جلسة 17 من نوفمبر سنة 1971
برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وحامد وصفي، ومحمد عادل مرزوق، وإبراهيم السعيد ذكرى.
----------------
(152)
الطعن رقم 168 لسنة 35 القضائية
(أ) مؤسسات عامة. موظفون.
هيئة الإرشاد بميناء الإسكندرية. عدم اعتبارها مؤسسة عامة. مرشدوها لا يعتبرون موظفين عموميين.
(ب) عمل. "عقد العمل".
هيئة الإرشاد بميناء الإسكندرية. تمتعها بالشخصية المعنوية. سلطتها في رقابة مرشديها وتوجيههم والوفاء بأجورهم. العلاقة بينها وبينهم علاقة عمل. لا يغير من ذلك تدخل مصلحة المواني في تعيينهم وترقيتهم وتأديبهم.
(جـ) عمل. "انتهاء عقد العمل".
عدم استحقاق مرشدي هيئة الإرشاد بميناء الإسكندرية أي معاش أو مكافأة في حالة تركهم العمل للالتحاق بعمل آخر. م 18 من اللائحة الداخلية.
(د) حكم. "تسبيب الحكم". عمل.
لا يعيب الحكم خطؤه في تكييف العلاقة بين المرشد وهيئة الإرشاد بميناء الإسكندرية إذا لم يكن لهذا الخطأ تأثير على النتيجة السليمة التي انتهى إليها.
(هـ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "سلطة محكمة النقض".
لقاضي الموضوع سلطة بحث ما يقدم له من الدلائل والمستندات وترجيح ما يطمئن إليه منها وفي استخلاص ما يراه متفقاً مع واقع الدعوى. لا رقابة عليه لمحكمة النقض متى كان استخلاصه سليما.
(و) حكم. "عيوب التدليل". "ما لا يعد قصوراً". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
قاضي الموضوع غير ملزم بتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم والرد عليها استقلالاً. حسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 1249 لسنة 1959 عمال أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد هيئة إرشاد البوغاز بميناء الإسكندرية - المطعون عليها - بطلب الحكم بإلزامها أن تدفع لكل منهم معاشاً شهرياً قدره 57 ج و250 م اعتباراً من 30 سبتمبر 1956 حتى تاريخ رفع الدعوى وما يستجد. وقالوا شرحاً لدعواهم إنهم كانوا يعملون مرشدين بميناء الإسكندرية لدى الهيئة المطعون عليها نظير أجر محدد بحصة شهرية من رسوم الإرشاد المحصلة تبلغ في متوسطها 76 ج، وحدث عقب تأميم الشركة البحرية لقناة السويس في سنة 1956 وانسحاب المرشدين الأجانب منها أن قامت الهيئة المطعون عليها بترشيحهم للعمل مرشدين بالقناة فاستجابوا لذلك الواجب الوطني، وإذ أصدرت الهيئة بتاريخ 29 من سبتمبر سنة 1956 قراراً اشترطت فيه حتى يكون للطاعنين الحق في المعاش أن يعودوا إلى عملهم الأصلي خلال سنتين، وإذا لم يكن تنفيذ هذا الشرط ممكناً في تلك الظروف، وكانوا يستحقون معاشاً شهرياً قدره 57 ج و250 م طبقاً للائحة الداخلية للهيئة المطعون عليها، فقد أقاموا دعواهم بطلباتهم سالفة البيان. دفعت الهيئة المطعون عليها بسقوط حق الطاعنين في إقامة الدعوى بالتقادم استناداً إلى المادة 698/ 1 من القانون المدني، وبتاريخ 15 من نوفمبر سنة 1960 حكمت المحكمة بقبول الدفع وبالسقوط. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 623 لسنة 16 ق الإسكندرية، ومحكمة الاستئناف حكمت في 14 من يناير سنة 1965 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. قرر الطاعنون بالطعن على هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعنون بهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم كيف العلاقة بين المرشد وبين هيئة الإرشاد المطعون عليها بأنها علاقة تنظيمية فرضتها ظروف سير العمل، وأن المرشد إنما يعمل لحسابه الخاص دون أن يكون مرتبطاً بعقد عمل مع الهيئة، استناداً إلى أن القانون رقم 130 لسنة 1948 جعل لمدير مصلحة المواني والمنائر حق تعيين مرشدي الدرجة الثالثة، وأن المرشدين يخضعون في تحديد اختصاصهم وترقياتهم وإجراءات تأديبهم لقواعد خاصة نظمتها قرارات وزارية، في حين أن ذلك القانون قد نظم مرفق الإرشاد في ميناء الإسكندرية، ووكل أمر القيام بإدارته إلى الهيئة المطعون عليها وأضفى عليها شخصية معنوية مستقلة، كما أوضحت اللائحة الخاصة تفصيل عملها وكيفية تعيين العاملين فيها بما يفيد أن الهيئة التي تتولى عملية الإرشاد بأجهزتها من مرشدين وعمال وأدوات، وأن المرشد إنما يتقاضى من الهيئة أجره الخاضع لضريبة كسب العمل، وأنه ليس في مكنته مباشرة العمل ارتجالاً بل هو يخضع في ذلك لتعليمات رؤسائه المباشرين في الهيئة بما يؤكد قيام رابطة العمل بين المرشد وبين هيئة الإرشاد، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون. وعلاوة على ذلك فإن مفهوم المخالفة لنص المادة 18 من اللائحة الداخلية للهيئة تفيد أن من يترك الخدمة من المرشدين غير مختار يظل مستحقاً للمعاش المشار إليه فيها، وقد تمسك الطاعنون في دفاعهم أمام محكمة الموضوع بأنهم لم يتقدموا بطلبات للالتحاق بهيئة القناة وإنما رشحتهم الهيئة المطعون عليها ووضعتهم تحت تصرف مصلحة المواني والمنائر للاستعانة بهم في هيئة قناة السويس بسبب الظروف الملابسة وقتذاك، وأنه لم يكن في وسعهم العودة إلى عملهم الأصلي وهو ما أوضحه كتاب هيئة القناة المؤرخ 14 من فبراير سنة 1963، وأن قرار الجمعية العمومية لتلك الهيئة الصادر في 29 من سبتمبر سنة 1956 بالسماح لهم بالعودة خلال سنتين بشرط استغناء هيئة القناة عنهم دليل على أن أمر العودة متروك لتقدير هيئة القناة وأن وجودهم بتلك الهيئة كان على سبيل الندب أو الإعارة فلا يجوز فصم العلاقة بينهم وبين هيئة الإرشاد، غير أن الحكم المطعون فيه أغفل بحث هذا الدفاع والتفت عن دلالة هذه المستندات واقتصر على القول بأن الطاعنين تركوا العمل اختياراً استناداً إلى أن فريقاً ممن رشحوا فضل البقاء في عمله الأصلي بينما تقدم غيرهم ممن لم يتناوله الترشيح والتحقق بالعمل في هيئة القناة، دون أن يبين الحكم مصدر هذه الوقائع التي حصلها مما يشوبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إنه لما كانت هيئة إرشاد البوغاز بميناء الإسكندرية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تعتبر مؤسسة عامة وأن مرشديها لا يعتبرون موظفين عموميين ولا تربطهم بالدولة علاقة الوظيفة العامة، ولما كان القانون رقم 130 لسنة 1948 بشأن تنظيم الإرشاد في ميناء الإسكندرية - الذي يحكم واقعة الدعوى - قد نص على أن هيئة الإرشاد يديرها رئيس يعينه مدير عام المواني والمنائر (م 8) وأن تلك المصلحة تحصل الرسوم والأجور والتعويضات على أن تقوم بدفعها لهيئة الإرشاد وتحتجز ضريبة كسب العمل من الحصص الشهرية التي توزع على المرشدين (م 11)، وكان قرار وزير المواصلات رقم 27 لسنة 1948 الصادر نفاذاً للمادة 15 من ذلك القانون قد نص على خضوع المرشدين للأوامر الصادرة من مدير عام مصلحة المواني والمنائر فضلاً عن تعليمات رئيس هيئة الإرشاد والتابعين لها (م 9)، وأن لرئيس الهيئة توقيع جزاءات معينة على ما يرتكبه المرشد من مخالفات وأنه يشترك في مجلس التأديب الخاص بالمرشدين (م. 1، 15) وكانت اللائحة الداخلية لهيئة إرشاد البوغاز بميناء الإسكندرية الصادرة في سنة 54 قد أوردت أن لهيئة الإرشاد شخصية معنوية مستقلة (م 6/ 2) وأن لها ممتلكات خاصة وأموالاً سائلة (م 3) وأن لها إيراداتها ومصروفاتها واحتياطيها (المواد 4 – 8)، كما بينت طريقة احتساب الأجر الذي يتقاضاه المرشد أثناء الخدمة والحصة التي تؤدى له عقب إحالته إلى المعاش (المواد 14 - 18) وأوضحت خضوع المرشدين من ناحية تنظيم العمل والأصول الفنية للرؤساء المباشرين ثم لرئيس الهيئة الذي يحق له إصدار التعليمات وتوقيع الجزاءات التي خوله إياها القانون والتحقيق في الشكاوى المقدمة وعرض أمرها على مجلس الإدارة (المواد 24 و32 و33) فإن مفاد هذه المواد مجتمعة أن هيئة الإرشاد بميناء الإسكندرية تتمتع بالشخصية المعنوية ولها رأس مال يتكون من حصيلة رسوم الإرشاد، وأن لهذه الهيئة على مرشديها سلطة فعلية في رقابتهم وتوجيهم، وأنها توفيهم الأجور المستحقة لهم بما يتوافر معه عنصرا التبعية والأجر وهما الخصيصتان الأساسيتان لعقد العمل، ولا يغير من ذلك تدخل مصلحة المواني والمنائر في تعيين المرشدين وترقيتهم وتأديبهم لأن ذلك هو من قبيل ما تمارسه الدولة من إشراف على المرافق لحسن تسييرها وضمان انتظامها، ولئن خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ونفى علاقة التبعية بين المرشد وهيئة الإرشاد إلا أنه لما كانت المادة 18 من اللائحة الداخلية لهيئة الإرشاد قد نصت في فقرتها الثانية على أنه "لا يستحق مرشد البوغاز أي معاش أو مكافأة من أي نوع في حالة تركه الهيئة لالتحاقه بأي عمل آخر أو توظفه بأي شركة من الشركات أو أي جهة من الجهات"، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن الطاعنين لا يستحقون معاشاً طبقاً لتلك المادة تأسيساً على أن التحاقهم بهيئة القناة لم يكن جبراً عنهم بل تم بمحض اختيارهم، واستدل الحكم على ذلك بأن فريقاً ممن رشحوا آثر البقاء بينما تقدم غيرهم ممن لم يتناوله الترشيح والتحق بالعمل في هيئة قناة السويس، وكان لذلك القول سنده من الأوراق المقدمة في الدعوى، إذ بإجراء المقارنة بين أسماء المرشحين العشرة الواردة بمحضر مجلس إدارة الهيئة المطعون عليها بتاريخ 27 من يوليو سنة 1956 بالكشف المرسل إلى هيئة القناة (مستند رقم 11 و16 من ملف الاستئناف) وبين أسماء الطاعنين الذي التحقوا بالعمل بهيئة قناة السويس يبين أن عدد المرشحين عشرة بينما عدد الطاعنين سبعة، وأن الطاعنين الرابع والسادس اللذين التحقا بالعمل بهيئة قناة السويس لم يكونا من بين من رشحتهم الهيئة المطعون عليها، لما كان ذلك وكان لقاضي الموضوع السلطة في بحث ما يقدم له من الدلائل والمستندات وفي موازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما يطمئن إليه منها وفي استخلاص ما يراه متفقاً مع واقع الدعوى ولا رقابة عليه لمحكمة النقض في ذلك متى كان استخلاصه سليماً ومستمداً من الأوراق، وكان ما انتهى إليه الحكم على النحو السالف بيانه هو استخلاص سائغ وله أصله الثابت في الأوراق ويكفي لحمل قضائه، فلا عليه إن هو لم يرد على ما أثاره الطاعنون من دفاع في سبب النعي، إذ بحسب قاضي الموضوع أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، ولا عليه بعد ذلك أن يتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم وأن يرد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه ما دام قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها في الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات، لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور يكون على غير أساس - ولا يعيب الحكم عيباً يوجب نقضه خطؤه في تكييف العلاقة بين المرشد وهيئة الإرشاد إذ لم يكن له تأثير على النتيجة السليمة التي انتهى إليها من عدم استحقاق الطاعنين للمعاش المطلوب، وحسب محكمة النقض أنها أسبغت على هذه العلاقة وصفها الصحيح.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
(1) نقض 16/ 6/ 1970 مجموعة المكتب الفني السنة 21 ص 1055.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق