جلسة 19 من يونيه سنة 1963
برياسة السيد/ محمد فؤاد جابر نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد زعفراني سالم، وأحمد أحمد الشامي، وقطب عبد الحميد فراج، ومحمد ممتاز محمد نصار.
----------------
(123)
الطعن 31 لسنة 31 ق "أحوال شخصية"
وقف. "الاستحقاق في الوقف" "المصادقة على الاستحقاق".
يعمل بالمصادفة على الاستحقاق وإن خالفت كتاب الوقف وذلك في حق المقر خاصة. يرد هذا الإقرار إلى الواقف نفسه فيعتبر كأنه استحقاق بشرط الواقف. لا وجه للتفريق بين المستحق بشرط الواقف أو بإقرار مستحق آخر. وجود كل من المقر والمقر له على قيد الحياة عند صدور القانون 180 لسنة 1952، استحقاق المقر له بالحصة المقر له بها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أنه بموجب حجة شرعية مؤرخة 24 ذي الحجة سنة 1314 هـ وقفت المرحومة زينب هانم كامي أطياناً زراعية مساحتها 872 فداناً و4 قراريط و3 أسهم مبينة بالحجة على مستحقين عينتهم وشرطت لنفسها الشروط العشرة وبموجب إشهاد رسمي مؤرخ في 4 ذي الحجة سنة 1323 غيرت الواقفة وبدلت في شروط وقفها بأن جعلت إنشاء وقفها على نفسها ثم من بعدها يكون السدس والثمن (7 قراريط) وقفاً على زوجها أمين عبد الله ثم من بعده على نجليه فريد أمين وعباس حلمي أمين وعلى من سيحدثه الله لكل من الواقفة وزوجها من ذرية إلا أن الواقفة لم تنجب من زوجها ذرية وبذلك صار الاستحقاق في هذه الحصة إلى السيدين فريد أمين وعباس حلمي أمين مورثي الطاعنين وجعلت الحصة التي قدرها عشرة قراريط وقفاً على السيدين المذكورين وآخرين بالسوية بينهم ثم من بعد كل منهم يكون نصيبه من ذلك وقفاً على أولاده وذريته ونسله وقد استحق كل من السيدين بذلك قيراطاً وثلث قيراط وجعلت الواقفة الحصة التي قدرها ثلاثة قراريط وقفاً على بعض الخدم وعددهم تسعة وكل من مات منهم يكون ما هو موقوف عليه من ذلك منضماً وملحقاً بوقف العشرة قراريط المذكورة ويكون حكمه كحكمه وقد مات الموقوف عليها المذكورون جميعاً وبذلك آل نصيبهم إلى السيدين المذكورين وقد حرمت الواقفة نفسها من الشروط العشرة وقد أقام السيدان المذكوران الدعوى رقم 1246 سنة 1956 أحوال شخصية القاهرة ضد المطعون عليها ذكرا فيها الوقائع المتقدمة وأضافا أن المرحوم حسين باشا رشدي عين رئيساً لمجلس الشيوخ وكان إذ ذاك وكيلاً عن الواقفة فرأى إدخال المطعون عليهما الأولين مستحقين في الوقف ولما لم يكن ذلك ممكناً لحرمان الواقفة نفسها من الشروط العشرة فقد استكتب مورثي الطاعنين إقراراً مؤرخاً في 5 فبراير سنة 1927 تضمن أن الواقعة عند عمل إشهاد التغيير المؤرخ في 4 ذي الحجة سنة 1323 جعلت الحصة التي قدرها الربع والسدس "عشرة قراريط" من بعدها وقفاً على المطعون عليها وآخرين وهم باقي الموقوف عليهم عدا المقرين وجعلت المطعون عليها الأولى مستحقة لثلث الحصة المذكورة ما دامت على قيد الحياة، فإذا توفيت كانت الحصة المذكورة للمقرين مناصفة بينهما وأن هذا هو ما نطقت به الواقفة عند تغيير وقفها بالإشهاد الأخير وأنهما يقرران بأن ما نطقت به الواقفة حينما جعلت الثلاثة القراريط وقفاً على من ذكرتهم بحجة التغيير وهم الخدم التسعة يكون مستحقاً لسرور مرعي والمطعون عليه الثاني وآخرين ينتفع كل منهم بما يؤول إليه مدة حياته فإذا مات أي أحد منهم ألحقت حصته بالعشرة القراريط وأنه لا حق للمقرين في نصيب من يتوفى من التسعة المذكورين ولا مدة حياة باقي الموقوف عليهم في حصة العشرة القراريط وقال مورثا الطاعنين إنهما وقعا هذا الإقرار نتيجة تهديد المرحوم حسين باشا رشدي لهما بحرمانهما من الاستحقاق في الوقف وأنها تقدما بشكوى للنيابة العامة أعقبها تحقيق حول الإكراه وأن الواقفة أقرت لهما كتابة في 9 فبراير سنة 1927 بأن ما تضمنه إشهاد التغيير المؤرخ 4 ذي الحجة سنة 1323 هو المطابق تماماً لما صدر منها وأنه بوفاة الواقفة وزوجها انتقل استحقاق العشرة قراريط إلى من أشير إليهم بحجة التغيير ولكن المطعون عليها الأولى أقامت عليهما دعوى أمام المحكمة الشرعية قيدت برقم 132 سنة 33/ 1934 مطالبة باستحقاقها في الوقف استناداً إلى الإقرار المذكور وقد قضى لها فيها بطلباتها بتاريخ 23 أكتوبر سنة 1934 وباستحقاقها للحصة الواردة في الإقرار ما دامت هي والمقرين على قيد الحياة وقد تأيد هذا الحكم من المحكمة العليا الشرعية ولما كانت المحكمة الشرعية حكمت بصحة الإقرار ورفضت دفاع المقرين بأنه صدر تحت تأثير الإكراه ولا ولاية لها في الفصل في هذا النزاع فلا حجة للحكم الصادر منها في هذا الشأن وفضلاً عن ذلك فإن الإقرار في حد ذاته ليست له قيمة قانونية إذ هو ليس إقراراً بالمعنى الصحيح وإنما هو حكاية عن الغير أي شهادة مردودة لأنها شهادة لغير شاهد إذ لم يكونا حاضرين مجلس التغيير في حجة الوقف وأنه بفرض الاعتداد جدلاً بالإقرار فإنه لا يعدو أن يكون تنازلاً عن الانتفاع مع بقاء ملكية الرقبة المقرين ولذلك فقد طلبا الحكم أصلياً ببطلان الإقرار المؤرخ في 5 فبراير سنة 1927 واحتياطياً جعل أثره مقصوراً على تقرير حق انتفاع للمطعون عليهما مدة حياتهما وحياة المقرين وقضت محكمة القاهرة في 23 فبراير سنة 1959 بالطلبات الاحتياطية فاستأنف الطاعنون هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 46 سنة 76 ق استئناف القاهرة كما استأنفه المطعون عليهما الأولان بالاستئنافين رقمي 61، 62 سنة 76 ق وقضت محكمة الاستئناف في 13 إبريل سنة 1961 برفض استئناف الطاعنين وبإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من الحد من آثار الإقرار المؤرخ في 5 فبراير سنة 1927 وبرفض دعوى الطاعنين فقرر الطاعنون بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 9 مايو سنة 1961 وطلبوا للأسباب الواردة في التقرير نقض الحكم المطعون فيه وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 28 أكتوبر سنة 1962 إحالته على هذه الدائرة حيث صمم الطاعنون على طلب نقض الحكم وطلبت المطعون عليها الأولى رفضه ولم يحضر باقي المطعون عليهم ولم يبدوا دفاعاً وصممت النيابة العامة على طلب رفض الطعن.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب حاصلها أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن الاستحقاق في الوقف إنما يستمد من الواقف بناء على ما يشترط في وقفه من الشروط ولا استحقاق إلا بنص من الواقف ولا يطلق اسم المستحق في الوقف إلا على من له استحقاق فيه بشرط الواقف ويترتب على ذلك أن المراد بالمستحقين في المادة 3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات إنما هم المستحقون بشرط الواقف ويؤيد هذا النظر ما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور من أنه "يقصد بالمستحق في هذا الشأن كل من شرط له الواقف نصيباً في الغلة أو سهماً أو مرتباً" وأحالت المادة الثالثة المذكورة لتعيين حصص المستحقين على المواد 36، 37، 38، 39 من قانون الوقف رقم 48 سنة 1946 وقد نصت كلها على شرط الواقف في الاستحقاق وقرر الفقهاء أن إقرار المستحق لا يتجاوز المقر إلى غيره بمعنى أنه لا يكون مستحقاً في نظر الغير وهذا الإقرار لا يعني أنه موقوف عليه بل إنه يستحق الريع الذي أقر به المقر في نظره وبناء على ذلك فإذا عبر أي قانون بلفظ المستحق فإن المراد به المستحق حقيقة في نظر القانون لا في زعم أي أحد من الناس لأن القوانين إنما تتحدث عن معان وصفات تستند إلى أسباب شرعية قانونية وعلى ذلك فالمستحق في حكم القانون رقم 180 سنة 1952 هو المستحق بمقتضى كتاب الوقف لا المستحق في زعم أي شخص آخر ولذلك فإن الحكم المطعون فيه قد أخطأ حيث قرر أن الشارع عند إصداره للقانون رقم 180 سنة 1952 قصد أيلولة الملكية للمستحق عند صدوره والعمل به يستوي في ذلك أن يكون الاستحقاق ثابتاً بكتاب الوقف أو بإقرار المستحق وما قاله الحكم من أن الاستحقاق بإقرار المستحق يرد إلى إرادة الواقف غير صحيح: أولاً - لأنه لو كان هذا صحيحاً لما نص الشارع في المادة 20 من القانون رقم 48 لسنة 1946 على بطلان إقرار الموقوف عليه لغيره. ثانياً - لو أن مستحقاً في وقف أقر لمراب بأنه هو المستحق دونه فلا يستساغ القول مطلقاً بأن القانون 180 سنة 1952 المذكور يملك أعيان الوقف لهذا المرابي. ثالثاً - ما أوردته المذكرة الإيضاحية لقانون الوقف من أن الإقرار بالاستحقاق وسيلة لبيع الاستحقاق لا يمكن أن ينزل منزلة الاستحقاق بشرط الواقف. رابعاً - لو أن الإقرار بالاستحقاق كالاستحقاق بشرط الواقف لتعين إعمال الإقرار حتى لو تعدى إلى غير شخص المقر بعد وفاته وهو ما لم يقل به أحد بل أنكره نفس الحكم المطعون فيه. خامساً - لو أن الإقرار بالاستحقاق كالاستحقاق بشرط الواقف لما اختلف فيه الفقهاء وفقهاء الحنفية أنفسهم. سادساً - أنه في خصوص الإقرار محل النزاع فالثابت أن الواقعة أقرت عقبه في 9 فبراير سنة 1927 بأن النص الوارد في حجة التغيير مطابق تمام المطابقة لما نطقت به مما يسقط الإقرار محل النزاع وينفي ما أثبته الحكم من أنه مستند إلى شرط الواقف وقال الطاعنون إن من أجاز الإقرار بالاستحقاق من الفقهاء أسسوا مذهبهم على أن ريع الوقف الصادر بشأنه الإقرار حق للمقر وإذ كان ذلك أمكنه أن ينصرف فيه بإعطائه لغيره فالإقرار في حقيقته تنازل من المقر عن غلة العين الموقوفة للمقر له وقد أخطأ الحكم المطعون فيه إذ لم يعتد بهذا النظر كما أن الحكم المذكور قد أقام قضاءه على ما قضت به المحكمة الشرعية في شأن الإقرار موضوع الدعوى ولكنه لم يلتزم حكمها إذ فرقت بين دعوى الاستحقاق بشرط الواقف وبين الاستحقاق بإقرار المستحق.
وحيث إن هذا النعي مردود في جملته ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على "أن أحداً من فقهاء الشريعة الإسلامية لا يعرف استحقاقاً ما بغير شرط الواقف والراجح من أقوال فقهاء الحنفية صحة إقرار المستحق ونفاذه بشرط أن يكون هذا الإقرار لأمر عرفة المقر عن الواقف ورتبوا على ذلك أن الاستحقاق يعتبر مردوداً لإرادة الواقف كما لو كان قد صدر منه وحتى لو كان ذلك مخالفاً لما هو مكتوب..." ومن حيث إنه وقد انتهت المحكمة إلى أن مرد الاستحقاق للمستأنفين (المطعون عليهم الأولين) إنما هو إلى إرادة الواقفة وإلى أنهما كانا مستحقين وقت صدور القانون رقم 180 سنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات... وأن الشارع عند إصداره القانون رقم 180 سنة 1952 المذكور لم يستهدف سوى إلغاء الوقف وحبس أعيان الوقف عن التداول وأيلولة الملكية للمستحقين عند صدوره والعمل به كل بقدر حصته في الاستحقاق يستوي في ذلك أن يكون الاستحقاق ثابتاً بكتاب الوقف أو بإقرار المستحق ونص القانون مطلق وصريح لا لبس فيه ولا غموض في أيلولة الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق... وأن المقرين... كانا على قيد الحياة عندما صدر القانون رقم 180 لسنة 1952 وكذلك كان المقر لهما (المطعون عليهما الأولان) ومقتضى ذلك أن الإقرار كان نافذاً في حق المقرين عند صدور هذا القانون" وهذا الذي أورده الحكم لا مخالفة فيه للقانون ذلك أنه من المقرر أنه يعمل بالمصادقة على الاستحقاق وإن خالفت كتاب الوقف لكن في حق المقر خاصة وأن هذا الإقرار يرد إلى الواقف نفسه فيعتبر كأنه استحقاق بشرط الواقف وأن القانون رقم 180 سنة 1952 أطلق لفظ المستحق فلا وجه للتفريق بين المستحق بشرط الواقف والمستحق بإقرار مستحق آخر لما كان ذلك، وكان الثابت من وقائع الدعوى أن كلاً من المقرين والمقر لهما المطعون عليهما الأولين كانوا على قيد الحياة عند صدور القانون رقم 180 سنة 1952 فيكونا مستحقين للحصة المقر لهما بها في ذلك الوقت وقد قضت المحكمة الشرعية نهائياً باستحقاقهما لها ما دام المقران والمقر لهما بها على قيد الحياة ولا محل لتحدي الطاعنين بالمادة 20 من قانون الوقف لأنها لا تسري على الماضي طبقاً لنص المادة 57 من قانون الوقف رقم 48 سنة 1946 كما أنه لا سند لما يذهب إليه الطاعنون من وجوب قصر ذلك على استحقاق الغلة وحدها دون اعتبار المقر لهما مستحقين في الوقف استحقاقاً عادياً ولما كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإن النعي عليه يكون على غير أساس ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق