جلسة 16 من أبريل سنة 1968
برياسة السيد المستشار/
محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد
أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.
-----------------
(91)
الطعن رقم 2310 لسنة 37
القضائية
(أ، ب، ج، د، هـ، و، ز)
قانون. "سريانه من حيث الزمان والمكان". دستور. قرارات وزارية. نقد.
"التعامل بالنقد المصري". "غير المقيم. المقيم". جريمة. فاعل
أصلي. أسباب إباحة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
)أ ) احتفاظ كل من إقليمي
الجمهورية العربية طبقاً للمادة 68 من دستور مارس سنة 1958 بنوع من الذاتية
التشريعية.
)ب) عدم امتداد نطاق
القانون رقم 80 لسنة 1947 في شأن الرقابة على عمليات النقد إلى الإقليم السوري.
الحظر الوارد على غير
المقيمين أو وكلائهم في التعامل بالنقد المصري، يسري على غير المقيمين من أبناء
الإقليم السوري.
)ج) إنسباغ جنسية
الجمهورية العربية المتحدة على أبناء الإقليم السوري، وإعفاؤهم من إجراءات الإقامة
وتجديدها ليسا بمانعين من انطباق القانون رقم 80 لسنة 1947 عليهم.
(د) إباحة التعامل بالنقد
المصري بغير قيد. مقصورة على أبناء الإقليم المصري. المادة 24 من قرار وزير
الاقتصاد رقم 893 لسنة 1960.
(هـ) سريان الفقرة الثانية
من المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 على من يتعامل بالنقد المصري بصفته
وكيلاً عن غير مقيم.
(و) حظر التعامل بالنقد
المصري موجه أصالة إلى غير المقيم ولو أقام بصفة مؤقتة أو غير مشروعة وكذلك إلى
وكيله ولو كان مصرياً مقيماً في مصر.
(ز) المقصود بالتعامل
بالنقد المصري؟
)ح، ط، ي) نقد. "غير
المقيم. المقيم". "إقامة. شروطها". قانون. "التفويض
التشريعي". دستور. قرارات وزارية.
)ح) من يقيم بمصر إقامة
مؤقتة أو غير مشروعة فهو غير مقيم في معنى القرار رقم 893 لسنة 1960.
)ط) المشروعية والاعتياد
هما شرطا الإقامة المعتبرة وفق القانون 80 لسنة 1947.
)ي) صدور قرار وزير
الاقتصاد رقم 583 لسنة 1960 نفاذاً للأوضاع الدستورية المستقر عليها وفي حدود
التفويض المخول له بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947.
)ك) جريمة. "أركان
الجريمة". قصد جنائي. نقد. "التعامل بالنقد المصري". قانون.
"تفسيره".
كفاية القصد الجنائي
العام لتحقق جريمة تعامل غير المقيم أو وكيله بالنقد المصري.
)ل، م، ن، س، ع، ف) إثبات.
"إثبات بوجه عام". كتابة. "مبدأ ثبوت بالكتابة. بينة. قرائن".
إقرار. "الإقرار غير القضائي". تحقيق. نيابة عامة. دفوع. "الدفع
بعدم جواز الإثبات بالبينة". نظام عام. إجراءات المحاكمة. نقد. "تعامل
بالنقد المصري". جريمة. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
)ل) كون الجريمة هي التصرف
القانوني ذاته دون الإخلال به، تجيز إثباته بطرق الإثبات كافة.
)م) جواز إثبات التعامل في
أوراق النقد المصري من غير المقيم أو وكيله بجميع طرق الإثبات.
)ن) وقوع التصرف احتيالاً
على القانون. صحة إثباته بكل طرق الإثبات.
)س) الإقرار في تحقيق
النيابة هو إقرار غير قضائي، للمحكمة أن تعتبره دليلاً مكتوباً أو مبدأ ثبوت
بالكتابة أو مجرد قرينة.
)ع) الدفع بعدم جواز
الإثبات بالبينة ليس من النظام العام.
)ف) سماع المحكمة شاهد
إثبات في حضرة المتهم ومحاميه دون أن يتمسك أيهما بعدم جواز الإثبات بالبينة يسقط
حق المتهم في التمسك به بعد ذلك.
)ص، ق، ر) نقد.
"التعامل بالنقد المصري". جريمة. "أركان الجريمة". إثبات.
"اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
)ص) تسليم النقد المصري من
الوكيل عن غير المقيم إلى أي شخص دون إيداعه وتجميده في أحد المصارف المرخص لها
قانوناً في مزاولة عمليات النقد الأجنبي، يتحقق به التعامل المجرم.
)ق) تحقق جريمة التعامل
بالنقد المصري بالوكالة من غير مقيم بتسليمه لغير المصارف المعتمدة.
)ز) متى ينحسر عن الحكم
عيب القصور في التسبيب؟
-----------------
1 - إنه طبقاً لنص المادة
68 من دستور الجمهورية العربية المتحدة الصادر في 5 من مارس سنة 1958 احتفظ كل من
إقليمي الجمهورية بنوع من الذاتية التشريعية وبقي له نظامه النقدي وميزانيته
المستقلة وحدوده الجمركية واستمرت التشريعات تصدر قاصرة النطاق على إقليم دون آخر
إلى أن يشملهما معاً تقنين موحد.
2 - القانون رقم 80 لسنة
1947 بشأن الرقابة على عمليات النقد والقوانين المعدلة له كان ساري المفعول قبل
الوحدة في الإقليم المصري، مقصوداً به حماية النقد المصري منظوراً إليه علاقته
بالنقد الأجنبي فلا يمتد نطاقه سواء بنص الدستور أو بحكم طبيعته إلى الإقليم
السوري الذي احتفظ بنقده السوري ولا يفيد من رخصه سوى أبناء الإقليم المصري فيما
أبيح لهم بنصوصه، وعلى ذلك فإن الحظر على غير المقيمين في مصر أو وكلائهم في
التعامل بالنقد المصري والوارد في الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون
المذكور يسري بالضرورة على أبناء الإقليم السوري متى كانوا غير مقيمين بالفعل في
الإقليم المصري بالمعنى الذي عناه تشريع الرقابة على عمليات النقد وبينه.
3 - ليس من شأن إنسباغ
جنسية الجمهورية العربية المتحدة على أبناء الإقليمين بمقتضى القانون رقم 82 لسنة
1958 في شأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة أو صدور القانون رقم 89 لسنة 1960 في
شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضي الجمهورية العربية المتحدة أو الخروج منها والذي
أعفى السوريين من إجراءات الإقامة وتجديدها بمانع من انطباق القانون رقم 80 لسنة
1947 على أبناء الإقليم السوري، لأن لكل من هذه التشريعات مجاله وحكمه وحكمته فيما
استنه وأوجبه.
4 - قرار وزير الاقتصاد
رقم 893 لسنة 1960 بإصدار لائحة الرقابة على عمليات النقد وقد صدر خلال الوحدة، إذ
قصر إباحة التعامل بالنقد المصري بغير قيد على أبناء الإقليم المصري ممن يتمتعون
بجنسية الجمهورية العربية المتحدة إنما قصد بيان النطاق الإقليمي للحظر الوارد في
الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 وأوضح بالضرورة أنه
يشمل أبناء الإقليمي السوري غير المقيمين في مصر، يقطع بذلك فوق ما تقدم أنه قد
صدر قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 11 لسنة 1961 بتنظيم الرقابة على
عمليات النقد الأجنبي في الإقليم الشمالي ونص في الفقرة الثانية من المادة الأولى
منه على حظر التعامل بنقد الإقليمي الشمالي على غير المقيمين فيه حتى من أبناء مصر.
5 - متى كان الحكم
المطعون فيه قد أجرى حكم الحظر الوارد في الفقرة الثانية من المادة الأولى من
القانون رقم 80 لسنة 1947 على المتهم بصفته وكيلاً عن سوري غير مقيم في مصر
وتعامله بالنقد المصري بهذه الصفة، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى
تطبيقاً صحيحاً.
6 - البين من نصوص المواد
الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 في فقرتها الثانية، 24، 39، 48 من قرار وزير
الاقتصاد رقم 893 لسنة 1960، أن خطاب الشارع في حظر التعامل بالنقد المصري موجه
أصالة إلى غير المقيم ولو أقام بصفة مؤقتة أو غير مشروعة في مصر، وإلى وكيل غير
المقيم ولو كان مصرياً مقيماً في مصر واعتبر كلاً منهما فاعلاً أصلياً في جريمة
التعامل بالنقد المصري سواء بالذات أو بالوساطة ولو كان تعامله به حاصلاً مع مصري
مقيم في مصر حذراً مما قد يؤدي إليه تصرفه من ضياع نقد أجنبي كان من حق الدولة أن
تحصل عليه، أو التأثير في ثبات سعر النقد المصري، أو الإخلال بميزان الدولة النقدي
سواء أدى تصرفه إلى وقوع النتيجة التي خشي الشارع وقوعها أو لم يؤد، ما دام من شأن
هذا التصرف أن يكون مادياً إلى تلك النتيجة.
7 - المقصود بالتعامل
بالنقد المصري كل عملية من أي نوع أياً كان الاسم الذي يصدق عليها في القانون -
يكون فيها دفع بالنقد المصري إخلالاً بواجب التجميد الذي فرضه الشارع على أموال
غير المقيم وضرورة وضعها في حسابات "غير مقيم" في أحد المصارف المرخص
لها في مزاولة عمليات النقد حتى يأذن وزير المالية بالإفراج عما يرى الإفراج عنه منها،
واستيداع النقد المصري وتسليمه إلى غير مقيم يعتبر ولا شك عملية من هذا القبيل.
8 - غير المقيم هو من
يقيم في مصر إقامة مؤقتة أو غير مشروعة، أما المقيم فهو ينطبق عليه أحد الشروط
الواردة في المادة 24 من قرار وزير الاقتصاد رقم 893 لسنة 1960.
9 - الإقامة في الأصل
واقعة مادية ومسألة فعلية، وإذ كان الشارع قد اعتبر من يقيم إقامة مؤقتة أو غير
مشروعة في حكم غير المقيم فمعنى ذلك أنه قصد بالإقامة المعتبرة أن يتوافر لها شرطا
المشروعية والاعتياد، ولما كان شرط الاعتياد يقبل التفاوت ويخضع للتأويل الذي لا
تنسد به الذرائع وهو ما أراد الشارع تلافيه فقد حددت اللائحة مدة الإقامة المعتادة
بخمس سنوات.
10 - قرار وزير الاقتصاد
رقم 583 لسنة 1960 فيما حدد به معنى المقيم قد صدر في حدود التفويض التشريعي
الوارد في المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 والتي أجازت له تعيين الشروط
والأوضاع التي يتم على أساسها تعامل غير المقيم بالنقد المصري ولا يوجد أدنى تضاد
بين الحظر الوارد في نص القانون وبين الشروط والأوضاع المحددة في القرار، وهو
والحال هذه امتداد لنص القانون ومكمل له وليس فيه خروج عنه أو تعطيل له أو إعفاء
من تنفيذه إنما صدر نفاذاً للأوضاع الدستورية المستقر عليها وفي حدود التفويض
المخول له لوزير الاقتصاد، ومن ثم يتعين إعمال المعايير الواردة به تبياناً لتوافر
الإقامة أو انتفائها.
11 - تتحقق جريمة تعامل
غير المقيم أو وكيله بالنقد المصري متى قارف الجاني الفعل المؤثم عن عمد مع العلم
بماهيته وكون هذا الفعل في ذاته مخالفاً للقانون، فلا يشترط لتحقيقها قصد خاص،
لأنه لا اجتهاد مع صراحة النص ولأن الأحكام تدور مع مناطها لا مع الحكمة منها ما
لم يصرح الشارع بخلافه، ولأن القول بغير ذلك فيه تخصيص للنص بغير مخصص.
12 - مؤدى الفقرة الأولى
من المادة 400 من القانون المدني أنه لا يسار في إثبات التصرف القانوني الذي تزيد
قيمته على عشرة جنيهات بغير الكتابة في المواد الجنائية إذا كانت الجريمة هي
الإخلال بهذا التصرف كخيانة الأمانة مثلاً، أما إذا كانت الجريمة هي التصرف
القانوني ذاته دون الإخلال به جاز إثباته بطرق الإثبات كافة رجوعاً إلى حكم الأصل
في إطلاق الإثبات في المواد الجنائية.
13 - التعامل من غير
المقيم أو وكيله في أوراق النقد المصري هو من قبيل التصرف المؤثم، ومن ثم جاز
إثباته بجميع طرق الإثبات بما في ذلك البينة والقرائن اعتباراً بأن الوكالة عن غير
المقيم في التعامل لا تنفك عن التعامل المحظور وتكون معه واقعة إجرامية واحدة يجرى
عليها ما يجرى على نظائرها من المسائل الجنائية في الإثبات.
14 - إن التصرف إذا وقع
احتيالاً على القانون كالتهريب أو ما في حكمه صح إثباته بطرق الإثبات جميعاً بما
في ذلك البينة والقرائن.
15 - إقرار المتهم في
تحقيق النيابة بقيام صفة الوكالة به عن غير المقيم وتعامله بهذه الصفة في النقد
المصري، هو إقرار غير قضائي للمحكمة أن تعتبره دليلاً مكتوباً أو مبدأ ثبوت
بالكتابة أو مجرد قرينة ولا معقب على تقديرها في ذلك متى كان سائغاً وله سنده من
أقوال المقر في الأوراق لأن شرط القانون لوجود الكتابة عند الإثبات يكون قد تحقق.
16 - جرى قضاء محكمة
النقض على أن الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة ليس من النظام العام فيتعين إبداؤه
في حينه قبل سماع البينة وإلا سقط الحق في التمسك به.
17 - إذا كانت محكمة أول
درجة قد سمعت أحد شهود الإثبات في حضرة المتهم ومحاميه دون أن يتمسك أيهما بعدم
جواز إثبات الوكالة بالبينة، فإن حق المتهم في التمسك به يكون قد سقط بعدم إبدائه
في إبانه، وحق للمحكمة الاستئنافية أن تلتفت عنه دون إيراد له أورد عليه لكونه
ظاهر البطلان.
18 - متى كان ما أثبته
الحكم في حق المتهم باعترافه يتحقق به معنى الوكالة عن غير المقيم في التعامل
بالنقد المصري كما هي معرفة في القانون، إذ أنابه في بيع الساعات وتسليم ثمنها إلى
من عينه من قبله، فلا يصح اقتطاع واقعة التسليم وحدها من سياق التصرف القانوني
الذي باشره المتهم لتصحيح القول بانتفاء الوكالة أو عدم تحقيق التعامل المؤثم، ذلك
أن تسليم النقد المصري الذي حصله المتهم المذكور بالوكالة عن غير المقيم إلى أي
شخص دون إيداعه وتجميده في أحد المصارف المرخص لها في مزاولة عمليات النقد
الأجنبي، يتحقق به التعامل المجرم.
19 - تسليم النقد المصري
المتعامل به بالوكالة عن غير مقيم لغير المصارف المعتمدة يتحقق به التعامل المؤثم
سواء كان التسليم حاصلاً لمقيم أو لغير مقيم، ومن ثم فإن عدم تعيين أشخاص من تسلم
النقد المصري ليس بذي أثر في قيام الجريمة.
20 - إذا كان ما حصله
الحكم من اعتراف الطاعن له أصل الثابت في الأوراق سواء في محضر استدلال الشرطة أو في محضر تحقيق
النيابة، وكان هذا الاعتراف نصاً صريحاً في اقتراف الجريمة المسندة إليه، وكان
المذكور يقر في طعنه أن موكله المتهم الثاني عشر في الدعوى سوري انقطع عن الإقامة
في مصر بعد سنة 1961 وأقام في لبنان عند مقارفة الجريمة، وكان الحكم قد دلل على
علمه اليقيني بعدم إقامة من ناب عنه في التعامل بالنقد المصري بأدلة منتجة وعرض
لدفاعه في هذا الشأن وأقسطه حقه ورد عليه بما يفنده، فإنه يكون بريئاً من عيب
القصور.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
كلاً من الطاعن "المتهم الرابع عشر" وآخرين: بأنهم خلال المدة من 7 مارس
سنة 1967 إلى 21 من أغسطس سنة 1967 بدائرة محافظة القاهرة: المتهمين من الأولى إلى
السادس: (أولاً) استوردوا الساعات المبينة القدر والقيمة بالمحضر بأن أحضروها معهم
من الخارج وأدخلوها إلى الجمهورية العربية المتحدة قبل الحصول على ترخيص من وزارة
الاقتصاد باستيرادها. (ثانياً) هربوا الساعات المبينة في التهمة السابقة بأن
أدخلوها إلى البلاد بطرق غير مشروعة دون أداء الضرائب الجمركية المستحقة عليها بأن
أخفوها في أردية خاصة تحت ملابسهم ولم يفصحوا عنها في الإقرارات المقدمة منهم إلى
السلطات الجمركية. المتهمتين السابعة والثامنة (أولاً) استوردتا السبائك الذهبية
المبينة الوصف بالمحضر البالغ وزنها عشرة كيلو جرامات وقيمتها ستة آلاف جنيه بأن
أحضرتاها من الخارج وأدخلتاها إلى الجمهورية قبل الحصول من وزارة الاقتصاد على
ترخيص باستيرادها. (ثانياً) هربتا السبائك سالفة الذكر بأن أدخلتاها إلى البلاد
بطرق غير مشروعة دون أداء الضرائب الجمركية المستحقة عليها. المتهمين من الأولى
إلى الخامس ومن التاسع إلى الحادي عشر. (أولاً) استوردوا الساعات المبينة الوصف
والقيمة بالمحضر وجملتها خمسة آلاف وأربعمائة وثمان ساعات قيمتها اثنان وثلاثون
ألفاً وثلاثة وأربعون جنيهاً بأن أحضروها معهم عند قدومهم إلى البلاد قبل الحصول
من وزارة الاقتصاد على ترخيص باستيرادها. (ثانياً) شرعوا في تهريب الساعات المبينة
في التهمة السابقة بأن حاولوا إدخالها إلى البلاد بطرق غير مشروعة دون أداء
الضرائب الجمركية المستحقة عليها بأن أخفوها في أردية خاصة تحت ملابسهم ولم يفصحوا
عنها في الإقرارات المقدمة منهم إلى السلطات الجمركية وأوقف أثر الجريمة لسبب لا
دخل لإرادتهم فيه وهو ضبطهم والجريمة متلبس بها. المتهمين من الثاني عشر إلى
الرابع عشر: (أولاً) اشتركوا مع المتهمين من الأولى إلى الحادي عشر بطريقي الاتفاق
والمساعدة في ارتكاب الجرائم سالفة الذكر بأن اتفقوا معهم على ذلك وساعدوهم في
ارتكاب الأفعال المسهلة والمتممة لها فوقعت هذه الجرائم بناء على هذه المساعدة
وذلك الاتفاق. (ثانياً) تعاملوا بالنقد المصري حالة كون المتهمين الثاني عشر
والثالث عشر من غير المقيمين بالجمهورية العربية المتحدة بأن دفع المتهم الرابع
عشر للمتهمين الثاني عشر والثالث عشر ولآخرين من غير المقيمين لحساب المتهم وبناء
على أوامر منه قيمة الساعات السابق تهريبها إلى البلاد والبالغ قدرها 158793 (مائة
وثمانية وخمسون ألفاً وسبعمائة ثلاثة وتسعون جنيهاً مصرياً) وكان ذلك على خلاف
الشروط والأوضاع التي قررها وزير الاقتصاد وعن غير طريق المصارف المرخص لها منه
بذلك. المتهمين الرابع والعاشر والحادي عشر: (أولاً) شرعوا في استيراد أوراق النقد
الأجنبي المبين بالمحضر بأن أحضر معه المتهم الرابع عشرين فرنكاً سويسرياً وأحضر
المتهم العاشر أربعين فرنكاً سويسرياً وأحضر المتهم الحادي عشر سبعين فرنكاً
سويسرياً، وكان ذلك على خلاف الشروط والأوضاع التي قررها وزير الاقتصاد بأن لم
يوضحوها في الإقرارات المقدمة منهم إلى السلطات الجمركية وخاب أثر الجريمة لسبب لا
دخل لإرادتهم فيه وهو ضبطهم والجريمة متلبس بها. وطلبت عقابهم بالمواد 1 و7 و10 من
القانون رقم 9 لسنة 1959 والمواد 5 و13 و28 و43 و121 و122 و124 من القانون رقم 66
لسنة 1963 والمادتين 1 و9 من القانون 80 لسنة 1940 المعدل والقرارات الوزارية
المنفذة له والمواد 40/ 2 - 3 و41 و45 و47 من قانون العقوبات. ومحكمة القاهرة
للجرائم المالية والتجارية قضت في الدعوى بتاريخ 24 من أكتوبر سنة 1967 عملاً
بمواد الاتهام غيابياً للمتهمين السابعة والثامنة والثاني عشر والثالث عشر وحضورياً
للباقين. (أولاً) حبس كل من المتهمين الأولى والثانية ستة أشهر مع الشغل والنفاذ
وحبس كل من المتهمين الثالث والرابع والخامس والسادس سنة مع الشغل والنفاذ بالنسبة
إلى الثالث والسادس وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ بالنسبة إلى المتهمين الرابع
والخامس وإلزام المتهمين الستة سالفي الذكر متضامنين بأن يدفعوا تعويضاً قدره
43578 ج و720 م ومبلغ تسعة وثلاثين ألفاً من الجنيهات (قيمة الساعات المهربة غير
المضبوطة) ومصادرة الساعات المضبوطة وعشرين فرنك سويسري المضبوطة مع المتهم الرابع
وذلك عما نسب إلى هؤلاء المتهمين. (ثانياً) حبس كل من المتهمين من التاسع إلى
الحادي عشر لمدة ستة أشهر مع الشغل والنفاذ بالنسبة إلى المتهم التاسع وكفالة عشرة
جنيهات لوقف التنفيذ بالنسبة لكل من العاشر والحادي عشر وإلزام المتهم التاسع
بتعويض قدره 1866 ج و640 م والمتهم العاشر بتعويض قدره 2434 ج و600 م والمتهم
الحادي عشر مبلغ 2345 ج و20 م ومصادرة الساعات المضبوطة وأربعين فرنكا المضبوطة مع
المتهم العاشر وسبعين فرنكا المضبوطة مع المتهم الحادي عشر وذلك عن التهم المسندة
إليهم. (ثالثاً) براءة كل من المتهمين السابعة والثامنة مما نسب إليهم (رابعاً)
براءة كل من المتهمين الثاني عشر والرابع عشر من التهمة الأولى المنسوبة إليهم
والخاصة بالاشتراك في التهريب الجمركي. (خامساً): حبس المتهم الثاني عشر سنتين مع
الشغل والنفاذ وحبس المتهم الرابع عشر ستة أشهر مع الشغل والنفاذ وتغريمهما غرامة
إضافية قدرها أربعة عشر ألفاً من الجنيهات. فاستأنف المحكوم عليهم عدا السابعة
والثامنة والثاني عشر والثالث عشر هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة
استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم
المستأنف أمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس المقضي بها بالنسبة إلى المتهمين عدا المتهم
الرابع عشر. فطعن الأخير في هذا الحكم بطريقي النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن الطعن ينعى على
الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التعامل بالنقد المصري بصفته وكيلاً عن غير
مقيم، قد شابه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد، ذلك
بأن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 80
لسنة 1947 المعدلة بالقانون رقم 157 لسنة 1950 تتطلب لتوافرها أن ينسبغ على التصرف
القانوني معنى التعامل وهو ما يكون موضوعه إنشاء حق أو نقله أو تعديله أو انقضاءه
كالبيع والهبة والوصية ونحوها من ضروب التعامل الذي لا يحظر إلا في نطاق يتعين فيه
وجود ترابط بين الحظر وحكمته التشريعية وهو حرمان الدولة من نقد أجنبي كان في
إمكانها الحصول عليه، والطاعن لم يكن في تصرفه إلا وديعاً لمال رده لا متعاملاً،
وجريمة التعامل المحظور تتطلب لتوافرها قصداً جنائياً خاصاً هو العلم بأن التصرف
في حقيقته تعامل مقنع بنقد أجنبي، ولا يكفي لتوافرها القصد العام وهو العلم بواقعة
التسليم المادية للنقد المصري، كما أن القانون إذ حظر التعامل بوكيل، فقد اقتضى
ثبوت الوكالة في حق المحظور عليه التعامل بهذه الصفة وهو ما لم يثبت في حق الطاعن،
فضلاً عن أن الوكالة طبقاً للقانون المدني لا يصح إثباتها إلا بالكتابة إذا زاد
موضوعها على عشرة جنيهات، وقد تمسك الدفاع عن الطاعن في كلتا درجتي التقاضي بأن
المتهم المتعامل لحسابه كان مقيماً في مصر أو في حكم المقيم إذ كان وكيلاً عن بعض
شركات الساعات السويسرية وكان دائم التردد على الجمهورية العربية المتحدة لمباشرة
نشاطه التجاري، وكان يشترك في انتخابات مجلس الطائفة الأرمينية كأي مقيم أرمني في
مصر، وأنه حتى بعد أن نقل مركز أعماله إلى بيروت كان دائم التردد على مصر، وأن
مجموع هذه المظاهر جعلت الطاعن يجهل أنه قد زالت عنه صفة المقيم في معنى قانون
الرقابة على النقد، وهو جهل بواقع قدم ما يشهد له من المستندات، إلا أن الحكم
المطعون فيه رد على الدفاع بما لا ينفيه وأخذ الطاعن باعتراف منسوب إليه في أخريات
أقواله في تحقيق النيابة، مع أن الاعتراف الذي يصدق عليه هذا الاسم هو ما كان نصاً
صريحاً في اقتراف الجريمة، وما نسب إلى الطاعن لا يصح عنده كذلك لأنه لم يثبت على
قول واحد، وقد أنكر التهمة في مجلس القضاء، وبحسب مدونات الحكم فإن التعامل جرى مع
شخص يدعي "هوفيك" لم يسأل في التحقيق ومع آخر سوري لم يعرف اسمه ولم
يسأل كذلك، ولما كان الشك يفسر لمصلحة المتهم، فقد كان عدلاً القضاء ببراءته، ومن
ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ دانه يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن المادة 68 من
دستور الجمهورية العربية المتحدة الصادر في 5 من مارس سنة 1958 قد نصت على أن
"كل ما قررته التشريعات المعمول بها في كل من إقليمي مصر وسورية عند العمل
بهذا الدستور تبقى سارية المفعول الإقليمي المقرر لها عند إصدارها، ويجوز إلغاء
هذه التشريعات أو تعديلها وفقاً للنظام المقرر بهذا الدستور." وطبقاً لهذا
النص الدستوري احتفظ كل من إقليمي الجمهورية بنوع من الذاتية التشريعية، وبقي له
نظامه النقدي وميزانيته المستقلة، وحدوده الجمركية، واستمرت التشريعات تصدر قاصرة
النطاق على إقليم دون آخر إلا أن يشملهما معاً تقنين موحد. ولما كان القانون رقم
80 لسنة 1947 بشأن الرقابة على عمليات النقد الصادر في 9 من يوليو سنة 1947
والقوانين المعدلة له ساري المفعول - قبل الوحدة - في الإقليم المصري مقصوداً به
حماية النقد المصري منظوراً إليه في علاقته بالنقد الأجنبي، فلا يمتد نطاقه سواء
بنص الدستور، أو بحكم طبيعته إلى الإقليم السوري الذي احتفظ بنقده السوري، ولا
يفيد من رخصه سوى أبناء الإقليم المصري فيما أبيح لهم بنصوصه، وعلى ذلك فإن الحظر
على غير المقيمين في مصر أو وكلائهم في التعامل بالنقد المصري - والوارد في الفقرة
الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 - يسري بالضرورة على أبناء
الإقليم السوري متى كانوا غير مقيمين بالفعل في الإقليم المصري بالمعنى الذي عناه
تشريع الرقابة على عمليات النقد وبينه. وليس من شأن إنسباغ جنسية الجمهورية
العربية المتحدة على أبناء الإقليمين بمقتضى القانون رقم 82 لسنة 1958 الصادر في 3
من يوليو سنة 1958 في شأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة أو صدور القانون رقم 89
لسنة 1960 في 24 من مارس سنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضي الجمهورية
العربية المتحدة والخروج منها والذي أعفى السوريين من إجراءات الإقامة وتجديدها،
بمانع من انطباق القانون رقم 80 لسنة 1947 بشأن الرقابة على عمليات النقد في حدود
ما حظره على أبناء الإقليم السوري لأن لكل من هذه التشريعات مجاله وحكمه وحكمته
فيما استنه وأوجبه. ولهذا فإن المادة 24 من قرار وزير الاقتصاد رقم 893 لسنة 1960
الصادر في 22 من أكتوبر سنة 1960 بإصدار لائحة الرقابة على عمليات النقد - وقد صدر
خلال الوحدة - إذ قصر إباحة التعامل بالنقد المصري بغير قيد على أبناء الإقليم
المصري ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية المتحدة إنما قصد بيان النطاق
الإقليمي للحظر الوارد في الفقرة الثانية من القانون رقم 80 لسنة 1947 وأوضح
بالضرورة أنه يشمل أبناء الإقليم السوري غير المقيمين في مصر، يقطع بذلك - فوق ما
تقدم - أنه قد صدر قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 11 لسنة 1961 في 4 من
فبراير سنة 1961 - قبل واقعة الدعوى - بتنظيم الرقابة على عمليات النقد الأجنبي في
الإقليم الشمالي ونص في الفقرة الثانية من المادة الأولى منه على حظر التعامل بنقد
الإقليم الشمالي على غير المقيمين فيه حتى من أبناء مصر، وبذلك يتحقق انفراد كل
إقليم بقانونه الذي يحمي نقده، ويجري الحظر في التعامل به على غير المقيمين فيه
باستثناء أبنائه وهذا كله بغض النظر عن أثر انفصال الإقليم السوري، وانسلاخه
بقوانينه، وسقوط تبعيته بأمر الواقع أو بحكم القانون للسيادة الموحدة للجمهورية
العربية المتحدة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذا أجرى حكم الحظر الوارد في
الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 على الطاعن بصفته
وكيلاً عن سوري مقيم في مصر وتعامله بالنقد المصري بهذه الصفة على خلاف الأوضاع
التي رسمها الشارع، يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً. لما كان
ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 في شأن
تنظيم الرقابة على عمليات النقد والمضافة بالقانون رقم 157 لسنة 1950 قد نصت على
أنه "يحظر على غير المقيمين في المملكة المصرية أو وكلائهم التعامل بالنقد
المصري أو تحويل أو بيع القراطيس المالية المصرية إلا بالشروط والأوضاع التي تعين
بقرار من وزير المالية وعن طريق المصارف المرخص لها منه في ذلك". ونصت المادة
الخامسة من القانون المذكور على أن "المبالغ المستحقة الدفع إلى أشخاص غير
مقيمين في مصر والمحظور تحويل قيمتها إليهم طبقاً لأحكام هذا القانون يعتبر مبرئاً
للذمة دفعها في حسابات تفتح في أحد المصارف المشار إليها في المادة الأولى من هذا
القانون لصالح أشخاص غير مقيمين في مصر، وتكون هذه الحسابات مجمدة، ويعين وزير
المالية بقرار منه الشروط والأوضاع اللازمة للتصرف في المبالغ التي تشتمل عليها
الحسابات المجمدة". وعرفت المادة 24 من قرار وزير الاقتصاد رقم 893 لسنة 1960
الصادر في 22 من أكتوبر سنة 1960 بإصدار لائحة الرقابة على عمليات النقد غير المقيم
بنصها على أنه "يقصد بغير المقيم في هذه اللائحة من لا تتوافر فيه إحدى
الصفات الآتية: ( أ ) أن يكون متمتعاً بجنسية الجمهورية العربية المتحدة ومن
الإقليم المصري بصرف النظر عن محل إقامته (ب) من يحمل بطاقة إقامة لمدة لا تقل عن
خمس سنوات ميلادية (جـ) كل شخص اعتباري مركزه الرئيسي أو مركز نشاطه الرئيسي في
الإقليم المصري (د) فروع المنشآت الأجنبية أو مكاتبها التي تزاول نشاطاً في
الإقليم المصري". ونصت المادة 39 من اللائحة المذكورة على "أن المبالغ
المستحقة الدفع إلى "غير مقيم" التي تجيز تحويلها قواعد الرقابة على عمليات
النقد ينبغي أن تدفع في حساب مجمد لدى أحد البنوك المعتمدة في الإقليم المصري.
ويعتبر الدفع بهذه الطريقة مبرئاً للذمة". ونصت المادة 48 من اللائحة على أنه
"يجب أن يكون تعامل غير المقيمين ووكلائهم بالنقد المصري عن طريق البنوك
المعتمدة. ويستثنى من هذا الحكم التعامل بأوراق النقد المصري الوارد صحبة غير
المقيمين طبقاً للقواعد السارية وكذلك النقد المصري المستبدل بعملة أجنبية واردة
صحبتهم أو عن طريق مصرفي أو يحصلون عليه من دخل مقوم بعملة مصرية نتيجة مزاولتهم
للعمل في الإقليم المصري" وجاء في المذكرة الإيضاحية تبريراً لإصدار القانون
رقم 157 لسنة 1950 في شأن تعامل غير المقيم بالنقد المصري ما نصه "وقد ظهر أن
غير المقيمين في مصر ووكلاءهم يتعاملون بالنقد المصري والقراطيس المالية المصرية
بطرق عدة تنتهي بطريقة غير مباشرة إلى ضياع كثير من النقد الأجنبي من حق الدولة أن
تحصل عليه، ولمنع هؤلاء الأشخاص من التعامل على هذا الوجه أضيفت فقرة جديدة إلى
المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947. والمقصور بعبارة "غير
المقيمين" الواردة في هذه المادة الأشخاص المقيمون في الخارج أو المقيمون في
مصر إقامة غير قانونية أو إقامة مؤقتة". ويبين من هذه النصوص أن خطاب الشارع
في حظر التعامل بالنقد المصري موجه أصالة إلى غير المقيم ولو أقام بصفة مؤقتة أو
بصفة غير مشروعة في مصر، وإلى وكيل غير المقيم ولو كان مصرياً مقيماً في مصر،
واعتبر كلاً منهما فاعلاً أصلياً في الجريمة، على اعتبار أن النص يحظر على غير
المقيم التعامل بالنقد المصري سواء بالذات أو بالواسطة، ولو كان تعامله به حاصلاً
مع مصري مقيم في مصر حذراً مما قد يؤدي إليه تصرفه من ضياع نقد أجنبي كان من حق
الدولة أن تحصل عليه أو التأثير في ثبات سعر النقد المصري أو الإخلال بميزان
الدولة النقدي، سواء أدى تصرفه إلى وقوع النتيجة التي خشي الشارع وقوعها أو لم
يؤد، ما دام من شأن هذا التصرف أن يكون مؤدياً إلى تلك النتيجة. والمقصود بالتعامل
بالنقد المصري كل عملية من أي نوع - أياً كان الاسم الذي يصدق عليها في القانون -
يكون فيها دفع بالنقد المصري إخلالاً بواجب التجميد الذي فرضه الشارع على أموال
غير المقيم، وضرورة وضعها في حسابات "غير مقيم" في أحد المصارف المرخص
لها في مزاولة عمليات النقد، حتى يأذن وزير المالية بالإفراج عما يرى الإفراج عنه
منها، واستيداع النقد المصري وتسليمه إلى غير مقيم يعتبر ولا شك عملية من هذا القبيل.
وغير المقيم هو من يقيم في مصر إقامة مؤقتة أو غير مشروعة، أما المقيم فهو من
ينطبق عليه أحد الشروط الواردة في المادة 24 من قرار وزير الاقتصاد رقم 893 لسنة
1960 التي سبق بيانها. والإقامة في الأصل واقعة مادية ومسألة فعلية، وإذا كان
الشارع اعتبر من يقيم إقامة مؤقتة أو غير مشروعة في حكم غير المقيم، فمعنى ذلك أنه
قصد بالإقامة المعتبرة أن يتوافر لها شرطاً المشروعية والاعتياد. ولما كان شرط
الاعتياد يقبل التفاوت ويخضع للتأويل الذي لا تنسد به الذرائع - وهو ما أراد
الشارع تلافيه - فقد حددت اللائحة مدة الإقامة المعتادة بخمس سنوات. وعلى ذلك فإن
قرار وزير الاقتصاد - فيما حدد به معنى المقيم - يكون قد صدر في حدود التفويض
التشريعي الوارد في المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 في شأن الرقابة على
النقد والتي أجازت له تعيين الشروط والأوضاع التي يتم على أساسها تعامل غير المقيم
بالنقد المصري، ولا يوجد أدنى تضاد بين الحظر الوارد في نص القانون، وبين الشروط
والأوضاع المحددة في القرار، ويكون القرار والحال هذا امتداد لنص القانون ومكملاً
له، وليس فيه خروج عنه أو تعطيل له أو إعفاء من تنفيذه، وإنما يكون قد صدر نفاذاً
للأوضاع الدستورية المستقر عليها، وفي حدود التفويض المخول لوزير الاقتصاد ويتعين
إعمال المعايير الواردة به تبياناً لتوافر الإقامة أو انتفائها. ولما كان يبين من
استقراء النصوص السابقة أن القانون أطلق الحظر في تعامل غير المقيم ووكيله بالنقد
المصري ولم يربطه بالحكمة منه مما لازمه أن الجريمة تتحقق متى قارف الجاني الفعل
المؤثم عن عمد مع العلم بماهيته وكون هذا الفعل في ذاته مخالفاً للقانون، فلا
يشترط لتحقق الجريمة قصد خاص، لأنه لا اجتهاد مع صراحة النص ولأن الأحكام تدور مع
مناطها لا مع الحكمة منها، ما لم يصرح الشارع بخلافه، ولأن القول بغير ذلك فيه
تخصيص بغير مخصص. لما كان ذلك، وكان القانون المدني إذ نص في الفقرة الأولى من
المادة 400 منه على أنه "في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني
تزيد قيمته على عشرة جنيهات، أو كان غير محددة القيمة فلا تجوز البينة في إثبات وجوده
أو انقضائه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك". مما مؤداه أنه لا يسار في
إثبات التصرف القانوني الذي تزيد قيمته على عشرة جنيهات بغير الكتابة في المواد
الجنائية إذا كانت الجريمة هي الإخلال بهذا التصرف كخيانة الأمانة مثلاً، أما إذا
كانت الجريمة هي التصرف القانوني ذاته - دون الإخلال به - جاز إثباته بطرق الإثبات
كافة رجوعاً إلى حكم الأصل في إطلاق الإثبات في المواد الجنائية. ولما كان التعامل
من غير المقيم أو وكيله في أوراق النقد المصري هو من قبيل التصرف المؤثم، جاز
إثباته بجميع طرق الإثبات بما في ذلك البينة والقرائن، اعتباراً بأن الوكالة عن
غير المقيم في التعامل لا تنفك عن التعامل المحظور وتكون معه واقعة إجرامية واحدة
يجرى عليها ما يجرى على نظائرها من المسائل الجنائية في الإثبات، هذا إلى أن
التصرف إذا وقع احتيالاً على القانون كالتهريب أو ما في حكمه، صح إثباته بطرق
الإثبات جميعاً بما في ذلك البينة والقرائن. ومن جهة أخرى فإن الحكم المطعون فيه
قد أخذ الطاعن بإقراره في تحقيق النيابة بقيام صفة الوكالة به عن غير مقيم،
وتعامله بهذه الصفة في النقد المصري، ومن ثم فإن للمحكمة أن تعتبر هذا الإقرار غير
القضائي دليلاً مكتوباً أو مبدأ ثبوت بالكتابة، أو مجرد قرينة، ولا معقب على
تقديرها في ذلك متى كان سائغاً وله سنده من أقوال المقر في الأوراق، لأن شرط
القانون لوجود الكتابة عند الإثبات يكون قد تحقق. وفوق ذلك فإن قضاء محكمة النقض
قد جرى على أن الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة ليس من النظام العام، فيتعين
إبداؤه في حينه قبل سماع البينة وإلا سقط الحق في التمسك به. ولما كانت محكمة أول
درجة قد سمعت أحد شهود الإثبات في حضرة الطاعن ومحاميه دون أن يتمسك أيهما بعدم
جواز إثبات الوكالة بالبينة، فإن حقه في التمسك به يكون قد سقط بعدم إبدائه في إبانه،
وحق للمحكمة الاستئنافية أن تلتفت عنه دون إيراد له ورد عليه لكونه ظاهر البطلان.
لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه قد أثبت في مدوناته المتكاملة
بياناً لواقعة الدعوى أن عصابة تألفت لتهريب الساعات من الخارج إلى الجمهورية
العربية المتحدة وبيعها، وتهريب النقد الذي يمثل ثمنها إلى الخارج، وأن الطاعن
الذي اتخذ في هذه العصابة اسماً رمزياً هو "إدوارد" اعترف بأنه في خلال
سنة 1964 أي بعد انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة - اتصل بالمتهم الثاني
عشر وهو سوري الجنسية يقيم في بيروت عاصمة لبنان حيث يملك محلاً للساعات وتلقى
دعوى منه لزيارته في لبنان خلال شهري يوليو وأغسطس سنة 1963. وعرض عليه أن يعاونه
في عمليات تهريب الساعات من الخارج إلى مصر على أن يتولى بيعها في الأسواق وتسليم
ثمنها إليه أو إلى أي شخص يوفده من قبله حسب التعليمات التي يصدرها إليه، وأنه قد
هربت كميات ضخمة من الساعات إلى مصر باعها الطاعن إلى تاجر يدعى
"......" - أقر بذلك - وتسلم منه الآلاف من الجنيهات، وقد استقر الطاعن
في أقواله الأخيرة الواردة في تحقيق النيابة على أنه سلم منها ثلاثة آلاف جنيه إلى
من يدعى "......" وهو أرمني من أصل لبناني، كما سلم أحد عشر ألفاً إلى
آخر وصفه بأنه سوري فيكون مجموع المبلغين أربعة عشر ألفاً من الجنيهات ألزمه الحكم
مثلهما غرامة، وقد دلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة الواردة
في المساق المتقدم، كما عرض لدفاع الطاعن بشأن تعدد مظاهر إقامة المتهم الثاني عشر
في مصر وفنده في قوله "ولا تلتفت المحكمة لما ذهب إليه الدفاع عن المتهم
الرابع عشر - الطاعن - من أن المتهم الثاني عشر من المقيمين بمقولة أن الأخير قد
اكتسب هذه الصفة إثر صدور قانون الجنسية الذي ينص على توافر جنسية الجمهورية
العربية المتحدة لأبناء مصر وسوريا وذلك إثر الوحدة التي قامت بين البلدين غير أنه
دون حاجة لبحث نطاق جنسية الجمهورية العربية المتحدة بعد الانفصال، وما استتبعته
من وجود الجنسية السورية مرتبطة بقيام الجمهورية العربية السورية فإنه في ذلك كله،
فإنه حتى في ظل الوحدة بين سوريا ومصر، فلم تكن صفة المقيم الواردة في قانون
الرقابة على النقد بطريق اللزوم لأبناء سوريا بل تقوم بالنسبة إليهم إذا توافرت
شرائطها التي استلزمها القانون لمن عدا المصريين سواء كانوا في سوريا أو من بلد
آخر، وإذا كانت الثابت من كتاب مصلحة الجوازات والجنسية المؤرخ 3/ 9/ 1967 أن
المتهم الثاني عشر سوري الجنسية، فإنه يتعين البحث فيما إذا كان قد اكتسب صفة
المقيم من عدمه، وقد قال الدفاع عن المتهم الرابع عشر - الطاعن - بتوافرها
استناداً إلى شهادة البطريركية الأرمينية المؤرخة 16/ 10/ 1967 والتي تشهد فيها
هذه البطريركية بأن المتهم الثاني عشر من أبناء الإقليم السوري وكان له حق التصويت
في انتخابات المجلس الملي أثناء قيام الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1961 إلا أن فحوى
هذه الشهادة يتعلق أصلاً بانتماء المتهم الثاني عشر إلى البطريركية الأرمينية في
سنة 1961 أثناء قيام الوحدة السياسية بين مصر وسوريا، وفضلاً عن ذلك فقد انصرفت
الشهادة إلى صورة معينة بدت في سنة 1961 دون قيام أي مقومات بعد هذا التاريخ يمكن
أن يرد من خلالها بحث قيام صفة المقيم، بل إن كتاب مصلحة الجوازات والجنسية المشار
إليه آنفاً قد خلا من الإشارة إلى أن المتهم الثاني عشر يحمل بطاقة إقامة
بالجمهورية العربية المتحدة، إنما ظهر من تحركاته أنه حضر إلى محضر وغادرها في سنة
1967 خمس مرات ولم تتجاوز إقامته خلالها كل مرة يومين، مما يقطع في إقامته بالخارج
على الدوام، ويؤكد ذلك ما اعترف به المتهم الرابع عشر - الطاعن - في تحقيقات
النيابة من أن المتهم الثاني عشر دعاه إلى مقابلته في بيروت في الصيف الماضي
واتفقا معاً على بيع الساعات التي تحضر إليه وتنفيذ تعليمات المتهم الثاني عشر
بشأن حصيلة الثمن الأمر الذي يدل دلالة أكيدة على أن المتهم الثاني عشر من غير
المقيمين، وعلى علم المتهم الرابع عشر - الطاعن - بذلك، وقيامه فعلاً بتنفيذ
تعليمات المتهم الثاني عشر مستعيناً بإعطاء حامل الساعات ورقة مالية فئة العشرة
قروش مما كان قد تسلمه من المتهم المذكور لهذا الغرض". لما كان ذلك، وكان ما
أثبته الحكم في حق الطاعن - باعترافه - يتحقق به معنى الوكالة عن غير المقيم في
التعامل بالنقد المصري كما هي معرفة في القانون إذ أنابه في بيع الساعات وتسليم
ثمنها إلى من عينه من قبله، ولا يصح اقتطاع واقعة التسليم وحدها من سياق التصرف
القانوني الذي باشره الطاعن لتصحيح القول بانتفاء الوكالة أو عدم تحقيق التعامل
المؤثم، لأن تسليم النقد المصري الذي حصله الطاعن بالوكالة عن غير مقيم إلى أي شخص
دون إيداعه وتجميده في أحد المصارف المرخص لها في مزاولة عمليات النقد الأجنبي
يتحقق به التعامل المجرم. ولما كان ما حصله الحكم من اعتراف الطاعن له أصله الثابت
في الأوراق سواء في محضر استدلال الشرطة أو في محضر تحقيق النيابة، وكان هذا
الاعتراف نصاً صريحاً في اقتراف الجريمة المسندة إليه، وكان الطاعن يقر في طعنه أن
موكله المتهم الثاني عشر في الدعوى سوري انقطع عن الإقامة في مصر بعد سنة 1961
وأقام في لبنان عند مقارفة الجريمة، وكان الحكم قد دلل على علم الطاعن اليقيني
بعدم إقامة من ناب عنه في التعامل بالنقد المصري بأدلة منتجة وعرض لدفاعه في هذا
الشأن وأقسطه حقه ورد عليه بما يفنده، وكان تسليم النقد المصري المتعامل به
بالوكالة عن غير مقيم لغير المصارف المعتمدة يتحقق به التعامل المؤثم سواء كان
التسليم حاصلاً لمقيم أو غير مقيم، فإن عدم تعيين أشخاص من تسلم النقد المصري ليس
بذي أثر في قيام الجريمة، هذا إلى أن الحكم قد أخذ الطاعن باعترافه في تسمية من
سماه لاستلام النقد المصري، وفي تحديد جنسيته، فإن ذلك حسبه لتندفع عنه دعوى
القصور. لما كان ذلك فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق