جلسة 20 من إبريل سنة 1971
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام.
------------------
(78)
الطعن رقم 383 لسنة 36 القضائية
(أ، ب) أهلية. "عوارض الأهلية". "السفه". عقد. "العقد الباطل". بطلان. "بطلان التصرفات". أحوال شخصية.
(أ) لتسجيل طلب الحجر ما لتسجيل قرار الحجر من آثار. تصرفات المحجور عليه للسفه بعد تسجيل طلب الحجر قابلة للإبطال دون حاجة لإثبات أن التصرف كان نتيجة استغلال أو تواطؤ.
(ب) التصرف الصادر من السفيه قبل تسجيل قرار الحجر. يكفي لإبطاله أن يكون نتيجة استغلال أو تواطؤ. اجتماعهما غير لازم. الاستغلال والتواطؤ. المقصود بكل منهما.
(ج) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الأدلة". نقض. "سلطة محكمة النقض".
سلطة محكمة الموضوع في الأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة دون رقابة من محكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب تحمله.
(د) إثبات. "حجية الأوراق العرفية". إرث. "حجية المحررات الصادرة من المورث". خلف.
حجية تاريخ المحررات الصادرة من المورث قبل الوارث ولو لم يكن ثابتاً ثبوتاً رسمياً. سواء صدر إلى وارث أو غير وارث ما لم يقم الدليل على عدم صحته.
(هـ) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة والقرائن". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير شهادة الشهود والقرائن". نقض. "سلطة محكمة النقض".
سلطة محكمة الموضوع في تقدير أقوال الشهود والقرائن، واستخلاص ما تقتنع به منها، والأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة. لا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
(و) إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن". حكم. "تسبيب الحكم". استئناف.
محكمة الاستئناف غير ملزمة بالتحدث عن كل من القرائن غير القانونية من طريق الاستنباط. هي غير مكلفة بتتبع أقوال الخصوم أو أسباب الحكم الابتدائي بشأنها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضده الدعوى رقم 534 سنة 1963 كلي الزقازيق طلب فيها الحكم بإبطال العقد المؤرخ 1/ 10/ 1951 الصادر من والده المرحوم حسن متولي ميدان إلى المطعون ضده ببيعه له عشرة قراريط أطياناً زراعية مبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، وقال بياناً لذلك إنه تقدم إلى محكمة الزقازيق الابتدائية للأحوال الشخصية بطلب سجل في 7/ 11/ 1951 لتوقيع الحجر على والده "البائع" للسفه وقضت المحكمة في 27/ 4/ 1952 بإجابته إلى طلبه وتعيينه قيماً على والده، غير أن المطعون ضده استغل حالة سفه المحجور عليه واستصدر منه العقد المطالب بإبطاله وسارع إلى رفع الدعوى رقم 91 سنة 1952 مدني كلي الزقازيق بطلب الحكم بصحته ونفاده والتي انتهت صلحاً بين طرفيها، وإذ يحق له إبطال هذا العقد فقد أقام دعواه بطلباته السابقة. وبتاريخ 22/ 12/ 1964 قضت المحكمة الابتدائية بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن عن أن عقد البيع قد تم بعد تسجيل طلب الحجر وأنه أعطى تاريخاً سابقاً هو التاريخ الذي يحمله، وأن المطعون ضده يعلم وقت التعاقد باتخاذ إجراءات الحجر ضد البائع وأن التعاقد كان بسوء نية. وبتاريخ 16/ 11/ 1965 وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت للطاعن بطلباته. استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 9 سنة 9 ق المنصورة (مأمورية الزقازيق) ومحكمة الاستئناف حكمت في 8/ 5/ 1966 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بأولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ويقول في بيان ذلك إن الحكم أقام قضاءه برفض الدعوى على ما قرره من أنه لا يكفي لإبطال تصرف السفيه الصادر قبل تسجيل قرار الحجر مجرد علم المتصرف إليه بطلب الحجر بل يشترط أن يثبت إلى جانب هذا العلم أن التصرف كان نتيجة استغلال أو تواطؤ وهو ما لم يثبته الطاعن. هذا في حين أن طلب توقيع الحجر قد سجل فور تقديمه وأنه يترتب على تسجيل طلب الحجر ما يترتب على تسجيل قرار الحجر نفسه من اعتبار التصرف الصادر من المحجور عليه باطلاً أو قابلاً للإبطال، وإذ لم يرتب الحكم على تسجيل طلب الحجر هذا الأثر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وإن كان مؤدى ما تقضي به المادة 1028 من قانون المرافعات أنه يترتب على تسجيل طلب الحجر ما يترتب على تسجيل قرار الحجر نفسه من تطبيق أحكام القانون المدني، بحيث تكون تصرفات المحجور عليه للسفه الصادرة بعد تسجيل طلب الحجر قابلة للإبطال عملاً بنص المادة 115/ 1 من القانون المدني دون حاجة إلى إثبات أن التصرف كان نتيجة استغلال أو تواطؤ، إلا أن مجال إعمال هذا النص أن يكون التصرف صادراً بعد تسجيل طلب الحجر. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه برفض دعوى إبطال العقد الصادر إلى المطعون ضده على نفي ما ادعى به الطاعن من أن هذا العقد قد صدر من والده إلى المطعون ضده بعد تاريخ تسجيل طلب الحجر وأرده في هذا الخصوص قوله "تلاحظ المحكمة بداءة أن صحيفة الدعوى الافتتاحية لم تتضمن طعناً على تاريخ العقد المطلوب إبطاله بل إنها عولت على تاريخ دعوى صحة ذلك التعاقد وكونها قد رفعت بعد تسجيل طلب الحجر ولو كان صحيحاً ما ذهب إليه المدعي "الطاعن" بعد ذلك بشأن تاريخ العقد وإدعاؤه بأنه لاحق على تسجيل طلب الحجر في 7/ 11/ 1951 لما أغفل تلك الواقعة على أهميتها مما يوحي إلى المحكمة بأن تلك الواقعة قد ران عليها الشك من مطلع الدعوى، على أنه وهو المطالب بإثبات دعواه الماثلة لم يقدم دليلاً تطمئن إليه المحكمة في صدد إثبات الدعوى برمتها، ذلك أن شاهده الأول قد قرر بأنه علم بأن العقد موضوع النزاع تم في سنة 1952 في حين أن الثابت من الأوراق أنه قدم عنه طلب للشهر في 25/ 12/ 1951 بما ينقض أقوال هذا الشاهد كما ينقضها وبتناقض معها أيضاً أقوال الشاهد الثاني للمدعي "الطاعن" إذ قرر بما مؤداه أن العقد قد تم في آخر سنة 1951". وإذ جاء ما حصله الحكم في هذا الخصوص سائغاً ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها من أن التصرف قد صدر قبل تسجيل طلب الحجر، وكان التصرف الصادر من السفيه في مثل هذه الحالة لا يكون وفقاً لما نصت عليه المادة 115/ 2 من القانون المدني باطلاً أو قابلاً للإبطال إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ، فإن الحكم إذ استلزم إثبات توافر أحد هذين الأمرين بعد أن حصل في أسباب سائغة وعلى النحو السالف بيانه أن التصرف المنعي عليه قد صدر قبل تسجيل طلب الحجر، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويكفي لحمله فيما انتهى إليه في هذا الخصوص. لما كان ذلك، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون فيما استطرد إليه بعد ذلك يكون غير منتج طالما أن الحكم يستقيم بدونه.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ويقول في بيان ذلك إن الحكم ذهب إلى أنه لا يكفي لإبطال التصرف علم المتصرف إليه بما كان يتردى فيه التصرف من سفه بل يجب أن يثبت إلى جانب هذا العلم قيام الاستغلال أو التواطؤ. هذا في حين أن الثابت من ظروف التصرف وملابساته أن المطعون ضده كان على علم بحالة المتصرف المستوجبة للحجر وأنه بالرغم من علمه بها، أقدم على التعامل معه مغتنماً هذه الفرصة بحصوله منه على عقد البيع محل النزاع وهو ما يتوافر به عنصر الاستغلال على النحو الذي يتطلبه القانون في هذه الحالة، هذا إلى أن الحكم قد أغفل القرائن الثابتة بأوراق الدعوى والتي تدل على الاستغلال والتواطؤ وسوء النية لدى المطعون ضده على الوجه الوارد في معرض سرده للوقائع، وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال علاوة على خطئه في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي في شقه الأول مردود، ذلك أنه يشترط وفقاً للفقرة الثانية من المادة 115 من القانون المدني لإبطال التصرف الصادر من السفيه قبل تسجيل قرار الحجر أن يكون نتيجة استغلال أو تواطؤ، والمقصود بالاستغلال - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يعلم الغير بسفه شخص فيستغل هذه الحالة ويستصدر منه تصرفات لا تتعادل فيها التزاماته مع ما يحصل عليه من فائدة، فلا يكفي لإبطال التصرف أن يعلم المتصرف إليه بما كان يتردى فيه المتصرف من سفه، بل يجب أن يثبت إلى جانب هذا العلم قيام الاستغلال أو التواطؤ، كما أنه لا يكفي لتحقق الاستغلال أن يكون المتصرف إليه قد أبرم مع المتصرف العقد بقصد الاستغلال، إذ أنه بفرض توافر هذا القصد لدى المتصرف إليه فإنه لا يكفي بذاته لإبطال العقد بل يجب لذلك أن يثبت أنه استغل المتصرف فعلاً وحصل من وراء هذا العقد على فوائد أو ميزات تجاوز الحد المعقول حتى يتحقق الاستغلال بالمعنى الذي يتطلبه القانون، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى نفي توافر الاستغلال لدى المطعون ضده بالمعنى السابق بيانه، ورتب على ذلك عدم إبطال التصرف الصادر إليه من المحجور عليه قبل تسجيل طلب الحجر فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون غير صحيح، والنعي في شقه الثاني مردود أيضاً، ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن عرف التواطؤ على وجهه الصحيح بأنه يكون بأنه يكون عندما يتوقع السفيه الحجر عليه فيعمد إلى التصرف في أمواله إلى من يتواطأ معه على ذلك بقصد تفويت آثار الحجر المرتقب، وأورد القرائن الدالة على عدم توافر الاستغلال والتواطؤ بالمعنى السالف بيانه، ثم قرر أنه لا حاجة بعد ذلك إلى مناقشة القرائن التي ساقها الطاعن للتدليل على صحة دعواه طالما أن المحكمة رأت فيما قدمته ما يدحضها. وإذ لا يعد هذا من الحكم إغفالاً لتلك القرائن بل إسقاطاً صريحاً لها بعد أن رأت المحكمة عدم كفايتها في إثبات عنصري الاستغلال والتواطؤ، وكان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة وإطراح ما عداه ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب تكفي لحمله وتسوغ النتيجة التي انتهت إليها، فإن النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال لإطراحه القرائن التي أوردها الطاعن وأخذه بدفاع المطعون ضده يكون على غير أساس.
وحيث إن هذا الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، ويقول في بيان ذلك إن الحكم استند في قضائه بعدم إبطال التصرف إلى أن الطاعن لم يضمن صحيفة دعواه طعناً على تاريخ العقد موضوع الدعوى، وإلى أن أحد شاهديه قد شهد في التحقيق الذي أجرته المحكمة بأن هذا العقد قد تم في سنة 1952، بينما الثابت أنه قدم عنه طلب للشهر العقاري في 25/ 12/ 1951 مما ينقض أقوال هذا الشاهد، كما ينقضها أقوال شاهده الآخر إذ قرر أن العقد تم في آخر سنة 1951 وإلى أن الطاعن تراخى في رفع دعواه حتى سنة 1963، هذا في حين أن دفاع الطاعن كان يقوم من أول الأمر على أن عقد البيع يعتبر ذا تاريخ ثبات من تاريخ رفع الدعوى بصحته ونفاذه أو من تاريخ إثبات مضمونه في الطلب المقدم عنه إلى الشهر العقاري، ولم ير الطاعن حاجة إلى المنازعة في صحة التاريخ العرفي الذي يحمله العقد طالما أنه لا يحاج بالتصرف الصادر من المحجور عليه قبل تسجيل قرار الحجر إلا إذا كان التصرف ثابت التاريخ، وأضاف الطاعن أن باقي الأسباب التي استند إليها الحكم لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها على النحو سالف الذكر ذلك أن اختلاف الشاهدين في تاريخ صدور العقد لا يدل على التناقض، وأن استناد الحكم إلى تأخر الطاعن في رفع دعواه للتدليل على عدم صحتها استناد فاسد لأن لصاحب الحق الحرية في اختيار الوقت الذي يراه مناسباً للالتجاء إلى القضاء. هذا إلى أن الحكم لم يرد على ما ساقه الحكم المستأنف من أسباب استدل بها على سوء نية المطعون ضده وتواطؤه مع المحجور عليه وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب فوق خطئه في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول، بأنه لما كان الوارث بحكم كونه خلفاً لمورثه لا يعد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من الغير طبقاً للمادة 395 من القانون المدني، بل حكمه بالنسبة إلى المحررات غير الرسمية التي يكون المورث طرفاً فيها هو حكم مورثه، ويكون تاريخها - بحسب الأصل - حجة عليه ولو لم يكن ثابتاً ثبوتاً رسمياً سواء أكانت الورقة صادرة إلى وارث أو إلى غير وارث ما لم يقم الدليل على عدم صحته، وإذ يبين من الحكم المطعون فيه أنه التزم هذا النظر وانتهى في حدود سلطته الموضوعية وبأسباب سائغة على ما سلف بيانه في الرد على السبب الأول إلى نفى ما ادعاه الطاعن من عدم صحة التاريخ الذي يحمله العقد، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون في هذا الخصوص يكون على غير أساس. والنعي في شقه الثاني مردود بأن لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أقوال الشهود والقرائن واستخلاص ما تقتنع به منها متى كان استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق، وهي إذ تباشر سلطتها في تقدير الأدلة تملك الأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة كافية لحمله، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كانت الأدلة التي أوردتها من شأنها أن تؤدي إلى هذه النتيجة. ولما كان الحكم المطعون فيه بعد أن أشار إلى التناقض بين أقوال شاهدي الطاعن على النحو السالف ذكره في الرد على السبب الأول قرر ما يلي "على أن أقوال هذين الشاهدين قاصرة عن إثبات التواطؤ والاستغلال بالمعنى الذي تشير إليه المادة 115 من القانون المدني. فإذا أضيف إلى ذلك أن ذلك الشاهد الأول يقرر أن البيع موضوع النزاع قد تم انتقاماً من طالب الحجر، وأن المستأنف "المطعون ضده" قد وضع يده بالقوة على العين محل البيع في آخر مايو سنة 1952، فإذا روعي مع هذا الذي قرره أن الثابت من الأوراق أن طالب الحجر قد عين قيماً على البائع في 27 إبريل سنة 1952، وأنه وهو المدعي حالياً "الطاعن" قد تراخى في رفع الدعوى منذ ذلك التاريخ حتى 17/ 7/ 1963، وبعد وفاة ذلك البائع، فإنه لو كان صحيحاً ما يدعيه في دعواه، وقد حرر البيع انتقاماً منه، لسارع إلى رفع دعواه التي يدعي فيها بغير دليل أن البيع تم تواطؤاً لتفويت آثار الحجر المرتقب، ولئن كان موقفه هذا مما لا يسقط دعواه إلا أن فيه مع تلك الظروف مجتمعة ما يجعل دعواه بعيدة عن التصديق، أما تلك القرائن التي ساقها المدعي "الطاعن" والحكم المستأنف دليلاً على صحة الدعوى، فإنها قاصرة عن إثبات التواطؤ والاستغلال المدعى بهما بالمعنى المتقدم. كما أنها مردودة في هذا الصدد بما سبق وانتهت إليه المحكمة، وغني عن البيان أن ليس على هذه المحكمة مناقشة تلك القرائن إذا رأت فيما قدمته ما يدحضها في صدد إثبات الدعوى". لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه إذ رفض الأخذ بأقوال شاهدي الطاعن على أساس أنها قاصرة ومتناقضة وتخالف ما هو ثابت في أوراق الدعوى، قد مارس سلطته الموضوعية ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك، وكانت القرائن التي استند إليه الحكم مستمدة من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وكان ما أورده الحكم - وعلى ما سلف البيان - يكفي لحمل قضائه برفض طلب الطاعن إبطال التصرف ويتضمن الرد على دفاعه، فإن محكمة الاستئناف لا تكون بعد ملزمة بالتحدث في حكمها عن كل قرينة من القرائن غير القانونية التي يدلي بها الخصوم استدلالاً على دعواهم من طريق الاستنباط، كما أنها غير مكلفة بأن تتبع أقوال الطاعن أو أسباب الحكم الابتدائي بشأنها وترد على كل منها استقلالاً، إذ أن في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها، التعليل الضمني لإطراح هذه الأقوال. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية في تقدير محكمة الموضوع للأدلة بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذت بها تلك المحكمة، وهو ما لا يجوز. لما كان ذلك، فإن النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب على النحو الذي يثيره الطاعن يكون على غير أساس.
(1) نقض 28/ 5/ 1970 مجموعة المكتب الفني. السنة 21 ص 920.
(2) نقض 11/ 3/ 1969 مجموعة المكتب الفني. السنة 20 ص 404.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق