جلسة 21 من ديسمبر سنة 1971
برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد، وأحمد ضياء الدين حنفي، ومحمود السيد المصري، وأحمد فتحي مرسي.
---------------
(180)
الطعن رقم 93 لسنة 37 القضائية
(أ، ب) موطن. "إثبات الموطن المختار". محل مختار. إثبات."طرق الإثبات". "الكتابة". إعلان."الإعلان في المحل المختار".
(أ) جواز اتخاذ الموطن التجاري موطناً مختاراً لتنفيذ عمل قانوني معين. تغيير الموطن التجاري في هذه الحالة لا يترتب عليه تغبير الموطن المختار لهذا العمل. ضرورة الإفصاح بالكتابة عن أي تغيير لهذا الموطن.
(ب) التعبير عن الإرادة. وصوله إلى من وجه إليه يعتبر قرينة على العلم به ما لم يثبت أنه لم يعلم به وقت وصوله وكان عدم العلم لا يرجع إلى خطأ منه. ترك الموطن المختار المبين في العقد دون الإخطار كتابة بتغييره. الإعلان في هذا الموطن صحيح ويرتب أثره من وقت وصوله.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن شركة النقل والهندسة (المطعون ضدها) تعاقدت في 12 يناير سنة 1960 مع الطاعن "السيد/ بشري مجلي" على أن يكون موزعاً لبيع الإطارات والأنابيب التي تنتجها مصانع الشركة، ونص في البند العاشر من العقد على أنه يسري لمدة سنة واحدة تنتهي في 31 ديسمبر سنة 1960 على أن يتجدد لمدة أخرى مماثلة إذا لم يخطر أحد الطرفين الآخر برغبته في عدم التجديد قبل انتهاء العقد بشهرين على الأقل على العنوان الموضح بصدر العقد، وظل هذا العقد يتجدد سنوياً حتى أرادت الشركة المطعون ضدها إنهاءه بنهاية ديسمبر سنة 1964، فأرسلت للطاعن كتاباً موصى عليه على العنوان الوارد في العقد إلا أن موزع البريد أشر عليه في 21 و31 أكتوبر سنة 1964 بأن المرسل إليه ترك المحل، وكانت الشركة قد أرسلت في ذات الوقت كتاباً مماثلاً للطاعن على العنوان الذي كان يتسلم فيه الإطارات موضوع التعاقد، وهو 12 شارع جامع شركس، ثم وجهت إليه إعذاراً على ذات العنوان في 9 نوفمبر سنة 1964 برغبتها في إنهاء العقد في نهاية سنة 1964، إلا أن الطاعن نازع الشركة حقها في إنهاء العقد، وأقام الدعوى رقم 1283 سنة 64 تجاري كلي القاهرة طالباً القضاء باستمرار تنفيذه سنة أخرى تبدأ من أول يناير سنة 1965 وتنتهي في آخر ديسمبر سنة 1965، وأسس الطاعن دعواه على أنه لم يتسلم سوى الإعذار المؤرخ 9 نوفمبر سنة 1964 الذي وجهته إليه الشركة بعد انتهاء الموعد المبين في العقد لإعلان الرغبة في عدم التجديد. دفعت الشركة المطعون ضدها الدعوى بأنها نفذت التزامها بالإخطار على العنوان المبين بالعقد، كما أرسلت للطاعن كتاباً آخر موصى عليه على العنوان الذي يتسلم فيه البضاعة موضوع التعاقد، وتقدمت بشهادة من منطقة بريد القاهرة بأن هذا الكتاب تم تسليمه للطاعن شخصياً في 29 أكتوبر سنة 1964 كما تقدم الطاعن بشهادة أخرى من هيئة البريد بأن هذا الكتاب تسلم بتوقيع غير ظاهر، وفي 30 يونيه سنة 1965 قضت محكمة القاهرة الابتدائية بإلزام الشركة المطعون ضده بأن تنفذ عقد البيع المؤرخ 12 يناير سنة 1960 لمدة سنة أخرى تبدأ من أول يناير سنة 1965. استأنفت الشركة المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف رقم 591 سنة 82 ق القاهرة، ومحكمة استئناف القاهرة قضت في 20 ديسمبر سنة 1966 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن. قرر الطاعن بالنقض في هذا الحكم في 18 فبراير سنة 1967، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن هذا الطعن أقيم على ثلاث أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه ذهب في قضائه إلى أن الطاعن، وقد اختار العنوان المبين بالعقد لإخطاره فيه بالرغبة في عدم تجديد التعاقد، فإنه يعتبر موطناً مختاراً لإتمام هذا الإجراء في معنى المادة 43 من القانون المدني، واشترط الحكم الكتابة لإثبات تغيير هذا الموطن، ورتب على ذلك اعتبار الإخطار الذي وجهته الشركة إلى الطاعن في هذا الموطن صحيحاً طالما أن الطاعن لم يخطرها كتابة بتغييره، وفات الحكم المطعون فيه أن عنوان الطاعن المبين في العقد كان موطنه التجاري الذي يباشر فيه تجارته، وأن الشركة المطعون ضدها تعلم بتغيير الطاعن لهذا الموطن كما هو ثابت من المكاتبات العديدة التي وجهتها إليه في موطنه التجاري الجديد، ولما كان الموطن التجاري هو الموطن الذي توجه فيه الإعلانات بالنسبة للأعمال المتعلقة بالحرفة أو التجارة، فإنه كان ينبغي على الشركة المطعون ضدها أن تخطره بعدم الرغبة في تجديد العقد في هذا الموطن الجديد. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
حيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه ليس في القانون ما يمنع من أن يتخذ الشخص من موطنه التجاري موطناً مختاراً لتنفيذ عمل قانوني معين، وفي هذه الحالة لا يترتب على تغيير الموطن التجاري تغيير الموطن المختار لهذا العمل ما لم يفصح صاحبه صراحة عن رغبته في تغييره، وإذ كانت المادة 43 من القانون المدني تشترط الكتابة لإثبات الموطن المختار، فإن أي تغيير لهذا الموطن ينبغي الإفصاح عنه بالكتابة. ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في هذا الصدد على أن الطرفين اتفقا في البند العاشر من عقد التوزيع المؤرخ 12 يناير سنة 1960 على أن يكون عنوان "شارع 26 يوليه رقم 8" هو العنوان الذي يجب على الشركة المستأنفة أن تعلن فيه عن رغبتها في عدم تجديد العقد قبل نهاية مدته بشهرين، ومن ثم يعتبر هذا الموطن مختاراً فيما قصره عليه المتعاقدان من الإخطار بإنهاء العقد وإذ رتب الحكم المطعون فيه على ذلك أن الإخطار الذي توجهه الشركة للطاعن في هذا الموطن يقع صحيحاً وسليماً، طالما أن الطاعن لم يخطرها بتغير هذا الموطن المختار، فإنه لا يكون قد خالف القانون، ولا يغير من ذلك ما يثيره الطاعن من علم الشركة المطعون ضدها بتغيير الطاعن لموطنه التجاري الوارد بالعقد طالما أن الطاعن لم يفصح كتابة عن إرادته في اتخاذ هذا الموطن الجديد موطناً مختاراً لتنفيذ الإجراء المتفق عليه في العقد.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن قيام الشركة المطعون ضدها بإرسال خطاب موصى عليه إلى الطاعن على موطنه المختار المبين في العقد، يكفي للتعبير عن إرادتها في إنهاء العقد وافترض الحكم وصول هذا التعبير إلى الطاعن ولو لم يصل إليه فعلاً، وفات الحكم المطعون فيه أن المادة 91 من القانون المدني صريحة في النص على أن التعبير عن الإرادة لا ينتج أثره القانوني إلا من الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه، ولما كان الثابت أن الخطاب الموصى عليه الذي أرسلته الشركة على العنوان المبين بالعقد لم يتسلمه الطاعن أو يعلم بما جاء فيه فإنه يكون معدوم الأثر قانوناً، ويكون الحكم المطعون فيه إذا اعتد بهذا الخطاب وبالإعذار الموجه للطاعن في 12 نوفمبر سنة 1964 بعد انقضاء الأجل المبين في العقد، ورتب على ذلك انتهاء العقد وعدم امتداده سنة أخرى قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مرود، ذلك أن وصول التعبير عن الإرادة إلى من وجه إليه يعتبر قرينة على العلم به، إلا إذا أثبت أنه لم يعلم به وقت وصوله، وكان عدم العلم لا يرجع إلى خطأ منه. ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الشركة المطعون ضدها قد أرسلت للطاعن في 28 أكتوبر سنة 1964 إخطاراً بالبريد المسجل على موطنه المختار المبين بالعقد مفصحة عن إرادتها في عدم تجديد التعاقد لمدة أخرى، وأن الطاعن هو الذي تسبب بخطئه في عدم العلم بمضمون هذا الإخطار عند وصوله في 29 أكتوبر سنة 1964 حيث ترك موطنه المختار المبين في العقد دون أن يخطر الشركة المطعون ضدها كتابة بتغييره، فإن الحكم المطعون فيه إذ أعمل الأثر القانوني لهذا الإخطار من وقت وصوله إلى الموطن المختار - فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه، ولا يغير من ذلك أن يكون الحكم قد اعتد كذلك بالإعذار الموجه إلى الطاعن في 12 نوفمبر سنة 1964 بعد فوات الميعاد المحدد بالعقد، ذلك أن الحكم أقام قضاءه وعلى ما سلف البيان على دعامة صحيحة تكفي بذاتها لحمله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق