الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات احكام الدستورية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات احكام الدستورية. إظهار كافة الرسائل

السبت، 7 ديسمبر 2024

الدعوى رقم 65 لسنة 40 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 9 / 11 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من نوفمبر سنة 2024م، الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 65 لسنة 40 قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الثانية) بحكمها الصادر بجلسة 3/ 1/ 2018، ملف الدعوى رقم 3289 لسنة 39 قضائية

المقامة من
هبة أحمد علي
ضد
1- رئيس جامعة المنصورة
2- عميد كلية طب الأسنان جامعة المنصورة

----------------

" الإجراءات "

بتاريخ التاسع والعشرين من مايو سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 3289 لسنة 39 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الثانية) بجلسة 3/ 1/ 2018، بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العُليا، للفصل في دستورية البند (خامسًا) من المادة (6) من اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان بجامعة المنصورة الصادرة بقرار وزير التعليم العالي رقم 425 لسنة 2014.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 14/ 1/ 2023، وفيها قدم المدعى عليه الأول في الدعوى الموضوعية مذكرة، طلب فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وقررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لاستكمال التحضير؛ فأودعت تقريرًا تكميليًّا برأيها، وأُعيد نظر الدعوى بجلسة 1/ 9/ 2024، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق- في أن هبة أحمد علي، أقامت أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الثانية) الدعوى رقم 3289 لسنة 39 قضائية، ضد المدعى عليهما، طالبة الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إعلان رسوبها بالفرقة الأولى، لرسوبها في امتحان الدور الثاني بإحدى المواد الدراسية، وفصلها من الكلية اعتبارًا من العام الجامعي 2016/ 2017، لاستنفاد عدد مرات الرسوب، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها اعتبارها ناجحة ومنقولة إلى الفرقة الثانية بالمادة التي رسبت فيها، على سند من أنها أدت امتحان الفرقة الأولى بكلية طب الأسنان - جامعة المنصورة، للعامين الجامعيين 2014/ 2015 و2015/ 2016، ونظرًا لرسوبها في مادتين فقد أعادت الامتحان في دور سبتمبر 2016، فاجتازت إحداهما دون الأخرى، مما ترتب عليه صدور القرار المطعون فيه، الذي خالف الدستور والقانون؛ لانفراد اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان - جامعة المنصورة بهذا الحكم دون لوائح الكليات المناظرة، التي تسمح بانتقال الطالب الراسب في مادة أو مادتين إلى الفرقة التالية؛ ومن ثم أقامت الدعوى. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع أن البند (خامسًا) من المادة (6) من اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان - جامعة المنصورة، الصادرة بقرار وزير التعليم العالي رقم 425 لسنة 2014، يعتريه شبهة عدم الدستورية؛ لمخالفته نص المادتين (9 و53) من الدستور، حكمت: أولاً: بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فيما تضمنه من إعلان رسوبها بالفرقة الأولى وفصلها من كلية طب الأسنان اعتبارًا من العام الجامعي 2016/ 2017، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها اعتبارها ناجحة ومنقولة إلى الفرقة الثانية بمادة (التشريح العام وتشريح الرأس والرقبة)، ثانيًا: بوقف الدعوى وإحالة أوراقها بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية البند (خامسًا) من المادة (6) من اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان بجامعة المنصورة الصادرة بقرار وزير التعليم العالي رقم 425 لسنة 2014.
وحيث إن البند (خامسًا) من المادة (6) من اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان - جامعة المنصورة (مرحلة البكالوريوس)، الصادرة بقرار وزير التعليم العالي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 425 لسنة 2014، ينص على أنه يُعقد امتحان الدور الثاني في شهر سبتمبر من كل عام للطالب الراسب في الدور الأول في مقرر أو مقررين على الأكثر. ولا ينقل الطالب للفرقة الأعلى إلا بعد اجتيازه كافة المقررات الدراسية ما عدا مقرر حقوق الإنسان حيث يعتبر من متطلبات التخرج.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان مؤدى النص المحال أن الطالب في كلية طب الأسنان - جامعة المنصورة، لا ينقل إلى الفرقة الأعلى إلا بعد اجتيازه كافة المقررات الدراسية، ما عدا مقرر حقوق الإنسان الذي يعتبر من متطلبات التخرج، وكانت المنازعة في الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعية فيها نقلها إلى الفرقة الأعلى، رغم رسوبها في امتحان الدور الثاني بإحدى المواد الدراسية المقررة بالفرقة الأولى، فإن الفصل في دستورية النص المحال يغدو لازمًا للفصل في النزاع الموضوعي؛ ومن ثم تتوافر المصلحة في الدعوى المعروضة. ولا ينال مما تقدم سبق قضاء محكمة الموضوع في الشق العاجل من الدعوى، بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار؛ ذلك أن الشق الموضوعي من النزاع المطروح على محكمة الموضوع لا يزال قائمًا، ولم تفصل فيه تلك المحكمة بقضاء مُنْهٍ للخصومة، وكان حكمها في الشق العاجل لا يحول دون أن يناقضه قضاؤها في الموضوع، ومن ثم تظل المصلحة في الدعوى المعروضة قائمة، ويتحدد نطاقها فيما نص عليه عجُز البند (خامسًا) من المادة (6) من اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان - جامعة المنصورة (مرحلة البكالوريوس)، الصادرة بقرار وزير التعليم العالي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 425 لسنة 2014، من أنه ولا ينقل الطالب للفرقة الأعلى إلا بعد اجتيازه كافة المقررات الدراسية، وذلك دون ما جرى به النص من أحكام أخرى.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، من وجهين، أولهما: أن الحكم الذي جاءت به هذه القاعدة قد انفردت به الكلية المُدعى عليها دون كُليات طب الأسنان المُناظرة لها الخاضعة لقانون تنظيم الجامعات. ثانيهما: أن هذه القاعدة لم تطبق على الكليات الطبية الأخرى بالجامعة ذاتها. وخلصت المحكمة المُحيلة إلى أن ما تضمنه النص المحال من اشتراط اجتياز الطالب كافة المقررات الدراسية حتى ينتقل للفرقة الأعلى يكون قد وضع طُلاب هذه الكلية في مركز قانوني أسوأ من قرنائهم بكليات طب الأسنان بالجامعات الأخرى الخاضعة للقانون ذاته، بالمُخالفة للمادتين (9 و53) من الدستور.
وحيث إن المادة (197) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 تنص على أن تصدر لكل كلية أو معهد تابع للجامعة لائحة داخلية بقرار من وزير التعليم العالي بعد أخذ رأي مجلس الكلية أو المعهد ومجلس الجامعة وموافقة المجلس الأعلى للجامعات ....... وتنظم اللائحة الداخلية علاوة على المسائل المحددة في القانون وفي اللائحة التنفيذية المسائل الآتية بصفة خاصة: 1- .......... 6- القواعد الخاصة بالامتحانات في الكلية أو المعهد. الأمر الذي أكدته المادة (70) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات المشار إليه، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975، بنصها على أنه مع مراعاة أحكام هذه اللائحة تتولى اللوائح الداخلية للكليات تحديد نظم الامتحانات الخاصة بها.
وحيث إنه بتاريخ 11/ 2/ 2014، صدر قرار وزير التعليم العالي رقم 425 بشأن إصدار اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان جامعة المنصورة مرحلة البكالوريوس متضمناً الإشارة في ديباجته إلى تفويض المجلس الأعلى للجامعات، بجلسته بتاريخ 27/ 4/ 2013، السيد الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات في الموافقة على إصدار اللوائح الداخلية للكليات والمعاهد الجامعية وتعديلاتها بعد موافقة لجنة قطاعات التعليم الجامعي المختصة. ويبين من المادة (4) من هذه اللائحة أن مدة الدراسة لنيل درجة البكالوريوس في طب وجراحة الفم والأسنان خمس سنوات، كما نظمت المادة (6) من اللائحة ذاتها إجراء الامتحانات بجميع الفرق في نهاية العام الجامعي في المقررات الدراسية الخاصة به، ويُعقد امتحان الدور الثاني في شهر سبتمبر من كل عام للطالب الراسب في الدور الأول في مقرر أو مقررين على الأكثر. ولا ينقل الطالب للفرقة الأعلى إلا بعد اجتيازه كافة المقررات الدراسية ما عدا مقرر حقوق الإنسان، حيث يعتبر من متطلبات التخرج.
وحيث إن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور، بمقتضى نص المادة (9) منه، تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم -من ثمَّ- فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد - كذلك- بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني
-وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي -من ثمَّ- على مخالفة لنص المادتين (4 و53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا. وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة، التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه -بما انطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها، أو اعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين لدى القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم، على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية، معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أُسس موضوعية، بما مؤداه: أنه كلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره في ذلك قائماً على أُسس موضوعية، مستهدفاً غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلًا وحدة القاعدة القانونية في شأن من تتماثل مراكزهم القانونية، بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات، كان واقعًا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع، غير مصادم في ذلك لمبدأ المساواة.
وحيث إن الدستور - في إحاطة منه للتحديات المعاصرة التي يواجهها التعليم الجامعي، وسعيه لمواكبة المستحدث في مناهجه - نص في المادتين (21 و22) منه على كفالة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقًا لمعايير الجودة العالمية، والعمل على تطويره وكفالة مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها، وتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي له، لا تقل عن 2٪ من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وكفالة تنمية الكفاءات العلمية والمهارات المهنية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه.
وحيث إن الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور لكل مواطن، إلا أنه ليس هناك ما يحول دون تناول المشرع هذا الحق بالتنظيم، ما دام رائده في ذلك مصلحة عامة معتبرة، سعى إلى تحقيقها من خلال بدائل وخيارات قائمة على أسس موضوعية ترتبط بالغاية المتوخاة من تنظيمه، مستهدفًا بذلك الصالح العام، وفي حدود أحكام الدستور ومتطلباته.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتكون تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده لا يجوز أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية، سواء بالنقض أو الانتقاص، ذلك أن إهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها يعد عدوانًا على مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها، بما مؤداه: أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها التقديرية - وفيما خلا القيود التي يفرضها الدستور عليها - بعيدًا عن الرقابة القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية العليا، فلا يجوز لها أن تزن بمعاييرها الذاتية السياسة التي انتهجها المشرع في موضوع معين، ولا أن تناقشها، أو تخوض في ملاءمة تطبيقها عملًا، ولا أن تنتحل للنص المطعون فيه أهدافًا غير التي رمى المشرع إلى بلوغها، ولا أن تقيم خياراتها محل عمل السلطة التشريعية، بل يكفيها أن تمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها تلك، مستلهمة في ذلك أغراضًا يقتضيها الصالح العام في شأن الموضوع محل التنظيم التشريعي، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التي حددتها مرتبطة عقلًا بها.
متى كان ما تقدم، وكان النص المحال قد وضع قاعدة عامة مجردة في شأن طلاب كلية طب الأسنان - جامعة المنصورة (مرحلة البكالوريوس)، قوامها اشتراط اجتياز الطالب كافة المقررات الدراسية حتى ينقل إلى الفرقة الأعلى، متوخيًا بذلك منح طلاب هذه الكلية فرصًا متكافئة في النقل إلى الفرقة الأعلى، بلوغًا إلى غاية الأمر من الدراسة، بالحصول على شهادة إتمامها، وإذ لم تخص هذه القاعدة فريقًا من الطلاب بأحكام تميز نقلهم إلى الفرقة الأعلى عما سواهم، وإنما يسري حكمها في مواجهة طلاب هذه الكلية كافة، الذين يخضعون لامتحان موحد في كل مادة، بما يضمن تكافؤ الفرص والمساواة بينهم، وذلك كله في إطار من السلطة التقديرية للمشرع الذي تغيا - في خصوص الدراسة بكلية طب الأسنان بجامعة المنصورة - تحقيق تراتبية المقررات الدراسية بها، على نحو يكفل استيعاب طلاب هذه الكلية بالفرقة المنقولين إليها تلك المقررات، التي ترتكز على معارف علمية تأكد إدراكهم لها وإحاطتهم بها بنجاحهم في امتحانها بالفرقة المنقولين منها، مستهدفًا من تقرير الحكم الوارد بالنص المحال تحقيق غاية مشروعة جوهرها أن تكون الدراسة بالكلية المار ذكرها على درجة من الجودة، تتماهى مع أهداف العملية التعليمية بالجامعات المصرية، وتحقق الربط بين التعليم الجامعي وحاجات المجتمع، بمراعاة أن اختلاف أساليب وطرائق تقييم المستوى العلمي لطلاب الكليات الطبية، المؤهل لنقلهم إلى الفرقة الأعلى، لا يعتبر في ذاته من المثالب الدستورية، وإنما يُعد من سبل استنهاض الطلاب للأخذ بأدوات البحث العلمي، ومناطًا لقياس جودة التعليم بهذه الكليات. وإذ التزم النص المحال، على ما تقدم بيانه، مبادئ الشرعية الدستورية في شأن تكافؤ الفرص والحق في التعليم والمساواة، فإنه لا يكون مخالفًا لأحكام المواد (9 و21 و53) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

الدعوى رقم 216 لسنة 26 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 9 / 11 / 2024

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من نوفمبر سنة 2024م، الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1446ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري       رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود                      أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 216 لسنة 26 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية عشرة)، بحكمها الصادر بجلسة 10/7/2004، ملف الدعاوى أرقام: 30704 و31689 لسنة 57 قضائية و4151 لسنة 58 قضائية

المقامة أُولاها من

1-    رجائي ممدوح يوسف ميخائيل الراهب، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة راجا للصرافة

2-    جمال حلمي إبراهيم سلامة، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة النور للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

3-    إبراهيم غريب فارس، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الذهبية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

4-    إبراهيم غريب فارس، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الكومي للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

5-    ثابت عبد الرؤوف درياس، بصفته الممثل القانوني لشركة التضامن للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

6-    ليلى حبيب خليل، بصفتها الممثل القانوني لشركة الروماني للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

7-    سامح كميل أرميا، بصفته الممثل القانوني لشركة الفرعونية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

ضد

محافظ البنك المركزي   

والمقامة ثانيتها من

1-    سمير شاكر عبد الحافظ، بصفته الممثل القانوني لشركة جولدن ماريوت للصرافة   

2-    أحمد إسماعيل أبو المعاطي، بصفته الممثل القانوني لشركة الملك للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

3-    أحمد فرج عبد السميع، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الرحاب للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

4-    إبراهيم محمد إبراهيم السيوفي، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة البركة للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

5-    السيد حسن طه الإمام، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الجمهورية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

6-    محمد نجيب أحمد الشرقاوي، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة نيو سفنكس للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

7-    محمد عبد العليم عبد العليم، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الأهرام للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

8-    رئيس مجلس إدارة شركة النوران للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

9-    رئيس مجلس إدارة شركة الصالحين للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

10-    محمد الخضر محمد جاد الله، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الصيارفة المتحدون (خصم متدخل انضماميًّا)

11-    حلمي محمد حسن، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة مصر العربية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

12-    محمود سمير عبد الله، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الزعفران للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

13-    خميس أحمد محمد أحمد، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الرياض للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

14-    عادل محمد السيد عبد الله، بصفته نائب رئيس مجلس إدارة شركة النصر للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

15-    محمد نصر الدين عبد اللطيف، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الإسكندرية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

16-    إبراهيم محمد إبراهيم، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة العالمية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

17-    محمد شلبي عبد الرازق، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة طيبة للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

18-    رئيس مجلس إدارة شركة الفردوس للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)   

19-    سعيد محمد علي مالك، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة قباء للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)   

20-    رئيس مجلس إدارة شركة الحرمين للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)   

ضد

1-    محافظ البنك المركزي

2-    رئيس مجلس الوزراء   

والمقامة ثالثتها من

قطب فرج سليمان، بصفته رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة المتحدة للصرافة

ضد

1-    رئيس الجمهورية

2-    رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)

3-    رئيس مجلس الوزراء

4-    محافظ البنك المركزي

----------------

الإجراءات

  بتاريخ السابع من نوفمبر سنة 2004، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعاوى أرقام: 30704 و31689 لسنة 57 قضائية و4151 لسنة 58 قضائية، نفاذًا لحكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية عشرة)، الصادر بجلسة 10/7/2004، بوقف تلك الدعاوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، والمادة (115) من هذا القانون.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وقدمت الشركة المدعية في الدعوى الموضوعية الأولى مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم دستورية النصين المحالين.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.   

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 10/12/2006، وفيها قررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لاستكمال التحضير، فأودعت تقريرًا تكميليًّا بالرأي، وأُعيد نظر الدعوى بجلسة 1/9/2024، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وصرحت بمذكرات خلال أسبوعين، وخلال الأجل قدم المدعون في الدعاوى الموضوعية الثلاث، والخصم المنضم الثاني في الدعوى الأولى منها مذكرتين، تمسكوا فيهما بعدم دستورية النصين المحالين.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن شركة راجا والشركة المتحدة للصرافة أقامتا الدعويين رقمي 30704 لسنة 57 قضائية و4151 لسنة 58 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري؛ بغية الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار محافظ البنك المركزي المصري الصادر بتاريخ 22/7/2003، بإلزامهما بتوفيق أوضاعهما خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، وذلك برفع رأس مال هذه الشركات المدفوع بالكامل بما لا يقل عن عشرة ملايين جنيه، كما أقامت شركة جولدن ماريوت للصرافة الدعوى رقم 31689 لسنة 57 قضائية، بطلب الحكم بوقف تنفيذ القانون رقم 88 لسنة 2003 السالف البيان، وفي الموضوع بإلغائه، وتساندت الشركات المدعية، والشركات المتدخلة انضماميًّا إليها، في الدعاوى الثلاث - المحالة - إلى أنها مرخص لها بالتعامل في النقد الأجنبي قبل صدور القانون المشار إليه، واكتسبت مراكز قانونية غير قابلة للتعديل، فضلاً عن سبق حصولها على أحكام قضائية نهائية بوقف تنفيذ قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 103 لسنة 2001 بزيادة الحد الأدنى لرأس المال المدفوع إلى عشرة ملايين جنيه، كما أنها غير مخاطبة بالقانون المار ذكره؛ لخلوه من أية أحكام تقرر سريانه بأثر رجعي، مما حدا بها إلى إقامة الدعاوى المحالة. وقد خلصت محكمة الموضوع إلى أن حقيقة طلبات المدعين في الدعاوى الثلاث هي وقف تنفيذ وإلغاء قرار البنك المركزي المصري، المتضمن إلزام شركات الصرافة بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكام قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 في ضوء ما ورد بالفقرة الثانية من المادة الثالثة من مواد قانون الإصدار والمادة (115) من القانون ذاته. وبعد أن ضمت المحكمة الدعاوى الثلاث، تراءى لها أن هذين النصين يعتريهما شبهة عدم الدستورية؛ إذ تضمنا أثرًا رجعيًّا ينال من الحقوق المكتسبة لشركات الصرافة القائمة في ظل القانون رقم 38 لسنة 1994 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي، الملغى بنص المادة الأولى من مواد القانون رقم 88 لسنة 2003 المشار إليه، دون تحقق الضمانات الواردة بنص المادة (187) من دستور 1971، لإنفاذ الأثر الرجعي، فضلًا عن مخالفتهما نصوص المواد (32 و34 و40 و64) منه، التي تحمي الملكية الخاصة، وتنزه تنظيمها عن أي استغلال أو انحراف يعوق دورها في بناء الاقتصاد القومي، في إطار الدور الاجتماعي لحق الملكية، وبجلسة 10/7/2004، حكمت المحكمة بوقف نظر الدعاوى الثلاث، وإحالة أوراقها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية النصين المحالين.

وحيث إن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، تنص على أنه "وتلتزم جميع شركات الصرافة القائمة في تاريخ العمل بهذا القانون بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكام القانون المرافق وذلك خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل به، ولمجلس إدارة البنك المركزي مد هذه المدة لمدة أو لمدد أخرى لا تجاوز سنة".

وتنص المادة (115) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 على أنه "يلزم أن تتخذ شركة الصرافة شكل شركة مساهمة وأن تكون جميع أسهمها اسمية مملوكة لمصريين، وأن يكون غرضها الوحيد مزاولة عمليات الصرافة، ويكون رأس مال شركة الصرافة المدفوع بالكامل لا يقل عن عشرة ملايين جنيه".

وتنص المادة (115) من القانون المار ذكره، المستبدل بها القانون رقم 93 لسنة 2005 على أنه "يلزم أن تتخذ شركة الصرافة شكل شركة مساهمة وأن تكون جميع أسهمها اسمية مملوكة لمصريين، وأن يكون غرضها الوحيد مزاولة عمليات الصرافة، وألا يقل رأس مالها المدفوع عن خمسة ملايين جنيه".   

وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، تنص على أنه "يلتزم المخاطبون بأحكام القانون المرافق بتوفيق أوضاعهم طبقًا لأحكامه وذلك خلال مدة لا تجاوز سنة من تاريخ العمل به، ولمجلس إدارة البنك المركزي مد هذه المدة لمدة أو لمدد أخرى لا تجاوز سنتين".



وتنص الفقرة الأولى من المادة (208) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 على أنه "يلزم أن تتخذ شركة الصرافة شكل شركة مساهمة مصرية، وأن يكون غرضها الوحيد مزاولة عمليات الصرافة، وألا يقل رأسمالها المصدر والمدفوع عن خمسة وعشرين مليون جنيه".

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع، أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية، للتثبت من شروط قبولها.

متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يتحدد فى طلبات الشركات المدعية، والشركات المتدخلة انضماميًّا، في الدعاوى الموضوعية الثلاث - كما حملتها أسباب تلك الدعاوى - بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ البنك المركزي الصادر بتاريخ 22/7/2003، بإلزام تلك الشركات بتوفيق أوضاعها، خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد. ولما كان النصان المحالان قضى أولهما بإلزام شركات الصرافة القائمة في تاريخ العمل بالقانون المار ذكره، بتوفيق أوضاعها خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل به، وقضى الآخر بألا يقل رأس مال شركة الصرافة المدفوع بالكامل عن عشرة ملايين جنيه، ومن ثم يكون هذان النصان هما السند التشريعي للقرار الصادر من البنك المركزي لتوفيق أوضاع تلك الشركات على النحو المتقدم، ويغدو الفصل في دستوريتهما لازمًا للقضاء في الطلبات المطروحة في الدعاوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، بما يوفر شرط المصلحة في الدعوى المعروضة.

وحيث إن قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، قد تم إلغاؤه بموجب المادة السابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، وإذ رددت المادة الرابعة من القانون الأخير الحكم ذاته الوارد بالفقرة الثانية من المادة الثالثة من مواد إصدار القانون الملغي، وتضمنت المادة (208) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 الحكم ذاته الوارد بالمادة (115) من القانون الملغي المار الذكر؛ إذ ارتكز النصان الملغيان والقائمان على قاعدة كلية حاصلها وجوب التزام المخاطبين بأحكام هذين القانونين - ومن بينهم الشركات المدعية والشركات المتدخلة انضماميًّا - بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكامهما خلال المدد المبينة بكل منهما، بزيادة الحد الأدنى لرأسمالها المدفوع، المبين قدرًا بالنصين الأخيرين، وبذلك يكون المشرع عند إقراره للقانون اللاحق قد أكد على القاعدة القائمة بالقانون السابق، مستصحبًا حكمها على حاله. متى كان ذلك، وكان الأصل المقرر بنص المادة الثانية من القانون المدني، أن كل تشريع لاحق يعتبر مُلغيًا للتشريع السابق بالقدر الذي يتحقق فيه التعارض بينهما، وكان نص هذه المادة يفترض تشريعين تعاقبا في الزمان، واختلفا في المضمون؛ إذ إن القول بالتعارض بين تشريعين يفترض أن يكون ألحقُهما قد أتى بقواعد قانونية جديدة تُعدّل القواعد القانونية القديمة أو تلغيها، فإذا كانت القاعدة القانونية الجديدة هي ذاتها القاعدة القانونية القديمة فإن القاعدتين تتلاقيان في مضمون واحد ولا تختلفان في آثارهما، ليقتصر دور القاعدة القانونية الجديدة على مجرد ترديد الحكم المقرر بالقاعدة القانونية القديمة التي استصحبتها.

وحيث إن الأصل في الرقابة القضائية على دستورية القوانين هو ربطها بالنصوص القانونية التي طُبقت على الأنزعة الموضوعية في المجال الزمني لسريانها، وكانت القاعدة القانونية التي تبناها النص في المادة الرابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020، ونص المادة (208) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، هي ذاتها القاعدة القانونية التي وردت بالنصين المحالين في مضمونها وأثرها، فإنه يكون من غير المتصور أن يستقل النصان المحالان بذاتيتهما ليحدثا في حق خصوم الدعوى الموضوعية آثارًا غير تلك التي يرتبها النصان الأخيران في مواجهتهم، مما لزامه إسناد المخالفة الدستورية لا إلى النصين المحالين وحدهما، وإنما أيضًا إلى النصين الواردين بالقانون رقم 194 لسنة 2020 المار الذكر؛ كونهما النصين التشريعيين المتعين إعمالهما على الدعاوى الموضوعية بعد زوال الوجود القانوني للنصين المحالين؛ ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما تضمنته الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، في مجال سريانها على المادة (115) من هذا القانون، بشأن رأس مال شركات الصرافة المدفوع، ونص المادة الرابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، في مجال سريانها على نص المادة (208) من هذا القانون، في الشأن ذاته.

وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النصين المحالين تضمنهما أثرًا رجعيًّا ينال من الحقوق المكتسبة لشركات الصرافة القائمة في ظل القانون القديم، دون أن تتحقق الضمانات الواردة بنص المادة (187) من دستور سنة1971، لإنفاذ القوانين بأثرٍ رجعي.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسرى على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين القانونيتين؛ ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القانونين - القديم والجديد - تخضع لحكمه، فما نشأ منها وترتبت آثاره في ظل القانون القديم يظل خاضعًا له، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره في ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده.   

وحيث إن المادة (220) من دستور سنة 2014 قد خصت البنك المركزي بوضع السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية، والإشراف على تنفيذها، ومراقبة أداء الجهاز المصرفي، والعمل على سلامة الجهاز النقدي والمصرفي، على النحو الذي ينظمه القانون، ليباشر رقابته الميدانية على شركات الصرافة، بهدف التحقق من التزامها بالقواعد والتعليمات المنظمة للتعامل في النقد الأجنبي، والمساهمة في تحقيق المحافظة على الاستقرار النقدي، وهو ما انتظمته المادة (207) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020

- المقابلة لنص المادة (114) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 - والتي أعطت لمجلس إدارة البنك المركزي سلطة الترخيص لشركات الصرافة بالتعامل في النقد الأجنبي، وتحديد شروط الترخيص، ونظام العمل في تلك الشركات، ونظام رقابة البنك عليها، وأوجب الحصول على موافقة المحافظ قبل إنشاء أي فرع جديد لها، وقبل افتتاحه، كما أن لمحافظ البنك المركزي في حالة مخالفة أي من هذه الشركات أو الجهات لشروط الترخيص أو لنظام العمل توجيه تنبيه أو إيقاف النشاط لمدة لا تجاوز سنة أو إلغاء الترخيص وشطب القيد من السجل.

  

وحيث إنه من المقرر أن الترخيص الصادر من جهة الإدارة بمزاولة نشاط تجاري، هو تصرف إداري مؤقت بطبيعته، لا يرتب حقًّا ثابتًا ونهائيًّا كحق الملكية، بل يخول المرخص له مركزًا قانونيًّا مؤقتًا، يرتبط حقه في التمتع به - وجودًا وعدمًا - بأوضاع وظروف وشروط وقيود يترتب على تغييرها أو انقضائها أو الإخلال بها أو مخالفتها، جواز تعديل أوصاف هذا الترخيص، أو سقوط الحق فيه بتخلف شرط الصلاحية للاستمرار في الانتفاع به، أو زوال سبب منحه، أو انقضاء الأجل المحدد له، أو أن تتطلب المصلحة العامة إنهاءه.

        

لما كان ما تقدم، وكانت شركات الصرافة تخضع لنظام الترخيص، الذي لا ينشئ لها مركزًّا قانونيًّا مستقرًّا مكتمل البنيان - وجودًا وأثرًا - بشكل نهائي، محصنًا في مواجهة أي تعديل تشريعي تقتضيه المصلحة العامة، إذ ينشأ هذا المركز ويظل قابلًا للمراجعة والتعديل، بما في ذلك إلغاء الترخيص والشطب، في حدود القانون، وهو ما يتماهى مع طبيعة نشاط التعامل في النقد الأجنبي والمساهمة في تحقيق المحافظة على الاستقرار النقدي، وتسييج هذا النشاط بما يحقق المصلحة العامة، وإذ تستمد شركات الصرافة حقوقها من نظام الترخيص على النحو السالف البيان، وتلتزم بالواجبات التي يقررها هذا النظام، وهو نظام يجوز تعديله فى كل وقت، وتخضع لكل تعديل يرد عليه، ويطبق عليها بأثر مباشر، فإنه لا يجوز لها أن تحتج بأن لها حقًّا مكتسبًا أو مركزًا قانونيًّا مستقرًّا يوجب أن تعامل بمقتضاه بالنظام الذى صدر الترخيص لها فى ظل أحكامه، أو الذى طُبق عليها لفترة طالت أم قصُرت، ما لم يكن التعديل قد انطوى في ذاته على مخالفة نص دستوري، فلا تتفرق هذه الشركات بين نظم قانونية متباينة، قد يناقض بعضها بعضًا، أو تفضي إلى الإخلال بالمساواة وتكافؤ الفرص فيما بينها، مما يُلحق بسوق الصرف تشوهات تُخل بالتوازن المالي له، ومن ثم فإن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد - وقد أوجبت على تلك الشركات توفيق أوضاعها خلال المدة المبينة بالنص من تاريخ العمل بهذا القانون - لا تكون منطوية على أي أثر رجعي، وهو الحكم ذاته الذي يسري في شأن المادة الرابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020 السابق ذكره؛ ومن ثم فإن استيفاء الأغلبية المنصوص عليها في المادتين (187) من دستور سنة 1971، و(225) من دستور سنة 2014، لإقرار القوانين رجعية الأثر لا يكون لها محل، ويكون النعي عليهما في هذا الخصوص مفتقدًا لسنده.

وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النصين المحالين مخالفتهما نصوص المواد (32 و34 و40 و64) من دستور 1971، وتقابلها المواد (35 و53 و94) من دستور 2014، التي تحمي الملكية الخاصة، وتنزه تنظيمها عن أي استغلال أو انحراف يعوق دورها في بناء الاقتصاد القومي في إطار الدور الاجتماعي لهذا الحق، فضلًا عما تناله من الحقوق التي اكتسبتها شركات الصرافة في ظل القانون الملغي.

وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهها حكم الإحالة إلى النصين المحالين تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، وكان النصان المحالان قد ظلا ساريين ومعمولًا بأحكامهما حتى أدركا العمل بالدستور القائم؛ ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذين النصين، والنصين اللذين امتد إليهما نطاق الدعوى المعروضة، على ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014.   

وحيث إن الدستور قد حدد بالمادة (27) منه الأغراض التي يتوخاها النظام الاقتصادي، وهي تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر، ويلتزم  في هذا الإطار  بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافسية، ومنع الممارسات الاحتكارية، مع مراعاة الاتزان المالي، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور قد حرص على صون الملكية الخاصة، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التي أوردها باعتبارها مترتبة - في الأصل - على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزًا إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التي يرد عليها حق الملكية، والتي تُعد -كذلك- من مصادر الثروة التي لا يجوز التفريط فيها، أو استخدامها على وجه يعوق التنمية، أو يعطل مصالح الجماعة، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تَعد حقًّا مطلقًا ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية أو الأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع من خلال ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور. وفى ضوء ما تقدم، يتعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتديًا - بوجه خاص - بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والمجتمع.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في النصوص التشريعية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها، باعتبار أن كل تنظيم تشريعي ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف؛ ومن ثم يتعين دومًا استظهار ما إذا كان النص التشريعي المطعون فيه يلتزم إطارًا منطقيًّا للدائرة التي يعمل فيها، كافلًا من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أو متهادمًا مع مقاصده، أو مجاوزًا لها، ومناهضًا – من ثمَّ - لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة (94) من الدستور.

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق  وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة  أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتكون تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده لا يجوز أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية، سواء بالنقض أو الانتقاص؛ ذلك أن إهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها يُعد عدوانًا على مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها، بما مؤداه أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها التقديرية  وفيما خلا القيود التي يفرضها الدستور عليها  بعيدًا عن الرقابة القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية العليا، فلا يجوز لها أن تزن بمعاييرها الذاتية السياسة التي انتهجها المشرع في موضوع معين، ولا أن تناقشها، أو تخوض في ملاءمة تطبيقها عملًا، ولا أن تنتحل للنص المطعون فيه أهدافًا غير التي رمى المشرع إلى بلوغها، ولا أن تقيم خياراتها محل عمل السلطة التشريعية، بل يكفيها أن تمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها تلك، مستلهمة فى ذلك أغراضًا يقتضيها الصالح العام، فى شأن الموضوع محل التنظيم التشريعي، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التي حددتها مرتبطة عقلًا بها.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه فى الدائرة التي يُجيز فيها الدستور للمشرع أن يُباشر سلطته التقديرية لمواجهة مقتضيات الواقع، وهى الدائرة التي تقع بين حَدَّي الوجوب والنهي الدستوريين، فإن الاختلاف بين الأحكام التشريعية المتعاقبة التي تنظم موضوعًا واحدًا، تعبيرًا عن تغير الواقع عبر المراحل الزمنية المختلفة، لا يُعد إخلالًا بمبدأ المساواة، الذى يستقى أحد أهم مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التي يُطبق خلالها النص القانوني الخاضع لضوابط هذا المبدأ، فإذا تباينت النصوص التشريعية فى معالجتها لموضوع واحد، وكان كل منها قد طبق فى مرحلة زمنية مختلفة، فإن ذلك لا يُعد بذاته إخلالًا بمبدأ المساواة، وإلا تحول هذا المبدأ من ضابط لتحقيق العدالة إلى سد حائل دون التطور التشريعي.

متى كان ما تقدم، وكان نصَّا المادة (115) من القانون رقم 88 لسنة 2003 والمادة (208) من القانون رقم 194 لسنة 2020 السالفا البيان، قد صدرا في إطار السلطة التقديرية الممنوحة للمشرع فى مجال تنظيم الحقوق، متخيرًا من البدائل ما ارتآه محققًا للأغراض التي توخاها، وذلك بأن وضع حدًّا أدنى لرأس المال المدفوع لشركات الصرافة، حرصًا على ملاءتها وقدرتها على الوفاء بالأغراض الدستورية التي يهدف إليها النشاط الاقتصادي، مانحًا إياها المهلة المناسبة لتوفيق أوضاعها، دون أن يتضمن هذا التنظيم التشريعي مساسًا بالملكية الخاصة لتك الشركات، بل تنظيمًا يكفل ما تقدم من أغراض، ولا ينال من تملكها وحدها رأسمالها، وإن أرهقها زيادته، فإن ذلك مما يقع في إطار تحميل حق الملكية بقيود تقتضيها الموازنة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة، ويرجح من خلالها المصلحة الأولى بالرعاية، ومحققًا بها تناغم الأغراض التي يستهدفها، وإذ كان النصان قد أوجبا زيادة الحد الأدنى لرأس مال شركات الصرافة القائمة وقت العمل بأحكام هذين القانونين عما كان عليه الحال في مرحلة زمنية سابقة، فإن هذين النصين يكونان في تعاقبهما قد عبرا عن مرحلتين زمنيتين مختلفتين، تتأبى معهما المقارنة اللازمة لإعمال مبدأ المساواة؛ بما يضحى معه نعي حكم الإحالة على النصين المحالين إخلالهما بالحق في الملكية، وبمبدأي المساواة وخضوع الدولة للقانون، غير سديد، خليقًا بالرفض.

وحيث إن النصين المحالين والنصين اللذين امتد إليهما نطاق هذه الدعوى لا تخالف أي حكم آخر في الدستور؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

الدعوى رقم 28 لسنة 18 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 9 / 11 / 2024

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من نوفمبر سنة 2024م، الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1446ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني  نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري  رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 18 قضائية "دستورية"

المقامة من

شركة النصر لصناعة السيارات

ضد

1- رئيس الجمهورية

2- النائب العام

3- رئيس مجلس الوزراء

4- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)

5- نقابة المهن الفنية التطبيقية

---------------

الإجراءات

      بتاريخ الرابع من أبريل سنة 1996، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية البنود (أ، ب، ج) من المادة (52)، والمادة (53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1979.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

وقدمت نقابة المهن الفنية التطبيقية مذكرة، طلبت فيها الحكم بما انتهت إليه مذكرة هيئة قضايا الدولة.

      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 7/11/2010، وفيها قررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير، فأودعت تقريرًا تكميليًّا بالرأي، وأعيد نظر الدعوى بجلسة 1/9/2024، وفيها قدمت النقابة المدعى عليها الخامسة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

---------------

المحكمة

      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النقابة المدعى عليها الخامسة أقامت أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 10025 لسنة 1993 مدني كلي، ضد الشركة المدعية، طالبة الحكم - وفق طلباتها الختامية - بإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغًا مقداره سبعة ملايين وخمسمائة وثلاثة وأربعون ألفًا ومائة جنيه، قيمة دمغة النقابة المستحقة عن إنتاج الشركة للسيارات خلال سنوات المطالبة حتى عام 1995، وذلك على سند من استحقاق النقابة قيمة تلك الدمغة إعمالًا لنص المادتين (52 و53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، وحال نظر الدعوى دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية النصين السالف بيانهما، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت لها باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية؛ فأقامت الدعوى المعروضة.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من النقابة المدعى عليها الخامسة بعدم قبول الدعوى؛ لورود تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم الدستورية على غير محل، فمردود بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ولايتها في مجال الفصل في المسائل الدستورية التي تعرض عليها، مناطها اتصالها بها وفقًا للأوضاع المنصوص عليها في المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ وذلك إما بإحالة هذه المسائل مباشرة إليها من محكمة الموضوع لتقول كلمتها فيها، وإما من خلال دفع بعدم دستورية نص تشريعي يبديه خصم أثناء نظر نزاع موضوعي، وتقدر المحكمة جديته، لترخص بعدئذ للخصم - وخلال أجل لا يجاوز ثلاثة أشهر - برفع الدعوى الدستورية في شأن المسائل التي تناولها هذا الدفع. وهذه الأوضاع الإجرائية – سواء ما تعلق منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها – من النظام العام، باعتبارها من الأشكال الجوهرية التي تغيَّا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها، وفي الموعد الذي حدده. وكان من المقرر – أيضًا – في قضاء هذه المحكمة أن تقدير جدية الدفع بعدم الدستورية تختص به محكمة الموضوع، شريطة أن يكون من أبداه قد عين النص محل الدفع بما ينفي التجهيل به، وأن يكون ذلك النص لازمًا للفصل في النزاع المعروض على محكمة الموضوع، وأن تكون المناعي الدستورية المدعى بها بشأنه لها ما يظاهرها، وهو ما يعني جديتها من وجهة مبدئية. ولئن كان الفصل في اتصال النص التشريعي المطعون فيه بالنزاع الموضوعي من مسائل القانون التي لا ترخص فيها، فإن تقدير محكمة الموضوع جدية المطاعن الموجهة إليه هو مما يدخل في نطاق سلطتها التقديرية، التي تباشر من خلالها نوعًا من التقييم المبدئي لمضمون هذه المطاعن وسلامة أسسها.

متى كان ما تقدم، وكانت الشركة المدعية قد ضمَّنت المذكرة التي قدمتها بجلسة 24/12/1995، أمام محكمة الموضوع، دفعًا بعدم دستورية نص المادتين (52 و53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1979، ناعية عليهما مخالفة أحكام المواد (38 و61 و115 و116 و119 و120) من الدستور، وأعادت ترديده بجلسة 10/3/1996، ومن ثم؛ فإن تقدير محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، والتصريح للشركة بإقامة الدعوى الدستورية، قد صادف محلًّا، وله سنده من الأوراق، مما لزامه الالتفات عن الدفع المبدى من النقابة المدعى عليها الخامسة بعدم قبول الدعوى المعروضة.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، لخلو صحيفتها من بيان أوجه مخالفة النصين المطعون عليهما لأحكام الدستور، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما تغياه المشرع من نص المادة (30) من قانونها السالف الذكر، هو أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى الدستورية البيانات الجوهرية التي تكشف بذاتها عن ماهية المسألة الدستورية التي يُعرض على هذه المحكمة أمر الفصل فيها، وكذلك نطاقها، بما ينفي التجهيل بها، كي يحيط كل ذي شأن – ومن بينهم الحكومة التي يتعين إعلانها بقرار الإحالة أو بصحيفة الدعوى إعمالًا لنص المادة (35) من قانون هذه المحكمة – بجوانبها المختلفة، وليتاح لهم جميعًا – على ضوء تعريفهم بأبعاد المسألة الدستورية المعروضة عليها – إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيباتهم في المواعيد التي حددتها المادة (37) من القانون ذاته، بحيث تتولى هيئة المفوضين – بعد انقضاء هذه المواعيد – تحضير الموضوع المعروض عليها، وإعداد تقرير يشتمل على زواياه المختلفة، محددًا بوجه خاص المسائل الدستورية والقانونية المتصلة بها، ورأي الهيئة في شأنها، وفقًا لما تقضي به المادة (40) من قانون هذه المحكمة. وكان ما تغياه المشرع، على النحو المتقدم، يُعد متحققًا كلما تضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما يعين على تحديد المسألة الدستورية، سواء كان ذلك بطريق مباشر أم غير مباشر؛ إذ ليس لازمًا للوفاء بالأغراض التي استهدفتها المادة (30) من قانون هذه المحكمة أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى تحديدًا مباشرًا وصريحًا للنص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته، وأوجه تلك المخالفة، بل يكفي أن تكون المسألة الدستورية التي يُراد الفصل فيها قابلة للتعيين، بأن تكون الوقائع التي تضمنها قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى – في ترابطها المنطقي – مفضية إليها، جلية في الإفصاح عنها.

متى كان ما تقدم، وكانت الشركة المدعية قد ضمنت صحيفة دعواها المعروضة بيانًا بالنصوص التشريعية المطعون عليها - البنود (أ، ب، ج) من الفقرة الأولى من المادة (52)، والمادة (53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1979، واشتملت صحيفة الدعوى على نصوص الدستور المدعى بمخالفتها وأوجه المخالفة؛ ومن ثم فإن صحيفة الدعوى المعروضة تكون قد استوفت سائر أوضاع قبولها الشكلية، ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى في هذا الخصوص مفتقدًا سنده، جديرًا بالالتفات عنه.

وحيث إن المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، تنص في فقرتها الأولى على أنه "يكون لصق دمغة النقابة إلزاميًّا على الأوراق والدفاتر والرسومات الآتية:

(أ) أصول عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يباشرها أو يشرف عليها عضو النقابة وكذلك عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يقوم بها عضو النقابة لحسابه الخاص وأوامر التوريد الخاصة بها، وكذلك صورها التي تعتبر مستندًا ويعتبر العقد أصلًا إذا حمل توقيع الطرفين مهما تعددت الصور.

(ب) أوامر التوريد بالأمر المباشر وأوامر التكليف بالأعمال الفنية التطبيقية وعقود التوريد عن السلع والأدوات والأجهزة والمعدات التي تلزم للأعمال الفنية التنفيذية، وكذلك عقود الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى على اختلاف أنواعها كالآلات والأدوات والأجهزة والمعدات وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة وتعتبر الفواتير الخاصة بهذه التوريدات كعقود إذا لم تحرر لها عقود.

(ج) تقارير الخبراء الفنيين من أعضاء النقابة .........".

      وتنص الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أنه "ويتحمل قيمة الدمغة الطرف المسند إليه تنفيذ الأعمال أو التوريد......".

      وتنص المادة (53) من القانون ذاته – في فقرتيها الأولى والثالثة – على أنه "لا يجوز أن تقبل الوزارات أو المصالح العامة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لأيهما التعامل بالأوراق أو المستندات المنصوص عليها في المادة السابقة إلا إذا كان ملصقًا عليها طابع الدمغة النقابي المقرر".

      " وتتحمل المؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها قيمة الدمغة المستحقة عليها في الأحوال وبالفئات المنصوص عليها في المادة السابقة".

      وتنص المادة (54) من ذلك القانون على أنه "يتقادم الحق في المطالبة برسم الدمغة المستحق طبقًا لأحكام المادة (52) بمضي خمس سنوات من يوم تقديم أو استعمال العقد أو الرسم أو الصورة أو المحرر الخاضع للرسم وينقطع التقادم بالمطالبة بأداء الرسم بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول.

      ويسقط الحق في طلب رد الرسم المحصل بغير وجه حق بمضي سنة من يوم أدائه.

      ولا يقبل طلب رد قيمة الطوابع الملصقة لأي سبب من الأسباب".

      وتنص الفقرة الثالثة من المادة (107) من النظام الداخلي لنقابة المهن الفنية التطبيقية، الصادر بقرار وزير الصناعة والثروة المعدنية رقم 543 لسنة 1979، على أنه "ويقصد بالعقود الفنية وعقود الأعمال الصناعية عقود الأعمال الفنية التطبيقية على اختلاف أنواعها كالإنشاءات والمباني وأعمال الري والصرف والطرق والشهر العقاري والمساحة وعمليات الحفر للبترول وإنتاجه والغزل والنسيج وكل ما يشترك أو يشرف عليه عضو النقابة. وعقود الأعمال الصناعية كعقود توريد أو بيع العربات والقاطرات والسفن والطائرات والمركبات والسيارات والآلات والأجهزة الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية ومستلزماتها وكل ما يشترك أو يشرف عضو النقابة على إنتاجه أو فحصه أو تشغيله أو خلافه".

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص التشريعي المطعون فيه انعكاس على الطلبات في الدعوى الموضوعية، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة.

متى كان ما تقدم، وكان النزاع في الدعوى الموضوعية تدور رحاه حول مدى أحقية نقابة المهن الفنية التطبيقية – المدعى عليها الخامسة – في طلب الحكم بإلزام الشركة المدعية بأن تؤدي إليها مبلغًا مقداره سبعة ملايين وخمسمائة وثلاثة وأربعون ألفًا ومائة جنيه، قيمة دمغة النقابة المستحقة على عقود الأعمال الفنية التنفيذية لإنتاج السيارات خلال فترة المطالبة، وكان الفصل في تلك الطلبات يتوقف على القضاء في دستورية ما ورد بالشطر الثاني من البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل به نص المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، فيما نصت عليه من عبارة: "وكذلك عقود الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى على اختلاف أنواعها كالآلات والأدوات والأجهزة والمعدات، وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة"، والفقرتين الأولى والثالثة من المادة (53) من القانون ذاته، فيما نصتا عليه من أنه "لا يجوز أن تقبل الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لأيهما التعامل بالأوراق أو المستندات المنصوص عليها في المادة السابقة إلا إذا كان ملصقًا عليها طابع الدمغة النقابي المقرر، وتتحمل قيمة الدمغة المستحقة عليها في الأحوال وبالفئات المنصوص عليها في المادة السابقة". ومن ثم تتوافر للشركة المدعية مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستورية تلك النصوص؛ لما للفصل في دستوريتها من أثر مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع بشأنها، ويتحدد فيها – وحدها - نطاق الدعوى المعروضة، دون سائر أحكام المادتين المطعون عليهما.

وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النصوص التشريعية التي تحدد بها نطاق الدعوى المعروضة مخالفتها أحكام المواد (38 و61 و115 و116 و119 و120) من دستور سنة 1971 - الذي أقيمت الدعوى الدستورية في ظل العمل بأحكامه- لكون الفريضة المالية المقررة بموجبها تُعد ضريبة عامة، خالف فرضها مبدأ العدالة الضريبية، فضلًا عن عدم إيداع حصيلتها في الخزانة العامة للدولة، وإدراجها في الموازنة العامة لها، مما يخالف الضوابط الدستورية لفرض الضرائب العامة.

وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث توافقها مع القواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبر عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلًا – على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، بحسبان نصوصه تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارتها الشركة المدعية على نصوص المواد التي تحدد فيها نطاق الدعوى المعروضة، تندرج تحت نطاق المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم تباشر هذه المحكمة رقابتها على دستورية تلك النصوص، التي مازال معمولًا بأحكامها، في ضوء أحكام دستور سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دمغة نقابة المهن الفنية التطبيقية تعد ضريبة عامة، تأسيسًا على أن الإلزام بتلك الدمغة النقابية لا يقابله خدمة فعلية بذلتها النقابة لمن يتحملون بعبئها، ومن ثم لا تُعد رسمًا، وإنما تنحل إلى ضريبة عامة من الناحية الدستورية، وأن تخصيص حصيلتها مباشرة لتؤول لتلك النقابة، دون أن تدخل الخزانة العامة للدولة، كان إعمالًا لمفهوم المخالفة لعجز نص الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور القائم، الذي يجيز – استثناءً من أصل أن تصب حصيلة الضرائب العامة وغيرها من الإيرادات العامة في الخزانة العامة – أن يحدد المشرع على سبيل الاستثناء وفي أضيق الحدود ما لا يودع منها في الخزانة العامة، شريطة أن يكون ذلك بقانون، وفي حدود تنضبط بضوابط الدستور، وهو ما التزم به المشرع في القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية؛ إذ تم إنشاؤها بموجب قانون، وفق أحكام المادتين (76 و77) من الدستور، ومنحها القانون الشخصية الاعتبارية، وجعل من بين أهدافها رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها، والدفاع عن حقوقهم، ورعاية مصالحهم، كما منحها قسطًا من السلطة العامة بالقدر الذي يمكنها من أداء رسالتها، ومن ثم فإنها تُعد من الأشخاص الاعتبارية العامة، وقد رصد المشرع العادي لصالحها حصيلة تلك الضريبة العامة، ليكفل لها موردًا ماليًّا يعينها على القيام بالأعباء الملقاة على عاتقها، وتقديم الخدمات المنوطة بها، التي تُعد كفالتها واجبًا والتزامًا على الدولة، غايته تحقيق مصلحة جوهرية أولاها الدستور اهتمامه وعنايته، ممثلة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن الحياة الكريمة، وتوفير خدمات التأمين الاجتماعي، على نحو ما توجبه المادتان (8 و17) من الدستور، ويتوافق مع ما نصت عليه المادة (38) منه، في فقرتها الأولى، بأن من بين أهداف النظام الضريبي تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية؛ ومن ثم يكون تخصيص حصيلة تلك الدمغة لنقابة المهن الفنية التطبيقية قد وافق الغايات الصريحة للدستور، وإعمال أحكامه.

وحيث إن النص في الفقرة الثانية من المادة (38) من الدستور الحالي– المقابلة لنص المادة (119) من دستور سنة 1971 – قد جرى على أنه "لا يكون إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغاؤها، إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا في الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب، أو الرسوم، إلا في حدود القانون"، ومؤداه – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الدستور قد مايز بين الضريبة العامة وبين غيرها من الفرائض المالية من حيث أداة إنشاء كل منها؛ ذلك أن الضريبة العامة لا يفرضها أو يعدلها أو يلغيها إلا القانون، أما غيرها من الفرائض المالية فيكفي لتقريرها أن يكون واقعًا في حدود القانون؛ تقديرًا من الدستور لخطورة الضريبة العامة، بالنظر إلى اتصالها بمصالح القطاع الأعرض من المواطنين، ومن ثم نص الدستور على ضرورة أن يكون القانون مصدرًا مباشرًا لها، بما مؤداه أن تكون السلطة التشريعية – وحدها – هي التي تقبض بيدها على زمام تلك الضريبة، لتتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، يتضمن تحديدًا لنطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، وتحديد الملتزمين أصلًا بأدائها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من طعون اعتراضًا عليها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإعفاء منها؛ إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون. ومقتضى هذا أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية، أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، اختصاصًا ما بتنظيم أمر الضريبة العامة في الحدود المشار إليها، وأن هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين، فلا يجوز لها أن تتسلب من هذا الاختصاص، وتحيل الأمر بشأنها للسلطة التنفيذية، فإن فعلت كان ذلك تخليًا منها عن الاختصاص الأصيل المقرر لها بموجب المادة (101) من الدستور، ساقطًا – من ثمَّ - في هوة المخالفة الدستورية.

وحيث كان ما تقدم، وكان الشطر الثاني من البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل به المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، بعد أن نص على الإلزام بلصق دمغة النقابة على "عقود الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى على اختلاف أنواعها كالآلات والأدوات والأجهزة والمعدات"، أعقب ذلك بالنص على أنه "وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة"، وكان النص في المادة (100) من القانون المشار إليه قد ناط بوزير الصناعة إصدار قرار بلائحة النظام الداخلي للنقابة بعد موافقة جمعيتها العمومية، بما مؤداه أن يكون تحديد الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى المشار إليها - التي تمثل وعاء الضريبة – صار أمرًا موكولًا إلى الجمعية العمومية للنقابة، التي تستأثر وحدها بحصيلة تلك الفريضة المالية، ومن ثم فإن عبارة: "وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة"، الواردة في النص المشار إليه، تُعد في حقيقتها إعراضًا من جانب السلطة التشريعية عن مباشرة ولايتها الأصلية في تحديد وعاء هذه الضريبة، ونقل مسئولية تحديده لنقابة المهن الفنية التطبيقية، بما يمس بنيان تلك الضريبة، حال كونه مجالًا محجوزًا للسلطة التشريعية – دون غيرها – إعمالًا لحكم الفقرتين الثانية والرابعة من المادة (38) من الدستور، كما تمثل أحكام النص المطعون فيه تسلبًا من السلطة التشريعية للاختصاص الذي عهد به الدستور إليها بمقتضى المادة (101) منه، بتوليها سلطة التشريع، مما لزامه الحكم بعدم دستورية عبارة "وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة"، الواردة بنص الشطر الثاني من البند ( ب ) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل به نص المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، لمخالفتها أحكام المادتين (38 و101) من الدستور.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان عَجُز البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52)، والفقرة الثانية من المادة ذاتها، والفقرتان الأولى والثالثة من المادة (53)، والفقرة الأولى من المادة (54) من القانون رقم 67 لسنة 1974 السالف البيان، والفقرة الثالثة من المادة (107) من النظام الداخلي لنقابة المهن الفنية التطبيقية، الصادر بقرار وزير الصناعة والثروة المعدنية رقم 543 لسنة 1979 بلائحة النظام الداخلي لنقابة المهن الفنية التطبيقية، ترتبط ارتباطًا غير قابل للانفصال عما انتهى إليه قضاء هذه المحكمة من عدم دستورية ما ورد في الشطر الثاني من البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون السالف البيان؛ الأمر الذي يتعين معه الحكم بسقوطها بقدر اتصالها بالنص المقضي بعدم دستوريته

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

أولًا: بعدم دستورية الشطر الثاني من البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل به نص المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، فيما تضمنه من تخويل النظام الداخلي للنقابة تحديد الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى على اختلاف أنواعها التي تخضع لدمغة النقابة المذكورة.

ثانيًا: بسقوط عَجُز البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52)، والفقرة الثانية من المادة ذاتها، والفقرتين الأولى والثالثة من المادة (53)، والفقرة الأولى من المادة (54) من القانون رقم 67 لسنة 1974 السالف البيان، والفقرة الثالثة من المادة (107) من لائحة النظام الداخلي لنقابة المهن الفنية التطبيقية الصادرة بقرار وزير الصناعة والثروة المعدنية رقم 543 لسنة 1979، بقدر اتصالها بالنص المقضي بعدم دستوريته.

ثالثًا: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.