جلسة 16 من فبراير سنة 1971
برئاسة السيد المستشار الدكتور عبد السلام بلبع رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام.
-----------------
(32)
الطعن رقم 305 لسنة 36 القضائية
(أ) إصلاح زراعي. "الاستيلاء". "عدم الاعتداد بتصرفات المالك". بيع.
عدم ثبوت تاريخ البيع قبل صدور قانون الإصلاح الزراعي. أثره. اعتبار المتصرف فيه باقياً على ملك البائع فيما يختص بتطبيق أحكام الاستيلاء.
(ب) بيع. "انفساخ العقد". عقد. التزام. "تحمل تبعة الاستحالة" إصلاح زراعي.
انفساخ عقد البيع من تلقاء نفسه استحالة تنفيذ التزام أحد المتعاقدين لسبب أجنبي. عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد. تبعة الاستحالة على المدين بالالتزام عملاً بمبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين. استيلاء الإصلاح الزراعي على العين المبيعة لدى البائع. سبب أجنبي لا يعفي البائع من رد الثمن.
(ج) بيع. "هلاك المبيع". إصلاح زراعي.
الهلاك - في حكم المادة 437 مدني - هو زوال الشيء المبيع من الوجود بمقوماته الطبيعية. استيلاء الإصلاح الزراعي على الأطيان المبيعة لا يعد هلاكاً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام على الطاعنين الدعوى رقم 1095 سنة 1964 مدني كلي الجيزة وطلب الحكم بإلزامهم بأن يدفعوا له من تركة مورثهم المرحوم جميل محمد محرز مبلغ 1000 جنيه، وقال بياناً لدعواه أن مورث الطاعنين باعه بمقتضى العقد الابتدائي المؤرخ 28/ 12/ 1960 مساحة قدرها 11 فداناً بناحية برية حوش عيسى مقابل ثمن قدره 1760 جنيهاً قبض البائع منه مبلغ 1000 جنيه واتفق على دفع الباقي في آخر نوفمبر سنة 1961، وقبل حلول هذا الميعاد صدر القانون رقم 127 سنة 1961 في 25/ 7/ 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي وحدد الملكية الزراعية للفرد بما لا يزيد عن مائة فدان على أن تستولي الحكومة على ملكية ما يجاوز الحد الأقصى الذي يستبقيه المالك لنفسه وبعدم الاعتداد بتصرفات المالك ما لم تكن ثابتة التاريخ قبل العمل بالقانون سالف البيان، وقد قامت جهة الإصلاح الزراعي بالاستيلاء على القدر المبيع للمطعون عليه، واعترض مورث الطاعنين على هذا الاستيلاء أمام اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي وتدخل المطعون عليه في هذا الاعتراض طالباً الاعتداد بعقده وإلغاء قرار الاستيلاء، غير أنه قضى في 9/ 5/ 1964 برفض الاعتراض وعدم الاعتداد بالعقد، وإذ كان مؤدى قضاء هذه اللجنة أن أصبح تنفيذ العقد مستحيلاً من جانب مورث الطاعنين بالاستيلاء على القدر المبيع، فقد أقام دعواه بطلباته سالفة البيان. وقدم الطاعنون طلباً عارضاً بإلزام المطعون عليه بأن يؤدي لهم باقي الثمن وقدره 760 جنيهاً. وبتاريخ 13/ 5/ 1965 قضت المحكمة بإلزام الطاعنين بأن يدفعوا للمطعون عليه من تركة مورثهم المرحوم جميل محمد محرز مبلغ 1000 جنيه وبفسخ عقد البيع المؤرخ 28/ 12/ 1961 وبرفض الطلبات العارضة، استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد الاستئناف برقم 1132 سنة 82 ق، وبتاريخ 26 إبريل سنة 1966 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. قرر الطاعنون بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعنون بالثلاثة الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم أقام قضاءه بمسئولية مورثهم عن رد ما قبضه من ثمن العقار المبيع للمطعون عليه استناداً إلى أنه لم يحتفظ بهذا القدر ضمن المائة فدان التي احتفظ بها لنفسه طبقاً للمادة الأولى من القانون رقم 127 لسنة 1961 وأنه قد ترتب على ذلك استحالة تنفيذ عقد المطعون عليه، كما استند الحكم إلى أن عدم قيام المطعون عليه بتسجيل عقد البيع وتراخيه في إثبات تاريخه لا يترتب عليهما سقوط حقه في الضمان قبل البائع وأن هذه الأخير يضمن استحقاق المبيع ولو كان ذلك نتيجة لعمل من أعمال السلطة العامة وهو استيلاء جهة الإصلاح الزراعي على العقار المبيع، هذا في حين أن من حق مورث الطاعنين طبقاً للمادة الأولى من القانون رقم 127 سنة 1961 - بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي - أن يحتفظ لنفسه خاصة بملكية مائة فدان دون أن يدرج فيها القدر المبيع للمطعون عليه ولا يلتزم مورث الطاعنين برد ما قبضه من ثمن العقار المبيع نتيجة استيلاء الإصلاح الزراعي عليه، لأن التعويض الحاصل من أجنبي الذي يضمنه البائع قانوناً يجب أن يكون بسبب موجود وقت البيع كما لا يلتزم البائع بضمان التصرف الحاصل من أجنبي الذي ثبت حقه بعد البيع، إلا إذا كان سبب التعرض راجعاً لفعل البائع نفسه وبخطئه ولا يعتبر استيلاء الإصلاح الزراعي على العقار المبيع وهو عمل من أعمال السلطة العامة تعرضاً يضمنه البائع، وقد حصل الاستيلاء على العقار المبيع نتيجة لتراخي المطعون عليه في تسجيل عقد البيع أو إثبات تاريخه على الرغم من التزامه بذلك بمقتضى العقد واستلامه العقار المبيع ومستندات الملكية وتعهده بإتمام إجراءات التسجيل قبل صدور القانون رقم 127 سنة 1961، واستطرد الطاعنون إلى القول بأن الحكم قرر أن مورثهم كان يعلم بأن عقد البيع الابتدائي الصادر للمطعون عليه ليس ثابت التاريخ دون أن يقيم الحكم الدليل على صحة ما قرره، وكل هذا مما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الإصلاح الزراعي إنما يستمد حقه في الاستيلاء على ما يزيد عن القدر المسموح بتملكه قانوناً من البائع نفسه إذا كان البيع غير ثابت التاريخ قبل صدور قانون الإصلاح الزراعي، وذلك على أساس أن البائع هو الذي زادت ملكيته وقت العمل بقانون الإصلاح الزراعي عن هذا القدر وأن الاستيلاء الذي قامت به جهة الإصلاح الزراعي إنما يستهدف البائع للحد من ملكيته الزائدة عن الحد المسموح بتملكه قانوناً. لما كان ذلك وكان عقد البيع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدني بسبب استحالة تنفيذ التزام أحد المتعاقدين بسبب أجنبي، ويترتب على الانفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، ويتحمل تبعة الاستحالة في هذه الحالة المدين بالالتزام الذي استحال تنفيذه عملاً بمبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين، وكان الحكم قد أثبت أن التزام مورث الطاعنين بنقل ملكية العقار المبيع للمطعون عليه قد صار مستحيلاً بسبب استيلاء الإصلاح الزراعي عليه تنفيذاً لحكم القانون رقم 127 لسنة 1961 سالف البيان، فإنه يكون بذلك قد أثبت أن استحالة تنفيذ هذا الالتزام ترجع إلى سبب أجنبي. وإذ كان وقوع الاستحالة لهذا السبب الأجنبي لا يعفي البائع مورث الطاعنين من رد الثمن الذي قبضه من المطعون عليه بل إن هذا الثمن واجب رده في جميع الأحوال التي يفسخ فيها العقد أو ينفسخ بحكم القانون وذلك بالتطبيق لحكم المادة 160 من القانون المدني ويقع الغرم على مورث الطاعنين نتيجة تحمله التبعة في انقضاء التزامه الذي استحال عليه تنفيذه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون إذ قضى بإلزام الطاعنين برد الثمن الذي قبضه مورثهم من المطعون عليه، ويكون غير منتج دفاع الطاعنين بعدم وقوع خطأ من مورثهم وبإهمال المطعون عليه في تسجيل العقد أو إثبات تاريخه، كما يكون من غير المنتج ما يثيره الطاعنون من تعييبهم الحكم إذ قرر أن مورث الطاعنين كان عليه الاحتفاظ بالقدر المبيع ضمن المائة فدان التي احتفظ لنفسه بها، ويكون من غير المنتج كذلك أنه لم يقم الدليل على ما قرره من علم مورث الطاعنين بعدم ثبوت تاريخ عقد البيع الصادر للمطعون عليه، ما دام أن الحكم وعلى ما سلف البيان قد انتهى إلى نتيجة صحيحة قانوناً. لما كان ما تقدم فإن النعي برمته يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا بأنه بعد أن أصبح الاستيلاء على ما يزيد على مائة فدان يتم بغير مقابل طبقاً للقانون رقم 114 سنة 1964 فإن استيلاء جهة الإصلاح الزراعي على العقار المبيع للمطعون عليه يعتبر في حكم هلاكه هلاكاً كلياً وتقع تبعته عليه لحصول الاستيلاء بعد أن تم تسليم العقار المبيع للمطعون عليه، غير أن الحكم المطعون فيه اكتفى في الرد على هذا الدفاع بأنه لا سند له مما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الهلاك المنصوص عليه في المادة 437 من القانون المدني هو زوال الشيء المبيع من الوجود بمقوماته الطبيعية، وإذ لا يعد استيلاء الإصلاح الزراعي على الأطيان المبيعة بعد البيع هلاكاً لها تجرى عليه أحكام الهلاك في البيع، فإن ما يثيره الطاعنون لا يصادف محلاً، ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
(1) نقض 1/ 2/ 1966 مجموعة المكتب الفني. السنة 17. ص 205.
(2) نقض 22/ 2/ 1968 مجموعة المكتب الفني. السنة 19. ص 345.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق