جلسة 2 من فبراير سنة 1971
برياسة السيد المستشار الدكتور عبد السلام بلبع رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، ومحمد أسعد محمود.
------------
(28)
الطعن رقم 296 لسنة 36 القضائية
(أ) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن".
تقدير أقوال الشهود مما تستقل به محكمة الموضوع. سلطتها في الأخذ بأقوال بعض الشهود دون البعض الآخر. عدم التزامها بتصديق الشاهد في كل أقواله أو الرد على من لم تأخذ بشهادته. المنازعة في ذلك جدل موضوعي لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(ب) دعوى. "بعض أنواع الدعاوى". "التدخل في الدعوى". بيع. حكم. "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
الحكم بصحة العقد فحواه عدم بطلانه كأصل. رفض طلب الخصم قبول تدخله في دعوى صحة التعاقد للطعن على التصرف بالبطلان تأسيساً على أن له رفع دعوى مستقلة بذلك. القضاء بصحة التعاقد في هذه الحالة لا يحوز قوة الأمر المقضي بالنسبة له.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهم الستة الأول بصفتهم ورثة المرحومة عائشة بدوي محمد الطيب أقاموا على الطاعنين وباقي المطعون عليهم عدا الأخيرة الدعوى رقم 1212 سنة 1951 كلي المنصورة، وطلبوا الحكم بتثبيت ملكيتهم إلى 22 ط، 1 ف شائعة في 4 ط و19 ف المبينة بصحيفة الدعوى. وقالوا بياناً لها إن المرحوم بدوي أحمد الطيب توفى بتاريخ 10/ 3/ 1947 وخلف 4 ط و19 ف ومنزلين ومنقولات وأن نصيبهم العشر في تركته لأنهم أولاد ابنته المرحومة عائشة بدوي محمد الطيب التي توفيت في حياة أبيها ويستحقون في تركته وصية واجبة باعتبارهم فرع ولده من أهل الطبقة الأولى من أولاد البنات. وإذ وضع المدعى عليهم اليد على التركة واستصدروا من المورث عدة تصرفات قبل توقيع الحجر عليه أولها بعقد مسجل في 7/ 12/ 1942 عن 6 س و8 ط و1 ف والأخرى صدرت بها أحكام في الدعاوى أرقام 1521، 1523، 1624 سنة 1945 مدني دكرنس بصحة عقود ثلاثة عن تصرف المورث في 2 س و1 ط، 1 ف، 17 ط، 10 س، 10 ط، 1 ف على التوالي وكانت هذه التصرفات باطلة لصدورها من المتصرف وهو منعدم الإرادة للعته، فقد أقاموا دعواهم بطلباتهم سالفة البيان. وطلبت المطعون عليها الأخيرة قبولها خصماً في الدعوى على أساس أن والدها اشترى بصفته ولياً على أولاده جزءاً من الأطيان موضوع الدعوى من المورث وأنه قضى بصحة هذا العقد في الدعوى رقم 1493 سنة 1948 مدني كلي المنصورة، وطلبت رفض الدعوى بالنسبة لنصيبها في القدر المبيع. وبتاريخ 25/ 3/ 1962 قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهم الستة الأول أن هذه التصرفات الأربعة صدرت من المورث وهو في حالة عته، وبعد سماع شهود الطرفين قضت المحكمة بتاريخ 1/ 12/ 1963 ببطلان العقود الأربعة الصادرة من المورث وبندب خبير لتحقيق ما خلفه المورث من أطيان بما في ذلك الأطيان محل العقود المقضي ببطلانها. استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة وقيد الاستئناف برقم 40 سنة 16 ق وبتاريخ 6/ 4/ 1966 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. قرر الطاعنون بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنون بالشق الأول من السبب الأول وبالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قضى ببطلان العقود الأربعة الصادرة من المورث للطاعنين استناداً إلى ما شهد به شاهدا المطعون عليهم الستة الأول من أن المتصرف كان في حالة عته وقت صدور هذه التصريفات، هذا في حين أن أقوال هذين الشاهدين الثابتة في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة لا تؤدي إلى قيام حالة العته لدى المتصرف وقت صدور هذه العقود، فقد شهد الشاهدان أنهما لا يعلمان شيئاً عن ظروف هذه العقود وشهد الشاهد الأول أن المتصرف كان يعي فترة ولا يعي فترة أخرى وشهد الثاني أن المتصرف أصيب بالمرض العقلي إلى ثلاث سنوات سابقة على وفاته في سنة 1947، وأضاف الطاعنون أن الحكم لم يرد على ما تمسكوا به من أن شهود النفي قرروا بأن المتصرف كان في حالة عقلية سليمة وقت صدور التصرفات المطعون عليها، كما لم يرد على الأسباب التي ساقوها لتجريح شاهدي الإثبات، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الثابت من أقوال الشاهدين اللذين أشهدهما المطعون عليهم الستة الأول طبقاً لما ورود بمحضر التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة والمقدمة صورته من الطاعنين أن أولهما شهد بأن المتصرف كان مريضاً مرضاً عقلياً وأن جميع أهل بلدته ومنهم الطاعنون كانوا يعلمون بحالته العقلية هذه، وشهد الثاني أن المتصرف كان مخبولاً منذ سنة 1942 ولصقت به هذه الحالة التي كان يعلم بها جميع أهل البلدة حتى وفاته، ولما كان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد حصل هذه الأقوال على هذا النحو واستخلص منها ما تؤدي إليه من أن المتصرف كان في حالة عته وقت صدور هذه التصرفات المطعون عليها، فإنه لا يكون معيباً بمخالفة الثابت بالأوراق أو بالفساد في الاستدلال. ولما كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في الأخذ بما تطمئن إليه من أقوال بعض الشهود ما دامت لم تخرج عن مدلولها أو تأخذ بجزء من أقوالهم دون الآخر ولها أن تطرح أقوال باقي الشهود دون حاجة منها إلى الرد استقلالاً على من لم تأخذ بشهادتهم أو تورد العلة في ذلك، إذ في أخذها بأقوال الشهود الذين أخذت بأقوالهم ما يدل على اطمئنانها إليها والإعراض عن أسباب تجريحهم وأقوال غيرهم. لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعنون لا يعدو أن يكون مجادلة في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أقوال الشهود مما تستقل هي به، ويكون النعي على الحكم بالقصور في التسبيب في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والتناقص، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم المطعون فيه استند في قضائه ببطلان التصرفات الصادرة من المورث للعته إلى القرار الصادر بتوقيع الحجر عليه في 3/ 6/ 1946 وذلك على الرغم مما أثبته من أن توقيع الحجر بموجب ذلك القرار كان للسفه والغفلة، ومع أن الأثر المترتب على قيام حالة الغفلة والسفه لدى المتصرف يغاير الأثر المترتب على قيام حالة العته لديه، ولا ينسحب البطلان في الحالة الأولى إلى التصرفات السابقة على توقيع الحجر إلا بشروط لم يعرض لها الحكم بالبحث مما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون والتناقص.
وحيث إنه وإن كان الحكم المطعون فيه قد قرر أن توقيع الحجر على المتصرف في 3/ 6/ 1946 كان للسفه والغفلة، إلا أن هذا من الحكم خطأ مادي بدليل ما أثبته من قيام حالة العته لدى المتصرف وقت صدور التصرفات المطعون عليها، ثم أخذ الحكم بأسباب الحكم الابتدائي بما قرره من أنه حكم بتوقيع الحجر على المتصرف في 3/ 6/ 1946 للعته، ولما كان الطاعنون لم يقدموا ما يدل على أن توقيع الحجر كان للغفلة والسفه، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والتناقص يكون على غير أساس.
وحيث أن الطاعنين ينعون بالوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا بحجية الأحكام الصادرة بصحة العقود في الدعاوى رقم 1521، 1523، 1622 سنة 1945 مدني دكرنس، وبأن هذه الأحكام حجة على ورثة المتصرف ومنهم المطعون عليهم الستة الأول باعتبارهم خلفاً عاماً للمتصرف الذي صدرت ضده هذه الأحكام، غير أن الحكم قضى برفض هذا الدفاع استناداً إلى أن المطعون عليهم الستة الأول لم يحضروا في هذه الدعاوى ولأنها لم تتناول موضوع بطلان هذه العقود مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث أن هذا النعي مردود، ذلك أنه وإن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحكم بصحة العقد فحواه عدم بطلانه، إلا أنه لما كان يبين من الاطلاع على الأحكام الصادرة في الدعاوى رقم 1521، 1523، 1622 سنة 1945 مدني دكرنس أن بعض المطعون عليهم تقدموا في هذه الدعاوى الثلاث بطلب قبولهم خصوماً فيها وذلك للطعن ببطلان التصرفات المطلوب الحكم بصحتها، استناداً إلى أنه قد قدم طلب بتوقيع الحجر على المتصرف غير أن المحكمة لم تقبل تدخلهم وورد في أسباب هذه الأحكام أن لطالبي التدخل رفع دعاوى مستقلة بالبطلان، مما مفاده أن الأحكام بصحة عقود البيع المشار إليها لم تفصل في طعون طالبي التدخل في هذه التصرفات موضوع هذه العقود بالبطلان على وجه يحتج به في هذه الخصومة، طالما أن هذه الأحكام رأت عدم النظر في هذه الطعون، وصرحت باستيفاء الفصل فيها بدعاوى مستقلة، وإذ كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون فيما قضى به من أن الأحكام الصادرة في الدعاوى سالفة البيان لا تعتبر حجة على المطعون عليهم الستة الأول، ويكون النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون بهذا الوجه على غير أساس.
(1) نقض 26/ 2/ 1970 مجموعة المكتب الفني. س 21. ص 368.
(2) نقض 13/ 12/ 1966 مجموعة المكتب الفني. س 17. ص 1869.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق