جلسة 11 من مارس سنة 1971
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.
------------------
(46)
الطعن رقم 369 لسنة 36 القضائية
(أ) إثبات. "القرائن القانونية". صورية. إرث. وصية.
طعن الوارث بصورية تصرفات المورث المضرة به. إثباته بكافة الطرق. للوارث عند عدم توافر شروط القرينة القانونية الواردة بالمادة 917 مدني. إثبات حيازة المورث للعين المتصرف فيها كقرينة من القرائن القضائية.
(ب). إثبات. "عبء الإثبات". نظام عام. دفوع.
قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام. النعي لأول مرة أمام محكمة النقض بنقل الحكم المطعون فيه لعبء الإثبات. غير جائز.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن السيدتين أمينة وزينب حسن وهبه جاد أقامتا الدعوى 37 سنة 1960 الجيزة الابتدائية ضد جوده وهبه وهبه جاد تطلبان الحكم بصحة ونفاذ العقد الصادر في 15 يوليه سنة 1958 من شقيقهما المرحوم حسن حسن وهبه ببيعه لهما 8 س و21 ط و1 ف بثمن قدره 2267 جنيهاً، وطعن المدعى عليه بجهالته توقيع مورثه وحلف اليمين التي أوجبها القانون، وبتاريخ 23/ 11/ 1961 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية الأولى وورثة الثانية أن التوقيع على عقد البيع قد صدر من المورث، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين عادت وبتاريخ 25 يناير سنة 1962 فحكمت برفض الدفع بالتجهيل وبصحة توقيع المورث، فطعن المدعى عليه بتزوير عقد البيع، وحكمت المحكمة في 15/ 2/ 1962 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى عليه أن العقد مزور، وبعد سماع شهود الطرفين تمسك المدعى عليه بأن التصرف موضوع الدعوى صدر في مرض الموت وبذلك يكون في حقيقته وصية ودلل على ذلك باستمرار وضع يد المورث على العين المبيعة حتى وفاته وبما ذكر في العقد من الوفاء بكامل الثمن من انتفاء الباعث على تجرد البائع من ملكه، وبتاريخ 28/ 11/ 1963 حكمت المحكمة برفض دعوى التزوير وبصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ في 15/ 11/ 1963 في حدود الثلث تأسيساً على ما ثبت لديها من أن المورث قصد بعقده أن يكون ساتراً لوصية، واستأنف المدعى عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه وبرفض الدعوى، وقيد هذا الاستئناف برقم 130 سنة 81 ق، كما استأنفه المدعون طالبين تعديله والحكم لهم بطلباتهم وقيد هذا الاستئناف برقم 199 سنة 81 ق، وبتاريخ 27 مارس سنة 1965 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المشترية الأولى وورثة الثانية أنهما دفعتا الثمن إلى البائع ووضعتا اليد على العين منذ الشراء حتى وفاة البائع وليثبت خصمهما العكس، وبعد أن تم التحقيق عادت وبتاريخ 7/ 5/ 1966 فحكمت برفض الاستئنافين وتأييد الحكم المستأنف. وطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنون على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليهما رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالأسباب الثلاثة الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وفي بيان ذلك يقولون إن عقد البيع قد وقع صحيحاً منجزاً بالنص فيه على إقرار المورث بقبضه الثمن كاملاً وبوضع المشتريتين اليد على العين المبيعة من تاريخ عقد البيع وبما ظهر من تقدم طرفا العقد إلى إدارة الشهر العقاري لاتخاذ إجراءات تسجيله ثم القضاء برفض الادعاء بتزويره وبصحته ونفاذه، مما كان يتعين معه إعمال أثر إقرار البائع في حق ورثته لأنه ملزم لهم ولكن الحكم المطعون فيه أهدر هذه الإقرار واعتبر العقد غير منجز ويخفي وصية معتمداً في ذلك على قرينة انتفاع المورث بالعين المبيعة حتى وفاته، في حين أن هذه القرينة على فرض قيامها، وعلى ما هو وارد بنص المادة 917 من القانون المدني تقتضي أن يستند انتفاع المورث بالعين المبيعة إلى حق ثابت لا يستطيع المتصرف إليهما تجريده منه كما إذا اشترط لنفسه حق المنفعة وعدم جواز التصرف في العين أو استئجارها مدى حياته أو عن أي طريق آخر مماثل، وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يلتفت إلى ذلك كما تغاضى عما هو ثابت بعقد البيع من وفاء المشتريتين بكامل الثمن ووضع يدهما على المبيع وكفلهما إثبات ذلك، فإنه يكون فضلا ً عن مخالفته القانون وخطئه في فهم وإدراك معنى التحايل على قواعد الإرث قد قلب قواعد الإثبات.
وحيث إن هذا النعي مردود في الشق الأول منه بأن ما ورد بالمادة 917 من القانون المدني لا يعدو أن يكون تقريراً لقيام قرينة قانونية لصالح الوارث تعفيه من إثبات طعنه على تصرفات مورثه التي أضرت به بأنها في حقيقتها وصية، إلا أنه لما كان لهذا الوارث أن يطعن على مثل هذا التصرف بكافة طرق الإثبات لما هو مقرر من أنه لا يستمد حقه في الطعن في هذه الحالة من المورث وإنما من القانون مباشرة، على أساس أن التصرف قد صدر إضراراً بحقه في الإرث الذي تتعلق أحكامه بالنظام العام فيكون تحايلاً على القانون، فإنه يكون للوارث عند عدم توافر شروط القرينة القانونية الواردة بالمادة 917 من القانون المدني أن يدلل بكافة طرق الإثبات على احتفاظ المورث بحيازة العين التي تصرف فيها كقرينة من القرائن القضائية يتوصل بها إلى إثبات مدعاه بأن المورث قصد أن يكون تمليك المتصرف إليه مضافاً إلى ما بعد الموت وبذلك لم يتخل له عن الحيازة التي يتخلى له عنها لو كان التصرف منجزاً، والقاضي بعد ذلك حر في أن يأخذ بهذه القرينة أو لا يأخذ بها شأنها في ذلك شأن سائر القرائن القضائية التي تخضع لمطلق تقديره. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه بأن التصرف الصادر من المورث قصد به الإيصاء، على القرينة التي استمدها من أن المورث تصرف بالعقد موضوع الطعن في كل ما يملكه، وكذلك إلى ما استظهره من التحقيق من أن المورث استمر يضع يده على الأرض موضوع التصرف حتى وفاته، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بأنه أخذ بالقرينة القانونية الواردة بالمادة 917 من القانون المدني دون توافر شروطها يكون على غير أساس. ومردود في الشق الثاني بأن الثابت من الأوراق أن الطاعنين قد ارتضوا الحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق في 27 من مارس سنة 1965 ونفذوه بسماع شاهدهم ولم يعترضوا على ذلك الحكم حتى صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 7 مايو سنة 1966، ولما كانت قواعد الإثبات ليست من النظام العام ويجوز الاتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً فإنه لا يجوز إثارة هذا النعي لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور، وفي بيان ذلك يقولون إن محكمة الاستئناف إذ أحالت الدعوى إلى التحقيق في 27/ 3/ 1965 لإثبات ونفي وضع اليد على الأرض المبيعة حتى وفاة البائع، وتقدم الطاعنون بشاهد واحد سرد الحكم المطعون فيه أقواله على أنها تتضمن أن المورث باع لأختيه أمينة وزينب - المشتريتين. 45 قيراطاً كان يزرعها معهما حتى توفي وأن هذا الشاهد فسر ذلك بقوله بأن اشتراك المورث معهما في زراعة الأرض استمر حتى مرض سنة 1958 ثم انفردت المشتريتان بزراعتها، ويقول الطاعنون إن هذا الذي سردته محكمة الاستئناف يؤخذ منه بوضوح أن المورث كان يزرع الأرض بنفسه قبل سنة 1958 أي قبل صدور عقد البيع منه لأختيه وأنه لم يضع اليد على الأرض بعد ذلك، ولكن الحكم المطعون فيه أخذ من هذه الشهادة أن البائع ظل واضعاً يده على الأرض المبيعة حتى وفاته وهو منه خطأ في الإسناد، هذا إلى أن الحكم المذكور عول في قضائه على شهادة شاهد المطعون عليهم أمام محكمة الاستئناف في نفي سداد ثمن المبيع وبثبوت وضع يد المورث على العين المبيعة من أن محكمة أول درجة كانت قد طرحت شهادة هذا الشاهد وهي بصدد الفصل في صحة العقد لتناقض شهادته، ومن ثم لم يكن لمحكمة الاستئناف أن تأخذ بهذه الشهادة.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقة الأول بأن هذا الذي قرره الشاهد - ونقله عنه الحكم المطعون فيه - بصدد اشتراك المورث في زراعة الأرض حتى وفاته مع تخلفه عن ذلك بسبب مرضه سنة 1958، لا تناقض فيه ولا ينفي استمرار وضع يد المورث بعد توقفه عن زارعة أرضه، لأنه لا يوجد ما يحول قانوناً من أن تكون الحيازة له دون أن يشترك في زراعتها بنفسه، وإذ أخذ الحكم مما سرده أن المورث ظل واضعاً يده على الأرض المبيعة حتى يوم وفاته فإنه لا يكون مخالفاً للثابت في الأوراق. ومردود في شقه الثاني بأن الثابت من الأوراق أن محكمة أول درجة عندما استمعت إلى أقوال شاهد المطعون عليهم كانت بصدد الفصل في الادعاء بتزوير توقيع المورث ببصمة ختمه على عقد البيع وإذ لم تطمئن إلى شهادته طرحتها، في حين أن محكمة الاستئناف استمعت إلى ذات الشاهد وهي بصدد الفصل في أمر وضع يد المورث على الأرض المبيعة حتى وفاته، لما كان ذلك وكانت كل من الواقعتين محل شهادة هذا الشاهد تختلف عن الأخرى، وكان لمحكمة الموضوع مطلق الحرية في تقدير أقوال الشهود وفي الأخذ ببعضها دون البعض الآخر، فإن النعي في حقيقته يكون جدلاً حول تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق