جلسة 10 من يونيه سنة 1971
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.
-------------
(124)
الطعن رقم 47 لسنة 37 القضائية
(أ) موظفون: "مسئولية". "مسئولية تقصيرية".
علاقة الموظف بالحكومة. علاقة تنظيمية. مسئولية أمناء المخازن مصدرها القانون وليس العمل غير المشروع.
(ب) تقادم. "تقادم مسقط". موظفون. مسئولية. قانون.
المادة 172 مدني. قصر تطبيقها على تقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع، دون غيره عن مصادر الالتزام.
دعوى التعويض ضد أمين المخزن لمخالفته الواجبات المفروضة عليه قانوناً. منشؤها القانون. سقوطها بالتقادم العادي.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن وزارة الشئون الاجتماعية أقامت الدعوى رقم 418 سنة 61 مدني كلي القاهرة ضد إبراهيم عوض الله وصابر علي خليل طالبة الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 659 ج و340 م مع الفائدة القانونية من تاريخ المطالبة حتى السداد مع المصاريف والأتعاب والنفاذ بلا كفالة، وقالت في بيانها إن المدعى عليهما كانا يعملان بمنطقة الشئون الاجتماعية والعمل بالجيزة واتهما في الجناية رقم 211 سنة 1957 كلي الجيزة مع آخرين بأنهم في ليلة 24/ 5/ 1957 بناحية العجوزة بصفتهما موظفين عموميين استوليا بغير حق على صفائح الجبن المبينة بالمحضر والمملوكة للدولة، وقد حكم في 11/ 1/ 1958 بحسبهما ستة أشهر وبتغريمهما متضامنين 500 قرش وبعزلهما من وظيفتهما، وإذ بلغ العجز في قيمة ما كان لديهما من صفائح الجبن والمسلى 659 ج و340 م، فقد أقامت الدعوى لمطالبتهما بمقابل ما أصاب المنطقة من ضرر عملاً بالمادة 163 من القانون المدني وبصحيفة أعلنت في 19/ 5/ 1964 أدخلت الوزارة محمد توفيق عثمان أغا أمين مخزن المنطقة في تاريخ الحادث خصماً في الدعوى طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 725 ج و274 م من ذلك مبلغ 659 ج و340 م قيمة العجز السابق مضافاً إليه 65 ج و934 م وهو ما يوازي 10% نظير المصاريف الإدارية استناداً إلى أن الصفائح كانت في عهدته وأنه المسئول عما يحدث بها من عجز طبقاً لحكم المادة 45 من لائحة المخازن والمشتريات، ثم عادت وطلبت بمذكرتها الختامية الحكم بإلزام المدعى عليهم الثلاثة متضامنين بأن يدفعوا لها مبلغ 725 ج و274 م والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، ودفع المدعى عليه الثالث بسقوط الدعوى بالنسبة له بالتقادم بانقضاء أكثر من ثلاث سنوات بين تاريخ وقوع الجريمة في 24/ 5/ 1957 وهو اليوم الذي علم فيه المدعى بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه عملاً بالمادة 172 من القانون المدني، وأضاف أنه لم يكن أميناً للمخزن بالمعنى المقصود في لائحة المخازن، بل كان سكرتيراً لوحدة الدقي الاجتماعية الكائن بها المخزن، ثم أضيفت إليه عهدته ولم تكن هذه الإضافة تتطلب منه فتح المخزن يومياً وملاحظة سلامة ما به من موجودات، وإذ تنفي دفاتر الجرد الموجودة بالمنطقة خطأه وتقصيره، وكان حادث الاختلاس الذي أدى إلى حصول العجز في عهدته والذي ارتكبه عاملان بالوحدة حادثاً قهرياً وخارجاً عن إرادته فإنه لا يجوز مساءلته عن هذا العجز، وفي 12/ 11/ 1964 حكمت المحكمة (أولاً) بإلزام المدعى عليهما الأول والثاني على وجه التضامن بأن يدفعا للمدعى بصفته مبلغ 659 جنيه و340 م والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ صدور الحكم حتى تاريخ الوفاء (ثانياً) بقبول الدفع المبدى من المدعى عليه الثالث محمد توفيق عثمان أغا بسقوط الدعوى والحكم بسقوطها قبله (ثالثاً) إلزام الطرفين المصروفات المناسبة لما قضى به قبل كل منهما وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، واستأنفت المدعية هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه فيما قضى به في الشقين الثاني والثالث منه والحكم برفض الدفع بسقوط حق الوزارة في رفع الدعوى قبل المدعى عليه الثالث وإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 725 ج و279 م والفوائد القانونية بواقع 4% من يوم المطالبة الرسمية حتى تمام السداد متضامناً في ذلك مع المدعى عليهما الأولين، وقيد هذه الاستئناف برقم 1784 سنة 81 قضائية، وفي 29/ 11/ 1966 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، وطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض للسبب الوارد في بالتقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصرت الطاعنة على طلب نقض الحكم، ولم يحضر المطعون عليهم ولم يقدموا دفاعاً، وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم بالنسبة للمطعون عليه الثالث.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة في سبب الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجوه (أولها) أنه اعتبر أن مصدر التزام المطعون عليه الثالث هو العمل غير المشروع مع أن الثابت في واقعة الدعوى أنه كان أمين مخزن العهدة الذي حدث فيه العجز المطالب بالتعويض عنه، وأن علاقته بالوزارة الطاعنة هي علاقة موظف عمومي بفرع من فروع الحكومة، وقد استقر الرأي على أن علاقة الحكومة بموظفيها ليست علاقة تعاقدية بل هي علاقة تنظمها القوانين واللوائح، تنشأ عنها حقوق للموظف تنحصر بصفة عامة في المقابل المادي الذي يتقاضاه من الدولة وفيما يحصل عليه من إجازات مختلفة، كما تنشأ عنها التزامات عليه من بينها الالتزام بأداء مهام وظيفته طبقاً للأوضاع التي يحددها القانون ومن ثم فإن ما ينشأ عن هذه العلاقة من حقوق والتزامات يكون مصدرها المباشر هو القانون لا العمل غير المشروع، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله (وثانيها) أنه قد ترتب على خطأ الحكم السابق خطأ آخر هو قضاؤه بسقوط حق الوزارة في التعويض عملاً بنص المادة 172 من القانون المدني، مع أنه نص استثنائي ورد على خلاف الأصل العام في التقادم، وخاص بالالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع ولا يسري على الالتزامات التي مصدرها القانون، وإذ كانت المادة 45 من لائحة المشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6/ 11/ 1948 ونصوص القانون رقم 210 سنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة هي مصدر التزام المطعون عليه الثالث بالتعويض، وكان المشرع لم يضع نصاً خاصاً يحدد به مدة تقادم الالتزام الناشئ عنهما بأقل من 15 سنة، فإن لازم ذلك إعمال القاعدة العامة المنصوص عنها في المادة 374 من القانون المدني، والتي تنص على تقادم الالتزام بخمس عشرة سنة، وإذ خالف الحكم ذلك فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله (وثالثها) أنه باعتناقه ما قرره الحكم الابتدائي من أن لائحة المخازن والمشتريات ليست بعقد وليست إلا ترديداً للقواعد العامة وتقريراً لأحكام القانون وهي في مرتبه أدنى من التشريع فلا تعدل أو تعطل أحكامه، وأن المادة 45 منها بما قررته ليست مصدراً تشريعياً وأنها لذلك تفقد قوتها الملزمة ولا تنزل منزلة التشريع يكون قد خالف القانون، ذلك أنه من المسلم به أن لائحة المخازن والمشتريات تتضمن الأحكام الواجبة التطبيق فيما يتعلق بعهد موظفي الدولة، ولم يتضمن القانون المدني أو غيره من القوانين ما يتعارض مع أحكام هذه اللائحة، وليس ثمة ما يحول بين قيام أحكامها إلى جانب نصوص القوانين الأخرى طالما أنها لم تلغ أو تعدل، كما لا يقبل القول بأن القوة الملزمة قاصرة على التشريعات وحدها، إذ أن للوائح قوة ملزمة بالنسبة لما تضمنته من أحكام ما دامت لا تتعارض مع نصوص أعلا منها مرتبة، وإذ كان ذلك فإن إسناد مسئولية المطعون عليه الثالث إلى المادة 45 من لائحة المخازن يكون سليماً ولا يسقط حق الطاعن في مطالبته المطعون عليه الثالث إلى المادة 45 من لائحة المخازن يكون سليماً ولا يسقط حق الطاعن في مطالبته المطعون عليه الثالث بالتعويض عن العجز إلا بخمس عشرة سنة.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على أن ما يثيره المستأنف في أسباب استئنافه إن هو إلا ترديد لدفاعه الذي أبداه أمام محكمة أول درجة، وأن الحكم المستأنف قد رد عليه بأن "المسئولية بهذا الوصف أساسها العمل غير المشروع، وأنه وإن كان كل التزام مصدره القانون كالعقد والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب فإن لها مصدر مباشر هو الذي رتب عليه القانون إنشاءها وحدد أركانها وأحكامها بالتعويض عن ضرر أصاب الغير بسبب خطأ المسئول مصدره المباشر العمل غير المشروع وإن كان مصدره غير المباشر هو القانون، فالقانون هو الذي جعل هذه الأعمال مصادر عامة للالتزام" وما قرره الحكم صحيح في القانون لأن العقد والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب إذا كانت تعتبر من مصادر الالتزامات فلأن القانون أراد لها ذلك وكل ما يندرج تحت مصدر منها يأخذ حكم هذا المصدر وقد تكفل القانون أيضاً ببيان أحكام كل التزام حسب مصدره وإلى جانب هذه المصادر توجد التزامات أخرى تستند إلى تصرف قانوني أو إلى عمل مادي ولكن لا يستند إليه لا كمصدر عام ينشئ الالتزام في هذه الحالة وفي غيرها من الحالات، بل ينشئ الالتزام في هذه الحالة وحدها دون غيرها، والقانون هو المصدر المباشر لهذا الالتزام كما هو الشأن في التزامات الأسرة والتزامات الجوار فهي التزامات لا يمكن ردها إلى مصدر من مصادر الالتزامات المعروفة والتي سبق الإشارة إليها، ولكن القانون وحده هو المصدر المباشر لها ولا سبيل إلى تحديده هذه الالتزامات القانونية إلا بالنص، فهو وحده الذي ينشئها وهو وحده الذي يتكفل بتعيين أركانها وأحكامها... وأنه بناء على ما تقدم يبين أن النصوص التي أشار إليها المستأنف في دفاعه أمام محكمة أول درجة الواردة في القانون 210 سنة 1951 بشأن موظفي الدولة والذي كان معمولاً به وقت وقوع العجز والمادة 45 من لائحة المخازن والمشتريات لم تنشئ التزاماً جديداً في حق الموظف الذي يهمل في عمله أو الذي لا يبذل العناية الكافية التي يتطلبها أداء هذا العمل على الوجه الأكمل - إنما هي في حقيقتها والواقع من أمرها ترديد لالتزام عام ضمنه المشرع المادة 163 من القانون المدني والتي تنص على أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض - فلو لم توجد النصوص التي أشار إليها المستأنف لبقى الموظف مسئولاً عن خطئه على أساس المادة 163 من القانون المدني - وهي مع وجودها لا تكفي وحدها لتبيان أركان هذا الالتزام وتحديد أحكامه، إنما مرد ذلك إلى المواد التالية للمادة 163 التي بينت أركان هذا الالتزام وفصلت أحكامه - ومن غير المعقول أن تنصرف نية المشرع إلى فرض التزام قانوني جديد غير معروف من قبل كما ذهب المستأنف إلى ذلك في دفاعه وصحيفة استئنافه ولا يبين أركان هذا الالتزام ويفصل أحكامه وهو إن فعل ذلك لأصبح هذا الالتزام غفلاً عن جزاء يحميه ويضمن تنفيذه... وأنه بالبناء على ما تقدم يكون حكم محكمة الدرجة الأولى الذي اعتبر أساس مسئولية الموظف عن الخطأ أو الإهمال الذي يقارفه أثناء وظيفته من قبيل المسئولية التقصيرية وأجرى عليه أحكام هذه المسئولية في محله للأسباب السالف الإشارة إليها وللأسباب الواردة به والتي تأخذ بها هذه المحكمة..." وهذا الذي قرره الحكم مخالف للقانون، ذلك أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح الصادرة بشأنها والتي تحدد حقوق وواجبات كل وظيفة بصرف النظر عن شاغلها، وإذ بين المشرع حقوق الموظفين ثم حدد واجباتهم والأعمال المحرمة عليهم في الفصل السادس من الباب الأول من القانون رقم 210 سنة 1951 وكانت المادة 82 مكرر المضافة إلى أحكام هذا الفصل بالقانون رقم 73 سنة 1957 المعمول به من تاريخ نشره في 4/ 4/ 1957 قبل فقد وسرقة الصفائح قد أوجبت على الموظف مراعاة الأحكام المالية، المعمول بها وحرمت عليه في الفقرة الرابعة منها مخالفة قانون ولائحة المناقصات والمزايدات ولائحة المخازن والمشتريات وعلى وجه العموم القواعد والأحكام المالية، وكانت المادة 45 من لائحة المخازن والمشتريات المنوه عنها بالقانون المذكور والتي قررت من قبل المادة 4 من المرسوم بقانون 132 لسنة 1952 محاكمة من يخالفها تأديبياً - قد نصت على أن أمناء المخازن وجميع أرباب العهد المسئولين شخصياً عن الأصناف التي في عهدتهم وعن حفظها والاعتناء بها وعن صحة وزنها وعددها ومقاسها ونوعها وعن نظافتها وصيانتها من كل ما من شأنه أن يعرضها للتلف أو الفقد ولا تخلي مسئوليتهم إلا إذا ثبت للمصلحة أن ذلك قد نشأ عن أسباب قهرية أو ظروف خارجة عن إرادتهم ولم يكن في الإمكان التحوط لها نصت الفقرة الثانية من المادة 349 منها على أن الأصناف التي تفقد أو تتلف بسبب سرقة أو حريق أو أي حادث آخر كان في الإمكان منعه فيسأل عنها من كانت في عهدته تلك الأصناف حين حصول السرقة أو التلف، فإنه يبين أن مسئولية أمناء المخازن وجميع أرباب العهد عما في عهدتهم لا تنسب إلى العمل غير المشروع بل تنسب إلى القانون الذي أنشأها، لما كان ذلك وكان نص المادة 172 من القانون المدني الذي استحدث تقادم الثلاث سنوات بالنسبة لدعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه - وهو نص استثنائي على خلاف الأصل العام في التقادم - قد ورد في خصوص الحقوق التي تنشأ عن المصدر الثالث من مصادر الالتزام في القانون المدني وهو العمل غير المشروع بحيث لا يجوز تطبيقه بالنسبة إلى الحقوق الناشئة عن مصادر أخرى إلا إذا وجد نص خاص يقضي بذلك، وإذ لم يرد بنصوص القانون ما يجيز تطبيق نص المادة 172 من القانون المدني بالنسبة لدعوى التعويض الناشئة عن مخالفة أمناء المخازن وأرباب العهد للواجبات المفروضة عليهم في المادة 82 مكرر من القانون 73 سنة 1957 والمادة 45 من لائحة المخازن والمشتريات التي تبناها القانون المذكور فإن هذه الدعوى لا تسقط إلا بالتقادم العادي، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ونسب دعوى التعويض المرفوعة من المدعي إلى العمل غير المشروع وأخضعها للتقادم الاستثنائي المنصوص عنه في المادة 172 من القانون المدني وجعل لائحة المخازن والمشتريات في مرتبة أدنى من مرتبة التشريع بحيث تعجز عن تعطيل القواعد العامة المقررة في القانون رغم إقرار القانونين 172 لسنة 1951 و73 لسنة 1957 لها، وجعلهما من مخالفة أحكامها جرائم تأديبية، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق