جلسة 25 من أبريل سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
------------------
(72)
الطعن رقم 1800 لسنة 29 القضائية
قتل عمد. الظروف المشددة للعقوبة: اقتران القتل بجناية: شروط ذلك.
استقلال الجناية الأخرى عن جناية القتل وعدم اشتراكها معها في أي عنصر من عناصرها ولا أي ظرف من ظروفها المشددة للعقوبة. تحقق ظرف الإكراه في السرقة بفعل القتل يحقق ارتباط جناية القتل بجنحة - لا اقترانه بجناية. خطأ الحكم في هذا التكييف - متى لا يؤثر في سلامة الحكم؟
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها قتلت المجني عليها عمداً ومع سبق الإصرار بأن بيتت النية على قتلها واستدرجتها إلى منزلها ولما خلت بها خنقتها بيديها قاصدة قتلها فأحدثت بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها، وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنها في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقت المصوغات المبينة وصفاًًًًً وقيمة بالتحقيقات للمجني عليها وكان ذلك بطريق الإكراه الواقع عليها بأن أحدثت بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية وتمكنت بهذه الوسيلة من الإكراه من السرقة، الأمر المنطبق عقابه على نص المادة 314/ 1 - 2 من قانون العقوبات. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالة المتهمة المذكورة إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها بالمواد 230 و231 و234/ 2 من قانون العقوبات. فصدر قرارها بذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضورياًًًًً - عملاًًًًً بمواد الاتهام - بمعاقبة المتهمة بالإعدام شنقاًًًًً. فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
وحيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم عملاًًًًً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض بعد ميعاد الأربعين يوماً المنصوص عليه في المادة 34 من هذا القانون إلا أن تجاوز الميعاد المذكور لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، ذلك بأن الشارع إنما أراد بتحديده مجرد وضع قاعدة تنظيمية وعدم ترك الباب مفتوحاًًًًً إلى غير نهاية والتعجيل بعرض الأحكام الصادرة بالإعدام على محكمة النقض في كل الأحوال متى صدر الحكم بالإعدام حضورياًًًًً، ولو أن النص بصورته الراهنة لا يحقق الغرض الذي يهدف إليه واضعه والذي أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية من أن مراد الشارع من النص هو تحقيق المصلحة العامة بحيث أصبح واجباً على النيابة أن تلتزم هذا العرض، ويلاحظ أن تقييد عرض قضاياً الإعدام بميعاد الأربعين يوماًًًًً قد ينتقص من المهلة الممنوحة للنيابة العامة وللمحكوم عليه وسائر أطراف الدعوى الجنائية للطعن بطريق النقض، مما يستلزم بقاء الأوراق بقلم الكتاب طوال مدة الأربعين يوماً حتى ينتهي الميعاد المذكور. وعلى أي الأحوال فإن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها طبقاًًًًً للمادة 46 سالفة الذكر وتفصل فيها لتستبين عيوب الحكم من تلقاء نفسها - سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم، وسواء قدمت منها قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده، وذلك درءاًًًًً للشبهة بين حق النيابة وواجبها - حقها في الطعن بطريق النقض في الحكم بوصف أنها خصم عام، وواجبها في أن تعرض القضية طبقاًًًًً للمادة 46 المذكورة.
وحيث إن الحكم الصادر في هذه الدعوى قد بين واقعتها في قوله: "إن المتهمة فتوح أيوب أيوب (المحكوم عليها) بيتت النية على قتل الطفلة السيدة محمد عليوة الشهيرة بسهير عمداً وصممت على قتلها وذلك بقصد سرقة مصوغاتها وأعدت لتنفيذ الأمر عدته فعملت على استدراجها إلى منزلها بأن أوفدت ابنتها عطيات إليها في مدرستها مرتين (قبل الحادث بأربعة أيام) لتطلب منها أن تحضر إلى منزلهم للعب معها وإخوتها وفي حوالي الساعة الواحدة من مساء يوم 25 سبتمبر سنة 1958 نادت المتهمة وابنتها عطيات المجني عليها حيث كانت في منزل أسرتها المجاور لمنزل المتهمة فلبت المجني عليها النداء وقصدت إلى منزل المتهمة وأخذت تلاعب أولادها حتى دخلوا حمام المسكن للاغتسال، وعندما انتهوا منه بدأت المجني عليها في غسل رأسها تحت الصنبور فبادرت المتهمة في انتهاز هذه الفرصة لتنفيذ ما اعتزمت وصممت عليه فأطبقت بيديها على عنقها لخنقها فحاولت المجني عليها أن تستدر عطف المتهمة وتستثير حنانها وتردها عما همت به بأن قالت لها إنها بمثابة ابنتها فذهبت محاولتها سدى وهي محاولة من شأنها أن تذيب قلب الجماد وأن تلين قلب أم أحست بعاطفة الأمومة ومن طبيعتها الحنان ورقة الشعور واستمرت المتهمة فيما بدأته حتى أتمته وزادت من الضغط على عنقها حتى أزهقت روحها ولم تتركها إلا بعد أن لفظت أنفاسها الأخيرة، ورغبة منها في التحقق من موتها خلعت عنها ثوبها (جاكتة) ولفته حول عنقها للتأكد من عدم عودتها للحياة على حد تعبيرها ثم خلعت من الجثة الحلي التي كانت تتحلى بها (وهي سواران وقرط وخاتم من الذهب) ثم دست الجثة في غرارة حملتها وغادرت المنزل مصطحبة أولادها فقابلتها بباب المنزل روحية محمود خليفة (أم المجني عليها) وسألتها عن ابنتها فأجابتها بأنها انصرفت بعد أن قضت بعض الوقت مع أولادها وأنها بدورها منصرفة لأنها تلقت برقية تفيد أن خالتها في خطر بالمستشفى، ثم سارت تحمل الغرارة وبها الجثة واستقلت سيارة أجرة حتى بلغت ناحية (العامود) لتلقي فيها بالجثة ولكن حال دون ذلك خوفها لوجود بعض الرجال فحملت الجثة ثانية وسارت إلى زقاق حيث استعارت من إحدى ساكناته سلة وضعت فيها الغرارة ثم حملتها إلى شارع الحويت بقسم اللبان حيث ألقتها أرضاً وجلست هي وأولادها بجوارها حيث ناولتها صبيحة حسن علي شربة ماء، وعندما تحققت من خلو الشارع من المارة وكذا من خلو النوافذ تركت الغرارة وفيها الجثة وانصرفت إلى حانوت الصائغ توفيق واصف تادرس الذي باعته الحلي المسروقة بثمن 10 جنيهات و600 مليم استلمتها وأنفقت منه مبلغ عشرة قروش وأخفت الباقي بحذاء ابنها "السيد" ثم قفلت راجعة إلى منزلها فقابلت روحية (أم المجني عليها) التي اقتادتها إلى نقطة بوليس المفروزة للإبلاغ عن غيبة المجني عليها وأثناء وجودهم في النقطة علموا بالعثور على جثة المجني عليها بقسم اللبان فشهد أبناء المتهمة (السيد وصابر وأنعام) أن أمهم قتلت المجني عليها خنقاًًًًً وسرقت مصاغها، وعند ذاك أدلت المتهمة باعترافها مفصلاًًًًً بمقارفتها الجريمة وعللت الإدلاء بهذا الاعتراف بسبق شهادة أولادها ضدها". وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من اعتراف المتهمة ومن أقوال شهود الإثبات ومن تقرير الصفة التشريحية وهي أدلة مردودة إلى أصلها في الأوراق وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، كما استظهر الحكم نية القتل وظرف سبق الإصرار واستخلصهما استخلاصاًًًًً سائغاًًًًً. لما كان ذلك، وكانت هذه المحكمة تلاحظ من ناحية القانون أن واقعة السرقة - كما أثبتها الحكم على الصورة المتقدم ذكرها - يصدق عليها قانوناًًًًً وصف جناية السرقة بالإكراه - ولو أن الإكراه لم يقع بفعل آخر غير فعل القتل - وأنه وإن كان كل من جنايتي القتل العمد والسرقة بالإكراه يمكن تصور قيامه إذا ما نظر إليه مستقلاًًًًً عن الآخر - إلا أنه إذا نظر إليهما معاًًًًً تبين أن هناك عاملاًًًًً مشتركاًًًًً بينهما، وهو فعل الاعتداء الذي وقع على المجني عليها - فإنه يكون جريمة القتل ويكون في الوقت نفسه ركن الإكراه في السرقة، ولما كان الشارع في المادة 234 من قانون العقوبات بفقرتيها الثانية والثالثة قد جعل من الجناية المقترنة بالقتل العمد أو من الجنحة المرتبطة به ظرفاًًًًً مشدداًًًًً لجناية القتل التي شدد عقابها في هاتين الصورتين، ففرض عقوبة الإعدام عند اقتران القتل بجناية، والإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة عند ارتباطه بجنحة، ومقتضى هذا أن تكون الجناية المقترنة بالقتل مستقلة عنه وألا تكون مشتركة مع القتل في أي عنصر من عناصره ولا أي ظرف من ظروفه التي يعتبرها القانون عاملاًًًًً مشدداًًًًً للعقاب - فإذا كان القانون لا يعتبرها جناية إلا بناءً على ظرف مشدد وكان هذا الظرف هو المكوّن لجناية القتل العمد، وجب عند توقيع العقاب على المتهمة أن لا ينظر إليها إلا مجردة عن هذا الظرف، ومتى تقرر ذلك فإن عقاب المتهمة يكون طبقاًًًًً لنص المادة 234/ 3 من قانون العقوبات - لا المادة 234/ 2 من نفس القانون التي أعمل نصها الحكم، وترى هذه المحكمة أن ما انتهى إليه الحكم في التكييف القانوني واعتباره القتل مقترناًًًًً بجناية السرقة بالإكراه وإن كان يخالف وجهة النظر سالفة الذكر، إلا أن ذلك لا يؤثر في سلامة الحكم، ذلك بأن عقوبة الإعدام التي قضى الحكم بها مقررة أيضاًًًًً لجناية القتل المرتبطة بجنحة، كما هي مقررة أيضاً للقتل العمد مع سبق الإصرار الذي أثبته الحكم في حق الطاعنة - فإذا رأت المحكمة توقيع هذه العقوبة للظروف والملابسات التي بينتها في أسباب الحكم، فإن قضاءها يكون سليماًًًًً. لما كان كل ما تقدم، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دينت بها المحكوم عليها وجاء خلواًًًًً من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وقد صدر من محكمة مشكلة وفقاًًًًً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير مما انتهى إليه الحكم بالنسبة إلى المحكوم عليها، فإنه يتعين إقرار الحكم بالنسبة إليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق