جلسة 17 من مايو سنة 1960
برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
----------------
(89)
الطعن رقم 1735 لسنة 29 القضائية
شروع.
التمييز بين التحضير والبدء في التنفيذ. الضابط الشخصي. ما يحقق الشروع في جناية تزييف المسكوكات. مثال.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: الأول بصفته موظفاً عمومياً "براداً بالمصنع الحربي رقم 63 بحلوان" استولى بغير حق على مال للدولة بأن اختلس السبائك المعدنية المبينة بالمحضر من المصنع الذي يعمل به، والمتهمان الأول والثاني شرعا في تزييف عملة معدنية متداولة قانوناًًًًً في مصر بأن اصطنعا بطريق الصب قطعتين معدنيتين من فئة القرشين على غرار القطعة الصحيحة وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه هو عدم إحكامهما التقليد، وطلبت إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 45 و46 و111 و113 و118 و119 و202/ 2 من قانون العقوبات. ومحكمة الجنايات قضت حضورياًًًًً عملاًًًًً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و32/ 2 من القانون نفسه للأول بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما أسند إلى كل منهما وبعزل المتهم الأول وتغريمه مبلغ خمسمائة جنيه وبمصادرة الأدوات والعملة المزيفة المضبوطة. فطعن المتهمان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه جاء مشوباً بالقصور والتخاذل، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام المحكمة بانتفاء صلته بما ضبط بالحقيبة وبقيام حالة الشيوع المستفادة من اعتراف المتهم الثاني بوضع ملابسه بهذه الحقيبة، فلم يرد الحكم على هذا الدفاع - كما التفت عن إصابته وهو يرد على ما دفع به من أن اعترافه كان وليد إكراه وقع عليه مكتفياً بقوله إنه لم يثبت أن اعتداءً وقع عليه.
وحيث إن دفاع الطاعن بقيام حالة الشيوع في التهمة هو دفاع موضوعي لا تلزم المحكمة بالرد عليه استقلالاًًًًً اكتفاءً بأخذها بما توفر من أدلة الإثبات ومن هذه الأدلة - في خصوص هذه الدعوى - اعتراف صدر من الطاعن بمحضر ضبط الواقعة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على دعوى الإكراه الواقع على الطاعن لحمله على الاعتراف بأنه لم يثبت أن إكراهاًًًًً وقع عليه بقصد حمله على الاعتراف، فلا محل للمجادلة في هذا الأمر الذي فصلت فيه محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية، ومن ثم فإن هذا الطعن يكون على غير أساس متعيناًًًًً رفضه موضوعاًًًًً.
وحيث إن الطاعن الثاني ينعى على الحكم المطعون فيه أنه بني على غير الثابت بالأوراق فقد استند في الإدانة إلى ما قاله من "اعتراف المتهمين في التحقيقات" في حين أن اعترافاًًًًً لم يصدر منه في التحقيقات وكل ما صدر منه قاصر على التسليم بأنه وضع ملابسه بحقيبة ملابس الطاعن الأول وبأن بعض المضبوطات وهي "الجبس والكور والكبشة" قد عثر عليها بمنزله وهذا لا يعتبر اعترافاًًًًً بالتهمة كالاعتراف المفصل الصادر من الطاعن الأول - على أن الحكم ذهب في موضع آخر إلى القول بأنه - أي هذا الطاعن - قد أنكر التهمة فانطوى بذلك على تناقض يعيبه، ويضيف الطاعن بأنه دفع أمام المحكمة بأن ما وقع لا يعتبر شروعاًًًًً في الجريمة المنسوبة إليه ولا يتعدى - بفرض صحته - حدود الأعمال التحضيرية - فرد الحكم على ذلك بأن الثابت من تقرير قسم أبحاث التزييف أنه قد بدأ فعلاًًًًً بالتزييف وأن إيقاف التنفيذ كان لسبب خارج عن إرادة المتهمين هو ضبطهما متلبسين - ذلك مع أن الرد على هذا الدفع لا يكون بالاستناد إلى تقرير قسم أبحاث التزييف وإنما يكون بالرجوع إلى حكم القانون والمتهمان لم يضبطا في حالة تلبس كما قال الحكم وقد اقتصر التزييف على قطعتين من العملة أثبت التقرير المشار إليه أن تزييفهما كان بدرجة رديئة يسهل معها على الشخص العادي تبين حقيقته مما يصح معه القول بأن ما تم لم يتعد حدود التجربة وهي من الأعمال التحضيرية التي يمكن العدول عنها، هذا إلى أن المحكمة استندت في إدانته إلى اعترافه بضبط الكور والكبشة والجبس بمسكنه دون أن تبين الصلة بين هذه المضبوطات وبين الجريمة ولم تبين كذلك ما لهذه المضبوطات من أثر في عقيدتها وخاصة وأن للطاعن حرفة تستلزم وجود مثل هذه المضبوطات لديه وهي ليست من مستلزمات الجريمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم لم يسند إلى الطاعن اعترافاًًًًً بالتهمة كما جاء بأسباب طعنه فلا وجه لما يدعيه من قالة الخطأ في الإسناد والتناقض. ولما كان الحكم قد أثبت بما ساقه من أدلة وبما حصله من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن عملية التزييف قد بدأت باستخدام قوالب أعدت لذلك وأن قطعتين من فئة القرشين قد صنعتا على غرار القطع الصحيحة وإن كان تزييفهما رديئاً بحيث يسهل على الشخص العادي تبين حقيقتهما وأن قالبين وجدا بمنزل الطاعن الأول حيث عثر على القطعتين المزيفتين وأن قالبين آخرين عثر عليهما بالحقيبة التي كان يحملها يوم الضبط - مما يدل على استمرار المحاولة - كما ضبطت سبائك تماثل في تكوينها الكيماوي السبيكة التي استعملت في صنع القطعتين المزيفتين وأثبت كذلك أن ضبط المتهمين هو الذي حال دون إتمام الجريمة، وخلص الحكم من هذا إلى أن هذه الأعمال تكون الشروع في الجريمة كما هو معرف به في القانون ولا تقف عند حد الأعمال التحضيرية. لما كان ما تقدم، وكان تحضير الأدوات والسبائك اللازمة للتزييف واستعمالها بالفعل في إعداد العملة الزائفة التي لم تصل إلى درجة من الإتقان تكفل لها الرواج في المعاملة هو - في نظر القانون - من أعمال الشروع المعاقب عليه قانوناًًًًً إذ أن الطاعنين بهذا قد تعديا مرحلة التفكير والتحضير وانتقلا إلى دور التنفيذ بحيث لو تركا وشأنهما لتمت الجريمة في أعقاب ذلك مباشرة. لما كان كل ذلك، وكان ما أثاره الطاعن خاصاًًًًً بقصور الحكم في التدليل على قيام الصلة بين الأدوات المضبوطة بمنزله وبين الجريمة - على الرغم مما أثبته نقلاًًًًً عن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن جميع الأدوات المضبوطة على ذمة القضية - وهذه المضبوطات من بينها - هي مما تستعمل في الجريمة - وكذلك ما ادعاه من أن عمل الطاعن يستلزم وجود مثل هذه المضبوطات لديه دون بيان لوجه اتصالها بعمله، وما أبداه من أن وجودها في ذاته لا يصلح دليلاًًًًً عليه، كل هذا لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاًًًًً موضوعياًًًًً لا يقبل منه أمام هذه المحكمة، ومن ثم فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناًًًًً رفضه موضوعاًًًًً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق