جلسة 31 من مارس سنة 1982
برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان وحسين كامل حنفي ومحمد ممدوح سالم
ومحمد رفيق البسطويسي.
-------------------
(86)
الطعن
رقم 867 لسنة 52 القضائية
1 - محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل"
"سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" إثبات "بوجه
عام" "شهود" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة النقض في
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وإطراح ما عداها.
2 - إثبات "بوجه عام" "قرائن" حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم اشتراط أن يكون
الدليل صريحاً. دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها كتابة أن يكون ثبوتها فيه
بطريق الاستنتاج من الظروف والقرائن.
3 - حق محكمة الموضوع في الجزم بما لم يجزم به الخبير.
4 - قتل عمد "قصد جنائي". جريمة "أركانها".
حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفي. لا
يدرك بالحس الظاهر. إدراكه بالظروف والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما
يضمره.
5 - قتل عمد. قصد جنائي. جريمة "أركانها".
استخلاص نية القتل.
موضوعي.
6 - أعذار قضائية. عقوبة "تخفيفها".
حالات الإثارة أو
الاستقرار الغضب أعذار قضائية مخففة لا تنفي نية القتل. أثر ذلك؟
7 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب" "بطلانه".
بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
البيان المعول عليه في
الحكم. هو ما يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره. إفاضة الحكم في بيان استبعاده ظرف
سبق الإصرار. وقوله في معرض وصف الفعل الذي فارقته الطاعنة أنها أعدت لذلك سكيناً
دون أن يؤثر ذلك في منطقه ودون أن تكون أسبابه متناقضة. خطأ مادي لا يعيبه.
----------------
1 - لما كان من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال
الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقع الدعوى
حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها
سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
2 - لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة
المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من
الظروف والقرائن وترتيب الناتج على المقدمات.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في
تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لها.
4 - لما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما
يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني
وتنم عما يضمره في نفسه.
5 - استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى موكولاً إلى محكمة الموضوع
في حدود سلطتها التقديرية ما دام تدليلها على توافرها كافياً.
6 - لما كانت حالات الإثارة أو الاستفزاز أو الغضب لا تنفي نية
القتل، كما أنه لا تناقض بين قيام هذه النية لدى الجاني وبين كونه قد ارتكب فعلته
تحت تأثير أي من هذه الحالات وإن عدت أعذاراً قضائية مخففة يرجع الأمر في تقديرها
إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض، فإن ما تثيره الطاعنة من أن ما
ذكره الحكم من حدوث مشادة بينها وبين المجني عليه قبيل الحادث مباشرة ينفي توافر
نية القتل يكون غير سديد.
7 - لما كان من المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك
الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجية عن سياق هذا
الاقتناع، فإن ما استطرد إليه الحكم بعد أن استوفى دليله في إثبات فعل القتل العمد
بغير سبق إصرار وبعد أن أفاض في أسباب استبعاد هذا الظرف - من قوله في معرض وصف
الفعل الذي قارفته الطاعنة أنها بيتت النية على قتل المجني عليه وأعدت لذلك سكيناً
يكون سهواً وخطأً مادياً غير مؤثراً لا يمس منطق الحكم ما دام قد أقام قضاءه على
أسباب صحيحة غير متناقضة كافية بذاتها لحمله.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها: قتلت زوجها.... عمداً مع سبق
الإصرار بأن بيتت النية على قتله وأعدت لذلك جوهراً ساماً (مركب فسفوري كبريتي
عضوي) وآلة حادة قاطعة (سكين) وما أن ظفرت به حتى دست له المادة السامة فتناولها
وانهالت عليه طعناً بالسكين قاصدة من ذلك قتله فأحدثت به الإصابات والأعراض
الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة
إحالتها إلى محكمة الجنايات طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك.
ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات
بمعاقبتها بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً.
فطعنت المحكوم عليها في
هذا الحكم بطريق النقض.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها بجريمة
القتل العمد قد شابه فساد في الاستدلال وقصور وتناقض في التسبيب، ذلك بأنه عول في
قضائه بإدانتها على قرائن استنتاجية مؤداها أن الطاعنة والمجني عليه كانا بمفردهما
في مسكنهما وكان مغلقاً عليهما من الداخل وإنما كانت مضطربة وقميصها ملطخ بالدماء
عندما توجهت لجيرانها لتخبرهم بانتحار زوجها وأن تقرير الصفة التشريحية استبعد
إمكان ضرب المجني عليه لنفسه لعدم ظهور اهتزازات في الجروح، وما تساند إليه الحكم
لا يفيد ثبوت الواقعة ويدحضه أن الطاعنة هي التي استنجدت بجيرانها وصحبت زوجها
المجني عليه إلى المستشفى لمحاولة إنقاذه وأنها لم تكن على خلاف معه وأنه كان في
ضائقة مالية، كما أن تقرير الصفة التشريحية وإن استبعد إحداث المجني عليه إصاباته
بنفسه إلا أنه لم يجزم بذلك، هذا إلى أن ما ساقه الحكم في بيان نية القتل لا تكفي
لإثبات توافرها كما أن ما ذكره من حدوث مشادة بين الطاعنة وزوجها قبيل الحادث
مباشرة ينفي توافر نية القتل، هذا فضلاً عن أنه بعد أن نفى ظرف سبق الإصرار خلص في
أسبابه إلى أن الطاعنة بيتت النية على قتل المجني عليه وأعدت لذلك سكيناً.
ومن حيث إن الحكم المطعون
فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إنه في ليلة..... كانت..... (الطاعنة) بصحبة
زوجها المجني عليه..... وتناولا عشاءهما في منزل والد هذا الأخير ثم عادا إلى غرفة
مسكنهما المستقلة في منزل... وفي الهزيع الأخير من الدليل قامت بينهما مشادة استلت
على أثرها سكيناً من تلك التي تستعملها في منزلها وطعنته بها بشدة بأيمن رقبته وإذ
أمسك بتلابيبها مدافعاً عن حياته عاجلته بطعنة أخرى بأسفل مقدم رقبته. فخارت قواه
بعد أن نزفت دماؤه وأصبح في غيبوبة فقامت بسكب بعض من مبيد حشري في فمه لتجهز عليه
وليظهر الحادث وكأن المجني عليه قد انتحر بهذا السائل المميت ثم خرجت بعد ذلك وقد
لطخت دماء المجني عليه قميص نومها من قبل ودبر مستنجدة بجارها.... وأبلغته بأن
زوجها يتقيأ دماً وقد نقل هذا الأخير المجني عليه إلى المستشفى المركزي بإمبابة
إلا أن روح المجني عليه فاضت إلى بارئها بعد ربع ساعة من وصوله المستشفى"
وساق الحكم في التدليل على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة سائغة من شأنها أن
تؤدي إلى ما رتب عليها مستمدة من أقوال الشهود ومما ثبت من تقرير الصفة التشريحية
وأقوال الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة ومما قررته الطاعنة بالتحقيقات وبمحضر
الجلسة، وبعد أن أورد الحكم مؤدى هذه الأدلة عرض لإنكار الطاعنة وتصويرها الحادث
بأنه انتحار وأطرحه لأسباب حاصلها أن الطاعنة قررت في التحقيقات وبالجلسة أنها
كانت مع زوجها المجني عليه وحدهما في حجرتهما المغلقة عليهما من الداخل وعدم
استطاعة أحد غيرهما الوصول إليها وأن وجود سحجات ظفرية بكل منهما يشير إلى حدوث
تماسك بينهما وأنها ظهرت مضطربة بملابس النوم ملطخة بالدماء إثر الحادث وأن تقرير
الصفة التشريحية والطبيب الشرعي بالجلسة قد استبعد حصول الإصابتين اللتين أودتا بحياة
المجني عليه بفعل يده وأن المادة السامة التي وجدت بالمجني عليه أعطيت له أثناء
احتضاره. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال
الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقع الدعوى
حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها
سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وأنه لا
يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي
أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب
النتائج على المقدمات، وكان ما ساقه الحكم من وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها
كافياً في الدلالة على أن الطاعنة هي التي قتلت زوجها عمداً، وكان هذا الذي
استخلصه الحكم واستقر في عقيدته لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلي والمنطقي ولا
يتعارض مع ما نقله الحكم عن تقرير الصفة التشريحية وما شهد به الطبيب الشرعي
بالجلسة وهو ما لا تمارى الطاعنة في أن له مأخذه الصحيح في الأوراق إذ لم ينف
التقرير المذكور وكذا شهادة الطبيب الشرعي بالجلسة هذا التصوير الذي اعتنقه الحكم،
ولا ينال من ذلك أن الطبيب الشرعي سواء في تقريره المكتوب أو في شهادته بالجلسة لم
يقطع بهذا التصوير إذ من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير
في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لها - كما هو الحال في
الدعوى الماثلة - فإن ما تثيره الطاعنة من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من
أوراق الدعوى والتحقيقات التي تمت فيها لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في سلطة
محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام
محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الحكم قد استظهر نية القتل في قوله "وحيث إنه
عن نية القتل فهي متوافرة في حق المتهمة من ظروف الدعوى وملابساتها من استعمالها
آلة قاتلة بطبيعتها "سكين" ومن تعدد الطعنات التي كالتها للمجني عليه
وكونها في مقتل فضلاً عن سكبها لمادة المبيد الحشري في فمه أثناء الاحتضار تأكيداً
منها لتلك النية" وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما
يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني
وتنم عما يضمره في نفسه، وكان استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى موكولاً إلى
محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية ما دام تدليلها على توافرها كافياً. وكان
الحكم قد دلل - فيما سلف بيانه - على قيام هذه النية تدليلاً كافياً، فإن هذا حسبه
ليبرأ من قالة القصور في بيان تلك النية. لما كان ذلك وكانت حالات الإثارة أو
الاستفزاز أو الغضب لا تنفي نية القتل، كما أنه لا تناقض بين قيام هذه النية لدى
الجاني وبين كونه قد ارتكب فعلته تحت تأثير أي من هذه الحالات وإن عدت أعذاراً
قضائية مخففة يرجع الأمر في تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة
النقض، فإن ما تثيره الطاعنة من أن ما ذكره الحكم من حدوث مشادة بينها وبين المجني
عليه قبيل الحادث مباشرة ينفى توافر نية القتل يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان من
المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي
دون غيره من الأجزاء الخارجية عن سياق هذا الاقتناع، فإن ما استطرد إليه الحكم بعد
أن استوفى دليله في إثبات فعل القتل العمد بغير سبق إصرار وبعد أن أفاض في أسباب
استبعاد هذا الظرف - من قوله في معرض وصف الفعل الذي قارفته الطاعنة أنها بيتت
النية على قتل المجني عليه وأعدت لذلك سكيناً يكون سهواً وخطأ مادياً غير مؤثر لا
يمس منطق الحكم ما دام قد أقام قضاءه على أسباب صحيحة غير متناقضة كافية بذاتها
لحمله، ويكون منعى الطاعنة في هذا الخصوص في غير محله. لما كان ما تقدم فإن الطعن
برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق