الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 أكتوبر 2020

الطعن 240 لسنة 36 ق جلسة 8 / 4 / 1971 مكتب فني 22 ج 2 ق 69 ص 443

جلسة 8 من إبريل سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.

------------

(69)
الطعن رقم 240 لسنة 36 القضائية

(أ، ب) شفعة. "إنذار الشفعة". بيع. "تحديد العقار المبيع".
الإنذار الموجه من البائع أو المشتري إلى الشفيع. شموله بيان العقار المبيع. الغرض منه. التعريف بالعقار. ولا يعد إيجاباً بعقد بيع. 
العبرة في بيان القدر المبيع. هو عقد البيع ذاته. الاحتجاج قبل الشفيع بكشف التحديد الذي أجرته المساحة. غير جائز طالما أنه محل منازعة.
(ج) محكمة الموضوع. "تقدير الدليل". حكم. "تسبيب الحكم". 
محكمة الموضوع. غير ملزمة بإبداء أسباب ترجيح دليل على آخر.
)د) حيازة. "حسن النية". مسئولية. "مسئولية تقصيرية". ملكية.
حسن نية المعتدي على حيازة المالك. لا ينفيه إعلانه بصحيفة دعوى الملكية في مجال المسئولية التقصيرية. نص المادة 966/ 2 مدني. قاصر على حالة مطالبة المالك بثمار العين المعتدى عليها.
(هـ) بيع. "تسليم المبيع". ملكية.
تسليم العين المبيعة إلى المشتري بعقد غير مسجل. حق المشتري في الانتفاع بها بإقامة بناء عليها .
(و) مسئولية. "مسئولية تقصيرية". حكم. "تسبيب الحكم".
نفي الحكم وقوع الضرر. لا يعيبه - ولو أخطأ - نفي ركن الخطأ.
(ز) مسئولية. "مسئولية تقصيرية".
مسئولية المدعي في دعوى البلاغ الكاذب. لا تتحقق إن كانت لديه شبهات تبرر اتهام من اتهمه.
(ح) حكم. "تسبيب الحكم".
محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب الخصوم في مختلف أوجه دفاعهم. حسبما أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة.

-----------------
1 - القصد من البيانات المتعلقة بالعقار التي أوجبت المادة 941 من القانون المدني اشتمال الإنذار الذي يوجهه البائع أو المشتري لمن يجوز له الأخذ بالشفعة، هو تعريف الشفيع بالعقار المبيع تعريفاً كافياً بحيث يستطيع أن يعمل رأيه في الصفقة، فيأخذ بالشفعة أو يترك، ولم يقصد المشرع أن يجعل من هذا الإنذار إيجاباً بالعقد يلتزم به المشتري بنقل ملكية العين إلى الشفيع إذا رد عليه بالقبول، لأن الأصل في الشفعة هو حلول الشفيع محل مشتري العقار في جميع حقوقه والتزاماته الناشئة عن عقد البيع المثبت لها، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر - إذ اعتد في تحديد مساحة القدر المبيع وأبعاده بالبيانات الواردة بعقد البيع دون البيانات الواردة بالإنذار - فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
2 - إنه وإن كانت بيانات العقار المشفوع فيه - التي اشتمل عليها الإنذار الرسمي الموجه إلى المطعون عليها - الشفيع - فيما يتعلق بالعقار المبيع، قد استمدت من كشف التحديد الذي أجرته المساحة بناء على طلب المشتري، إلا أن المطعون عليها - الشفيع - قد نازعت في صحة هذه البيانات، كما أنها لم تسلم بنتيجة المعاينة التي أجرتها المساحة بناء على طلبها وبذلك تكون مساحة الأرض المبيعة - المشار إليها في عقد البيع بأنها تحت العجز والزيادة - لم تتحدد بعد بصفة نهائية، ولا يكون ثمة وجه للاحتجاج قبل الشفيع بهذه البيانات.
3 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ في قضائها بما ترتاح إليه من أدلة الدعوى وتطرح ما لا تقتنع بصحته منها، دون أن تكون ملزمة بإبداء أسباب ترجيحها دليلاً على آخر طالما كانت الأسباب التي أقامت عليها قضائها كافية لحمله.
4 - متى كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى نفي ركن الخطأ عن المطعون عليها - الشفيع - في إقامتها السور حول القدر المتنازع عليه - المشفوع فيه - استناداً إلى الأسباب السائغة التي استدل بها على أنها لم تكن تعتقد وقت البناء أنها تعتدي على حيازة الطاعن أو ملكيته بل كانت على العكس تعتقد أنها تقيم البناء في القدر الوارد بعقد البيع الذي حلت فيه محل المشفوع منه، وإذ كان إعلان المطعون عليها بصحية دعوى الملكية، ليس من شأنه أن ينفي استمرار هذا الاعتقاد وإنما الذي ينفيه أو يؤيده هو الحكم النهائي الصادر فيها فإنه يكون على غير أساس النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون لتقريره بانعدام ركن الخطأ في حق المطعون عليها سواء قبل أو بعد رفع دعوى الملكية، ولا عبرة في هذا الخصوص باستناد الطاعن إلى المادة 966/ 2 من القانون المدني التي تنص على أن حسن النية يزول من وقت إعلان الحائز بعيوب حيازته في صحيفة الدعوى، لأن مجال تطبيق هذه المادة إنما يكون في صدد مطالبة المالك بثمار العين التي اعتدي الغير على حيازتها، وليس في شأن دعوى المسئولية التقصيرية.
5 - عقد البيع غير المسجل وإن كان لا يترتب عليه نقل ملكية العقار المبيبع إلى المشتري إلا أنه يولد في ذمة البائع التزاماً بتسليم المبيع، ويترتب على الوفاء بهذا الالتزام أن يصبح المبيع في حيازة المشتري، وله أن ينتفع به بجميع وجوه الانتفاع ومنها البناء على سبيل البقاء والقرار.
6 - متى كان الحكم قد نفي وقوع الضرر في حدود سلطته، وكان هذا الأساس وحده كافياً لحمل قضائه برفض دعوى التعويض، فإنه لا يؤثر في سلامته ما ذكره من أن ركن الخطأ غير متوافر حتى ولو كان قد أخطأ في ذلك. ومن ثم فإن النعي على الحكم باضطراب أسبابه فيما يتعلق بوصف الفعل المسند إلى المطعون عليها، يكون غير منتج ولا جدوى فيه.
7 - يكفي لعدم مساءلة المجني عليه - المدعي في دعوى البلاغ الكاذب عن الواقعة التي أبلغ بها - أن تقوم لديه شبهات تبرر اتهام من اتهمه، ولما كان الحكم ببراءة الطاعن من التهمتين المسندتين إليه - البلاغ الكاذب والقذف - لم يبن على عدم صحة الوقائع التي أسندها إليه المطعون عليه الثاني في صحيفة دعوى الجنحة المباشرة، وإنما بني على انتفاء سوء القصد وهو أحد أركان التهمة الأولى، وعلى عدم كفاية الأدلة بالنسبة للتهمة الثانية، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى انتفاء سوء قصد المطعون عليه الثاني - المجني عليه - للأسباب التي ساقها ورأى أن في ظروف الدعوى وملابساتها ما يكفي لتوافر الدلائل المؤدية إلى صحة اعتقاده بصحة ما نسبه إلى الطاعن في دعواه، فإن هذا الذي قرره الحكم يعتبر استدلالاً سائغاً يكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها برفض دعوى التعويض.
8 - محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب الخصوم في مختلف مناحي دفاعهم، وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن السيد عبد الرازق فتحي أقام الدعوى رقم 266 سنة 1963 مدني كلي الإسكندرية ضد السيدة ناهد أحمد خليفة وزوجها السيد عبد المنعم طاهر طالباً الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 2404 ج و776 م على سبيل التعويض والمصروفات والأتعاب ونشر منطوق الحكم بإحدى الصحف الواسعة الانتشار على نفقتهما، وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب عقد ابتدائي مؤرخ 20/ 5/ 1959 باع السيد لبيب جرجس حنا لمحمد نديم سماقية أرضاً معدة للبناء مساحتها 733.30 ذراعاً مربعاً تحت العجز والزيادة حسبما يسفر عنه تحديد المساحة بثمن قدره 270 قرشاً للذارع المربع، وتين من المعاينة أن حقيقة مسطح القطعة المبيعة هو 661.43 ذراعاً مربعاً بالحدود والأبعاد المبينة بالصحيفة، ولما كانت المدعى عليها الأولى تملك عقاراً مبنياً مجاوراً فقد وجه إليها المشتري إنذاراً لإبداء رغبتها إن شاءت في أخذ القدر المبيع بالشفعة وقد أبدت المدعى عليها هذه الرغبة في إعلان رسمي تضمن بيان الأبعاد والحدود نقلاً عن الإنذار الموجه إليها من المشتري، وانتهى الأمر بأن حلت محله في حقوقه والتزاماته الناشئة عن عقد البيع بموجب اتفاق مؤرخ 16/ 7/ 1959 ولم يتم تسجيله بسبب اختلاف الحدود والأبعاد الواردة بطلب الشهر المقدم من المدعى عليها عن تلك الواردة بعقد ملكية البائع، وبمقتضى عقد مسجل في 2/ 5/ 1960 اشترى المدعي من نفس البائع أرضاً مجاورة مساحتها 518 ذراعاً مربعاً بثمن إجمالي قدره 1436 ج و400 م، وقد وضع يده على العين منذ تحرير العقد الابتدائي في 18/ 11/ 1959 كما بدأ في إعداد الرسومات وحساب التكاليف اللازمة للبناء والسعي لاستصدار الترخيص اللازم، ثم فوجئ بأن المدعى عليهما قد اعتديا على أرضه بأن أقاما عليها سوراً واغتصبا جزءاً منها وثبت ذلك من إقرارهما في تحقيقات الشكوى رقم 2927 سنة 1960 إداري الرمل، الأمر الذي اضطره لإقامة الدعوى رقم 656 سنة 1960 جزئي الرمل طالباً منع تعرضهما حيث دفعا بعدم قبولها، وصدر الحكم برفضها لاستناده فيها إلى الملكية دون الحيازة، إذ أقام الدعوى رقم 1200 سنة 1961 كلي الإسكندرية طالباً تثبيت ملكيته للجزء المغتصب، فقد دفعت المدعى عليها الأولى بعدم اختصاص المحكمة نوعياً نظر الدعوى وصادقها المدعي على هذا الدفع طالباً إحالة الدعوى إلى محكمة الرمل الجزئية، ولكن المدعى عليها عارضت في هذا الطلب، ولما قضى بعدم الاختصاص وبالإحالة عادت المدعى عليها ودفعت بعدم اختصاص محكمة المواد الجزئية بنظر الدعوى تأسيساً على أن قضاء المحكمة الابتدائية بعدم الاختصاص والإحالة غير ملزم لها وهو إمعان في الكيد والمغالطة، وفي 21/ 4/ 1964 حكمت المحكمة برفض الدفع وبندب خبير في الدعوى لأداء المأمورية الواردة بمنطوق الحكم، ثم عادت في 3/ 6/ 1962 فحكمت بطلبات المدعي أخذاً بتقرير الخبير، وبالرغم من صواب هذا الحكم فقد استأنفته المحكوم ضدها، وفي 11/ 8/ 1962 قضت محكمة ثاني درجة برفض التظلم من وصف النفاذ ثم عادت في 24/ 11/ 1962 فحكمت برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف. وذكرت في الأسباب أن المستأنفة لم تقصد من دفوعها سوى المطل والتسويف وإطالة أمد التقاضي، ولما كان رفع الاستئناف المتضمن طلب إلغاء وصف النفاذ المعجل المشمول به الحكم الابتدائي لا يوقف تنفيذه، فقد عمدت المدعى عليها إلى رفع الإشكال رقم 3228 سنة 1962 مستعجل الإسكندرية طالبة وقف تنفيذ الحكم إلى أن يفصل في موضوع الاستئناف، وبنت الإشكال على بطلان الحكم لتناقض أسبابه مع منطوقه، فكان ذلك آية من آيات العنت والكيد لعلمها بأن القضاء المستعجل لا يملك وقف تنفيذ حكم مشمول بالنفاذ المعجل أياً كان خطأ هذا الحكم أو بطلانه، وقضى فعلاً في 17/ 10/ 1962 برفض الإشكال وبالاستمرار في التنفيذ، وفي غمرة هذا النزاع فوجئ المدعي بإعلانه بصحيفة الجنحة المباشرة رقم 5556 سنة 1960 الرمل بتهمه فيها المدعى عليه الثاني بالإبلاغ الكاذب ضده وبالقذف في حقه، وظل يطلب تأجيلها للصلح بقصد التأثير في المدعي ليدع حقه، وفي 27/ 3/ 1962 حكمت المحكمة ببراءته من التهمتين الأولى لأنها في غير محلها والثانية لأنها على غير أساس، وإزاء ما اقترفه المدعى عليهما من اعتداء على ملكه وإساءة استعمال حقهما في التقاضي وانحرافهما عن السلوك والحرص المفروضين في الشخص العادي، أقام الطاعن هذه الدعوى بطلباته السابقة مقداراً ما لحقه من خسارة بمبلغ 313 جنيهاً و575 مليماً وما ضاع عليه من كسب بمبلغ 1591 جنيهاً و201 مليماً والضرر الأدبي بمبلغ 500 جنيه، وفي 27/ 5/ 1963 حكمت المحكمة برفض الدعوى. فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية طالباً إلغاءه والقضاء له بالتعويض المطلوب وقيد هذا الاستئناف برقم 509 سنة 19 ق. وفي 7/ 3/ 1966 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف. وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم ولم يحضر المطعون عليهما ولم يبديا دفاعاً وأصرت النيابة على الرأي الوارد بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في فهم الواقع ومخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم ذهب إلى أن القدر المبيع الذي أبدت المطعون عليها الأولى رغبتها في أخذه بالشفعة إنما يتحدد في مساحته وأبعاده بالبيانات الواردة بعقد البيع الذي تم تحويله إليها دون البيانات الواردة بالإنذار الذي وجهه إليها المشتري استناداً إلى أن إجراءات الشفعة قد انتهت ودياً بعد إعلان المطعون عليها برغبتها في الأخذ بتحويل عقد الشراء إليها وحلولها محل المشتري فيه، ورتب الحكم على ذلك أنه متى كان الثابت في الدعوى أن مساحة القدر المبيع طبقاً لما ورد بالعقد تبلغ 733 ذراعاً مربعاً تحت العجز والزيادة، وأن مساحته على الطبيعة مضافاً إليها القدر المقام عليه السور تبلغ 726 ذارعاً مربعاً فقط، فإن قيام المطعون عليها بإقامة السور حول ذلك القدر وعلى ما رأته مكملاً له من أرض المالك الأصلي الملاصقة له قبل أن يصبح الطاعن مالكاً أو حائزاً للقدر المبيع له لا يعتبر خطأ يوجب مسئوليتها، وهو من الحكم خطأ ومخالفة للقانون من وجه (أولها) أن العبرة في بيان العقار المشفوع فيه ليست بالعقد وإنما بالإنذار الرسمي الذي يوجهه البائع أو المشتري لمن يحوز له الأخذ بالشفعة وذلك عملاً بنص المادة 941 من القانون المدني الذي يوجب بيان العقار بياناً كافياً في هذا الإنذار والذي يعتبر وحده الدليل على علم الشفيع بالعقار المبيع علماً كافياً نافياً للجهالة. (وثانيها) أن عقد شراء المشفوع منه لم يحدد المبيع تحديداً نهائياً وإنما جاء به أن مساحته تبلغ 733 ذارعاً مربعاً تحت العجز والزيادة حسبما تسفر عنه معاينة المساحة، والثابت أن البيانات الواردة بإنذار الشفعة مستمدة جميعاً من كشف التحديد الذي طلبه المشتري من الشهر العقاري، وإذ كانت هذه البيانات هي التي اتجهت إليها إرادة الطرفين، وكانت في الوقت نفسه الأساس لكل محرر يزمع شهره، فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتد بالمساحة الواردة بعقد البيع دون البيانات الواردة بشأنها في إنذار الشفعة يكون قد مسخ نصوص العقد وأخطأ فهم إرادة المتعاقدين. (وثالثها) أن الطاعن تمسك لدى محكمة الاستئناف بخطأ الحكم الابتدائي في النقل عما أثبته الخبير في تقريره من أن السور الذي أقامته المطعون عليها الأولى قد تجاوز الحد البحري لأرضها بمسافة قدرها 1.80 م، وأن ذلك هو الجزء المعتدى عليه من أرضه، وردت المحكمة على ذلك بقولها إن هذا الخطأ في النقل لا يؤثر في أسباب الحكم من حيث كونها سائغة وكافية وهو ما لا يكفي لمواجهة ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص ما دام الثابت أن تقرير الخبير كان من العناصر التي كونت منها محكمة أول درجة إقناعها دون أن يكون من الأسباب الناقلة التي تكفي الأسباب الأخرى لحمل قضائها بدونه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول منه بأن القصد من البيانات المتعلقة بالعقار التي أوجبت المادة 941 من القانون المدني اشتمال الإنذار الذي يوجهه البائع أو المشتري لمن يجوز له الأخذ بالشفعة هو تعريف الشفيع بالعقار المبيع تعريفاً كافياً بحيث يستطيع أن يعمل رأيه في الصفقة فيأخذ بالشفعة أو يترك، ولم يقصد المشرع أن يجعل من هذا الإنذار إيجاباً لعقد يلتزم به المشتري بنقل ملكية العين إلى الشفيع إذا رد عليه بالقبول، لأن الأصل في الشفعة هو حلول الشفيع محل مشتري العقار في جميع حقوقه والتزاماته الناشئة عن عقد البيع المثبت لها. إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه - والنعي مردود في الوجه الثاني بأنه وإن كانت البيانات التي اشتمل عليها الإنذار الرسمي الموجه إلى المطعون عليها فيما يتعلق بالعقار المبيع قد استمدت من كشف التحديد الذي أجرته المساحة بناء على طلب المشتري إلا أن المطعون عليها قد نازعت في صحة هذه البيانات كما أنها لم تسلم بنتيجة المعاينة التي أجرتها المساحة بناء على طلبها، وبذلك تكون مساحة الأرض المبيعة لم تتحدد بعد بصفة نهائية ولا يكون ثمة وجه للاحتجاج قبلها بهذه البيانات. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن المطعون عليها قد وضعت يدها على مساحة تقل عن المساحة الثابتة بالعقد المحول إليها وأنها أقامت السور على ما رأته مكملاً لها من أرض المالك الأصلي الملاصقة، فإن النعي عليه بهذا الوجه يكون في غير محله. والنعي بالوجه الثالث مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد جاء به في هذا الخصوص قوله "وحيث إن الحكم المستأنف انتهى إلى صواب فيما قضى به، وبناء على أسباب سائغة كافية تقرها هذه المحكمة وترى فيها رداً وافياً على أسباب الاستئناف ولا يؤثر فيه ما تسرب إليها من خطأ النقل عن تقرير الخبير فيما يختص ببقاء مساحة أرض المستأنف على حالها برغم ما اعتور أطوار حدودها من نقص نتيجة إقامة السور، ذلك أن المستأنف عليها وقت إقامتها له لم تكن تعتدي على حيازة المستأنف الأمر الثابت من الحكم في دعوى الحيازة، ولو أنها جارت على الأرض المبيعة له فقد كانت وقتئذ حسنة النية لأن العقد الذي حلت فيه محل محمد نديم سماقية لم يكن محدداً على سبيل الحسم وإنما ترك المبيع محتمل العجز والزيادة ولا تثريب عليها إن هي اعتدت بهذا العقد لأن دعوى الشفعة لم يستمر السير فيها وإنما تنازل المشفوع منه عن الصفقة لها وبشروط عقده فيها" ويبين من ذلك أن الحكم قد استبعد القرينة التي استمدها الطاعن مما نقله خطأ عن تقرير الخبير، وأنه أقام قضاءه على أسباب خاصة بالإضافة إلى الأسباب الواردة بالحكم الابتدائي والتي لا تتعارض معها، إذ كان ذلك وكانت المحكمة غير مقيدة برأي الخبير بل لها أن تطرحه كله أو بعضه وتقضي في الدعوى بناء على الأدلة الأخرى المقدمة فيها، فإن النعي على حكمها بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد وفساد الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه أثبت للمطعون عليها حيازة القدر موضع النزاع وأنها أقامت السور حوله في وقت لم يكن الطاعن حائزاً له أو مالكاً، ودلل الحكم على ذلك بمجريات وقائع الدعوى بما استخلصه من أقوال الشهود الثابتة في تحقيقات دعوى الحيازة والشكوى الإدارية ومن مصدرين آخرين لا يصح أن يقم عليهما قضاءه، ذلك أن الأوراق خالية مما يؤيد الواقع الذي استخلصه الحكم إلا إذا كانت المحكمة قد اتخذت من الفعل نفسه دليلاً على ما يسوغه ويبرره وهذا هو الفساد في التدليل، وأن الحكم أسند إلى الشاهد خليل إبراهيم قوله في تحقيقات الشكوى الإدارية أن المطعون عليه الثاني أقام السور منذ خمسة أشهر سابقة على سؤاله الحاصل في 19/ 5/ 1960 بينما الثابت في تلك التحقيقات هو أنه أقام السور منذ حوالي أسبوعين سابقين على تاريخ سؤاله، وهو وإن كان قد حاول العدول عن هذا القول في تحقيقات دعوى الحيازة بتأثير من المطعون عليهما إلا أنه عاد في النهاية وأصر عليه، وبذلك يكون الحكم قد مسخ أقوال الشاهد ونسب إليه قولاً لم يصدر منه، كما أخذ الحكم بأقوال المهندس شفيق محمد علي رغم عدم جدواها إذ لم يقم بالمعاينة إلا في 16/ 6/ 1960، بينما التفت عن أقوال المهندس محمود جلال وحسن طنطاوي التي تدل على أن السور لم يكن مقاماً عند انتقالهما للمعاينة في أواخر إبريل وأوائل مايو سنة 1960، وأخيراً فإن الحكم تعلق في هذا الخصوص بدليلين آخرين فأسند إلى الطاعن إقراره في الإنذار الذي وجهه إلى البائع في 9/ 5/ 1960 أن السور قد تم، واستخلص من ذلك أن إتمامه لم يكن في التاريخ الذي حدده لاحقاً لتسجيل عقده، كما أسند إليه قوله في تحقيقات الشكوى الإدارية أن المطعون عليه الثاني صمم على حدود الأرض على الوجه الذي يريده، فاضطر هو إلى تقديم شكوى للمساحة في أول مايو سنة 1960 أي قبل تسجيل عقده، في حين أن هذين الدليلين لا يسوغان النتيجة التي انتهى إليها الحكم ذلك أن ما ورد بالإنذار يتفق مع ما قرره في تحقيق الشكوى الإداري بتاريخ 19/ 5/ 1960 علاوة على أن الحكم لم يقطع بواقعة بناء السور في تاريخ سابق على تسجيل عقده وإنما كان في شك منها فلا يصح أن يبني عليها قضاءه، أما قوله في التحقيق بأن "المساحة قد رفضت تحديد أرض المطعون عليها طبقاً لما تريد لمخالفة ذلك للطلبين المقدمين منها، فإنه لا يؤدي إلى النتيجة التي استخلصها الحكم من أن البناء كان سابقاً على تاريخ تسجيل العقد، إذ لا يعقل أن يطلب الطاعن من المساحة القيام بتحديد أرضه بعد إتمام البناء عليها، وخلص الطاعن إلى أن الحكم إذ أقام قضاءه على تلك الأدلة مجتمعة، وثبت فساد بعضها على النحو الوارد بسبب الطعن دون أن يبين أثر كل دليل منها على حده في تكوين عقيدة المحكمة بحيث لا يعرف ماذا يكون قضاؤها بعد إسقاط ما ثبت فساده منها، فإن الحكم يكون باطلاً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول منه بأنه وإن كان العقد الصادر للمشفوع منه قد اشترط تسليم المبيع عند توقيع العقد النهائي، إلا أن المحكمة قد استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية أن المطعون عليها التي حلت محله فيه قد وضعت يدها على العين المبيعة قبل الميعاد المتفق عليه بلا معارضة من المالك الأصلي، وأنها أقامت السور حول ما رأته مكملاً لأرضها طبقاً للبيان الوارد بالعقد وانتهت من ذلك إلى أن هذا العمل لم يقصد به الإضرار بالطاعن لأنه لم يكن عند إقامة البناء حائزاً ولا مالكاً، وإذ كان ما أورده الحكم في هذا الصدد يحمل في ذاته الدليل المثبت للواقع الذي استخلصته، فإنه يكون على غير أساس النعي على الحكم بفساد الاستدلال لاتخاذه من الفعل الموجب لمسئولية المطعون عليها مسوغاً ومبرراً يمنع مساءلتها. والنعي في شقه الثاني مردود بأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ في قضائها بما ترتاح إليه من أدلة الدعوى وتطرح ما لا تقتنع بصحته منها دون أن تكون ملزمة بإبداء أسباب ترجيحها دليلاً على آخر طالما كانت الأسباب التي أقامت عليها قضاءها كافية لحمله، ولما كان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه قد أشار إلى أن أدلة الطاعن في نفي إقامة السور بعد تسجيل عقد شرائه الحاصل في 2/ 5/ 1960 إنما تنحصر في أقوال شهوده بتحقيقات الشكوى رقم 2927 سنة 1960 إداري الرمل ثم خلص إلى أن هذه الأقوال متضاربة ويناقض بعضها بعضاً وأنها تتعارض مع ما يستفاد من أقوال الطاعن الثابتة في تلك التحقيقات ومن إقراره الصريح بإتمام بناء السور في الإنذار الموجه منه للبائع له بتاريخ 9/ 5/ 1960 فضلاً عن تعارضها مع أقوال الشهود الآخرين التي أخذت بها المحكمة، فإن النعي على الحكم بكل ما يتضمنه هذا الشق لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير المحكمة للأدلة المطروحة عليها وسلطتها في الموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها مما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون، وفي بيان ذلك يقول إنه على فرض أن إقامة السور قد حصلت قبل أن يسجل الطاعن عقده، فإن ذلك لا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم ورفض طلب التعويض عن هذا الاعتداء، ذلك أن وجه الخطأ ليس في إقامة السور وحده وإنما كذلك في بقائه قائماً مع زوال العذر، والضرر الناشئ عن هذا الخطأ مرتبط ببقاء البناء ارتباط المسبب بالسبب المعمول بالعلة، وإذ كان عذر المعتدي في القانون هو الجهل بأنه يعتدي على حق الغير، وكان زوال هذا العذر بالنسبة للمطعون عليهما قد ثبت يقيناً من يوم تسجيل عقد شراء الطاعن، أو في القليل من يوم تحقيق شكواه حيث قدم الطاعن العقد مسجلاً وقام المحقق بإجراء المعاينة وأثبت وقوع الاعتداء وحيث أقر الزوج كتابة بعلمه بالمعاينة التي أجرتها المساحة وبتسجيل العقد، فإن الطاعن لم يكن يطمع في أكثر من إزالة السور وتسليم الأرض خالية منه ولكن الإعنات والإعتساف قد استبدا بالمطعون عليهما إذ رغم إعلانهما بصحيفة دعوى الملكية وثبوت علمهما بعيوب حيازتهما تبعاً لذلك وزوال حسن نيتهما طبقاً لنص المادة 966 من القانون المدني، فإنهما لم يكترثا بالخصومة وظلا يعرقلان سيرها مما كان يتعين معه مساءلتهما، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون مخطئاً في القانون بما يوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى نفي ركن الخطأ عن المطعون عليها في إقامتها السور حول القدر المتنازع عليه، استناداً إلى الأسباب السائغة التي استدل بها على أنها لم تكن تعتقد وقت البناء أنها تعتدي على حيازة الطاعن أو ملكيته بل كانت على العكس تعتقد أنها تقيم البناء في القدر الوارد بعقد البيع الذي حلت فيه محل المشفوع منه، ولما كان إعلان المطعون عليها بصحية دعوى الملكية ليس من شأنه أن ينفي استمرار هذا الاعتقاد وإنما الذي ينفيه أو يؤيده هو الحكم النهائي الصادر فيها، فإنه يكون على غير أساس النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون لتقريره بانعدام ركن الخطأ في حق المطعون عليها سواء قبل أو بعد رفع دعوى الملكية، ولا عبرة في هذا الخصوص باستناد الطاعن إلى المادة 966/ 2 من القانون المدني التي تنص على أن حسن النية يزول من وقت إعلان الحائز بعيوب حيازته في صحيفة الدعوى لأن مجال تطبيق هذه المادة إنما يكون في صدد مطالبة المالك بثمار العين التي اعتدي الغير على حيازتها وليس في شأن دعوى المسئولية التقصيرية.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور والتخاذل في الأسباب، وفي بيان ذلك يقول إن المراحل التي مر بها النزاع تدل جميعاً على أن اعتداء المطعون عليهما على ملك الطاعن كان فعلاً متعمداً بقصد الإضرار به، ومع ذلك فإن الحكم قد أرهق نفسه ليرفع عن هذا التعدي صفته غير المشروعة، وقضى برفض التعويض عنه، إذ الثابت من تحقيقات الشكوى رقم 2927 سنة 1960 إداري الرمل أن الطاعن قدم عقد شرائه المسجل للأرض المقام عليها السور، ونسب إلى المطعون عليه الثاني التعدي على ملكه وتهديد عماله بإطلاق النار عليهم وأشهد الطاعن على ذلك سائق سيارته والمقاول المشرف على العمل، ومع ذلك استخلص الحكم من هذه التحقيقات أن المطعون عليه هو الذي لجأ إلى الشرطة ليمنع عمال الطاعن من الاعتداء على ما يعتقد أنه ملك زوجته طبقاً لعقد البيع الابتدائي الذي تم تحويله لها، وفاته أن هذا الاعتقاد من جانب المطعون عليه يعتبر خطأ في ذاته موجباً لمسئوليته لعلمه بعدم تسجيل عقدها وبأن الملكية لا تنتقل إلا بالتسجيل، وإذ أقام الطاعن دعوى الملكية دفعت المطعون عليها بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظرها وصادقها الطاعن على هذا الدفع وطلبت الحكم بعدم الاختصاص بغير إحالة، وعادت في جلسة المرافعة وطلبت إمعاناً في الكيد ندب خبير لتقدير ثمن المباني التي أقامها بقصد تأخير الفصل في الدعوى، ولما قضت المحكمة بعدم الاختصاص وبالإحالة دفعت المطعون عليها بعدم اختصاص المحكمة الجزئية كما تمسكت بهذا الدفع كذلك عند نظر الاستئناف المرفوع عن الحكم الصادر فيها، وقضت المحكمة الاستئنافية برفض هذا الدفع بعد أن سجلت في حكمها أن المستأنفة لم تقصد منه سوى إطالة أمد التقاضي وللمطل والتسويف لاسيما بعد أن قالت جهات القضاء التي أثير هذا الدفع أمامها كلمتها فيه، ورغم ذلك ورغم إشارة الطاعن إلى مدى تعسف المطعون عليها في استعمال حقها في الدفع والإنكار، فإن الحكم الابتدائي الذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه رد على ذلك بقوله إنه لا يكفي أن يكون الدفع كيدياً حتى يستحق التعويض بل يجب وقوع الضرر فعلاً وهو الأمر الذي لم يثبت، إذ صدر الحكم في 21/ 4/ 1962، بعدم قبول الدفع وبندب خبير ثم صدر الحكم القطعي في 30/ 6/ 1962، كما رأت المحكمة أن ركن الخطأ لا يتوافر في الدعوى، وبذلك يكون الحكم قد اضطربت أسبابه فلا يعرف منه سبب انتفاء المسئولية، وإذ صدر الحكم في دعوى الملكية مشمولاً بالنفاذ طبقاً لنص المادة 469/ 2 من قانون المرافعات السابق التي تفرض الأمر به وجوباً، عمدت المطعون عليها إلى رفع إشكال في تنفيذه رغم علمها بأن القضاء المستعجل لا يملك وقف تنفيذ الحكم في هذه الحالة، وهو موقف لا يمكن حمله وتفسيره إلا بأنه لدد في الخصومة يستوجب مسئولية صاحبه ومع ذلك فقد التمس الحكم المطعون فيه العذر للطاعنة في هذا الخصوص بحجة أنها قد تكون مقتنعة بخطأ المحكمة في شمول الحكم بالنفاذ، وأخيراً برر الحكم دعوى الجنحة المباشرة التي أقامها المطعون عليه الثاني ضد الطاعن بأسباب قاصرة، نفى عنه وجه الخطأ في رفعها باعتبارات غير سائغة.
وحيث إن هذا النعي مردود أولاً بأن عقد البيع غير المسجل وإن كان لا يترتب عليه نقل ملكية العقار المبيبع إلى المشتري إلا أنه يولد في ذمة البائع التزاماً بتسليم المبيع، ويترتب على الوفاء بهذا الالتزام أن يصبح المبيع في حيازة المشتري، وله أن ينتفع به بجميع وجوه الانتفاع ومنها البناء على سبيل البقاء والقرار، وبذلك فإن قيام المطعون عليها الأولى بإقامة السور في العقار المبين بعقد البيع الذي حلت فيه محل المشفوع منه قبل تسجيله لا يعتبر خطأ موجباً للتعويض. والنعي مردود ثانياً بما قرره الحكم من أنه "لا يكفي أن يكون الدفع كيدياً حتى يستحق التعويض بل يجب وقوع الضرر فعلاً وهو الأمر الذي لم يثبت" ولما كان الحكم قد نفى وقوع الضرر في حدود سلطته، وكان هذا الأساس وحده كافياً لحمل قضائه برفض دعوى التعويض، فإنه لا يؤثر في سلامته ما ذكره من أن ركن الخطأ غير متوافر حتى ولو كان قد أخطأ في ذلك، ومن ثم فإن النعي على الحكم باضطراب أسبابه فيما يتعلق بوصف الفعل المسند إلى المطعون عليها يكون غير منتج ولا جدوى فيه. والنعي مردود ثالثاً بما قرره الحكم من أن المطعون عليها أقامت الإشكال في التنفيذ "اعتقاداً منها بأن المحكمة قد جانبت الصواب فيما قضت به من الأمر بالنفاذ المعجل بلا كفالة لحكم ليس النفاذ فيه جائزاً باعتباره صادراً في دعوى تثبيت ملكية، وهو اعتقاد له مبررات جدية من الوقائع ونصوص القانون مما ترى معه المحكمة انتفاء الكيد أو القصد الإضرار في رفعه" وهي تقريرات موضوعية سائغة تكفي لحمل قضائها في هذا الخصوص. والنعي مردود أخيراً بأنه يكفي لعدم مساءلة المجني عليه عن الواقعة التي أبلغ بها أن تقوم لديه شبهات تبرر اتهام من اتهمه. لما كان ذلك، وكان الحكم ببراءة الطاعن من التهمتين المسندتين إليه لم يبين عدم صحة الوقائع التي أسندها إليه المطعون عليه الثاني في صحيفة دعوى الجنحة المباشرة وإنما بني على انتفاء سوء القصد وهو أحد أركان التهمة الأولى وعلى عدم كفاية الأدلة بالنسبة للتهمة الثانية، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى القول بانتفاء سوء قصد المطعون عليه الثاني للأسباب التي ساقها، ورأي أن في ظروف الدعوى وملابساتها ما يكفي لتوافر الدلائل المؤدية إلى صحة اعتقاده بصحة ما نسبه إلى الطاعن في دعواه، فإن هذا الذي قرره الحكم يعتبر استدلالاً سائغاً يكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها، وإذن فإن النعي عليه بالقصور يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون وشابه القصور من وجوه (أولها) أن الطاعن تمسك لدى محكمة الاستئناف بأن خطأ المطعون عليهما لا ينحصر في منعه من حيازة أرضه أو إقامة السور عليها وإنما يتمثل كذلك في استمرار المنع وبقاء السور قائماً، ومع أن الحكم قد أشار إلى هذا الدفاع في أسبابه إلا أنه قد أغفل مناقشته والرد عليه مما يعيبه بالقصور (وثانيها) أن الطاعن تمسك كذلك بخطأ الحكم الابتدائي في النقل عن تقرير الخبير على النحو الوارد بالوجه الثالث من السبب الأول، ورد الحكم المطعون فيه بأن ذلك غير مؤثر إذ لم تكن المطعون عليها وقت إقامة السور تعتدي على حيازة للمستأنف (الطاعن) ولو أنها جارت على أرضه فإنه كانت حسنة النية لأن المبيع في العقد الذي حلت فيه محل المشتري لم يكن محدداً على سبيل الحسم، وإنما ترك محتمل العجز والزيادة، هذا في حين أن الطاعن قد رضخ للحكم الصادر في دعوى الحيازة وصار يتمسك باعتداء المطعون عليها على ملكه من وقت تسجيل عقده كما أنه أثبت أن المطعون عليها لم تكن حسنة النية عند قيامها بإقامة السور بالأدلة التي ساقها، وأوضح كذلك فساد العلة القائمة على أن القدر المبيع لها لم يكن محدداً على سبيل الحسم. (وثالثها) أن الحكم المطعون فيه قد اتخذ من بيع الطاعن لأرضه سبباً لتأييد الحكم الابتدائي دون بيان أو تسبيب ودون أن يناقش دفاعه في هذا الخصوص من أنه اضطر إلى هذا البيع بعد أن سار شوطاً بعيداً في إعدادها للبناء وذلك بسبب تفويت الفرصة عليه وارتفاع أسعار المواد والأجور. (ورابعها) أن الحكم أخطأ إذ قضى برفض دعوى التعويض استناداً إلى أن المطعون عليهما لم يستعملا حقهما المشروع في التقاضي عن مخبثة وأن مدة التقاضي وإجراءاته لم تطل أكثر مما يستلزمه السير العادي للأمور، ذلك أنه لا يشترط لإيجاب التعويض أن يكون استعمال حق التقاضي مقصوداً به الكيد بل يكفي أن يكون عن تعنت أو تسرع أو اندفاع وأن التعويض لا يتأثر بعامل الزمن إذ قد يكون لذلك أثر في تقدير التعويض وليس في وجوبه، هذا إلى أن الحكم قد فاته أن المطعون عليهما قد أنكرا عليه حقه منذ البداية وجاء الحكم الصادر في دعوى الملكية مقرراً لهذا الحق فينسحب أثره إلى يوم التسجيل وهو نفسه يوم الإنكار.
وحيث إن النعي بالوجه الأول مردود بما قرره الحكم المطعون فيه من أن المطعون عليها الأولى عند إقامتها السور لم ترتكب خطأ أو انحرافاً يوجب مسئوليتها سواء قبل إعلانها بصحيفة دعوى الملكية وقبل تسجيل عقده أو بعد إعلانها بالدعوى والتسجيل وذلك على ما سلف بيانه في الرد على السبب الثالث. والنعي بالوجه الثاني مردود بما سبق بيانه عند الرد على السبب الأول من أن الحكم المطعون فيه استبعد القرينة التي استمدها الحكم الابتدائي مما نقله خطأ عن تقرير الخبير، وأقام قضاءه على أسباب خاصة بالإضافة إلى أسباب الحكم الابتدائي التي لا تتعارض معها. ومن ثم فلا محل للنعي بهذا الوجه على الحكم المطعون فيه ما دام لا يصادف محلاً في قضائه. والنعي في الوجه الثالث مردود بأن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب الخصوم في مختلف مناحي دفاعهم وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص في حدود سلطته الموضوعية من ظروف الدعوى وقرائن الحال فيها نفي ركن الخطأ عن المطعون عليهما وعدم تحقق الضرر لدى الطاعن استناداً إلى أن الدعاوى سارت سيرها العادي وأن الخصومة لم تتشعب فيها، وكانت هذه الأسباب سائغة، وكافية فإن النعي عليه بالقصور لإغفاله مناقشة مبررات بيع الأرض التي اشتراها لإعدادها للبناء يكون على غير أساس، والنعي بالوجه الرابع مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه قد أقام قضاءه على أن المطعون عليهما "لم يتنكبا الطريق السوى في موقفهما في الخصومات التي دارت بينهما وبين الطاعن حول أرض النزاع وإذا انتفى سوء القصد والخطأ في صورة المتعددة فلا يضرهما ولا يعرضهما للمؤاخذة المدنية أن يخسرا ادعاءهما أو يفشلا في دفوعهما لأن الخسارة قد ترجع إلى ضعف حجتهما وقد ترجع إلى سوء حظهما وقد ترجع إلى خطأ يغتفر في فهم دقائق القانون" ويبين من ذلك أن الحكم قد نفى عن المطعون عليهما خطأهما في استعمال حقهما المشروع في التقاضي في جميع صوره الممكنة وانتهى بذلك إلى رفض الدعوى، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق