جلسة 25 من مايو سنة 1971
برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسين هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، ومحمد أسعد محمود.
---------------
(110)
الطعن رقم 463 لسنة 36 القضائية
(أ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الأدلة".
سلطة قاضي الموضوع في بحث الدلائل والمستندات المقدمة، وفي عدم الأخذ بما لا يطمئن إليه.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الإكراه". عقد."عيوب الرضا". نقض. "سلطة محكمة النقض".
تقدير وسائل الإكراه ومدى تأثيرها في نفس العاقد. أمور موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع دون رقابة من محكمة النقض.
(ج) محكمة الموضوع. "سلطتها في تفسير اتفاقات الخصوم". حكم. "تسبيب الحكم".
انتهاء الحكم إلى أن المحرر قد تضمن دفع مبلغ من والد الزوجة للزوج للمشاركة في ثمن أثاث الزوجية. وأن عدم تنفيذ الزوج لذلك يرتب وفقاً لتفسير التعهد استرداد ما دفع. لا عيب.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه بصفته ولياً طبيعياً على ابنته القاصر سميرة إبراهيم السيد أقام الدعوى رقم 2651/ 62 مدني كلي القاهرة ضد الطاعن يطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 1000 ج، وقال شرحاً للدعوى إنه بتاريخ 21 أغسطس سنة 1960 زوج ابنته المذكورة من الطاعن وأنه مساهمة منه في تأثيث منزل الزوجية وعلى أساس أن الطاعن كان يعمل وقتذاك في السلك السياسي فقد سلمه مبلغ 1000 ج بموجب إيصال محرر في 24 من أغسطس سنة 1960 كي يشتري به أثاثاً من الخارج، وإذ لم يقم الطاعن بشراء ذلك الأثاث بل أساء معاملة زوجته مما دعا سفير مصر في البلد الذي يعمل به إلى إجراء تحقيق في بعض ما وقع منه نحوها استدعى الطاعن على أثره إلى مصر حيث تطور النزاع بينه وبين زوجته إلى أن أقامت عليه دعوى تطلب فيها تطليقها منه للضرر ولم ير الطاعن بعد ذلك بداً من أن يطلقها، وإذ هو امتنع رغم ذلك عن شرائه أثاث منزل الزوجية تنفيذاً لما تعهد به. وعن رد المبلغ الذي تسلمه لهذا الغرض فقد أقام عليه الدعوى بطلباته المتقدمة. دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة تأسيساً على أنه وقد وهب المطعون عليه لابنته المبلغ موضوع النزاع فقد خرج ذلك المبلغ من ذمته وأضيف إلى ذمتها بما يمتنع معه حق المطالبة به، وأجاب الطاعن على موضوع الدعوى بأنه اشترى الأثاث الذي تعهد بشرائه بما يزيد على المبلغ السابق الذكر، وأن هذا الأثاث قد تلف بسبب حادث وقع للسيارة التي كانت تنقله إلى مدينة كراتشي عبر المنطقة التي تفصل بين دولتي أفغانستان وباكستان ولم يكن في ميسورة أن يؤمن عليه أثناء نقله بسبب ما يقوم حول هذه المنطقة من نزاع بين الدولتين المشار إليهما، وقدم الطاعن للتدليل على ذلك مسودة خطاب محرر في 18 من أغسطس سنة 1961 موجه من زوجته لوالدها المطعون عليه يتضمن إقرارها بأن الطاعن اشترى أثاث منزل الزوجية وأن هذا الأثاث فقد أثناء نقله في الطريق من جراء حادث تصادم وقع للسيارة التي كانت تحمله. وبتاريخ 30 يناير سنة 1964 قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى وضمنت أسباب حكمها القضاء برفض الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة. استأنف المطعون عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 718/ 81 ق، وتمسك بأن الطاعن حصل على توقيع زوجته على مسودة الخطاب السابق الإشارة إليه بطريق الإكراه كما حصل بعد ذلك على هذه المسودة واحتفظ بها في غفلة منها وبغير وجه حق بما لا يجيز له أن يستند إليها في دفاعه في الدعوى. وبتاريخ 17 فبراير سنة 1966 قضت محكمة الاستئناف باستجواب الطاعن في ظروف تحرير تلك المسودة وكيفية حصوله عليها واحتفاظه بها، وكذلك في شأن المستندات المقدمة منه سواء منها ما تعلق بشراء الأثاث أو ما تعلق بوقوع الحادث الذي تعرض له الأثاث أثناء نقله، وفيما اتخذه الطاعن من إجراءات لدى الشرطة أو لدى شركة التأمين في هذا الخصوص، وبعد تنفيذ هذا الحكم قضت المحكمة في 23 يونيه سنة 1966 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه مبلغ 1000 ج. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وفي الجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعن بالأسباب الثلاثة الأولى منها على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت في الأوراق والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه بإلزامه بالمبلغ موضوع النزاع استناداً إلى أنه لم يقدم أي دليل لا على حصول نقل الأثاث ولا على وقوع الحادث الذي تعرض له أثناء نقله، وما اتخذ بشأن ذلك من إجراءات مع أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن قدم ما يدل على شحن ذلك الأساس، ولا يشفع للحكم في إهدار المستندات المتعلقة بشحن الأثاث ما قال به من أن هذه المستندات غير مختومة من الجهة المختصة بإصدارها لأنها تستمد حجيتها من مجرد التوقيع عليها من الجهة الأجنبية وبغير حاجة إلى ختمها، كما لم يرد الحكم على ما تمسك به الطاعن من أنه أورد في إقراره في الاستمارة الجمركية التي دونت عند عودته إلى مصر وجود أثاث تالف، وأهدر الحكم حجية مسودة الخطاب الصادر إلى المطعون عليه من ابنته والمتضمن إقرارها بأن الطاعن قام بشراء الأثاث مع أن للطاعن حقاً في حيازة هذه المسودة لصلة الزوجية ولم يبين الحكم المصدر الذي استقى منه أن الطاعن أكره زوجته على التوقيع على مسودة خطابها إلى والدها المتضمن أن الطاعن اشترى أثاث منزل الزوجية مما يعيب الحكم بمخالفة الثابت في الأوراق والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان لقاضي الموضوع السلطة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة له وفي عدم الأخذ بما لم يقتنع به ويطمئن إليه وجدانه منها، وكان بحسبه أن يقيم قضاءه على أسباب تحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عرض للمستندات التي قدمها الطاعن وركن إليها في التدليل على ما يثيره بأسباب الطعن وانتهى الحكم إلى عدم الأخذ بهذه المستندات بناء على ما قرره من أن الطاعن "قدم حافظة وصفت أنها تحوي بوليصة شحن المنقولات والمستندات الخاصة بتلفها ويتضح من فحص مفرداتها أنها عبارة عن خطاب مؤرخ 10/ 8/ 1961 قال المستأنف عليه (الطاعن) إنه أرسل من السفارة المصرية إلى الشركة المتحدة جاء فيه أن المستأنف عليه أبلغ السفارة بحادث إصابة اللوري رقم 37 الذي نقل عليه أثاثه وحقائبه، ويطلب صورة من محضر البوليس وتحوي الحافظة أيضاً ورقة ذكر فيها رقم بوليصة تأمين ومقداره وأنه نافذ من كراتشي للقاهرة طبقاً لشروط العقد والورقة والخطاب غير مختومين من الجهة المختصة ولا ترى المحكمة فيهما الدليل المؤيد لدفاعه، وكان هذا الذي أورده الحكم وبرر به إطراح الورقتين المشار إليهما على النحو السالف بيانه كدليل على قيام الطاعن بشراء الأثاث الذي التزم بشرائه هو مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع في تقدير الدليل، ويقوم على أسباب سائغة. لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع السلطة في تقدير وسائل الإكراه ومدى تأثيرها في نفس العاقد ولا رقابة عليها لمحكمة النقض في ذلك ما دامت تقيم قضاءها في هذا الخصوص على أسباب سائغة، وكان يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه عرض لمسودة الخطاب الموجه من زوجة الطاعن لوالدها المطعون عليه وأطرح دلالته على ما ادعاه الطاعن من أنه اشترى الأثاث موضوع النزاع وذلك فيما قرره من أن الطاعن لم يقدم أي بيان معقول يبرر به حصوله على مسودة الخطاب، إذ قال حين استجوابه إنه وجد بها أخطاء لغوية وهو سبب غير سائغ بالنسبة لخطاب مرسل من ابنه إلى أبيها، وقال المستأنف عليه (الطاعن) أيضاً أنه كان يتبع هذه الخطة معها في خطاباتها الأخرى، ومع ذلك فإنه لم يقدم أي خطاب آخر لتأييد قوله وعجز عن تبرير حفظه معه، وقال حين سئل عن مستندات شراء الأثاث إنه سلمها لزوجته حين وصولها بور سعيد وهذه الواقعة بدورها غير سائغة لأن المفروض ألا يسلم إلا للمستأنف (المطعون عليه) الذي تعهد له كتابة بشراء أثاث لابنته بمبلغ الألف جنيه الذي تسلمه منه لهذا الغرض وذلك بعد استعادة ذلك التعهد أو الحصول منه على سند مضاد، ولاسيما إذا لوحظ أن العلاقة بين الزوجين كانت على ما وصفها المستأنف غير مستقرة وأن الخلاف بينهما كان قائماً، وهذا القول يؤيد صحته مستندات المستأنف إذ قدم صورة رسمية من صحيفة افتتاح دعوى رفعتها ابنته ضد المستأنف عليه أعلنت له في 20/ 9/ 1961 تطلب الطلاق لأسباب من بينها أنه يحتال عليها وعلى أبيها لسلب مالهما، كما قدم وثيقة طلاقها في 3/ 12/ 1961 كل ذلك بالإضافة إلى أن المستأنف عليه لم يتقدم بأي مستند بنقل الأثاث أو وقوع حادث الاصطدام وآثاره وما اتخذ من إجراءات بشأنه ومن أجل ذلك فإن المحكمة تطمئن لصحة دفاع المستأنف بشأن إكراه المستأنف عليه زوجته على تحرير مسودة الخطاب وذكر واقعة شراء الأثاث على خلاف الحقيقة" وكان هذا الذي أورده الحكم هو استخلاص سائغ يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها من حصول الطاعن على مسودة الخطاب بالإكراه، ويهدر حجية هذا المحرر ويحمل ما انتهى إليه الحكم من أن الطاعن لم يشتر الأثاث الذي تعهد بشرائه، فإن النعي على الحكم بمخالفة الثابت في الأوراق والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم بالسبب الرابع الخطأ في القانون، وفي بيان ذلك يقول إن مدلول الإيصال الذي حرره على نفسه بالمبلغ موضوع النزاع للمطعون عليه هو أن الأخير قد وهب ذلك المبلغ لابنته، غير أن الحكم المطعون فيه انتهى إلى أن للمطعون عليه رغم ذلك حقاً في أن يستأدي ذلك المبلغ من الطاعن وذهب الحكم الابتدائي في تبرير قبوله للدعوى رداً على الدفع المقدم من الطاعن بعدم قبولها إلى أن التعهد الوارد في المحرر يعتبر اشتراطاً من المطعون عليه لصالح ابنته، وتقبل بذلك الدعوى المرفوعة من المطعون عليه مع أنه ما كان للحكم المطعون فيه أن يقضي بإلزام الطاعن بأن يدفع المبلغ المحكوم به للمطعون عليه شخصياً لأن الالتزام ليس لصالحه بل لصالح المستفيد مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أورد في شأن المحرر الذي قدمه المطعون عليه لإثبات دعواه أنه تضمن دفع هذا المبلغ منه للطاعن وذلك للمشاركة في ثمن أثاث منزل ابنة المطعون عليه، وإذ بين الحكم مما أورده أن الطاعن لم يقم بتنفيذ تعهده الذي التزم به قبل المطعون عليه وأن عدم التنفيذ هذا يترتب - وفقاً لتفسير الحكم للتعهد - استرداد ما دفعه للطاعن، فإن الحكم لا يكون قد خرج عن عبارات التعهد ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون ويقول في بيان ذلك إن المطعون عليه كان قد أقام ضده الدعوى رقم 773/ 62 مدني كلي القاهرة بطلب إلزامه بأن يدفع له مبلغ 1000 ج على سبيل التعويض واستند في تلك الدعوى إلى أسباب منها الإقرار سبب الخصومة الحالية وقضى برفض دعواه ثم أصبح الحكم نهائياً بعد أن تأيد في الاستئناف، وإذ صدر الحكم في الدعوى الماثلة على خلاف ذلك الحكم النهائي الصادر في الدعوى المشار إليها فإنه يكون معيباً بالبطلان.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه لما كان الطاعن لم يقدم صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 773/ 62 مدني كلي القاهرة الذي يشير إليه بسبب النعي، فإن هذا السبب يكون عارياً عن الدليل.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق