جلسة 6 من مارس سنة 1967
برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور
السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمود عزيز الدين سالم،
ونصر الدين عزام.
------------------
(66)
الطعن
رقم 2168 لسنة 36 القضائية
(أ، ب، ج) خطأ. مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. قتل خطأ. إصابة خطأ.
(أ) الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيا أو مدنيا. تقديره
موضوعي.
(ب) السرعة التي تصلح أساسا للمساءلة الجنائية في جريمتي القتل
والإصابة الخطأ. ماهيتها ؟ تقديرها موضوعي.
(ج) الخطأ المشترك لا يخلي المتهم من المسئولية. ما دام الحكم قد
أثبت قيامها في حقه.
(د) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
لمحكمة الموضوع استخلاص
الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع الأدلة وسائر العناصر المطروحة أمامها
وإطراح ما يخالفها من صور أخرى. ما دام استخلاصها سائغا.
--------------------
1 - تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيا أو مدنيا مما يتعلق
بموضوع الدعوى.
2 - من المقرر أن السرعة التي تصلح أساسا للمساءلة الجنائية في
جريمتي الموت والإصابة الخطأ هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف
المرور وزمانه ومكانه فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح. وتقدير السرعة كعنصر
من عناصر الخطأ مسألة موضوعية يرجع الفصل فيها إلى قاضي الموضوع.
3 - الخطأ المشترك لا يخلي المتهم من المسئولية، ما دام الحكم قد
أثبت قيامها في حقه.
4 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر
العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي
إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغا مستندا
إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها بالأوراق.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في 22 يناير سنة 1964
بدائرة قسم الخليفة: تسببا خطأ في موت رضا محمد أمين ونبيل عبد المنعم أحمد ومحمد
عبد المنعم إبراهيم وإصابة فتحي كمال سلام وشافعي ليثي حسنين وعبد المنعم شحاته
درويش وعباس أحمد عبد الوارث، وكان ذلك ناشئا عن إهمالهما وإحلالهما إخلالا حسبما
تفرضه عليهما أصول مهنتهما، بأن سمح المتهم الأول (محصل السيارة) بوجود المجني
عليها على سلمها بينما قادها المتهم الثاني على هذا النحو في طريق ضيق وانحرف بها
فيه دون حيطة وبغير إتباع الأصول الواجبة في القيادة فاصطدمت السيارة بحائط في
الطرق وأصيب المجني عليهم بالإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتي أودت بحياة
الثلاثة الأول منهم. الأول أيضا: وهو محصل سيارة نقل عام سمح بوجود ركاب على
سلمها. والثاني: قاد سيارة بكيفية تعرض حياة الأشخاص للخطر. وطلبت عقابهما بالمواد
238/ 1 - 2 و244/ 1 - 2 - 3 من قانون العقوبات و1 و2 و81 و88 و90 من القانون رقم
499 لسنة 1955 والقرار التنفيذي. وادعى مدنيا عبد المنعم إبراهيم بدوي بمبلغ ثلاثة
آلاف جنيه كتعويض عن قتل ابنه محمد عبد المنعم إبراهيم. كما ادعى عبد المنعم أحمد
مدنيا بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه تعويضا عن موت ابنه نبيل عبد المنعم أحمد قبل
المتهمين ومدير هيئة النقل العام بصفته المسئول عن الحقوق المدنية. ومحكمة الخليفة
الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 17 نوفمبر سنة 1964 عملا بمواد: (أولا) في الدعوى
الجنائية ببراءة المتهم الأول من التهمتين المنسوبتين إليه وبحبس المتهم الثاني
(الطاعن) سنتين مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لإيقاف التنفيذ عن التهمتين المسندتين
إليه. (ثانيا) في الدعوى المدنية برفض الدفع بعدم قبولها لرفعها من غير ذي صفة وبقبول
الدعوى ورفضها بالنسبة للمتهم الأول والمسئول بصفته وإلزام المتهم الثاني والمسئول
عن الحقوق المدنية بصفته متضامنين أن يدفعا ألف جنيه لكل من المدعيين بالحق المدني
عبد المنعم أحمد محمد وعبد المنعم إبراهيم بدوي وإلزامهما المصروفات وأتعاب
المحاماة. فاستأنف المحكوم عليه (الطاعن) والمسئول عن الحقوق المدنية. ومحكمة
القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بتاريخ 10 مارس سنة 1966 بقبول
الاستئنافين شكلا وفي الموضوع: (أولا) في الدعوى الجنائية: برفضها وتأييد الحكم
المستأنف. (ثانيا) في الدعوى المدنية: بتعديله وإلزام المتهم والمسئول عن الحقوق
المدنية بأن يدفعا متضامنين إلى كل من المدعيين بالحق المدني مبلغ أربعمائة جنيه
والمصاريف المناسبة. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الموت
والإصابة الخطأ قد شابه قصور في التسبيب وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن
الطاعن نفى انحرافه بالسيارة الأتوبيس قيادته ودلل على ذلك بما أثبتته المعاينة من
ضيق الطريق في محل الحادث إذ أن عرضه لا يتجاوز أربعة أمتار بحيث لا يتصور أن
تنحرف فيه السيارة التي يبلغ طولها تسعة أمتار إلا إذا اصطدمت بالحائط وتوقفت عن
المسير، ونفى احتكاك السيارة بالحائط على آثار طلاء، وعلل انخساف صاج السيارة بأنه
قديم وثابت بملف السيارة، واستدل على نفي السرعة بعدم تخلف أثار فرامل بالطريق
وتعذر القيادة بسرعة لطول السيارة وضيق الطريق فضلا عن وقوع الحادث قرب نهاية خط
سير السيارة، ودفع مسئوليته عن الجريمة بأن المجني عليهم كانوا يقفون على السلم
الخلفي للسيارة الذي يسأل المحصل عن ملاحظته طبقا لقانون المرور، فضلا عن أن سبب
الحادث إنما يرجع إلى كسر وردمان الباب الخلفي وهو أمر لا دخل لإرادته فيه، ومع
أهمية دفاعه، فإن المحكمة لم تعرض له بالرد والمناقشة مما يعيب حكمها بما يستوجب
نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي
الذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر
القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من
أقوال شهود الحادث ومن التقارير الطبية وما دلت عليه المعاينة. لما كان ذلك، وكان
الحكم قد عرض إلى دفاع الطاعن الموضوعي ورد عليه في قوله " حيث إن من مطالعة
أوراق القضية وما تم فيها من المعاينة وما أجرى فيها من تحقيق أن التصوير الصحيح
لوقوع الحادث كما تراه المحكمة هو أن المتهم الثاني السائق (الطاعن) قاد سيارته في
ذلك الطريق - الذي يسمح بالمرور فيه بحذر لأن عرضه لا يتجاوز أربعة أمتار - قاد
سيارته بسرعة ودون أن يأخذ حذره من البروز الواقع في حائط المدفن فاحتك جانب
السيارة الأيمن الخلفي بذلك البروز وأدى ذلك الاحتكاك إلى إختلال توازن الركاب
داخل العربة وسقوط أحدهم إلى الخارج وبالتالي سقوط الباقين الراكبين على السلم
الخلفي وانكسار الوردمان تبعا لذلك، وآية ذلك التصوير الاحتكاك المشاهد أثاره على
حائط المدفن البارز وما يقابله من آثار مماثلة وعلى ذات الإرتفاع بالجانب الخلفي
الأيمن للسيارة والجزء الأيمن الخلفي فيها بجوار الباب وآثار الدماء المشاهدة على
هذا الجزء، ولا يقدح في ذلك التصوير تلك الشهادة المقدمة من المتهم من قسم تحقيقات
بولاق إذ أنه فضلا عن خلوها من تحديد مكان الاحتكاك وارتفاعه فإنها تناقض ما ورد
في أقوال السائق فور الحادث من أنه رأى أثر زحام السلم من المرآة العاكسة الجانبية
أي أنها كانت سليمة ونفيه وجود آثار احتكاك بالسيارة، ومما يؤيد وجهة نظر المحكمة
في تصوير أقوال المصابين شافعي وعبد المنعم شحاته من أن السائق كان يقود السيارة
بسرعة واستطرد أولهما مقررا أنه اصطدم بسيارته بالبروز المشاهد بالحائط وقوله بحق
إن المتهم السائق كان يمكنه تفادي الحادث لو أنه كان يسير ببطء في مكان الحادث حتى
يمكنه السيطرة على العربة ومفاداة اصطدامها بذلك البروز. وأخيرا فإن قول الدفاع عن
المتهم الثاني بأن عرض الطريق في مكان الحادث لا يزيد عن 280 سم قول فيه مجافاة
للحقيقة وبعد عما هو ثابت بالأوراق من أن عرض الطريق 4 أمتار كما أنه ليس صحيحا ما
استنتجه الدفاع من تناثر آثار الدماء على مسافات متباعدة أن الحادث لم يقع نتيجة الاصطدام
بالبروز وإلا لتكدست أجساد المصابين في مكان واحد سابق على ذلك البروز، ذلك أن
التناثر مرجعه استمرار السائق في القيادة بعد احتكاكه بالبروز مما يستفاد منه أنه
لم يكن متبصرا طريقه وإلا لكان أوقف سيارته فور أن شعر بذلك الاحتكاك ويكون بذلك
قد قلل من آثار الكارثة التي تسبب في وقوعها... وإنه تفريعا على ما سلف فإن
الاتهام يكون ثابت قبل المتهم الثاني ويكون مدار خطئه أنه قاد السيارة بسرعة في
مكان يتحتم عليه فيه السير ببطء وانحرافه فعلا عن ذلك إلى اليمين دون مبرر رغم اتساع
الطريق لسير سيارته مما أدى إلى احتكاكه ببروز قائم في أحد جدران المقابر المقامة
في طريق سيره الأمر الذي يتعين معه معاقبته طبقا لمواد الاتهام ". لما كان
ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر
المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها
وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في
العقل والمنطق ولها أصلها بالأوراق. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من
أقوال المصابين شافعي ليثي حسانين وعبد المنعم شحاته وما دلت عليه معاينة محل
الحادث أن الطاعن قاد السيارة بسرعة في طريق ضيق كان يتحتم السير فيه ببطء وانحرف
إلى اليمين دون أن يأخذ حذره من بروز حائط أحد المقابر في هذا الطريق فاحتك به
جانب السيارة الأيمن الخلفي ونشأ عن ذلك اختلال توازن الركاب داخل السيارة مما أدى
إلى سقوط أحد الواقفين على السلم الخلفي إلى الطريق وبالتالي سقوط باقي ركاب السلم
إثر كسر وردمان الباب الخلفي فحدثت بهم عدة إصابات أودت بحياة ثلاثة منهم وإصابة
الباقين. وإذ ما كان الحكم قد أقام الحجة على مقارفة الطاعن لما أسند إليه بما
استخلصه من عناصر الدعوى في منطق سليم، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه
جنائيا أو مدنيا مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان الواضح من مدونات الحكم أن المحكمة
- في حدود ما هو مقرر لها من حق في وزن عناصر الدعوى وأدلتها - قد بينت الواقعة
على حقيقتها كما ارتسمت في وجدانها وردت الحادث إلى صورته الصحيحة من مجموع الأدلة
المطروحة عليها - ودللت تدليلا سائغا على ثبوت نسبة الخطأ إلى الطاعن ووقوع الحادث
نتيجة لهذا الخطأ، فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها
في عناصر اطمئنانها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من نعي على الحكم لالتفاته
عن التصدي لما ساقه من قرائن تشير إلى عدم سرعة السيارة وقت الحادث مردود بما هو
مقرر من أن السرعة التي تصلح أساسا للمسألة الجنائية في جريمتي الموت والإصابة
الخطأ هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه
فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح. وإذ ما كان الحكم قد استخلص في تدليل سائغ
أن سرعة السيارة الأتوبيس قد تجاوزت الحد الذي يقتضيه ضيق الطريق وطول هيكل
السيارة، وكان تقدير السرعة كعنصر من عناصر الخطأ هو مسألة موضوعية يرجع الفصل
فيها إلى قاضي الموضوع، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل في تقدير
أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها. أما القول بأن المحصل
مسئول عن ملاحظة السلم الخلفي طبقا لقانون المرور فمردود بأن الخطأ المشترك - بفرض
قيامه - لا يخلي الطاعن من المسئولية ما دام الحكم قد أثبت قيامها في حقه. لما كان
ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق