتحدد على ضوئها أيهما صدر من الجهة التي لها
ولاية الفصل في النزاع، وأحقهما -تبعًا لذلك- بالتنفيذ، فإذا كانا غير متحدين
محلًّا أو مختلفين نطاقًا فلا تناقض، وكذلك كلما كان التعارض بينهما ظاهريًّا لا
يتعمق الحقائق القانونية، أو كان مما تزول الشبهة فيه من خلال التوفيق بينهما؛ ذلك
أن الأصل في النزاع حول التناقض بين الحكمين النهائيين، الذي يستنهض ولاية المحكمة
الدستورية العليا للفصل فيه، أن يكون هذا التناقض واقعًا في مجال تنفيذهما، وهو ما
يقتضى أن يكون تنفيذهما معًا متصادمًا ويتعذر التوفيق بينهما.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى –كذلك- على أن التناقض بين حكمين
نهائيين صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين -في تطبيق أحكام قانون المحكمة
الدستورية العليا- يقتضي وحدة موضوعهما محددًا على ضوء نطاق الحقوق التي فصلا
فيها، بيد أن وحدة الموضوع لا تفيد بالضرورة تناقضهما فيما فصلا فيه، كما أن
تناقضهما -إذا قام الدليل عليه- لا يدل لزومًا على تعذر تنفيذهما معًا؛ بما مؤداه
أن مباشرة المحكمة الدستورية العليا لولايتها في مجال فض التناقض المدعى به بین
حکمین نهائيين يتعذر تنفيذهما معًا يقتضيها أن تتحقق أولاً من وحدة موضوعهما، ثم
من تناقض قضاءيهما وبتهادمهما معًا فيما فصلا فيه من جوانب ذلك الموضوع، فإذا قام الدليل
لديها على وقوع هذا التناقض كان عليها -عندئذ- أن تفصل فيما إذا كان تنفيذهما معًا
متعذرًا من عدمه.
وحيث إن الواقعة المسندة إلى المدعى عليه الثالث، التي أدين عنها
تأديبيًّا بحكم مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس في الدعوى رقم
86 لسنة 2010، المعدل بحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 36148
لسنة 57 قضائية، حاصلها إهماله في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على أوراق
الأسئلة والأجوبة الخاصة بامتحان مادة "فسيولوجيا تحولات غذائية ب"
المسلمة إليه بصفته الوظيفية، وهى الواقعة التي وقرت في يقين المحكمة الإدارية
العليا أنها ناشئة عن إهمال المدعى عليه الثالث ورعونته، وعدم دقته في أداء عمله،
وعدم الدراية والإلمام بالتعليمات، ولكنها لا ترقى إلى العمد وسوء النية، حال أن
الواقعة المسندة إلى المدعي، التي أدين عنها جنائيًّا بحكم محكمة جنايات
الإسماعيلية الصادر بجلسة 17/3/2013، في الجناية رقم 3286 لسنة 2011، المقيدة برقم
505 جنايات كلي الإسماعيلية، والذي تم تصحيحه جزئيًّا بحكم محكمة النقض الصادر
بجلسة 12/6/2014، في الطعن رقم 18363 لسنة 83 قضائية، عن وقائع تشكل ارتكابه
جنايات الاستيلاء بغير حق، وبنية التملك، على ورقة الأسئلة والأجوبة المبينة وصفًا
بحكم الإدانة، وارتباطها بجنايتي تزوير واستعمال محرر رسمي ارتباطًا لا يقبل
التجزئة، والإضرار العمدي بمصالح الجهة التي يعمل بها، وإتلافه عمدًا ورقة الأسئلة
والأجوبة الخاصة به، وهي وقائع جنائية عمدية تغاير تلك المنسوبة إلى المدعى عليه
الثالث ولا تناقضها، وإنما تكمل حلقاتها؛ ذلك أن إهمال المدعى عليه الثالث في أداء
واجبه الوظيفي نحو المحافظة على أوراق الأسئلة والأجوبة المعهود بها إليه، قد
مكَّن المدعي من الاستيلاء عليها وإتلافها إضرارًا بمصالح جهة عمله، بما مؤداه
اختلاف موضوع الأحكام المدعى تناقضها، الأمر الذي ينتفي معه مناط قيام التناقض
بينها، على النحو الذي يستنهض ولاية هذه المحكمة لفضه؛ مما تغدو معه الدعوى
المعروضة قمينة بعدم القبول.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.