جلسة 29 من مارس سنة 1951
برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة، وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.
-------------
(86)
القضية رقم 193 سنة 18 القضائية
1 - عقد شركة. تفسيره. سلطة محكمة الموضوع.
(أ) بند في عقد الشركة ينص على أن "الشركاء جميعاً متضامنون في العمل". تفسير محكمة الموضوع هذا البند بأنه من شأنه أن يجعل كل واحد من الشركاء مأذوناً من شركائه بالإدارة وله إدارة العمل وحده فيصبح مسئولاً عن حسن سير الشركة ويحظر على أحد منهم أن يباشر عملاً ينجم عنه إضرار بمصالحها. تفسير سائغ.
(ب) بند في عقد الشركة ينص على أن "يكون أحد الشركاء هو عهدة النقدية". تفسير محكمة الموضوع هذا البند بأنه لا يفيد أن هذا الشريك هو وحده ينفرد بجميع أعمال الإدارة دون باقي الشركاء. تفسير سائغ.
(المواد 138/ 139/ 438/ 439 من القانون المدني - القديم - ).
2 - نقض. طعن. سبب جديد.
القول بأن شهادة شاهد سماعية فهي غير مقبولة رغم أخذ الحكم الابتدائي بها. لا يصح التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - حكم تمهيدي. تسبيبه.
قضاؤه بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهم بأي طريق من طرق الإثبات أن الطاعنين قد تعهدا بمقتضى عقد الشركة بمباشرة الأعمال التي يقولون عنها وباشراها فعلاً ثم انقطعا عنها واشتركا في أعمال مماثلة يعود اشتراكهما فيها بالضرر على أعمال الشركة لمنافستها. استناد الحكم فيما استند إلى أن عقد الشركة لم يحدد به نوع العمل الذي يقوم به كل من الشركاء وفقط نص في بند منه على أن جميع الشركاء متضامنون في العمل. لا تثريب على المحكمة إن هي أحالت الدعوى على التحقيق لاستجلاء ما أبهم من مدلول هذا البند واستكناه قصد المتعاقدين منه متى كان تفسير هذا الذي جاء به مثار نزاع بين الطرفين. الطعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون على غير أساس.
(ب) تفسير محكمة الموضوع لنص في عقد الشركة على أن "يكون أحد الشركاء هو عهدة النقدية": بأن لا يفيد أنه هو وحده ينفرد بجميع أعمال الإدارة دون باقي الشركاء، بل هو تخصيص أحد أعمال الإدارة وإسناده إليه دون الأعمال الأخرى - هو تفسير يستقيم معه التأدي إلى ما انتهى إليه.
2 - القول بأن شهادة شاهد سماعية فهي غير مقبولة رغم أخذ الحكم الابتدائي بها - هذا القول لا يصح التمسك به أمام محكمة النقض ما لم يسبق التحدي به لدى محكمة الموضوع.
3 - متى كان الحكم التمهيدي إذ قضى بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المطعون عليهم بأي طريق من طرق الإثبات بما فيها البينة أن الطاعنين قد تعهدا بمقتضى عقد الشركة مباشرة الأعمال التي يقولون عنها وباشراها فعلاً ثم انقطعا عنها بدون موجب واشتراكا في أعمال مماثلة يعود اشتراكهما فيها بالضرر على أعمال الشركة لمنافستها... قد استند فيما استند إلى أن عقد الشركة لم يحدد به نوع العمل الذي يقوم به كل من الشركاء وفقط نص في بند منه على أن جميع الشركاء متضامنون في العمل - فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي أحالت الدعوى على التحقيق لاستجلاء ما أبهم من مدلول هذا البند واستكناه قصد المتعاقدين منه، متى كان تفسير هذا الذي جاء به مثار نزاع بين الطرفين. ومن ثم فإن الطعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.
الوقائع
في يوم 7 من أكتوبر سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 26 من مايو سنة 1948 في الاستئناف رقم 98 سنة 3 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنان الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بإلغاء حكم محكمة أول درجة ورفض دعوى المطعون عليهم، واحتياطياً إحالة الدعوى على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليهم في الحالتين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن جميع درجات التقاضي. وفي 9 من أكتوبر أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن. وفي 26 منه أودع الطاعنان أصل ورقة إعلان المطعون عليهم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهما. وفي 7 من نوفمبر سنة 1948 أودع المطعون عليهم الثلاثة الأولون مذكرة بدفاعهم مشفوعة بمستنداتهم طلبوا فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 21 منه أودع الطاعنان مذكرة بالرد ولم يقدم المطعون عليه الرابع دفاعاً. وفي 21 من ديسمبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات. وفي 8 من مارس سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.
المحكمة
... ومن حيث إن مجمل الوقائع هو أن المطعون عليهم أقاموا الدعوى رقم 632 سنة 45 كلي طنطا على الطاعنين وذكروا في صحيفتها أنهم اتفقوا معهما بعقد في 2 من يونيه سنة 1943 على الاشتراك في مشترى جميع أنواع الحبوب اللازمة للتموين وطحنها بوابورهم الكائن بطنطا وبيعها دقيقاً حسب أوامر وتعليمات وزارة التموين وجعلوا لهذه الشركة رأس مال مقداره 1200 جنيه دفع المطعون عليهم منه 400 جنيه ودفع الطاعنان 800 جنيه، كما اتفقوا على كيفية تقسيم الأرباح. ونص بالبند الخامس على أن يكون الشركاء متضامنين في العمل غير أن الطاعنين امتنعا في أوائل شهر يناير سنة 1945 عن الاشتراك معهم في العمل واشتركا مع الغير في أعمال مماثلة لأعمال الشركة مما أدى إلى المنافسة والإضرار بمصالح الشركة وطلبوا الحكم بفسخ الشركة عملاً بالمادة 446 من القانون المدني (القديم). وفي 10 من يونيه سنة 1946 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المطعون عليهم بأي طريق من طرق الإثبات أن الطاعنين قد تعهدا بمقتضى عقد الشركة بمباشرة الأعمال التي يقولون عنها وباشراها فعلاً ثم انقطعا عنها بدون موجب واشتركا في أعمال مماثلة يعود اشتراكهما فيها بالضرر على أعمال الشركة لمنافستها. وبعد تنفيذ هذا الحكم وسماع المحكمة شهادة الشهود قضت بالفسخ وبندب مكتب الخبراء المحاسبين بطنطا لإجراء عملية التصفية مستندة إلى ما استخلصته من شهادة الشهود من أن الطاعنين كانا يقومان بأعمال إيجابية في إدارة الشركة ثم انصرفا بعد ذلك بمجهودهما ودعايتهما إلى مطحنين آخرين في طنطا وكفر الزيات فاستأنف الطاعنان هذا الحكم. وفي 26 من مايو سنة 1948 قضت محكمة استئناف الإسكندرية بتأييده فقرر الطاعنان طعنهما الحالي فيه.
ومن حيث إن الطعن بني على سبين ينعى الطاعنان بأولهما على الحكم القصور في التسبيب من وجهين: حاصل أولهما - أن المحكمة لم تتحر الدقة في مراجعة شهادة الشهود على ما هي ثابتة بمحضر التحقيق فحرفت شهادة بعض الشهود على النحو المبين بالتقرير، وهذا التحريف يعتبر أيضاً مسخاً لمحرر رسمي قائم في الدعوى، وقد ترتب على هذا التحريف وذلك المسخ أن اعتبرت المحكمة أن الطاعنين قد التزما قبل سائر الشركاء بالتزامات معينة، وأنهما أخلا بها وعلى ذلك قضت بالفسخ والتصفية وما كانت لتقضى بما قضت به لو أنها لزمت الدقة في المراجعة والتحري، كما أنها أسقطت الاعتبار بشهادة شهود الطاعنين فلم تتحدث عنها بكلمة.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأنه بمراجعة شهادة هؤلاء الشهود على ما هو ثابت بمحضر التحقيق المقدمة صورته الرسمية من الطاعنين ومطابقتها على ما أورده الحكم عنها يبين أن الحكم استخلص من شهادتهم استخلاصاً صحيحاً يتفق مع مدلولها دون مسخ أو تحريف أن الطاعنين كانا يقومان بأعمال إيجابية في إدارة الشركة وأنهما انصرفا بعد ذلك بمجهودهما ودعايتهما إلى المطحنين الآخرين اللذين اشتركا فيهما بطنطا وكفر الزيات مما أضر بمصالح الشركة، وليس صحيحاً أن المحكمة أغفلت التحدث عن شهادة شهود الطاعنين.
ومن حيث إن حاصل الوجه الثاني - من السبب الأول، هو أن الحكم فسر عقد الشركة تفسيراً لا تحتمله عباراته ولا يقبله العقل ومن شأنه أن يجعل العقد متهاتراً متساقطاً مع أن الأصل أن يكون التفسير على النحو الذي يجعل من مختلف بنوده وحدة متناسقة قصد منها إلى غرض اقتصادي مقبول عقلاً، إذ جاء بالبند الثاني من عقد الشركة أن الشيخ سعد شاهين المطعون عليه الأول هو عهدة النقدية، وأنه تسلم فعلاً جميع رأس مال الشركة - والعهدة هو المدير - ويمتنع عقلاً أن يكون غيره مديراً وليس تحت يده مال، ومع ذلك فقد جحد الحكم هذا التأويل كما أنه جاء بالبند الخامس أن الشركاء متضامون في العمل، ومفاد ذلك التضامن في الالتزامات التي تترتب في ذمة مدير الشركة ذلك أنها شركة محاصة، أما تفسير الحكم لهذا البند بأنه يفيد التزام الطاعنين بالاشتراك في إدارة أعمال الشركة والتوافر على حسن إدارتها فلا يستقيم مع ما ورد بالبند السابع من أن عملية الشراء هي من اختصاص المطعون عليهم، وما جاء بالبند الرابع خاصاً بكيفية توزيع الأرباح إذ يجعل للمطعون عليهم مع قلة ما دفعوه من رأس المال حظاً وفيراً لا يتناسب مع ما دفعوه، وذلك كله يدل دلالة واضحة على أن الطاعنين شريكان في رأس المال فقط ولا شأن لهما بإدارة الشركة.
ومن حيث إنه جاء بالحكم "أما قول المستأنفين (الطاعنين) بأن اشتراكهم في الشركة كان ملحوظاً فيه عدم قيامهم بأي عمل، مستدلين على ذلك بما نص عليه في عقد الشركة من أن ثلثي الأرباح من حق المستأنف عليهم (المطعون عليهم) - والثلث الباقي من حقهم أي من حق المستأنفين مع أن قيمة ما اكتتب به الإخوان من رأس المال يوازي الثلثين - فقول يكفي للرد عليه ما ورد في البند الخامس من عقد الشركة من تضامن جميع الشركاء في العمل... ومتى كان الأمر كما ذكر واعتبر كل واحد من الشركاء مأذوناً من شركائه بالإدارة وله إدارة العمل وحده كنص المادة 438 مدني أصبح كل منهم مسئولاً عن حسن سير الشركة ولا يجوز له أن يأتي عملاً مخالفاً للغرض المقصود من الشركة تبعاً للمادة 439... ولا صحة لما زعمه المستأنفان من أن عقد الاتفاق نص على أن مدير الشركة هو المستأنف عليه الأول إذ أن مجرد النص على أن يكون الشخص المذكور هو عهدة النقدية ليس معناه أنه مدير الشركة بل هو تخصيص أحد أعمال الإدارة وإسناده إليه دون الأعمال الأخرى، كما أن القول بأن المستأنف عليهم هم المديرون للشركة كما يستخلص من المادة السابعة التي نصت على أن المستأنف عليهم هم الذين عهد إليهم بعملية المشتريات هو استخلاص لا يدل وحده على أن المستأنفين لم يعهد إليهما بأعمال أخرى إذ أن نشاط الشركة غير مقصور على عملية المشتريات وحدها" - وهذا الذي جاء بالحكم تفسيراً لنصوص عقد الشركة سائغ ويستقيم معه التأدي إلى ما انتهى إليه من أن جميع الشركاء متضامنون في إدارة أعمال الشركة وأن ليس لأحد منهم أن يباشر عملاً ينجم عنه إضرار بمصالحها وأن النص بالعقد على أن المطعون عليه الأول هو عهدة النقدية لا يفيد أنه هو وحده ينفرد بجميع أعمال الإدارة دون الطاعنين وباقي المطعون عليهم وعلى ذلك يتعين رفض هذا الوجه.
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم بالسبب الثاني الخطأ في تطبيق القانون من وجهين - الأول - إذا اعتبر أقوال شاهد المطعون عليهم محمد الدسوقي النويهي بخصوص العمل الذي أسند إلى أحمد أفندي الفقي الشهير بلطفي (الطاعن الثاني) شهادة يصح التأسيس عليها قانوناً مع أن هذا الشاهد قرر أنه لا يعرف للطفي أفندي عملاً هناك وأنه سمع فقط أنه كان يشترك في فرز الحبوب من الشونة أيضاً. والثاني - إذ قضى بالإحالة على التحقيق ليثبت المطعون عليهم بكافة الطرق بما فيها البينة - أن الطاعنين قد تعهدا بمقتضى عقد الشركة بمباشرة الأعمال التي يقولون عنها مع أنه لا يجوز إثبات ما يخالف الثابت بعقد الشركة بالبينة فضلاً عن أن الطاعنين هما من غير التجار.
ومن حيث إن هذا السبب بوجهيه مردود - أولاً - بأنه لم يسبق للطاعنين أن تحدياً أمام قاضي الموضوع بأن شهادة الشاهد السابق الإشارة إليها سماعية وهي غير مقبولة رغم أخذ الحكم الابتدائي بها. ومردود - ثانياً - بأن الحكم التمهيدي الذي قضى بالإحالة على التحقيق استند فيما استند إلى أن عقد الشركة لم يحدد به نوع العمل الذي يقوم به كل من الشركاء وفقط نص في البند الخامس على أن جميع الشركاء متضامنون في العمل، ولما كان تفسير هذا الذي جاء بالبند المذكور مثار نزاع بين الطرفين، كانت المحكمة على صواب في الإحالة على التحقيق لاستجلاء حقيقية ما أبهم من مدلوله واستكناه قصد العاقدين منه، وليس في ذلك في ذلك مخالفة للقانون.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق