الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 نوفمبر 2024

الطعن 2048 لسنة 29 ق جلسة 17/ 5/ 1960 مكتب فني 11 ج 2 ق 91 ص 477

جلسة 17 من مايو سنة 1960

برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.

-----------------

(91)
الطعن رقم 2048 لسنة 29 القضائية

قضاة. نقض.
منع القضاة من نظر الدعوى: ما لا يعد من أسباب عدم الصلاحية.
قضاء المحكمة ضد المتهم في دعوى أخرى.
رد القضاة:
وجوب الادعاء بأسبابه أمام محكمة الموضوع بالطريق المقرر قانوناً. عدم جواز التمسك بسبب منها لأول مرة لدى محكمة النقض.
استئناف. وصف التهمة.
استئناف المدعي بالحقوق المدنية: آثاره.
سلطة المحكمة الاستئنافية في إعطاء الوقائع الثابتة في الحكم الابتدائي الوصف القانوني الصحيح.
عدم تقيد المحكمة بوصف الواقعة المعطى لها من النيابة أو المدعي بالحق المدني. ما دامت لم تسند للمتهم أفعالاً جديدة.
انتهاك حرمة ملك الغير. جريمة المادة 369/ 1 ع.
عناصر الواقعة الإجرامية: الحيازة. ماهيتها.
هي الحيازة الفعلية طالت مدتها أو قصرت.
المسئولية والعقاب: القصد الجنائي: متى يتوافر؟
عدم اشتراط استعمال القوة بالفعل. يكفي أن يكون المتهم قصد المنع بالقوة.

---------------------
1 - قضاء المحكمة في دعوى أخرى ضد المتهم ليس من شأنه أن يقيدها بشيء وهي بصدد الفصل في الدعوى المطروحة، ولا يعد من بين أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية والتي يحظر فيها على القاضي الذي يقوم به أحد هذه الأسباب أن يجلس للفصل في الدعوى وذلك درءاً لشبهة تأثره بصالحه الشخصي أو بصلة خاصة أو برأي سبق له أن أبداه في الدعوى ذاتها صوناً لمكانة القضاء وعلو كلمته في أعين الناس.
2 - من المقرر أنه إذا قام بالمحكمة سبب من أسباب الرد غير أسباب عدم الصلاحية فإن القانون رسم للمتهم طريقاً معيناً لكي يسلكه في مثل هذه الحالة أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الموضوع - فإن لم يفعل فليس له أن يثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - استئناف المدعي بالحق المدني وحده وإن كان ينصرف إلى الدعوى المدنية فحسب دون الجنائية إلا أنه يعيد طرح الواقعة - بوصفها منشأ الفعل الضار المؤثم قانوناً - على محكمة الدرجة الثانية التي تملك إعطاء الوقائع الثابتة في الحكم الابتدائي الوصف القانوني الصحيح دون أن توجه إلى المتهم أفعالاً جديدة غير مقيدة في ذلك بالوصف الذي تعطيه النيابة أو المدعي بالحق المدني عند تحريك دعواه مباشرة أمام المحاكم الجنائية.
4 - تسبغ المادة 369 من قانون العقوبات في فقرتها الأولى - الحماية على حائز العقار الفعلي من اعتداء الغير على هذه الحيازة طالت مدتها أو قصرت، ولا يشترط أن تكون قد استعملت بالفعل قوة في منع الحيازة - بل يكفي أن يكون المتهم قد دخل العقار الذي في حوزة الغير أو بقى فيه بقصد منع حيازة حائزه بالقوة.


الوقائع

أقام المدعي بالحق المدني (المطعون ضده) هذه الدعوى مباشرة أمام المحكمة الجزئية ضد المتهم (الطاعن) بعريضة قال فيها أنه أتلف عمداً السور المقام حول أرضه وأزاله باعتباره حداً بين ملكه وملك المتهم بقصد اغتصاب أرضه وخرب السور والكابينة. وطلب عقابه بالمادتين 358 و361 من قانون العقوبات مع القضاء له بمبلغ 51 جنيهاً بصفة تعويض مؤقت، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم (الطاعن) ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها بالمصروفات. فاستأنف المدعي بالحق المدني هذا الحكم، والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المدعى عليه (الطاعن) بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف المدنية عن الدرجتين. فطعن المتهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على بطلان وقصور في التسبيب كما أخطأ في تطبيق القانون حين دان الطاعن بجريمة انتهاك حرمة ملك الغير بالقوة وذلك لعدم صلاحية الهيئة التي أصدرته للفصل في الدعوى لسبق فصلها ضد الطاعن في قضية مماثلة هي القضية رقم 2208/ 1957 جنح مستأنف الإسكندرية المحكوم فيها بجلسة 11 يناير سنة 1958 وذلك بناءً على المستندات ذاتها التي قدمها الطاعن في الدعوى المطروحة والتي سبق أن أبدت الهيئة في الدعوى السابقة رأيها فيها بأن مبناها الغش والتضليل وجرحت مسلك الطاعن في تحقيقات الدعوى المذكورة وهو ما رددته بألفاظه في الحكم المطعون فيه مما كان يتعين عليها معه أن تتنحى عن نظر الدعوى من تلقاء نفسها - أما وهي لم تفعل على الرغم من استلفات نظرها إلى ذلك فإن حكمها يكون باطلاً طبقاً لنص المادة 314 من قانون المرافعات في المواد المدنية. كما أن الحكم المطعون فيه قد أشار عند إيراده واقعة الدعوى إلى أن الطاعن قدم حافظة مستندات فيها عقد مسجل في سنة 1945 يفيد ملكيته لمساحة قدرها 300 ذراع وعقد آخر مسجل في سنة 1946 يفيد ملكيته لمساحة قدرها 220 ذراعاً في الأرض موضوع النزاع فضلاً عن الحكم رقم 1425/ 1951 كلي الإسكندرية القاضي بإثبات التعاقد عن مساحة قدرها فدان و20 قيراطاً و17 سهماً، غير أن الحكم عاد بعدئذ وقرر أن الطاعن وقت التعرض لم يكن له سند إلا حكم إثبات التعاقد الذي لم يضع يده على محله مهدراً بذلك دلالة العقدين المسجلين سالفي البيان المثبتين لملكية الطاعن لمساحة تجاوز ضعف المساحة التي يمتلكها المدعي بالحق المدني بالعقد الرسمي المؤرخ 21 أكتوبر سنة 1951 وقدرها 205 ذراعاً فقط، وقد اقترن شراء الطاعن لما يملكه بوضع اليد بدليل إقامته مبان على الأرض قدم عنها قسائم العوائد التي أشار إليها الحكم. هذا إلى أن الحكم طبق على الواقعة المادة 369 من قانون العقوبات معدلاً بذلك الوصف الذي جرت عليه المحاكمة أمام محكمة أول درجة والتي انتهت بتبرئة الطاعن منه، وذلك دون أن يستظهر أركان الجريمة التي دانه بها من عناصر تنتجها إذ أنه بالنسبة إلى ركن الحيازة فإنه يبين من مقارنة مستندات الطاعن والمطعون ضده أن الأخير لم تتوافر له الحيازة لمدة سنة كاملة على الأقل منذ استلم الأرض بتاريخ 26 ديسمبر سنة 1951 نفاذاً لعقد ملكيته الرسمي المؤرخ 26 أكتوبر سنة 1951 في حين أن الطاعن قدم محضر تسليم رسمي تاريخه 13 سبتمبر سنة 1952 تنفيذاً للحكم رقم 1425 سنة 1951 كلي الإسكندرية مما يعكر حيازة المدعي بالحق المدني تعكيراً قانونياً قبل انقضاء مدة السنة وهي المدة التي يحميها القانون المدني والتي بدونها لا تقوم حماية قانون العقوبات. ولا يسعف الحكم ما ذهب إليه من وجوب العقاب في حالة التعرض لمن سلم إليه العقار بمقتضى محضر تسليم رسمي لأن إضفاء هذه الحماية على محضر التسليم لا تتصور إلا إذا حصل التسليم تنفيذاً لحكم صادر ضد المحكوم عليه إذ أن الأحكام ومحضر التسليم المنفذة لها ليست ملزمة للكافة بل هي حجة فقط بين الخصوم فلا تتعداهم إلى سواهم - أما عن ركن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها فإن المدعي بالحق المدني لم يكن هو المبلغ عن الواقعة إذ بدأ التحقيق ببلاغ قدمه وديع يوسف بتاريخ 27 أبريل سنة 1953 ولو أن قوة استعملت في حق المدعي بالحق المدني أو كان هو موضع التهديد باستعمالها لقام من فوره بالتبليغ، بل إن المحقق طلب إلى المبلغ في ختام محضر المعاينة التي أجراها يوم التبليغ إحضار المدعي بالحق المدني فوعد بإحضاره وسمعت أقواله في اليوم التالي فاقتصر على القول بأنه علم من المبلغ ومن الخفير حمودة صالح أن الطاعن اعتدى على أرضه بهدم جزء من السور المحيط بها وكسر "الكابينة" التي كانت بها وهذا القول لا يكفي لتوافر ركن القوة التي يقصد بها في خصوص هذه الجريمة ما يقع على الأشخاص لا على الأشياء، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد جانب التطبيق القانوني الصحيح واعتوره البطلان والقصور مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الدعوى الجنائية أقيمت على الطاعن بالطريق المباشر بناءً على طلب المدعي بالحق المدني أمام محكمة الرمل الجزئية لاتهامه بإتلاف سور وكابين مملوكين له عمداً بقصد اغتصاب الأرض، وبتخريبه بقصد الإساءة أموالاً ثابتة ومنقولة لا يمتلكها وجعلها غير صالحة للاستعمال، وطلب عقابه بالمادتين 358 و361/ 2 من قانون العقوبات مع إلزامه بأن يدفع له 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنح الرمل الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 15 يونيه سنة 1957 ببراءة الطاعن ورفض الدعوى المدنية وألزمت رافعها المصاريف ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة، فاستأنف المدعي بالحق المدني هذا الحكم بالنسبة إلى حقوقه المدنية، ولدى نظر الدعوى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية قدم الحاضر عن المدعي بالحق المدني مذكرة بجلسة 4 أكتوبر سنة 1958 عدل فيها الوصف على اعتبار أن الواقعة تعتبر دخولاً بأرضه بقصد منع حيازته بالقوة طبقاً للمادتين 369/ 1، 373 من قانون العقوبات فاعترض الحاضر عن الطاعن على قبول الوصف الجديد وأجلت المحكمة الحكم ثلاثة أسابيع وصرحت لمن يشاء بتقديم مذكرات في خلال أسبوعين ثم مدت المحكمة أجل الحكم لجلسة 6 ديسمبر سنة 1958 حيث أصدرت حكمها بإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المدعي بالحق المدني مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف المدنية عن الدرجتين ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة انتهاك حرمة ملك الغير بدخوله عقاراً في حيازة المدعي بالحق المدني بقصد منع حيازته بالقوة التي دانه بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وكان قضاء المحكمة في دعوى أخرى ضد الطاعن ليس من شأنه أن يقيدها بشيء وهي بصدد الفصل في الدعوى المطروحة ولا يعد من بين أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية والتي يحظر فيها على القاضي الذي يقوم به أحد هذه الأسباب أن يجلس للفصل في الدعوى وذلك درءاً لشبهة تأثره بصالحه الشخصي أو بصلة خاصة أو برأي سبق له أن أبداه في الدعوى ذاتها اصطياناً لمكانة القضاء وعلو كلمته في أعين الناس، هذا إلى أنه من المقرر أنه إذا قام بالمحكمة سبب من أسباب الرد غير أسباب عدم الصلاحية فإن القانون رسم للمتهم طريقاً معيناً لكي يسلكه في مثل هذه الحالة أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الموضوع - فإنه إن لم يفعل كما هو الحال في الدعوى فليس له أن يثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أشار إلى مستندات كل من الطاعن والمطعون ضده وأحاط بها، وعرض إلى دفاع الطرفين وخلص للأسباب السائغة التي أوردها إلى أن الأرض موضوع النزاع في حيازة المدعي بالحق المدني. ولما كان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى ما أثاره الطاعن بمذكرته من عدم جواز تعديل وصف التهمة أمام المحكمة الاستئنافية بقوله إن المعروض عليها هي الدعوى المدنية وحدها بعد إذ أصبح الحكم الصادر في الدعوى الجنائية بتبرئة الطاعن حائزاً لقوة الشيء المقضي بعدم استئنافه من النيابة العامة مما كان يقتضي أن تتقيد به المحكمة الاستئنافية عند فصلها في الدعوى المدنية المطروحة عليها عملاً بحكم المادة 406 من القانون المدني. رد على هذا الدفاع فقال "وحيث إنه لا نزاع في أن للمدعي بالحق المدني أن يستأنف الحكم الصادر بالبراءة فيما يتعلق بحقوقه المدنية - لا يقيده في ذلك إلا القيد الخاص بالنصاب، ومن ثم فإن له أن يستأنف الحكم الصادر برفض دعواه المدنية ولو كان قد قضى ببراءة المتهم ولم تستأنفه النيابة، ومتى رفع هذا الاستئناف مقبولاً كان على المحكمة بمقتضى القانون أن تقول كلمتها في دعواه ويكون قولها صحيحاً في خصوصية هذه الدعوى ولو كونت جريمة - ولا يؤثر في هذا الأمر كون الحكم الصادر في الدعوى العمومية قد أصبح نهائياً وحاز قوة الشيء المقضي به لأن هذا الحكم لا يكون ملزماً للمحكمة وهي تفصل في الاستئناف المرفوع عن الدعوى المدنية وحدها لأن الدعويين وإن كانتا ناشئتين عن سبب واحد إلا أن الموضوع يختلف في كل منهما عنه في الأخرى مما لا يمكن معه التمسك بحجية الحكم الجنائي" - ثم عرض الحكم إلى ما للمحكمة الاستئنافية من سلطة تعديل التهمة وإعطاء الوقائع المطروحة عليها وصفها القانوني الصحيح ما دام أن الوصف لم يؤسس على غير الوقائع التي شملها التحقيق وتناولها الدفاع وخلص إلى تكييف الواقعة بأنها جريمة دخول عقار في حيازة المطعون ضده بقصد منع حيازته بالقوة طبقاً للمادة 369/ 1 من قانون العقوبات، واستظهر الحكم أركان هذه الجريمة كما هي معرفة به قانوناً بأن أثبت أن العقار الذي دخله الطاعن كان في حيازة المطعون ضده الفعلية - تلك الحيازة الثابتة من محضر التسليم ووضع اليد الفعلي منذ تاريخ التسليم بإجماع الشهود الذين ارتاحت المحكمة إلى أقوالهم المؤيدة بما ثبت بالأحكام التي أشارت إليها، وبأقوال الطاعن نفسه أمام المحكمة، ولم تلق بالاً إلى تستره وراء استلامه مساحات على الشيوع - واستخلص الحكم ركن منع الحيازة بالقوة في قوله "وليس بشرط أن يعمد الجاني إلى استعمال القوة فعلاً لمنع حيازة حائز العقار بل يكفي أن يكون قد دخله بقصد استعمالها ولمحكمة الموضوع أن تقدر استعمال القوة لمنع الحيازة بحسب ما تراه - وتشمل القوة كل ما يؤدي إلى قهر إرادة المجني عليه فيدخل في ذلك التوعد المصحوب بمجاهرات عدائية...... بل يكفي أن يكون الجاني قد بدا منه ما يفيد أن في نيته استعمال القوة...... وترى هذه المحكمة من تهديد المتهم (الطاعن) وتحديده موعد لإنفاذ رغبته واقتحامه لأرض النزاع ووضع المهمات والأخشاب وأدوات البناء وتعيين الخفراء وإقامة المباني وهدم السور بعديد من الرجال وتألب هؤلاء جميعاً والمتهم يشد أزرهم بما يخشى معه الاصطدام، إن كل أولئك مما يتوافر معه أنه قصد استعمال القوة في منع الحيازة الثابتة فعلاً للمدعي بالحق المدني" لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم سديداً - ذلك أن للمدعي بالحق المدني أن يستأنف الحكم الصادر بالبراءة فيما يتعلق بحقوقه المدنية طبقاً لنص المادة 403 من قانون الإجراءات الجنائية إذا ما جاوز التعويض المطالب به قيمة النصاب الذي يحكم فيه القاضي الجزئي نهائياً، ولا يؤثر في هذا الأمر كون الحكم الصادر في الدعوى الجنائية قد أصبح نهائياً وحاز قوة الشيء المحكوم فيه إذ أنه لا يكون ملزماً للمحكمة وهي تفصل في الاستئناف المرفوع عن الدعوى المدنية وحدها لأن الدعويين وإن كانتا ناشئتين عن سبب واحد إلا أن الموضوع يختلف في كل منهما عنه في الأخرى مما لا يمكن القول معه بضرورة التلازم بينهما عند الفصل في الدعوى المدنية استئنافياً إذ يشترط قيام هذا التلازم بين الدعويين عند بدء اتصال القضاء الجنائي بهما. ولما كان استئناف المدعي بالحق المدني وحده وإن كان ينصرف إلى الدعوى المدنية فحسب إلا أنه يعيد طرح الواقعة بوصفها منشأ الفعل الضار المؤثم قانوناً على محكمة الدرجة الثانية التي تملك إعطاء الوقائع الثابتة في الحكم الابتدائي الوصف القانوني الصحيح دون أن توجه إلى المتهم أفعالاً جديدة غير مقيدة في ذلك بالوصف الذي تعطيه النيابة أو المدعي بالحق المدني عند تحريك دعواه مباشرة أمام المحاكم الجنائية، وكان الحكم المطعون فيه قد منح الطاعن أجلاً لتحضير دفاعه في الوصف الجديد المبني على الوقائع التي رفعت بها الدعوى ابتداءً، فلا يقبل النعي على الحكم في هذا الشأن. لما كان ذلك. وكان ما أورده الحكم من تقريرات قانونية تتوافر به جريمة انتهاك حرمة ملك الغير كما هي معرفة به قانوناً - ذلك أن المادة 369 من قانون العقوبات في فقرتها الأولى التي طبقها الحكم تسبغ الحماية على حائز العقار الفعلي من اعتداء الغير على هذه الحيازة - طالت مدتها أو قصرت، ولا يشترط أن تكون قد استعملت بالفعل قوة في منع الحيازة بل يكفي أن يكون المتهم قد دخل العقار الذي في حوزة الغير أو بقى فيه بقصد منع حيازة حائزه بالقوة وهو ما استخلصه الحكم استخلاصاً سائغاً من عناصر تنتجه. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن في طعنه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق