باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من فبراير سنة 2025م، الموافق
التاسع من شعبان سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا وخالد أحمد
رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز وصلاح محمد الرويني ومحمد أيمن سعد
الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري ل ةرئيس هيئة
المفوضين وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 31 لسنة 45
قضائية "تنازع"
المقامة من
1- مؤمنة عبد الوهاب كامل
2- هند محمد معتز مصطفى الشربيني
ضد
أولًا: شركة عبد القادر المهيدب وأولاده
ثانيًا: ورثة/ محمود زكي سالم عبد المجيد، وهم:
1- نادية عمر محمد زعفان
2- محسن محمود زكي سالم عبد المجيد
3- دينا محمود زكي سالم عبد المجيد
ثالثًا: شركة إنتجريتد دياجنوستكس هولدنج بي إل سي
رابعًا: وزير العدل
خامسًا: مساعد وزير العدل لشئون التحكيم
سادسًا: رئيس محكمة استئناف القاهرة
--------------
الإجراءات
بتاريخ الثاني من نوفمبر سنة 2023، أودعت المدعيتان صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا؛ طلبًا للحكم، أولًا: بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ
حكم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، الصادر بتاريخ 20/10/2022، فى
قضية التحكيم رقم 1394 لسنة 2020، والأمر الصادر بتنفيذه من محكمة استئناف
القاهرة، بتاريخ 6/9/2023. ثانيًا: وفي الموضوع: بعدم الاعتداد بذلك الحكم والأمر
الصادر بتنفيذه، والاعتداد بحكم محكمة القاهرة الاقتصادية الدائرة الأولى
الاستئنافية الصادر بجلسة 28/1/2010، في الدعوى رقم 647 لسنة 1 قضائية
"اقتصادية القاهرة".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى
بالنسبة للمدعى عليهم الرابع والخامس والسادس، لرفعها على غير ذي صفة.
وقدمت الشركة المدعى عليها الأولى أربع حوافظ مستندات، ومذكرتين طلبت
فيهما رفض طلب وقف التنفيذ، وفي الموضوع، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا:
برفضها.
وقدمت المدعيتان حافظة مستندات، ومذكرة تمسكتا فيها بطلباتهما الواردة
بصحيفة الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت المدعيتان مذكرة، صممتا فيها على طلبهما الموضوعي السالف بيانه، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- فى أن المدعيتين ومورث المدعى عليهم "ثانيًا"، أبرموا بتاريخ 20/11/2007، مذكرة تفاهم مع الشركة المدعى عليها الأولى، تضمنت الاتفاق على العناصر الرئيسة لعملية نقل ملكية 49٪ من الأسهم التي يمتلكونها في شركة معامل المختبر الطبية إلى الشركة السالفة البيان، وقد نص البند (ج) من تلك المذكرة - كشرط مسبق لتنفيذ واعتماد ما جاء بها- أن تتم زيادة رأس المال المصدر للشركة ليصبح 11435000 جنيه، كما حددت معالم إتمام تلك الصفقة، إلا أن طرفيها أخفقا في تفاهماتهما، واختلفا على الالتزامات الواردة بها، فأقامت الشركة المدعى عليها الأولى أمام محكمة القاهرة الاقتصادية الدائرة الأولى الاستئنافية الدعوى رقم 647 لسنة 1 قضائية "اقتصادية القاهرة"، ضد المدعيتين ومورث المدعى عليهم "ثانيًا"، بطلب الحكم، أولًا: بصفة مستعجلة: بفرض الحراسة القضائية على شركة معامل المختبر الطبية، ثانيًا: وفي الموضوع: (أ) بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 20/11/2007، المتضمن بيع الشركة المشار إليها إلى الشركة المدعى عليها الأولى نسبة 49٪ من أسهمها، مقابل ثمن مقداره ثمانية وخمسون مليون جنيه، (ب) تمكين الشركة المدعى عليها الأولى من اتخاذ الإجراءات القانونية والمالية اللازمة لنقل الملكية إليها، ثالثًا: بإلزام مدير الإدارة العامة للسجل التجاري وآخر، باتخاذ الإجراءات القانونية لتعديل السجل التجاري للشركة محل التعاقد على أساس ما جاء بالعقد المؤرخ 20/11/2007، وذلك على سند من وفاء الشركة المدعى عليها الأولى بالالتزامات الأولية التي نظمها هذا العقد، الموصوف منها ببيع نهائي، بسداد مبلغ سبعة عشر مليون جنيه من الثمن، فاستحقت نسبة من أرباح الشركة بدءًا من شهر أكتوبر سنة 2007، بينما لم توف المدعيتان ومورث المدعى عليهم "ثانيًا" بالالتزامات المقابلة؛ ومن ثم فقد أقامت الدعوى. وبجلسة 28/1/2010، قضت المحكمة بصحة عقد الاتفاق "التفاهم" المؤرخ 20/11/2007، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، استنادًا إلى أن هذا الاتفاق وإن كان لا يعتبر بيعًا نهائيًّا، إلا أن مجرد التوقيع عليه يرتب التزامات متقابلة في حدود تلك المرحلة تُلزم أطرافه، مما توافرت معه شروط صحته، دون نفاذه؛ لتعلق ذلك بالبيع النهائي الذي لم يُتفق عليه بعد. طعنت الشركة المدعى عليها الأولى على ذلك الحكم أمام محكمة النقض بالطعن رقم 5764 لسنة 80 قضائية. وبجلسة 24/5/2014، قررت المحكمة - في غرفة المشورة - عدم قبول الطعن.
ومن جهة أخرى، أقامت الشركة المدعى عليها الأولى أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي قضية التحكيم رقم 1394 لسنة 2020، ضد المدعيتين والمدعى عليهما "ثانيًا"، والشركة المدعى عليها الثالثة بطلبات عِدة، من بينها الحكم بإعلانها مالكًا لنسبة 49٪ من شركة معامل المختبر الطبية حال سدادها مبلغ واحد وأربعين مليون جنيه واستحقاق الأرباح اعتبارًا من شهر أكتوبر سنة 2007 حتى تاريخ إصدار الحكم، وفي حالة استحالة التنفيذ العيني: الأمر بإلزام المحتكم ضدهم - المدعيتين والمدعى عليهم "ثانيًا"- بالتضامن، بأن يدفعوا إليها تعويضًا مقداره 145806360 دولارًا أمريكيًّا والفوائد القانونية بنسبة 5٪ على المبالغ المحكوم بها من تاريخ الحكم حتى تسويتها بالكامل. وبتاريخ 20/10/2022، قضت هيئة التحكيم فيما يتعلق بالطلبات المشار إليها برفض مطالبة الشركة المدعى عليها الأولى بالتنفيذ العيني لمذكرة التفاهم، وبرفض مطالبتها بالحصول على أرباح شركة المختبر للمعامل اعتبارًا من شهر أكتوبر سنة 2007، وإلزام المدعيتين والمدعى عليهما "ثانيًا" بأن يؤدوا إليها التعويض الذي قدرته عما فاتها من كسب والفوائد، وذلك على سند من أن الحكم الصادر من محكمة القاهرة الاقتصادية الدائرة الأولى الاستئنافية الصادر بجلسة 28/1/2010، في الدعوى رقم 647 لسنة 1 قضائية "اقتصادية القاهرة"، يحوز حجية الأمر المقضي بين هؤلاء الأطراف، فيما قضى به من أن مذكرة التفاهم هي عقد صحيح، غير مسمى، يُنشئ التزامات على الأطراف، وليست عقد بيع نهائي أو وعدًا بالبيع أو بيعًا على أساس دفعة مقدمة جزئية، وأن ذلك الحكم لا يحوز حجية خارج هذا النطاق، وأن فرصة الشركة المحتكمة في أن تُصبح مساهمًا في شركة المختبر الطبية، لو لم يتم خرق تلك المذكرة من قبل المحتكم ضدهم المذكورين كانت حقيقية وجادة، على الرغم من أنها لم تَتَحقْقْ، ورتبت هيئة التحكيم على التحليل المالي تقدير التعويض المقضي به، كأثر لإخلال المدعيتين والمدعى عليهم "ثانيًا" بتنفيذ التزاماتهم عن المرحلة التعاقدية السالفة البيان.
وإذ تراءى للمدعيتين أن ثمة تناقضًا بين حكم هيئة التحكيم الصادر عن
مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، بجلسة 20/10/2022، في قضية التحكيم
رقم 1394 لسنة 2020، والمتضمن قضاؤه في البند (16) منه نفاذ مذكرة التفاهم المشار
إليها، وبين الحكم الصادر من محكمة القاهرة الاقتصادية - الدائرة الأولى
الاستئنافية - بجلسة 28/1/2010، في الدعوى رقم 647 لسنة 1 قضائية "اقتصادية
القاهرة"، الذي قضى بعدم نفاذ المذكرة ذاتها، كعقد ناقل للملكية، إذ تعامد
الحكمان على محل واحد، واتحدا نطاقًا، وتناقضا على نحو يتعذر معه تنفيذهما معًا،
فضلًا عن صدور حكم هيئة التحكيم من جهة لا ولاية لها، بعدما تنازلت الشركة المدعى
عليها الأولى صراحة وضمنًا عن شرط التحكيم؛ ومن ثم أقامت المدعيتان الدعوى
المعروضة.
وحيث إنه عن دفع هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، بالنسبة للمدعى عليهم الرابع والخامس والسادس فهو سديد؛ لما هو مقرر بقضاء هذه المحكمة من أن الفقرة الأولى من المادة (32) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن " لكل ذي شأن أن يطلب إلى المحكمة الدستورية العليا الفصل فى النزاع القائم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين فى الحالة المشار إليها فى البند "ثالثًا" من المادة (25)". بما مؤداه أن الخصومة فى دعوى التناقض لا تكون إلا بين من كانوا خصومًا لبعضهم أمام المحاكم التى أصدرت الأحكام المتناقضة. لما كان ذلك، وكانت المدعيتان قد اختصمتا المدعى عليهم المذكورين، دون أن يكونوا طرفًا في أي من الحكمين المدعى تناقضهما، ولم تبينا صلتهم بأي من أطراف الخصومة الأصلية، فإن اختصامهم فى الدعوى المعروضة يكون غير مقبول.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول طلب الفصل في النزاع، الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين وفقًا للبند " ثالثًا" من المادة (25) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، هو أن يكون أحد الحكمين صادرًا من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد تعامدا على محل واحد، وحسما موضوع النزاع في جوانبه كلها أو بعضها، وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا.
وحيث إن اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فى التناقض وفقًا للبند "ثالثًا" من المادة (25) من قانونها، ليس مقررًا لها بوصفها جهة طعن تفصل فيما يُعرض عليها من الطعون خلال ميعاد محدد بقاعدة آمرة لا تجوز مخالفتها، ذلك أن النزاع الموضوعي لا ينتقل إليها لتجيل بصرها فى العناصر التي قام عليها، واقعية كانت أم قانونية، ولكنها -وأيًّا كانت الأخطاء التي تكون قد نُسبت إلى الحكمين المُدعى تناقضهما أو أحدهما- لا تفصل في شأن التناقض بينهما إلا على ضوء قواعد الاختصاص الولائي التي ضبطها الدستور والقانون، ليحدد بها لكل جهة قضائية قسطها أو نصيبها من المنازعات التي اختصها بالفصل فيها، وتتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند التنفيذ، حتى لا تنحل الأحكام عدوانًا من إحدى جهات القضاء على الولاية التي أثبتها المشرع لجهة أخرى.
لما كان ما تقدم، وكان الثابت من حكم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، الصادر بتاريخ 20/10/2022، فى قضية التحكيم رقم 1394 لسنة 2020، أنه رفض طلب الشركة المدعى عليها الأولى تنفيذ مذكرة التفاهم محل النزاع تنفيذًا عينيًّا، معتدًّا بحجية الحكم الصادر في الدعوى رقم 647 لسنة 1 قضائية "اقتصادية القاهرة" – الدائرة الاستئنافية - فيما انتهى إليه من أن تلك المذكرة عقد صحيح غير مسمى، أنشأ التزامات على أطرافه، إلا أنها لا تعتبر عقد بيع نهائي أو وعدًا بالبيع أو بيعًا على أساس دفعة مقدمة جزئية، ثم صار بقضائه إلى تعويض الشركة المدعى عليها الأولى، عما فاتها من كسب من جراء إخلال المدعيتين والمدعى عليهم "ثانيًا" بما اتفقوا عليه بموجب مذكرة التفاهم، وكان التناقض المدعى به بين الحكمين في شأن نفاذ مذكرة التفاهم إنما يرد إلى الفهم الخاطئ لما أورده الحكمان في هذا الخصوص، إذ قضى حكم المحكمة الاقتصادية السالف البيان بعدم نفاذ مذكرة التفاهم، باعتبارها متضمنة لعقد بيع نهائي مكتمل الأركان، في حين قضى حكم هيئة التحكيم بنفاذ المذكرة ذاتها، باعتبارها اتفاقًا غير مسمى ملزمًا لأطرافه، وكان طلب تعويض الشركة المدعى عليها الأولى معروضًا على هيئة التحكيم دون المحكمة الاقتصادية، مما مؤداه عدم تعامد الحكمين على محل واحد من جهة أولى، وعدم تناقض ما قضيا به من جهة ثانية، وإمكان تنفيذهما معًا من جهة أخيرة، وكان ما تمسكت به المدعيتان من صدور حكم هيئة التحكيم من جهة لا ولاية لها، إنما ينحل طعنًا على ما قضى به ذلك الحكم من اختصاصه بنظر القضية التحكيمية، استنادًا إلى حجية الحكم الصادر من المحكمة الاقتصادية بالقاهرة – الدائرة الاستئنافية – بجلسة 13/12/2016، في الدعوى رقم 263 لسنة 8 قضائية، المؤيد بقرار محكمة النقض – في غرفة مشورة – الصادر بجلسة 12/12/2019، في الطعن رقم 2480 لسنة 87 قضائية؛ ومن ثم فإن ما تقدم جميعه مؤداه: عدم استنهاض ولاية هذه المحكمة للفصل في الدعوى المعروضة، ولزامه القضاء بعدم قبولها.
وحيث إنه عن الطلب العاجل بوقف التنفيذ، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن طلب وقف تنفيذ أحد الأحكام المتناقضة، أو أي منها يُعدُّ فرعًا من أصل النزاع حول فض التناقض بينها، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى عدم قبول الدعوى المعروضة، فإن مباشرة رئيس المحكمة الدستورية العليا اختصاص البت في هذا الطلب، وفقًا لنص المادة (32) من قانونها المشار إليه، يكون قد صار غير ذي موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.