جلسة 2 من مايو سنة 1979
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد طه سنجر، إبراهيم فراج، صبحي رزق ومحمد أحمد حمدي.
-----------------
(232)
الطعن رقم 643 لسنة 48 القضائية
(1) حكم. "المصلحة في الطعن". دعوى. استئناف. حوالة.
المصلحة في الطعن. كفاية تحققها وقت صدور الحكم ولو زالت بعد ذلك، استئناف المحكوم عليه مقبول ولو انتقل الحق موضوع الدعوى إلى آخر. تدخل الأخير في الاستئناف لا خطأ. لا يغير من ذلك حوالته حقه للغير بعد التدخل.
(2) عقد. تزوير "الطعن بالتزوير".
عدم سلوك الخصم سبيل الادعاء بالتزوير. التفات المحكمة عما أثاره عن تزوير العقد. لا خطأ.
(3) حكم. إثبات.
الترجمة العرفية للمستندات. جواز اعتداد الحكم بها طالما لم يتم منازعة بشأنها.
(4) إيجار. "الإيجار من الباطن" عقد.
التأجير من الباطن في ظل تشريعات الإيجار الاستئنافية محظور ولو خلا العقد من ذلك.
(5) إيجار. "ترك المستأجر للعين". محكمة الموضوع.
واقعة ترك المستأجر للعين المؤجرة لآخر. من مسائل الواقع. استقلال محكمة الموضوع بتقديرها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
(6) إيجار. "إيجار من الباطن".
إيواء المستأجر للغير أو استضافته. وجوب أن تكون إقامته بصفة عارضة مع المستأجر. بقاء الغير بعد ترك المستأجر للعين. هو تأجير من الباطن أو نزول عن الإيجار.
(7) إيجار. "المساكنة".
المساكنة هي المشاركة السكنية مع المستأجر منذ بدء الإجارة. حق المنتفع في البقاء بالعين المؤجرة بعد ترك المستأجر الأصلي لهما أو وفاته ولو كان من غير من ورد ذكرهم بالمادة 21 من ق 52 لسنة 1969.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه، وسائر الأوراق - تتحصل في أن شركة الشرق للتأمين الممثلة بالمطعون عليه الأول - أقامت الدعوى رقم 786 لسنة 1973 مدني أمام محكمة الجيزة الابتدائية ضد الطاعنين بطلب الحكم بإخلاء الطاعن الأول من العين المؤجرة له وتسليمها إليه وذلك في مواجهة الطاعن الثاني وقال في بيانها إن الطاعن الأول يستأجر الشقة رقم 92 الكائنة بالعقار رقم....... المملوك للشركة، وإذ قام بتأجيرها من باطنه إلى الطاعن الثاني دون إذن كتابي صريح منه بالمخالفة لنص المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 1/ 12/ 1974 حكمت المحكمة أولاً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة وبقبولها. ثانياً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم الاستناد لعقد إيجار. ثالثاً: إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه الأول أن من بين شروط عقد الإيجار الساري بينه وبين الطاعن الأول أن الأخير محظور عليه التأجير من الباطن أو التنازل عن الإيجار أو الترك للغير، وبعد سماع الشهود عادت وحكمت في 23/ 11/ 1975 برفض الدعوى. استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 3696 لسنة 92 ق القاهرة بطلب إلغائه والقضاء له بالطلبات، طلب المطعون عليهم من الثاني للخامس قبول تدخلهم منضمين للمطعون عليه الأول تبعاً لعودة ملكية العقار إليهم وفق قانون تصفية الحراسات. دفع الطاعنان بعدم قبول الاستئناف لرفعه من غير ذي صفة، وبعدم قبول التدخل، وبتاريخ 16/ 2/ 1978 م حكمت محكمة الاستئناف برفض الدفعين وبقبول التدخل وبإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن الأول في مواجهة الطاعن الثاني بإخلاء العين المبينة بصحيفة الدعوى وبعقد الإيجار وبتسليمها للمطعون عليهم من الثاني للأخير خالية. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبعة أسباب، ينعى الطاعنان بالوجه الأول من السبب الأول وبالسبب الخامس منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولان إنهما دفعا بعدم قبول الاستئناف لرفعه من غير ذي صفة، ولانتفاء مصلحة المطعون عليه الأول "المستأنف" في إقامته بعد أن عادت ملكية العقار الكائن به العين إلى المطعون عليهم من الثاني للخامس، كما دفعا بعدم قبول تدخل الآخرين تأسيساً على إنهم باعوا العقار وأحالوا عقد الإيجار إلى أخرى، ورفض الحكم كلا الدفعين على سند من أن المطعون عليه الأول كان محكوماً لغير صالحه في الدعوى المستأنف حكمها، وأن باقي المطعون عليهم عادت إليهم ملكية العقار بعد تصفية الحراسات، في حين أن الصفة والمصلحة يلزم توافرها عند رفع الدعوى وبقائها أثناء سيرها، وإلا أصبحت غير مقبولة هذا إلى أن الدفع بعدم تدخل المطعون عليهم من الثاني للأخير كان مبناه انتفاء صفتهم ومصلحتهم في الخصومة بعد حوالة حقهم في عقد الإيجار لا ينفي ملكيتهم للعقار، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان المستقر في قضاء هذه المحكمة أنه يجوز الطعن في الحكم من كل من كان طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ولم يتخل عن منازعته حتى صدر الحكم ضده، وكان يكفي لتحقق المصلحة في الطعن قيامها وقت صدور الحكم ولا عبرة بزوالها من بعد، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي قد قضى برفض دعوى المطعون عليه الأول، فإنه يضحى سديداً ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من أن له صفة ومصلحة في طعنه عليه بطريق الاستئناف واستمراره في مباشرته حتى يقضى فيه، لا يغير من ذلك انتقال الحق الذي أقيمت به الدعوى إلى آخر. لما كان ما تقدم، وكان البين من الأوراق أن ملكية العقار الكائن به العين المؤجرة قد عادت إلى المطعون عليهم من الثاني للخامس بعد صدور الحكم الابتدائي بالتطبيق لأحكام كل من القانون رقم 49 لسنة 1971 بتصفية الحراسة على أموال وممتلكات الأشخاص الخاضعين لأحكام القانون رقم 150 لسنة 1954، وكذلك القانون رقم 69 لسنة 1974 بشأن تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، فإنه يحق لهم التدخل في الاستئناف منضمين إلى المستأنف في طلباته، ولا تأثير لثبوت حوالتهم عقد الإيجار إلى المشترية للعقار في تاريخ لاحق للتدخل، طالما كانت مصلحتهم قائمة عند حصوله، وطالما كان المحيل ضامناً الحق المحال للمحال إليه، مما يقتضيه الدفاع عنه والإبقاء عليه بالحالة التي كان عليها وقت الحوالة، ويكون النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الثاني من السبب الأول وبالسبب السادس على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب من وجهين (الأول) أغفل الحكم الرد على ما تمسك به الطاعنان من عدم الاعتداد بعقد الإيجار المقدم من المطعون عليهم المتدخلين تبعاً لعدم تقديم ترجمة رسمية له، ولتزوير بعض بياناته بإضافة عبارات مكتوبة بالعربية إلى صلبه المكتوب بلغة أجنبية. (الثاني) أقام الحكم قضاءه بالإخلاء على سند من المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 التي لا تجيز التنازل أو التأجير من الباطن إلا بإذن كتابي صريح من المؤجر، في حين أن عقد الإيجار مبرم في تاريخ سابق على سريان هذا القانون وتخضع المنازعات المتعلقة به لأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 مما يعيبه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان الطاعنان لم يسلكا السبيل الذي رسمه القانون في المواد من 49 إلى 51 من قانون الإثبات للادعاء بالتزوير، ولم يحددا في مذكرتهما المقدمة لمحكمة الموضوع مواضع وكنه العبارات التي أضيفت حتى يتبين مدى إنتاجيتها وتعلقها بالنزاع المعروض، فإن من حق محكمة الموضوع الالتفات عما أثاراه من تزوير العقد وتعتبره صحيحاً ما دامت لم تر من ظروف الدعوى وفقاً للمادة 58 من قانون الإثبات ما يشير إلى تزويره. لما كان ذلك وكان الطاعنان لم يتمسكا أمام محكمة الموضوع، بعدم صحة الترجمة العرفية لعقد الإيجار المقدمة من المطعون عليهم، وكانت الرسمية لا تشترط في ترجمة المستندات إلا حيث لا يسلم الخصوم بصحة الترجمة العرفية ويتنازعون أمرها، فلا على الحكم إن هو اعتد بها. لما كان ما تقدم، وكان حظر التأجير من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك، حكم تشريعي قائم منذ صدور القانون رقم 121 لسنة 1947 بالنص عليه في المادة 4 فقرة (ب)، بمقتضاه أصبح الأصل هو تحريم التأجير من الباطن، وكان الأثر الفوري لقوانين إيجار الأماكن يوجب سريان هذا التحريم على كل تأجير من الباطن يحدث بعد صدور القانون 121 لسنة 1947 ولو خلا عقد الإيجار من شرط بالحظر، وكان القانون رقم 52 لسنة 1969 قد أورد هذا الحكم في المادة 23 (ب) منه، وكان المسلم أن واقعة التأجير من الباطن حصلت بعد تاريخ العمل بأحكام التشريعين سالفي البيان، فإن تطبيق أحكام أي يكون على سواء لا مغايرة فيه، ويكون النعي على الحكم إعماله نص المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 دون نص المادة الثانية من القانون رقم 121 لسنة 1947 غير منتج.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه البطلان، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم قضى بتسليم عين التداعي للمطعون عليهم الأربعة الأخيرين ووصفها بأنها المبينة بصحيفة الدعوى وبعقد الإيجار، حال أن المطعون عليه الأول هو الذي أقام الدعوى وطلب في صحيفتها الافتتاحية ثم في صحيفة الاستئناف تسليمه العين واكتفى في تحديدها بأنها المبينة بصحيفة الدعوى. هذا إلى أن تدخل المطعون عليهم الأخيرين كان انضمامياً ولم يطلبوا شيئاً لأنفسهم فيكون الحكم قاضياً بما لم يطلبه الخصوم.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان الثابت أن المطعون عليهم الأربعة الأخيرين تدخلوا في الخصومة في مرحلة الاستئناف منضمين للمطعون عليه الأول بحسبانهم الملاك الذين عادت إليهم ملكية العين، وقدموا عقد الإيجار الصادر منهم قبل فرض الحراسة عليهم، وأصبحوا بقبول تدخلهم طرفاً في الخصومة، وكان المطعون عليه الأول قد أقر أمام المحكمة بتسليمه العقار الكائن به عين النزاع للمطعون عليهم الأخيرين بصفتهم الملاك بعد رفع الحراسة عنهم، وكان مقتضى ذلك أنهم أصبحوا أصحاب الصفة والمصلحة في الدعوى وتنصرف الطلبات فيها إليهم، وكان التسليم أثراً لازماً للإخلاء، فلا على الحكم إن انتهى إلى تسليم العين إليهم، لما كان ذلك، وكانت الإشارة إلى تحديد العين أنها الموضحة بعقد الإيجار فضلاً عن صحيفة الدعوى غير منتج طالما أن الطاعنين لا يجادلان في أن العين المبينة بالصحيفة هي ذات المبينة بعقد الإيجار، ويكون النعي بهذه المثابة على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بباقي الأسباب القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بالإخلاء على سند من أن الطاعن الأول ترك المسكن المؤجر له إلى الطاعن الثاني وعائلته مستدلاً بما أثبت بصحيفة افتتاح الدعوى وبإعلانه بها في مسكن آخر، وبإقرار الطاعن الثاني في تحقيقات الشكوى رقم 6161 لسنة 1971 إداري الجيزة من إقامته وعائلته بالعين، ورتب على ذلك أن إقامة الطاعن الثاني بتلك العين بعد ترك الطاعن الأول لها لا تعتبر من قبيل المساكنة أو الإيواء، في حين أن الإعلان الحاصل للطاعن الأول بالعقار الآخر إنما كان إعلاناً له بعقار يملكه دون أن يقيم فيه، وفي مواجهة ابنه الذي لا تجزم إقامته فيه ثبوت الإقامة لوالده، هذا إلى أن إقامة الطاعن الثاني وعائلته بالعين المؤجرة لا ينفي بذاتها أنها كانت على سبيل المساكنة أو الاستضافة. بالإضافة إلى أن الطاعن الثاني نفى في تحقيقات الشكوى الإدارية ترك الطاعن الأول للعين. علاوة على أن مجرد ترك المستأجر للعين المؤجرة تركاً مادياً مع بقاء علاقته التأجيرية بها، لا تحول دون اعتبار إقامة الغير بها دون مقابل نقدي، إيواء أو استضافة وليست تأجيراً من الباطن، وقد تمسك الطاعنان بهذه الأوجه من الدفاع وطلبا إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباتها إلا أن الحكم التفت عنها مكتفياً بما ساقه من قرائن، مما يعيبه بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان إثبات أو نفي ترك المستأجر للعين المؤجرة وتنازله عنها لآخر هو من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بتقريرها دون معقب عليها في ذلك متى أقيم على أسباب سائغة تكفي لحمله، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن المطعون عليه الأول ترك الشقة للمطعون عليه الثاني وتنازل له عنها، تأسيساً على ما أثبت في إعلان صحيفة الدعوى من تركه لها وإقامته في مسكن آخر، ومن إعلانه بها من بعد في هذا المسكن ومن إقرار الطاعن الثاني في تحقيقات الشكوى الإدارية بإقامته وعائلته بشقة النزاع، وكلها أسباب سائغة تكفي لحمل هذا الواقع الذي استخلصه. لما كان ذلك، وكان في قيام هذه الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لما أثاره الطاعنان من أقوال وحجج على عدم ترك أولهما لعين النزاع. لما كان ما تقدم، وكان يفترض في فعل الإيواء والاستضافة بما لا يعتبر تنازلاً عن الإيجار أو تأجيراً من الباطن، أن يكون بصفة عارضة ومن خلال إقامة المستأجر الأصلي وانتفاعه بالعين واستمراره في شغلها بنفسه، بحيث إذا انقطعت هذه الإقامة نهائياً وبقى فيها من بعده من استضافة أو آواه، عد ذلك تأجيراً من الباطن أو نزولاً عن الإيجار، وإذ كان الواقع الذي حصله الحكم صحيحاً على ما سلف البيان أن الطاعن الثاني يقيم وعائلته بشقة النزاع بعد ترك الطاعن الأول لها وإقامته بمسكن آخر، وكانت المساكنة التي تنشئ للمنتفعين بالعين المؤجرة من غير المشار إليهم بالمادة 21 من القانون رقم 52 لسنة 1969 المنطبق على واقعة الدعوى حقاً في البقاء فيها رغم ترك المستأجر الأصلي العين أو وفاته، تستلزم وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حصول المشاركة السكنية منذ بدء الإجارة، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن الطاعنين أقاما دفاعهما على أن ثانيهما يقيم بعين النزاع منذ سنة 1967 وكانت الإجارة قد بدأت في غضون سنة 1956، فإن الحكم إذا انتهى إلى عدم اعتبار هذه الإقامة مساكنة يحق معها للطاعن الثاني البقاء في العين بعد ترك الطاعن الأول لها، يكون قد انتهى إلى تطبيق صحيح القانون على واقعة الدعوى، ويكون النعي برمته على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق