الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 31 يوليو 2016

دستورية المادة 70 من قانون العمل

الطعن 19 لسنة 36 ق "دستورية"  جلسة 7 / 5 / 2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من مايو سنة 2016م, الموافق الثلاثين من رجب سنة 1437هـ
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 36 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة الزقازيق الابتدائية "مأمورية بلبيس الكلية" بحكمها الصادر بجلسة 25/12/2013 ملف الدعوى رقم 376 لسنة 2013 عمال کلي.
----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أنه بموجب عقد عمل مؤرخ 1/11/2010، التحق المدعي بالشركة المدعى عليها، في وظيفة عامل تشغيل أوناش وآلات رفع، وبتاريخ 24/2/2013، أبلغ في المحضر رقم 767 لسنة 2013 إداري قسم العاشر من رمضان، بأن الشرکة قامت بمنعه من العمل اعتبارا من 1/11/2012، دون مبرر، وفي اليوم التالي لتحرير المحضر، قدم شكوى إلى اللجنة الإدارية المختصة بالمضمون ذاته، ولتعذر قيامها بالتسوية الودية للنزاع، قامت بإحالته إلى المحكمة العمالية بمحكمة الزقازيق الابتدائية "مأمورية بلبيس الكلية"، وقيدت أمامها برقم 376 لسنة 2013 عمال کلي، وبتاريخ 25/5/2013، قام العامل بإعلان طلباته الموضوعية، بإلزام الشركة بأن تؤدي له جملة مبالغ مستحقة له وتعويضه عن فصله تعسفيًا. وحال نظر الدعوى بجلسة 30/10/2013، وجهت الشرکة المدعى عليها دعوى فرعية، بطلب الحكم برفض الدعوى الأصلية، وإلزام العامل بأن يؤدي لها مبلغ مائتي ألف جنيه، تعويضا عن حصوله بغير حق على أوراق ومستندات تخص الشركة، والتقاضي الكيدي، وإذ تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية نص المادة (70) من قانون العمل المشار إليه، أوقفت نظر الدعويين الأصلية والفرعية، وأحالت الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا, للفصل في دستوريته
وحيث إن المادة (70) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 بعد استبدالها بالقانون رقم 180 لسنة 2008، تنص على أن: "إذا نشأ نزاع فردي بين صاحب العمل والعامل في شأن تطبيق أحكام هذا القانون أو أي من القوانين أو اللوائح المنظمة لعلاقات العمل الفردية، فلأي منهما أن يطلب من لجنة - تشكل من: ممثل للجهة الإدارية المختصة (مقررا)، وممثل للمنظمة النقابية، وممثل لمنظمة أصحاب الأعمال – خلال عشرة أيام من تاريخ النزاع، تسويته وديًا، فإذا لم تتم التسوية خلال واحد وعشرين يومًا – من تاريخ تقديم الطلب – جاز لأي منهما أن يطلب من الجهة الإدارية المختصة إحالة النزاع إلى المحكمة العمالية المنصوص عليها في المادة (71) من هذا القانون، أو أن يلجأ إليها في موعد أقصاه خمسة وأربعون يومًا من تاريخ انتهاء المدة المحددة للتسوية، سواء كان قد تقدم للجنة بطلب التسوية أو لم يتقدم به، وإلا سقط حقه في عرض الأمر على المحكمة". 
وحيث أن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها – مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمـة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت رحى المنازعة في الدعوى الموضوعية تدور حول نزاع عمل فردي شجر بين العامل (المدعي) وصاحب العمل (الشركة المدعى عليها)، بشأن ما يطالب به الأول من تعويضه عن فصله تعسفيًا، وصرف كافة مستحقاته المالية، وما تطالب به الثانية من إلزام العامل بتعويضها عن استيلائه بغير حق على مستنداتها، وعن التقاضي الكيدي، وقد ارتأت محكمة الموضوع أن العامل قد تجاوز مدة عشرة الأيام الواردة بنص المادة (70) من قانون العمل المشار إليه، التي يجب خلالها أن يطلب من الجهة الإدارية المختصة تسوية النزاع وديًا. وأن الشركة المدعى عليها قد تجاوزت مدة الخمسة والأربعين يومًا الواردة في ذلك النص، لإبداء طلباتها في الدعوى الفرعية أمام المحكمة العمالية، بما يسقط حقهما في اللجوء إلى تلك المحكمة. ومن ثم، فإن الفصل في دستورية هاتين المدتين، وما ترتب عليهما من جزاء سقوط الحـق في إقامـة الدعوى، يرتب انعكاسا مباشرا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، الأمر الذي يتوافر معه شرط المصلحة في الدعوى الماثلة، ويتحدد نطاقها بما ورد في صدر المادة (70) من قانون العمل المشار إليه، من تحديد مدة عشرة أيام من تاريخ النزاع، لطلب تسويته وديًا من اللجنة الإدارية. وما ورد في عجزه من تحديد مدة خمسة وأربعين يومًا من تاريخ انتهاء المدة المحددة للتسوية لإقامة الدعوى أمام المحكمة العمالية، وإلا سقط الحق في عرض الأمر عليها، دون سائر ما تضمنه النص من أحكام أخرى
وحيث إن محكمة الموضوع تراءى لها أن جملة مثالب دستورية قد اعترت النص التشريعي المحال، في خصوص ما رتبه، دون مبرر منطقي، من جزاء سقوط حق العامل في اللجوء إلى المحكمة العمالية عند تجاوز المواعيد الواردة فيه، وذلك على سند من أنها تمثل قيدا على الحق في اللجوء إلى القضاء والحصول على الحماية القضائية من خلال محاكمة منصفة، وافتئات من السلطة التشريعية على اختصاصات السلطة القضائية، وتدخل في تكوين عقيدة المحكمة وسلطتها في إعمال النصوص القانونية الأولى بالتطبيق، فضلاً عن مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية في شأن الضرر والضرار، وحماية حقوق العباد تجاه ولي الأمر، وإخلال بمبدأ المساواة بين العمال وغيرهم من الدائنين الخاضعين لأحكام القانون المدني في الحصول على الحماية القضائية، وإخلال بمبدأي التضامن والتكافل الاجتماعي، وتساند أفراد المجتمع عند النوائب، والافتئات على الملكية الخاصة، وحق العامل في الحصول على الأجر والمعاش. ومن جانب آخر، رأت محكمة الموضوع أن النص التشريعي المحال قد شابه الغموض واعتراه الإغفال، لعدم بيان نطـاق سريانه على ما يبديه أطراف المنازعة العمالية من طلبات في الدعوى الأصلية، أو بطريق الادعاء الفرعي، وكيفية حساب مدة الخمسة والأربعين يومًا التي يجب رفع الدعوى خلالها، وتحديد معيار بداية النزاع، والمقصود بفشل التسوية الودية، وما إذا كانت المواعيد الواردة بالنص يرد عليها الانقطاع والوقف والسقوط، خاصة في ظروف الاضطرابات الأمنية، وما إذا كانت تلك المواعيد من النظام العام تتعرض لها المحكمة من تلقاء نفسها، أم يجب أن يتمسك أحد الخصوم بالسقوط قبل التعرض للموضوع، وما إذا كان ذلك السقوط من قبيل الدفع بعدم القبول الوارد في المادة (115) من قانون المرافعات المدنية والتجارية
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوصه تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات لكونها أسمى القواعد الآمرة. وترتيبًا على ذلك، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص التشريعي المحال في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر عام 2014
وحيث إن ما نسبته محكمة الموضوع للنص التشريعي المحال، بإخلاله بحق التقاضي والمحاكمة المنصفة، برصده جزاء سقوط الحق في اللجوء إلى المحكمة العمالية، لمجرد تجاوز مدة عشرة الأيام المحددة لطلب تسوية النزاع وديا من اللجنة الإدارية، أو تجاوز مدة الخمسة والأربعين يوما المحددة لإقامة الدعوى أمام تلك المحكمة، مردود بما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنا. وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها. وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنا، فلا يكون إفراطا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافا بها عن أهدافها، ولا تفريطا مجافيا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزاما بمقاصدها، باعتبارها شكلا للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً. ومن هنا فإن ضمان سرعة الفصل في القضايا، غايته أن يتم الفصل في الخصومة القضائية – بعد عرضها على قضاتها – خـلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهيا. متى كان ذلك، وكان النص التشريعي المحال قد انتهج أسلوبًا لسرعة حسم منازعات العمل الفردية، على نحو يكفل مصالح أطرافها، وذلك بأن أجاز لكل من العامل وصاحب العمل اللجوء للجنة الإدارية المختصة، خلال عشرة أيام من تاريخ النزاع، بطلب تسويته وديًا، فإن لم تتم التسوية خلال واحد وعشرين يوما من تاريخ الطلب، جاز لأيهما أن يطلب من الجهة الإدارية إحالة النزاع إلى المحكمة العمالية المختصة، أو أن يرفع الدعوى مباشرة إلى تلك المحكمة خلال خمسة وأربعين يومًا من تاريخ انتهاء المدة المحددة للتسوية، ولو لم يكن قد تقدم بطلب التسوية، وإلا سقط حقه في عرض الأمر على تلك المحكمة. وقد روعي في تلك المواعيد – فضلا عن الميعاد المحدد لتسوية النزاع وديًا – تحقيق استقرار الأوضاع الناشئة عن عقد العمل، والمواثبة إلى تصفية ما قد يشجر من منازعات بين العامل وصاحب العمل، وذلك مراعاة للطبيعة الخاصة لهذه المنازعة، وبما يكفل حماية حقوق العامـل مـن عـسف وسطوة صاحب العمل، وفي الحين ذاته تحقيق ما يصبو إليه صاحب العمل من انتظام العمل بمنشآته على نحو مرض، وهو ما ينعكس أثره بالضرورة على المصلحة العامة. ومن ثم يتسق الهدف الذي سعى إليه المشرع، بالوسائل التي أنتظمها ذلك النص، لتصفية تلك المنازعات من خلال إجراءات مبسطة، وفي غضون فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول على نحو يلحق بأي من أطرافها ضررا، ولا يكون قصرها متناهيا إلى حد يعوق طلب الحماية القضائية، وهو ما يدور في فلك اصطباغ منازعات العمل الفردية بالسمات العامة للمنازعات المستعجلة التي تستوجب السرعة في حسمها. ومن ثم تكون المدد الزمنية الواردة بالنص التشريعي المحال - في النطاق السالف تحديده - واقعـة في إطار السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم حق التقاضي، ولا تنال منه أو من ولاية القضاء، ولا تعزل المحاكم عن نظر المنازعة العمالية التي تختص بالفصل فيها، بل تقتصر على تحديد ميعاد يسقط بفواته الحق في إقامة الدعوى بطلب الحقوق التي كفلها القانون، فلا ينقطع جريانها أو يقف سريانها لتعلقها بالنظام العام. وإذ فرض المشرع المدد الزمنية المشار إليها لتحقيق المهمة التي ناطها بها، وهي أن تكون حدًا زمنيًا نهائيًا لطرح المنازعة على المحكمة العمالية، فإن التقيد بها – وباعتبارها شكلاً جوهريًا في التقاضي تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل التي عينها خلال المدة التي حددها - لا يعني مصادرة الحق في الدعوى، بل يظل هذا الحق قائما ما بقي ميعـاد رفعها مفتوحًا، وليس ذلك إلا تنظيما تشريعيّا للحق في التقاضي، لا مخالفة فيه لنص المادة (97) من الدستور
وحيث إن ما ارتأته محكمة الموضوع من أن أحكام النص التشريعي المحال تمثل تدخلاً من المشرع في تكوين عقيدة المحكمة، وسلطتها في إعمال النصوص القانونية التي ترى أنها الأولى بالتطبيق على النزاع المعروض عليها، بما يُعد افتئاتا من السلطة التشريعية على اختصاصات السلطة القضائية، فمردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن الدستور عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل هاتان الولايتان أو تتماسان، بل يتعين دومًا مراعاة الحدود التي فصل بها الدستور بينهما، فلا تباشر السلطة التشريعية غير اختصاصاتها التي بينتها المادة (101) من الدستور، ومن بينها سلطة إقرار التشريعات، ولا تتولى السلطة القضائية – من خلال محاكمها على اختلاف أنواعها ودرجاتها – إلا ولاية الفصل في المنازعات والخصومات التي أثبتتها لها المادة (184) من ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكان النص التشريعي المحال لم ينطو على أي تدخل في تكوين المحكمة العمالية لعقيدتها، إذا ما رفع النزاع إليها في غضون الميعاد الذي حدده المشرع، كما لم ينطو على إلزام تلك المحكمة بإعمال نص قانوني بعينه. فإنه لا يكون قد تغول على اختصاص محجوز للسلطة القضائية. وحيث إن ما نعته محكمة الموضوع من مخالفة النص التشريعي المحال لأحكام الشريعة الإسلامية في شأن قاعدة "لا ضرر ولا ضـرار"، وضمان حقوق العباد تجاه ولي الأمر، فمردود في جملته – فضلاً عن كونه نعيّا مجهلاً بشأن المقصود منه – بما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا، من أن ما نص عليه دستور سنة 1971، في مادته الثانية بعاد استبدالها في 22/5/1980، - وتردد حكمه في كافة الدساتير المصرية التالية حتى الدستور القائم - من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل – ومن بينها أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 وما طرأً عليه من تعديلات – فلا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعًا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والمكان؛ إذ هي عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها. ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معًا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها. وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها, ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعا, ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة، على أن يكون الاجتهاد دوما واقعًا في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريّا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ومستلهما في ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها. ومن ثم، كان حقّا على ولي الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثما، وكان واجبًا عليه ألا يشرع حكما يضيّق على الناس أو يرهقهم من أمرهم عسرا، وإلا كان مصادما لقوله تعالى - في الآية (6) من سورة المائدة – "ما يُريدُ الله ليجعل عَلَيْكُم مَّن حَرج". لما كان ذلك، وكان ما طواه النص التشريعي المحال من تنظيم لتصفية منازعات العمل الفردية، خلال المواعيد الإجرائية الواردة فيـه، لم يرد بشأنها نص قطعي الثبوت والدلالة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ثم يجوز الاجتهاد فيها، تنظيما لشئون العباد، بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعا، ولا يعطل حركتهم في الحياة، وذلك في إطار الأصول الكلية للشريعة، وبما يصون مقاصدها العامة، وهو ما سعى إليه المشرع في النص المحال، مستهدفا من خلال الإجراءات والمواعيد التي حواها بلوغ الغاية المتمثلة في تصفية تلك المنازعات خلال أجل مناسب، سدًا للذرائع التي ينفذ من خلالها المبطلون لإطالة أمد النزاع في تلك الدعاوى، نظرا لطبيعتها، ودرءًا للأضرار الناجمة عن طول أمد التقاضي فيها. وقد رصد المشرع جزاء سقوط الحق فـي اللجوء إلى المحكمة العمالية عند مخالفة المواعيد الواردة في ذلك النص، استنادا إلى أن تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحوادث والأشخاص من القواعد الشرعية المقررة، وأنه يجوز لولي الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى، أو أن يقيد السماع بما يراه من القيود تبعًا لأحوال الزمان وحاجة الناس وصيانة حقوقهم من العبث والضياع، وهو أظهر ما يكون في منازعات العمل الفردية، خاصة بالنسبة للعامل، الذي يعتبر الأجر، وما يلحق به، مصدر رزقه الوحيد في الأغلب الأعم. ومن ثم يكون ذلك النص متفقًا والمقاصد العامة للشريعة بما توجبه من الحفاظ على المال، وعدم ضياع الحقوق، بما لا مخالفة فيه لأحكام الشريعة الإسلامية، على النحو الذي عناه نص المادة (2) من الدستور
وحيث إن ما أثاره حكم الإحالة من إخلال النص التشريعي المحال بمبدأ المساواة، بمقولة أنه أوجب على العامل، في منازعات العمل الفردية، تقديم طلب للجنة الإدارية المختصة، خلال عشرة أيام من النزاع، لتسويته وديًا، وإقامة الدعوى أمام المحكمة العمالية، خلال مدة خمسة وأربعين يومًا من تاريخ انتهاء المدة المحددة لتسوية النزاع وديّا، وإلا سقط حقه في إقامتها، بينما الدعاوى الخاضعة لأحكام القانون المدني، التي يقيمها غيره من الدائنين لا يتقيد قبولها بهذا القيد الزمني، فمردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، لا يعني أن تعامل فئاتهم – على تباين مراكزهم القانونية – معاملة قانونية متكافئة، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بين النصوص القانونية التي تبناها المشرع لتنظيم موضوع 
معين، والنتائج التي رتبها عليها، ليكون التمييز بالتالي موافقا لأحكام الدستور، التي ينافيها انفصال هذه النصوص عن أهدافها وتوخيها مصالح ضيقة لا تجوز حمايتها. لما كان ذلك، وكان العمال الخاضعون لأحكام قانون العمل، تختلف مراكزهم القانونية في المطالبة القضائية بحقوقهم في منازعات العمل الفردية، عن غيرهم من الدائنين في المنازعات المدنية الأخرى، ذلك أن علاقة العمال بأصحاب الأعمال علاقة عقدية تخضع لأحكام عقد العمل والقوانين واللوائح المنظمة له، بينما علاقة غيرهم من الدائنين تستمد من سند المديونية الذي يربط كلاً منهم بمدينه. فضلاً عن اصطباغ منازعات العمل الفردية – نظرا لطبيعتها – بالسمات العامة للمنازعات المستعجلة، التي تستوجب السرعة فـي حـسمها، درءا للأضرار الناجمة عن إطالة أمد التقاضي بشأنها. ومن جانب آخر، فإن النص التشريعي المحال لا يقيم في مجال سقوط الحق في اللجوء إلى المحكمـة العمالية تمييزا بين العامل وصاحب العمل، بل ساوى بينهما في هذا المجال، ومن ثم فإن قالة إخلال ذلك النص بمبدأ المساواة المكفول لجميع المواطنين بموجب المادة (53) من الدستور، يكون منتحلاً
وحيث إن ما نعته محكمة الموضوع على النص التشريعي المحال بأنه يخل بمبدأ الضمان الاجتماعي, والكفالة الاجتماعية التي تتطلب تساند أعضاء المجتمع وتكافلهم عند النوائب، فمردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن مقتضى ما نص عليه الدستور في المادة (8) منه – كغيره من الوثائق الدستورية السابقة عليه – من قيام المجتمع على التضامن الاجتماعي، والتزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، مؤداه تـداخل مصالح أعضاء الجماعة لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تعارضها، بما يرعى القيم التي يؤمنون بها، فلا يتقدم على ضوئها فريق على آخر انتهازا، ولا ينال قدرا من الحقوق يكون بها – دون مقتض – أكثر امتيازا من سواه، بل يتمتعون جميعًا بالحقوق عينها – التي تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها – وبالوسائل ذاتها التي تعينهم على ممارستها. متى کان ذلك، وکان التنظيم التشريعي الذي أوجده المشرع في النص المحال، بما حواه من حد زمني لطلب تسوية النزاع وديّا أو للجوء إلى المحكمة العمالية من ذوي الشأن وإلا سقط حقهم في اللجوء إليها، إنما جاء في إطار السلطة التقديرية للمشرع في تنظـيم حق التقاضي، كافلاً في شأنه المساواة بين العامل وصاحب العمل، ودون أن يميز أحدهم على الآخر في هذا الشأن، فلا يتقدم على ضوئها أحدهم على الآخر انتهازا، ولا ينال قدرا من الحقوق يكون بها أكثر امتيازا عن الآخر، بل تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها، وبالوسيلة ذاتها التي تعينهم على ممارستها. ومن ثم، فإن قالة إخلال النص التشريعي المحال بالتضامن أو التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، يكون لغوا، لا سند له، جدير بالالتفات عنه
وحيث إن ما نعته محكمة الموضوع على النص التشريعي المحال، فيما تضمنه من سقوط الحق في اللجوء إلى المحكمة العمالية إذا لم يتم خـلال المدد الزمنية الواردة فيه، من افتئاته على الملكية الخاصة، في خصوص ما يستحق للعامل من أجر ومعاش، فمردود بأن المدة التي أجاز المشرع لأي من أطراف النزاع طلب تسويته وديًا من اللجنة الإدارية، أو المادة التي يجب اللجوء خلالها إلى المحكمة العمالية – وهي من الشروط الإجرائية لقبول الدعوى – قصد بها تصفية تلك المنازعات خلال أجل مناسب، بما يحفظ المستحقات المالية للعمال، سواء كانت أجرا، وهو أحد عناصر تقدير المعاش، أو تعويضا، بما يثري الجانب الإيجابي للذمة المالية، والتي تتأثر سلبًا إذا طال أمد النزاع، بما لازمه حمل العمال على الالتزام بتلك المواعيد - وهي ليست بالقصيرة – والفرض فيهم أنهم الأحرص على الذود عن حقوقهم، ذلك أن الحماية القضائية للحقوق لا ينالها إلا من هو جاد وحريص في الذود عنها. ومن ثم فإن قالة افتئات النص التشريعي المحال على الحماية المقررة للحق في الأجر، والحق في المعاش، والملكية الخاصة، المكفولة بنصوص المواد (12, 17, 35) من الدستور القائم تكون فاقدة لسندها
وحيث إن ما نسبته محكمة الموضوع للنص التشريعي المحال من اعتواره بالغموض والإغفال، فمردود من وجهين، أولهما: أن التعرض لتلك الأمور من صميم اختصاص محكمة الموضوع، من خلال فهمها وتفسيرها لأحكام قانون العمل، في ضوء ما ورد بمذكرته الإيضاحية وأعماله التحضيرية، وما نصت عليه المادة (3) منه، بأنه "القانون العام الذي يحكم علاقات العمل، مع مراعاة اتفاقيات العمل الجماعية وأحكام المادة (5) من هذا القانون"، وما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (71) من ذلك القانون، من أنـه "...., ويتبع فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون، أحكام قانوني المرافعات والإثبات في المواد المدنية والتجارية". وما تصل إليه محكمة الموضوع في هذا الشأن، يخضع للرقابة القضائية التي تتولاها المحكمة الأعلى منها، وفقا للأصول التي يقوم عليها التنظيم القضائي. وثانيهما: أن اختصاص المحكمة الدستورية العليا بتفسير النصوص التشريعية – على النحو المقرر بنص المادة (192) من الدستور الحالي، والمادة (33) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - له طرائقه وشرائطه، لا تقبل الدعوى بشأنه إلا من خلال ولوجه، وهو ما لا يتوافر في الدعوى الماثلة
وحيث إن النص التشريعي المحال – في النطاق السالف تحديده – لا يتعارض مع أي حكم آخر في الدستور
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

هناك 3 تعليقات:

  1. بارك الله لكم وزادكم علما

    ردحذف
  2. شكرا جزيلاً جدآ على العرض بارك الله فيكم

    ردحذف
  3. شكراً جزيلاً على العرض مجهود تشكر عليه بارك الله فيكم سعادة المستشار

    ردحذف