جلسة 30 من أبريل سنة 1979
برئاسة السيد المستشار مصطفى الفقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حافظ رفقي، محمود حسين حسن، دكتور سعيد عبد الماجد وعاصم المراغي.
-----------------
(229)
الطعن رقم 1231 لسنة 48 القضائية
(1) تعويض. مسئولية. "مسئولية تقصيرية".
إبلاغ الجهات المختصة بما يقع من الجرائم. حق مقرر لكل شخص. مساءلة المبلغ. شرطه. ثبوت كذب البلاغ وتوافر سوء القصد أو صدور التبليغ عن تسرع ورعونة.
(2 و3) مسئولية. "مسئولية تقصيرية". محكمة الموضوع. دعوى.
(2) تكييف الفعل بأنه خطأ. موجب للمسئولية التقصيرية. من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض.
(3) دعوى التعويض عن المسئولية التقصيرية. إقامتها على أساس خطأ معين نسبه المدعي إلى المدعى عليه. إقامة المحكمة قضاءها على خطأ واجب إثباته لم يدعه المدعي. خطأ.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 430 سنة 1974 مدني كلي أسوان ضد الشركة الطاعنة طلب فيها الحكم بإلزامها بأن تؤدي له مبلغ 3000 جنيه تعويضاً له عما أصابه من أضرار مادية وأدبية نتيجة تسرع ورعونة المسئولين بالشركة في إبلاغ النيابة العامة عن وجود عجز بعهدته قدروه بمبلغ 2217 جنيه و253 مليم فوجهت إليه النيابة العامة تهمة اختلاس أموال أميرية وقيدت الواقعة ضده برقم 132 سنة 1969 جنايات أسوان وأحالته إلى السيد مستشار الإحالة الذي قرر ندب ثلاث خبراء من وزارة العدل لمراجعة عهدته فقدموا تقريراً انتهوا فيه إلى عدم وجود العجز فأصدر السيد مستشار الإحالة قراراً بالأوجه لإقامة الدعوى الجنائية ولم تكتف الشركة بهذا الاتهام الباطل بل فصلته من عمله فأصابه من جراء ذلك كله أضراراً مادية وأدبية قدر التعويض عنها بالمبلغ المطالب به، دفعت الشركة الطاعنة تلك الدعوى بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 762 سنة 1968 مدني كلي أسوان كما دفعت بسقوط الحق فيها بالتقادم الحولي المنصوص عليه بالمادة 698 مدني وبتاريخ 14/ 10/ 1977 قضت محكمة أسوان الابتدائية برفض هذين الدفعين وبرفض الدعوى. استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 69 سنة 52 ق وبتاريخ 29/ 4/ 1978 قضت محكمة استئناف أسيوط "مأمورية أسوان" بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضده مبلغ ألف وخمسمائة جنيه. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك تقول أنه رغم اكتشاف العجز في عهدة المطعون ضده بتاريخ 6/ 11/ 1967 إلا أن مدير فرع الشركة الذي يعمل به لم يقم بإبلاغ النيابة إلا بتاريخ 21/ 4/ 1968 بعد أن قامت كل من إدارة حسابات الفرع بأسوان والإدارة العامة لحسابات الشركة بالقاهرة بمراجعة عهدة المطعون ضده وإقرارهما بوجود عجز، بعد أن أجرت الشركة تحقيقاً معه في شأن هذا العجز استغرق مدة تزيد على الأربعة أشهر، وهذا كله يدل بوضوح على انتفاء سوء النية لدى المسئولين بالشركة الذين أبلغوا النيابة عن واقعة العجز وتبين عنهم الرغبة في الكيد والانتقام من المطعون ضده، هذا فضلاً عن أن قيام الشركة بإجراء جرد العهدة خلال المدة من 9/ 7/ 1967 - تاريخ استلام المطعون ضده العمل بالفعل - حتى 6/ 11/ 1967 في حين أن مكتب خبراء وزارة العدل قام بإجراء الجرد عن الفترة من 1/ 7/ 1967 حتى 9/ 11/ 1967، لا يعتبر في حد ذاته خطأ موجباً للمسئولية سيما أن المطعون ضده لم يركن إلى هذه الواقعة في دعواه بل ركن في مساءلته للشركة الطاعنة على خطئها بتسرع المسئولين فيها بإبلاغ النيابة العامة، وإذا انتهى الحكم المطعون فيه إلى "وقوع خطأ من جانب الشركة الطاعنة فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن النص في المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية على أن (لكل من علم بوقوع جريمة ويجوز للنيابة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها) والنص في المادة 26 من القانون المشار إليه على أنه (يجب على كل من علم من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته بوقوع جريمة من الجرائم التي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ عنها فوراً النيابة العامة أو أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي) يدل على أن إبلاغ الجهات المختصة بما يقع من الجرائم - التي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية فيها بغير شكوى أو طلب يعتبر حقاً مقرراً لكل شخص وواجباً على كل من علم بها من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة أثناء وبسبب تأدية عملهم وذلك حماية للمجتمع من عبث الخارجين على القانون، ومن ثم فإن استعمال هذا الحق أو أداء هذا الواجب لا تترتب عليه أدنى مسئولية قبل المبلغ إلا إذا ثبت كذب الواقعة المبلغ عنها وأن التبليغ قد صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أبلغ عنه أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط، أما إذا تبين أن المبلغ كان يعتقد بصحة الأمر الذي أبلغ عن أو قامت لديه شبهات تبرر التبليغ فإنه لا وجه لمساءلته عنه، لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن مدير فرع الشركة الطاعنة بأسوان والذي يعمل المطعون ضده تحت إشرافه فيه قد أبلغ النيابة العامة في 21/ 4/ 1968 بواقعة اكتشاف العجز في عهدة الطعون ضده، وأن هذا التبليغ لم يقع فور اكتشاف العجز في نوفمبر سنة 1967 م بل جاء بعد أن تأكد له وجود العجز بعد مراجعة العهدة بمعرفة إدارة حسابات الشركة بأسوان ومراجعة إدارة الحسابات العامة للشركة بالقاهرة التي أقرت بدورها وجود العجز وبعد إجراء تحقيق مع المطعون ضده بمعرفة الشركة في أسباب هذا العجز، ومن ثم فلا تثريب على المبلغ إذا أبلغ النيابة العامة بواقعة اعتقد بصحتها وتوافرت له من الظروف والملابسات الدلائل الكافية والمؤدية إلى إقناعه بصحة ما نسب إلى المطعون ضده، ولما كان تكييف الفعل بأنه خطأ موجب للمسئولية التقصيرية يعتبر من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض، فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف النظر المتقدم ذكره واعتبر واقعة إبلاغ مدير فرع الشركة الطاعنة بأسوان عن هذا العجز الذي اكتشف في عهدة المطعون ضده مكوناً لركن الخطأ لانطوائه على تسرع ورعونة فإنه يكون قد أخطأ في القانون، ولما كان الحكم المطعون فيه قد ركن أيضاً في قضائه بمساءلة الشركة الطاعنة على مخالفتها للأصول المتبعة والأسس الحسابية السليمة بإغفالها وإسقاطها المدة من 1/ 7/ 1967 م حتى 9/ 7/ 1967 م من عملية جرد عهدة المطعون ضده وكان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده قد ركن في دعواه إلى تسرع الشركة الطاعنة في الإبلاغ ضده دون تحوط ولم ينع عليها بمخالفة الأسس الحسابية السليمة في عملية جرد عهدته، فإن الحكم المطعون فيه إذ ركن في قضاءه إلى تلك الواقعة يكون قد أخطأ في القانون ذلك أنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس لمحكمة الموضوع إقامة المسئولية التقصيرية على خطأ لم يدعه المدعي متى كان أساسها خطأ يجب إثباته إذ أن عبء إثبات الخطأ يقع في هذه الحالة على عاتق المدعي المضرور. لما كان ما تقدم فإنه وقد ثبت خطأ الحكم في الواقعتين المكونتين لركن الخطأ الذي أقام عليه مساءلة الشركة الطاعنة تقصيرياً فإن الحكم المطعون فيه يكون متعيناً نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه وكان الحكم الابتدائي قد أصاب صحيح القانون إذ قضى برفض دعوى المطعون ضده لانتفاء ركن الخطأ في جانب مدير فرع الشركة الطاعنة بأسوان الذي قام بالإبلاغ عن واقعة العجز في عهدة المطعون ضده الذي يعمل تحت إشرافه لاعتقاده بصحة هذه الواقعة وتوافر الدلائل والشبهات لديه على صحة تبليغه وأن رائده في التبليغ هو الحرص على أموال الشركة، فإنه يتعين رفض الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق