الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 أكتوبر 2020

الطعن 464 لسنة 36 ق جلسة 21 / 12 / 1971 مكتب فني 22 ج 3 ق 179 ص 1062

جلسة 21 من ديسمبر سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، ومحمود عمر المصري، وأحمد فتحي مرسي.

----------------

(179)
الطعن رقم 464 لسنة 36 القضائية

(أ) مسئولية. "مسئولية الطبيب". التزام. "التزام ببذل عناية".
التزام الطبيب. التزام ببذل عناية. مساءلته عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف. وأيضاً عن خطئه العادي أياً كانت درجة جسامته.
(ب) نقض. "سلطة محكمة النقض". مسئولية.
حق محكمة النقض في مراقبة محكمة الموضوع في وصفها للفعل أو الترك بأنه خطأ يستوجب المسئولية المدنية.
(ج) مسئولية. "عناصر المسئولية". "علاقة السببية". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
استخلاص علاقة السببية بين الخطأ والضرر يدخل في تقدير محكمة الموضوع.
(د) حكم. "عيوب التدليل". "ما يعد قصوراً". مسئولية. "مسئولية الطبيب".
استناد الحكم في قضائه بمسئولية الطبيب - فضلاً عن إهماله في علاج عين المضرور وملاحظتها ورعايتها بعد إجراء الجراحة فيها - إلى تراخيه في إجراء التداخل الجراحي فور ظهور عدم جدوى العلاج الدوائي، عدم استظهاره أن العلاج الدوائي الذي اتبعه الطبيب كان لا يتفق مع الأصول المستقرة في علم الطب. خطأ وقصور.

--------------
1 - التزام الطبيب - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة (1) - ليس التزاماً بتحقيق نتيجة هي شفاء المريض، وإنما هو التزام ببذل عناية، إلا أن العناية المطلوبة منه تقتضي أن يبذل لمريضه جهوداً صادقة يقظة تتفق في غير الظروف الاستثنائية مع الأصول المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسئول، كما يسأل عن خطئه العادي أياً كانت درجة جسامته.
2 - لمحكمة النقض أن تراقب محكمة الموضوع في وصفها للفعل أو الترك بأنه خطأ مما يستوجب المسئولية المدنية.
3 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة (2) - أن استخلاص محكمة الموضوع لعلاقة السببية بين الخطأ والضرر هو مما يدخل في تقديرها متى كان سائغاً.
4 - إذا كان الحكم لم يستند في قضائه بمسئولية الطاعن بصفته إلى الخطأ الثابت في جانبه - وهو الإهمال في علاج وملاحظة ورعاية عين المطعون ضده - فحسب، وإنما استند أيضاً إلى تراخي أطباء المستشفى العسكري العام في إجراء التداخل الجراحي مدة تقرب من الشهرين، مع أن حالة المطعون ضده كانت تستلزم المبادرة باتخاذ هذا الإجراء فور ظهور عدم جدوى العلاج الدوائي الذي استمر عليه طوال تلك المدة، دون أن يتحقق الحكم من أن العلاج الدوائي الذي اتبعه الأطباء مع المطعون ضده على النحو الذي أورده كبير الأطباء الشرعيين في تقريره الذي اعتمد عليه الحكم في قضائه كان لا يتفق مع ما تقضي به الأصول المستقرة في علم الطب، وهو ما يجب توافره لمساءلة الطبيب عن خطئه الفني فإن الحكم المطعون فيه يكون فوق خطئه في تطبيق القانون في هذا الخصوص قد شابه القصور في التسبيب بما يستوجب نقضه، طالما أنه قضى بتعويض إجمالي عن الأضرار التي حاقت بالمضرور. ومن بينها الضرر الناجم عن خطأ الطاعن في التراخي في إجراء التداخل الجراحي، والذي قصر الحكم في استظهار الشرط اللازم توافره لثبوته في حق أطباء المستشفى العسكري العام على النحو السالف بيانه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن بصفته الدعوى رقم 3347 سنة 1961 مدني كلي القاهرة - وطلب فيها الحكم بإلزامه بأن يؤدي له مبلغ خمسة وعشرين ألفاً من الجنيهات على سبيل التعويض. وقال بياناً لدعواه إنه التحق بالكلية الحربية في يناير سنة 1957 وظل يواصل دراسته بها حتى وصل إلى السنة النهائية وأشرف على إتمام دراسته، وقبيل الامتحان النهائي أصيب بمرض في عينيه نتيجة الجهد الذي كان يبذله في أداء واجباته الدراسية ولما عرض نفسه على طبيب الكلية وفق ما تقضي به التعليمات والأوامر شخص مرضه بأنه رمد ربيعي ووصف له العلاج اللازم لهذا المرض، وأمره بالاستمرار في دراسته غير أن هذا العلاج لم يجد، وإذ تبين بعد ذلك أن هذا المرض الذي استشرى في عينيه هو في حقيقته، "جلوكوما" فقد أحالته الكلية إلى المستشفى العسكري العام حيث أجريت له عمليتان جراحيتان باءتا بالفشل، وأسفرتا عن فقد إبصار عينه اليسرى تماماً، وبقى بصيص من نور بعينه اليمنى ما لبث بدوره أن خبا، وكان ذلك بسبب خطأ وإهمال أطباء المستشفى في العلاج، ثم قامت الكلية بشطب اسمه من سجلاتها لعدم لياقته طبياً، وأنه إزاء ما لحقه من أضرار مادية وأدبية، فقد أقام دعواه بطلباته السالف بيانها، وبتاريخ 8/ 11/ 1962 ندبت محكمة أول درجة كبير الأطباء الشرعيين خبيراً في الدعوى لتوقيع الكشف الطبي على المطعون ضده لبيان سبب فقده لقوة الإبصار ومدى صحة تشخيص المرض الوارد بأوراق العلاج، وما إذا كان الطبيب المعالج قد ارتكب خطأ في التشخيص أو العلاج مع بيان درجة جسامة هذا الخطأ من الناحية الطبية، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة في 30/ 11/ 1965 بإلزام الطاعن بصفته بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ ثلاثة آلاف من الجنيهات. استأنفت المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 26 سنة 83 ق، كما استأنفه الطاعن بصفته بالاستئناف رقم 160 سنة 83 ق، ومحكمة استئناف القاهرة حكمت في 28/ 6/ 1966 في موضوع الاستئناف الأول بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بصفته بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ أثني عشر ألفاً من الجنيهات، وفي موضوع الاستئناف الثاني برفضه. طعن الطاعن بصفته في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه، الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، ويقول في بيان ذلك إن الحكم استند في إثبات توافر ركن الخطأ بالنسبة إلى أطباء المستشفى العسكري العام إلى أنهم تراخوا في إجراء التداخل الجراحي بعيني المطعون ضده مدة تقرب من الشهرين على الرغم من أن حالتهما لم تكن تستجيب للعلاج الدوائي، كما استند إلى إهمالهما في ملاحظة العين اليمنى بعد إجراء العملية الجراحية فيها، هذا في حين أن الثابت من الأوراق أنه بمجرد دخول المطعون ضده المستشفى في 10/ 2/ 1959 قام الأطباء بعد توقيع الكشف عليه بتشخيص مرضه، ووصفوا له الدواء وأولوه العناية التي تتناسب ودقة حالته، وفي يوم 7/ 3/ 1959 قاموا بعرضه على أحد الأطباء الأخصائيين المشهود له بالكفاية العلمية فقرر الاستمرار في العلاج الدوائي الذي وصفه، ولما أعيد عرضه عليه في 11/ 3/ 1959 أشار بالاستمرار في العلاج ذاته وظلت المستشفى تتابع حالة المطعون ضده إلى أن رأى هذا الطبيب الأخصائي في 31/ 3/ 1959 ضرورة الالتجاء إلى التداخل الجراحي، فأجريت له عملية جراحية بالعين اليمنى في 4/ 4/ 1959 نالت ما تستحقه من الاهتمام والرعاية، ثم توالت مناظرة العين يومياً حتى أجريت له عملية مماثلة بالعين اليسرى في 14/ 4/ 1959 وبتاريخ 12/ 5/ 1959 قام الأخصائي مناظرته فتبين له نجاح جراحة العين اليمنى وحصول التهاب في العين اليسرى، وأوصى بالعلاج الذي اتبعته المستشفى، وفي 1/ 11/ 1959 عرض المطعون ضده على طبيب أخصائي آخر فرأى مواصلة السهر في العلاج الدوائي، ثم قرر في 19/ 1/ 1960 أن الحالة المرضية بالعين اليمنى متقدمة والعصب البصري ضامر ولا جدوى من إجراء جراحة لها، واستطرد الطاعن قائلاً أنه يبين مما سلف بيانه أن العلاج الدوائي الذي اتبعه أطباء المستشفى العسكري في علاج المطعون ضده في الفترة السابقة على إجراء التداخل الجراحي كان ضرورياً ولا يخرج عن القواعد المقررة في علم الطب فقد أقره الطبيب الأخصائي عندما عرض عليه المطعون ضده بعد مضي عشرين يوماً من استعمال العلاج الدوائي وأشار بالاستمرار فيه طوال المدة الباقية التي كان فيها تحت إشرافه إلى أن تقرر إجراء التداخل الجراحي، وإذ كان الطبيب لا يسأل إلا عن المخالفة الواضحة للمبادئ المسلم بها في علم الطب، وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن التراخي في التداخل الجراحي والبدء بالعلاج الدوائي واستمراره طيلة المدة السابقة على إجراء هذا التداخل وهي تقرب من الشهرين يعد خطأ من جانب أطباء المستشفى موجباً لمساءلتهم دون أن يتحقق الحكم من أن مسلك هؤلاء الأطباء في العلاج يتنافى مع الأصول المستقرة في علم الطب، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، كما أن الحكم قد أخطأ إذ نسب إلى أطباء المستشفى أنهم لم يبذلوا العناية الكافية في ملاحظة العين اليمنى ورعايتها بعد إجراء الجراحة فيها وهو ما أدى إلى فقد قوة إبصارها، واعتبر ذلك منهم خطأ يستوجب مسئوليتهم مع أن أوراق العلاج تشهد بأن هذه العين قد نالت بعد إجراء الجراحة فيها كل ما تستحقه من الرعاية، وأنه لم يقع من هؤلاء الأطباء ما يعد خطأ، الأمر الذي ينتفي معه ثبوت ركن الخطأ في جانبهم، ويضيف الطاعن أن رأي كبير الأطباء الشرعيين الذي اعتمد عليه الحكم في قضائه في هذا الخصوص لم يكن قاطعاً في أنه لو كانت المستشفى قد تفادت الخطأ الذي نسبه إليها وهو عدم بذل العناية الكافية للعين اليمنى بعد إجراء الجراحة فيها لأدى ذلك إلى نتيجة أفضل مما انتهت إليه حالة المطعون ضده، إذ أنه ضمن تقريره أن إصابة صغار السن بالجلوكوما الابتدائية كثيراً ما ينتهي إلى ذات النتيجة ولو بذلت العناية الفنية الكاملة بما ينبني عليه انتفاء رابطة السببية بين الضرر والخطأ المنسوب إلى الطاعن على النحو السالف ذكره، طالما أن هذا الخطأ أمر يجري عليه الشك، هذا إلى أن الطاعن بصفته قد تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن كبير الأطباء الشرعيين قام بفحص العين اليمنى بعد مضي أكثر من سنتين على حصول التداخل الجراحي، مما لا يتصور معه أن يكون تقريره في شأن رعاية هذه العين قد كشف عن الحقيقة الطبية التي يمكن أن يستقيم معها غير أن الحكم اعتبر ما وقع من أطباء المستشفى في هذا الخصوص خطأ ورتب عليه مسئولية الطاعن بصفته عن تعويض الضرر الذي أصاب المطعون ضده عن هذا الخطأ، ولم يرد على هذا الدفاع الجوهري، مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بمسئولية الطاعن بصفته على قوله "إن كبير الأطباء الشرعيين ذكر في تقريره إنه وإن كان التداخل الجراحي الذي أجرى للمستأنف ضده (المطعون ضده) قد أجري وفق الأصول الفنية الصحيحة، وأنه ليس ثمة ما يكون نسبته إلى المستشفى من خطأ أو إهمال في هذا الصدد، إلا أنه من ناحية أخرى فإن هذا التداخل الجراحي قد أجرى متأخراً بعد أن كان قد انقضى على بدء العلاج بالمستشفى حوالي الشهرين رغم ما هو ثابت بالأوراق الطبية من حصول نقص واضح في الإبصار بالعين اليمنى من 6/ 9 إلى 6/ 60 وبالعين اليسرى من 6/ 36 إلى 6/ 60 وبالرغم من أن توتر العينين لم يستقر على وضع ثابت، وكان الأجدر التبكير بالعلاج الجراحي ما دامت حالة العينين لا تستجيب للعلاج الدوائي، فضلاً عن أن العين اليمنى لم توضع بعد العملية تحت الملاحظة الكافية لقياس قوة إبصارها وتوترها وميدان النظر في فترات متضاربة، رغم ما هو ثابت بالأوراق من عدم استقرار حالتها واستمرار شكوى المريض من الصداع بحيث ازدادت التغيرات الضمورية بالعصب البصري حتى فقدت العين إبصارها دون اتخاذ إجراء آخر لعلاج التوتر الغير مستقر في هبوطه وأنه يؤخذ على المستشفى أنها وقد تبين لها عدم استجابة عين المريض للعلاج الطبي فإنه يكون من الضروري أن تبادر بإجراء الجراحة بعين المصاب بمجرد أن تبين عدم استجابتها للعلاج الدوائي، وأن العين اليمنى لو لوحظت بعد الجراحة للتعرف على مدى احتياجها لعلاج آخر أو جراحة ثانية تجري في الوقت المناسب لكان من المحتمل أن يسفر العلاج عن نتيجة أفضل مما انتهت إليه حالة المريض وهذا الذي ذهب إليه كبير الأطباء الشرعيين في تقريره واضح الدلالة على قيام الخطأ في العلاج الذي أسفر عن الأضرار الجسيمة التي حاقت بالمستأنف ضده "المطعون ضده" طالب التعويض. وأما قول المستأنف "الطاعن" أنه استعان بطبيبين أخصائيين فإنه لا يدرأ عنه شبهة الخطأ، ذلك أن أولهما لم يستدع إلا بعد دخول المريض بحوالي شهر، وإذا كان هذا الأخصائي قد أشار بعلاج دوائي فإن هذا لا يعفي المستأنف "الطاعن" من المسئولية تلقاء الثابت من تقرير كبير الأطباء الشرعيين من أن حالة مثل هذا المريض كانت تستدعي التداخل الجراحي فور اكتشاف حقيقة المرض، وخطأ هذا الأخصائي في العلاج لا يعفي المستأنف "الطاعن" من المسئولية، وأما الأخصائي الآخر وهو الدكتور محمود عبد الحميد عطيه فإنه لم يستدع إلا بعد إجراء الجراحة بوقت طويل ولا يشفع ما أشار به من علاج دوائي بعد الجراحة في نفي المسئولية عن الطاعن في التداخل الجراحي الذي كان يجب المبادرة به فور اكتشاف طبيعة المرض" ومفاد هذا الذي قرره الحكم أنه اعتبر التراخي في إجراء التداخل الجراحي بعيني المطعون ضده مدة تقرب من الشهرين على الرغم من أن حالته كانت تستلزم ضرورة المبادرة باتخاذ هذا الإجراء على أثر ظهور عدم جدوى العلاج الدوائي - اعتبر الحكم ذلك خطأ من جانب أطباء المستشفى العسكري العام لا يبرره تذرعهم بأنهم استعانوا في علاج المطعون ضده بطبيبين أخصائيين، وأنه إلى جانب هذا الخطأ يقوم خطأ آخر وقع فيه أطباء المستشفى العسكري العام هو أنهم لم يبذلوا العناية الكافية للعين اليمنى بعد إجراء الجراحة فيها، وقد أدى ذلك إلى فقد إبصار هذه العين، وأن هذين الخطأين يوجبان مساءلة الطاعن بصفته. ولما كان التزام الطبيب - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس التزاماً بتحقيق نتيجة هي شفاء المريض، وإنما هو التزام ببذل عناية إلا أن العناية المطلوبة منه تقتضي أن يبذل لمريضه جهوداً صادقة يقظة تتفق في غير الظروف الاستثنائية مع الأصول المستقرة في علم الطب فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسئول، كما يسأل عن خطئه العادي أياً كانت درجة جسامته. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد سجل في حدود سلطته التقديرية أخذاً بما أثبته كبير الأطباء الشرعيين في تقريره وعلى ما سلف البيان أن أطباء المستشفى العسكري العام لم يبذلوا العناية الواجبة في رعاية العين اليمنى بعد إجراء الجراحة فيها إذا لم توضع هذه العين بعد العملية الجراحية تحت الملاحظة الكافية، وذلك بقياس قوة إبصارها وتوترها وميدان النظر في فترات متقاربة، رغم ما هو ثابت بالأوراق من عدم استقرار حالتها واستمرار شكوى المطعون ضده من الصداع بحيث ازدادت التغييرات الضمورية بالعصب البصري حتى فقدت العين إبصارها دون اتخاذ إجراء آخر لعلاج التوتر الغير مستقر، واعتبر الحكم ذلك خطأ موجباً لمساءلتهم عن الضرر، وهو استخلاص من الحكم سائغ، وكان لمحكمة النقض أن تراقب محكمة الموضوع في وصفها للفعل أو الترك بأنه خطأ مما يستوجب المسئولية المدنية، وكان ما وصفه الحكم المطعون فيه بأنه خطأ وقع من الطاعن بصفته يصدق عليه وصف الخطأ بمعناه القانوني، وإذ كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استخلاص محكمة الموضوع لعلاقة السببية بين الخطأ والضرر هو مما يدخل في تقديرها متى كان سائغاً، وكان ما استخلصه الحكم في هذا الشأن وعلى ما سلف البيان هو استخلاص سائغ، وأنه لا يكفي لانتفاء هذه العلاقة ما أورده كبير الأطباء الشرعيين في تقريره من أن إصابة صغار السن بالأجلوكوما الابتدائية كثيراً ما تنتهي إلى ذات النتيجة التي وصل إليها المطعون ضده، ذلك أنه يجب لاستبعاد خطأ الطاعن كسبب للضرر أن يتوافر السبب المشار إليه في خصوصية هذه الدعوى، وأن يثبت أنه السبب المنتج في إحداث الضرر وكان التقرير قد اكتفى بإيراد رأي علمي مجرد على النحو السالف ذكره دون أن يثبت توافر هذا العامل الخلفي في خصوصية حالة المطعون ضده وأنه السبب المنتج في إحداث الضرر، فلا على الحكم إن هو لم يعتد به في نفي علاقة السببية. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى توافر عناصر المسئولية في هذا الخصوص في حق أطباء المستشفى العسكري أخذاً بالرأي الفني الذي أثبته كبير الأطباء الشرعيين في تقريره، فإن في ذلك الرد على ما أثاره الطاعن في شأن عدم الاعتداد بالتقرير في هذا الخصوص. لما كان ما تقدم جميعه فإن ما ذهب إليه الحكم من أن ما وقع من الطاعن بصفته على النحو السالف بيانه يعد خطأ يستوجب مسئوليته، وعلى هذا الأساس أدخل في عناصر التعويض الذي قضى به ما أصاب المطعون ضده من ضرر عن فقد إبصار عينه اليمنى نتيجة الإهمال في علاجها وملاحظتها ورعايتها بعد إجراء الجراحة فيها فإنه لا يكون مخطئاً في القانون أو مشوباً بالقصور في التسبيب ومن ثم فإن جميع ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد، إلا أنه لما كان الحكم لم يستند في قضائه بمسئولية الطاعن بصفته إلى الخطأ الثابت في جانبه فحسب، وإنما استند أيضاً إلى تراخي أطباء المستشفى العسكري العام في إجراء التداخل الجراحي مدة تقرب من الشهرين، مع أن حالة المطعون ضده كانت تستلزم المبادرة باتخاذ هذا الإجراء فور ظهور عدم جدوى العلاج الدوائي الذي استمر عليه طوال تلك المدة، دون أن يتحقق الحكم من أن العلاج الدوائي الذي اتبعه الأطباء مع المطعون ضده على النحو الذي أورده كبير الأطباء الشرعيين في تقريره الذي اعتمد عليه الحكم في قضائه، كان لا يتفق مع ما تقضي به الأصول المستقرة في علم الطب وهو ما يجب توافره لمساءلة الطبيب عن خطئه الفني، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون فوق خطئه في تطبيق القانون في هذا الخصوص قد شابه القصور في التسبيب بما يستوجب نقضه لذلك، طالما أنه قضى بتعويض إجمالي عن الأضرار التي حاقت بالمضرور ومن بينها الضرر الناجم عن خطأ الطاعن في التراخي في إجراء التداخل الجراحي والذي قصر الحكم في استظهار الشرط اللازم توافره لثبوته في حق أطباء المستشفى العسكري العام على النحو السالف بيانه.


 (1) نقض 26/ 6/ 1969 مجموعة المكتب الفني السنة 20 ص 1075.
 (2) نقض 3/ 1/ 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 11.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق