جلسة 12 من ديسمبر سنة 1972
برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد وعضوية السادة
المستشارين/ عدلي بغدادي، ومحمود المصري، ومحمد طايل راشد، ومصطفى الفقي.
----------------
(213)
الطعن
رقم 422 لسنة 37 القضائية
(أ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
سلطة محكمة الموضوع مطلقة
في استخلاص ما تقتنع به، ويطمئن إليه وجدانها متى كان سائغا ولا مخالفة فيه للثابت
بالأوراق دون معقب عليها من محكمة النقض.
(ب) مسئولية. "مسئولية عقدية". عقد. التزام.
"الالتزام بتحقيق غاية" حكم. "القصور". "ما لا يعد
كذلك". إيجار.
عدم تنفيذ المدين
لالتزامه التعاقدي. خطأ يرتب مسئوليته، إلا إذا دفعها بإثبات السبب الأجنبي. إثبات
الحكم للخطأ العقدي ونفيه بأسباب سائغة قيام القوة القاهرة. لا قصور. مثال في التزام
المؤجر.
--------------
1 - لمحكمة الموضوع سلطانها المطلق في استخلاص ما تقتنع به ويطمئن
إليه وجدانها متى كان استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق دون معقب
عليها من محكمة النقض.
2 - عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي، يعتبر خطأ في ذاته يرتب
مسئوليته التي لا يدرؤوها عنه إلا إذا أثبت قيام السبب الأجنبي الذى تنتفى به
علاقة السببية فإذا كان يبين مما أثبته الحكم المطعون فيه أن المؤجرين قد التزما
برى الأطيان محل النزاع - وهو ما لم يكن محل نعى منهما، وكان التزامهما برى
الأطيان المؤجرة منهما إلى المستأجر هو التزام بتحقيق غاية، فإنه متى أثبت
المستأجر إخلال المؤجرين بهذا الالتزام فإنه يكون قد أثبت الخطأ الذى تتحقق به
مسئوليتهما ولا يجديهما في نفى هذا الخطأ أن يثبتا أنهما قد بذلا ما وسعهما من جهد
لتنفيذ التزامهما ولم يستطيعا ما دامت الغاية لم تتحقق. لما كان ذلك، وكان الحكم
المطعون فيه قد أثبت إخلال المؤجرين بالتزامهما برى الأرض موضوع النزاع فإنه يكون
قد أثبت بذلك الخطأ العقدي في جانبهما، وإذ كان يبين أيضاً من الحكم أنه نفى في أسباب
سائغة قيام القوة القاهرة التي ادعى المؤجران وجودها فإن النعي على الحكم بالخطأ
في القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام
الدعوى رقم 655 سنة 1964مدنى كلى الإسكندرية ضد الطاعنين وطلب الحكم بإلزامهما
متضامنين بأن يؤدياً له مبلغ 517 ج و500 م، وقال بياناً لدعواه إنه استأجر من
الطاعنين 6 ف و12 ط أطياناً زراعية مبينة بالصحيفة قام بزراعتها، وقد التزم
الطاعنان في عقد الإيجار برى تلك الأطيان، وإذ لم يوفيا بهذا الالتزام فقد تقدم
بشكوى قيدت برقم 32 أحوال سموحه في 11/ 6/ 1965، ثم أقام ضدهما الدعوى رقم 2723
سنة 67 مستعجل الإسكندرية لإثبات حالة الزراعة القائمة بالأطيان، وقدم الخبير
المعين فيها تقريراً أثبت فيه أن تلك الزراعة قد تلفت بسبب عدم ري الأرض، وقدر
الخسائر التي لحقت بالمطعون عليه بمبلغ 517 ج و500 م وأنه لذلك رفع دعواه بطلباته
السالف بيانها، دفع الطاعنان بأن آلة الري لم تتعطل أكثر من أسبوع وأن تلف الزراعة
يرجع إلى إهمال المطعون عليه وإجهاده الأرض وبتاريخ 22/ 10/ 1964 قضت المحكمة
الابتدائية بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنان دفاعهما، وبعد أن سمعت
المحكمة أقوال الشهود حكمت في 28/ 4/ 1966 برفض الدعوى. استأنف المطعون عليه هذا
الحكم بالاستئناف رقم 639 سنة 52 ق الإسكندرية، وبتاريخ 22/ 5/ 1967 قضت محكمة
الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعنين متضامنين بأن يدفعا للمطعون
عليه مبلغ 517 ج و500 م. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة
العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة
برأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على
سببين ينعى الطاعنان بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال
ومخالفة الثابت في الأوراق، ويقولان في بيان ذلك إن هذا الحكم لم يستخلص من
الوقائع ما يؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها، ذلك أن الثابت من وقائع الدعوى،
ومن أقوال المطعون عليه في المحضر 32 أحوال سموحة أن زراعته لم ترو منذ سبعين
يوماً بسبب عطل آلة الري، وأنه كان قد شكا من ذلك إلى مفتش الإصلاح الزراعي فأرسل
إليه بعد مضى خمسين يوماً من تعطل تلك الآلة آلة أخرى لنقل المياه، ولكنها وضعت
عند غيره فلم تصل المياه إلى أرضه مما اضطره إلى معاودة الشكوى إلى مفتش الإصلاح الزراعي
الذى أرسل له آلة صغيرة للري لم تكن تروى أكثر من 6 ط يومياً، وأنها لم تلبث أن
تعطلت كذلك - واستطرد الطاعنان إلى القول بأن الحكم المطعون فيه استخلص من أقوال
المطعون عليه في ذلك المحضر أن عدم ري الأطيان المؤجرة إليه يرجع إلى عطل آلة الري
وإلى إهمال المختصين بالإصلاح الزراعي، في حين أن هذه الأقوال لا تؤدى إلى ما
استخلصه الحكم منها، وأنه بفرض تعطل تلك الآلة فإن المطعون عليه نفسه قد قرر أن
الإصلاح الزراعي وضع آلة أخرى مكانها وخصص آلة صغيرة لري أرضه، وأن المطعون عليه
لم يزعم في أقواله أن المختصين في الإصلاح الزراعي قد أهملوا شكواه، كما أن ما
استخلصه الحكم من المعاينة التي أجراها محرر محضر الأحوال يخالف الثابت بها، إذ
ورد بها أن بعض الزراعة وصلت إليها مياه الري، وأن مساحة 4 ف و12 ط من الأرض وجدت
جافة حديثاً - كما أن المطعون عليه أقر أن المياه وصلت منذ 15 يوماً، وأن 2 ف و12
ط تقريباً هي التي لم يشاهد للمياه أثر فيها، في حين أن الحكم المطعون فيه قد
استخلص من المعاينة أن مساحة 4 ف و12 ط لم تصل إليها المياه، وأن الشاهدين اللذين
سمعهما محرر المحضر قد قررا بعدم وصول مياه الري إلى الأرض منذ خمسين يوماً، وإذ
خالف الحكم الثابت في الشكوى المذكورة فإنه يكون - علاوة على ما شابه من فساد في الاستدلال
- معيباً بمخالفة الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد في أسبابه "أن الثابت بالأوراق وخاصة محضر
تحقيق الشكوى 32 أحوال سموحة المحرر بتاريخ 11/ 6/ 1963 أن المستأنف (المطعون
عليه) شكا من تعطيل ماكينة الري وعدم اهتمام المختصين بحالته، مما أدى إلى إتلاف
زراعته وقد أيده في أقواله محمد حسن اللقاني المستأجر لأرض مجاورة لأرضه وكذا حسن
رضوان عثمان خفير الإصلاح الزراعي، فانتقل الضابط المحقق لمعاينة الأرض واصطحب معه
اثنين من المزارعين تصادف مرورهما بالمنطقة، وهما محمد محمد الحرموش وحسن أحمد
محمد وقد أثبت المحقق أنه بمعاينة الأرض وجد جزءاً كبيراً منها مساحته 4 ف و12 ط
جافاً لم يجد به أثراً للماء، وقد قرر له الشاهدان أن المياه لم تصل إلى الأرض منذ
حوالى خمسين يوماً..." ولما كان يبين من الاطلاع على محضر الأحوال أن المطعون
عليه قرر لمحرره أن زراعته لم ترو منذ 70 يوماً، وأنه كان قد شكا إلى مفتش الإصلاح
الزراعي الذى أرسل له بعد مضى 50 يوماً آلة ري وضعت عند غيره فعاود الشكوى إليه
ولكنه لم يعره اهتماماً، وأن آلة الري الصغيرة التي أرسلها الإصلاح لا تكفى للري
وتعطلت، وقد أثبت محرر المحضر أنه عاين الأرض البالغ مساحتها 6 ف و12 ط، فوجد أن 4
ف و12 ط منها مزروعة بالطماطم والباقي بزراعات أخرى، وأنه وجد حوالى أربعة أفدنة
منها أرضها جافة حديثاً، وقرر له الشاكي أن المياه وصلت منذ 15 يوماً، كما وجد
مساحة 2 ف و15 ط تقريباً لا أثر فيها للمياه. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه
سواء فيما نقله من أقوال عن المطعون عليه أو فيما حصله مما جاء بالمحضر رقم 32
أحوال سموحة لا يكون قد خالف الثابت في الأوراق، ولما كان ما حصله الحكم من أن تلف
زراعة المطعون عليه يرجع إلى عدم وصول مياه الري إلى الأرض المؤجرة له والتي التزم
الطاعنان بريها، وكان ما حصله الحكم في هذا الشأن سائغاً ومستمداً من عناصر ثابتة
في أوراق الدعوى. لما كان ما تقدم، وكان لمحكمة الموضوع سلطانها المطلق في استخلاص
ما تقتنع به ويطمئن إليه وجدانها متى كان استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت
بالأوراق دون معقب عليها في ذلك من محكمة النقض، فإن النعي بهذا السبب يكون في غير
محله.
وحيث إن الطاعنين ينعيان
بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في القانون،
ويقولان في بيان ذلك إن الحكم قد أسس قضاءه على أن ضرراً حاق بالمطعون عليه بسبب
عدم رى زراعته دون أن يعنى الحكم ببيان الخطأ الذى ارتكبه الطاعنان ودون بيان
علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند في إثبات مسئولية الطاعنين إلى قوله
"...... إنه ولما تقدم يكون سبب التلف الذى أصاب زراعة المستأنف (المطعون
عليه) مرجعه عدم وصول مياه الري إلى الأرض المؤجرة له والتي التزم المستأنف عليهما
(الطاعنان) بريها، ولا تعتد المحكمة بما أثاراه أخيراً حول القوة القاهرة طالما أن
شهودهما قرروا أنه استعيض عن الماكينة بجرار لتوصيل المياه في فترة عطل ماكينة الري
الأمر الذى يدل على أنه كان لديهما الإمكانيات الكافية لضمان وصول المياه إلى جميع
الأرض المؤجرة بالمنطقة في حالة تعطل ماكينة الري ..." وهذا الذى قرره الحكم
المطعون فيه وأقام عليه قضاءه لا ينطوي على خطأ في القانون ولا قصور في التسبيب،
ذلك أن عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي يعتبر في ذاته خطأ يرتب مسئوليته التي
لا يدرؤوها عنه إلا إذا أثبت هو قيام السبب الأجنبي الذى تنتفى به علاقة السببية،
وإذا كان يبين مما اثبته الحكم المطعون فيه على النحو السالف بيانه أن الطاعنين قد
التزما برى الأطيان محل النزاع ، وهو ما لم يكن محل نعى منهم، وكان التزامهما برى
الأطيان المؤجرة منهما إلى المطعون عليه هو التزام بتحقيق غاية، فإنه متى أثبت
المطعون عليه إخلال الطاعنين بهذا الالتزام، فإنه يكون قد أثبت الخطأ الذى تتحقق
به مسئوليتهما، ولا يجديهما في نفى هذا الخطأ أن يثبتا أنهما قد بذلا ما وسعهما من
جهد لتنفيذ التزامهما ولم يستطيعا ما دامت الغاية لم تتحقق، لما كان ذلك وكان
الحكم المطعون فيه قد أثبت إخلال الطاعنين بالتزامهما برى الأرض موضوع النزاع على
ما سلف بيانه في الرد على السبب الأول، فإنه يكون قد أثبت بذلك الخطأ العقدي في جانب
الطاعنين، وإذ كان يبين أيضاً من الحكم أنه نفى في أسباب سائغة - كما سبق القول -
قيام القوة القاهرة التي ادعى الطاعنان وجودها لما كان ذلك فإن النعي على الحكم
بالخطأ في القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين
رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق