جلسة 11 من أبريل سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، ومحمود حلمي خاطر، وعباس حلمي سلطان، ورشاد القدسي المستشارين.
----------------
(67)
الطعن رقم 1775 لسنة 29 القضائية
أسباب إباحة الجرائم.
أداء الموظف لواجبه: نطاقه.
عدم امتداده إلى الجريمة.
نقض.
أسباب الطعن الموضوعية: مثال.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين مع آخر حكم ببراءته، بأنهم: الطاعنان بصفتهما مستخدمين عموميين - الأول مندوب مشتروات السلاح الجوي - سرية النقل - والثاني عسكري بهذا السلاح اختلسا إطارات السيارات المبينة وصفاًًًًً وقيمة بالمحضر والمسلمة إليهما بسبب وظيفتهما المذكورة، والمتهم الآخر أخفى إطارات السيارات المختلسة مع علمه بأنها متحصلة من الجريمة سالفة الذكر. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 44 مكررة فقرة أولى وثانية و111/ 1 و112 و118 و119 من قانون العقوبات فقررت بذلك، ومحكمة الجنايات قضت حضورياًًًًً عملاًًًًً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من الطاعنين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهما متضامنين مبلغ خمسمائة جنيه وبعزلهما من وظيفتهما. فطعن المتهمان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال، ذلك أن الحكم وهو يصور واقعة الدعوى قد ربط بين ترك الطاعن العشرة إطارات موضوع هذه الدعوى لضيق السيارة بها وبين نقله كمية أخرى من شركة النقل والهندسة، وفضلاًًًًً عن أن هذا الارتباط لا يصلح بذاته سبباًًًًً لتأثيم الواقعة فإن تصوير المحكمة قد أدى بها إلى ما لا يمت إلى واقعة الدعوى بصلة ما، فقالت إن الطاعن استطاع أن يستوقع أمين المخزن أنور عبد العزيز جاد على الإذن بما يفيد ورود جميع الإطارات للمخزن مخالفاًًًًً بذلك حقيقة الواقع إذ أنه كان قد ترك العشرة إطارات المضبوطة لدى الشركة عمداًًًًً بقصد اختلاسها والحقيقة أن الطاعن لم يستوقع أمين المخزن إذناًًًًً بذلك ولم يغشه أو يخدعه في قليل أو كثير، إذ شهد هذا الأمين أن الطاعن سلمه إذن الإطارات فوجدها تنقص عشرة فسأله عنها فأطلعه على بطاقة من الشركة تفيد وجود هذه الإطارات بها فتسلم الرسالة، كما شهد أمين مخازن بشركة النقل بأن الطاعن استلم الإطارات عدا عشرة لم يتمكن من حملها بالسيارة فأبقاها أمين المخزن لديه وأعطاه إيصالاًًًًً بذلك ولما أخذها رد إليه الإيصال فمزقه، هذا إلى أنه ورد بأسباب الحكم المطعون فيه أن رئيس الطاعن النقيب عبد السلام محمد عزام كذبه فيما ادعاه من أنه أطلعه على الإيصال سالف الذكر - وقد أتى الحكم بهذه الواقعة من عنده لأنه بالرجوع لأقوال هذا الضابط يبين أنه أحسن الشهادة في حق الطاعن وصرح بتقديره له ولا يستدل من أقواله أن الطاعن عرض عليه الإيصال حتى يصح القول بأنه كذبه في هذه الواقعة بل إنه قرر أنه لا يعرف شيئاًًًًً عنها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن الأول توجه يوم الحادث إلى شركة النقل والهندسة لاستلام الإطارات التي رسا عليها العطاء لتوريدها لسرية النقل التابعة للقوات الجوية بوصفه المنوط باستلام هذه المهمات فاستلم 63 إطاراًًًًً وترك عشرة أخرى لدى أحد الموظفين بالشركة مدعياًًًًً أن حمولة السيارة التي كانت معه لم تتسع لها وقد أودع بنفسه الإطارات التي تسلمها بمخزن السرية بعد ميعاد العمل وفي غيبة أمين المخزن أنور عبد العزيز جاد الذي اكتشف في اليوم التالي أن العشرة إطارات لم ترد المخزن فأفهمه الطاعن الأول أنها لا تزال لدى الشركة واستطاع بذلك أن يستوقعه على إذن التوريد بما يفيد وصول الرسالة كاملة للمخزن وبعد يومين توجه الطاعن الأول وبرفقته الطاعن الثاني الذي يعمل جندياًًًًً بالقوات الجوية إلى مخازن الشركة بسيارة "بوكس" تابعة للجيش يقودها الجندي محمود حسن أغا واستلم الطاعنان 23 إطاراًًًًً من بينها العشرة إطارات التي كان الطاعن الأول قد تركها في المرة السابقة وأشار على السائق أن يتجه إلى شارع محمد علي حيث تقع الورشة التي يملكها الطاعن الثاني وآخر قضي ببراءته وذلك دون أن يتجهوا مباشرة لمقر السرية لإيداع الإطارات بالمخزن، ثم تمكن الطاعنان أثناء وقوف السيارة أمام الورشة من اختلاس العشرة إطارات في غيبة السائق الذي استدرجه الطاعن الأول إلى أحد المساجد القريبة بحجة تأدية فريضة الصلاة وأخفيا الإطارات في الورشة المذكورة وبعد أن تم للطاعنين مقصدهما استقلا السيارة بما فيها من الحمولة الباقية وبقيادة السائق المذكور ثم أودعا الثلاثة عشرة إطاراًًًًً بمخزن السرية ثم عاد الثلاثة للتجوال بالمحلات التجارية بحجة البحث عن مشتريات خاصة بالوحدة حتى أزف موعد انتهاء تشغيل السيارة وسائقها فعادوا إلى الوحدة وكان أمر اختلاس الإطارات قد أبلغ نبؤه بواسطة بعض عمال الورشة لرجال المباحث الجنائية العسكرية فداهموا الورشة وضبطوا العشرة إطارات مخبأة بها. واستند الحكم في إدانة الطاعنين إلى أدلة استمدها من أقوالهما ومن أقوال المتهم الثالث الذي حكم ببراءته ومن شهادة الصول إبراهيم غانم وسائق السيارة محمود حسن أغا والنقيب مهندس عبد السلام محمد عزام قائد السرية وأمين المخازن أنور عبد العزيز جاد وعمال الورشة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن أنه لم يورد جميع الإطارات التي تسلمها من شركة النقل والهندسة إلى مخزن السرية التي يعمل بها وبوصفه مكلفاًًًًً بهذه المهمة بل اختلس منها عشرة إطارات هو والطاعن الثاني بالطريقة التي سالف ذكرها وقاما بإخفائها بورشة هذا الأخير بعد أن أبعدا الجندي محمود حسن أغا سائق السيارة عن مسرح الجريمة وهو ما تتوافر به جناية اختلاس الأموال الأميرية المسندة إلى الطاعنين والتي دانهما الحكم بها، وكان الحكم قد أورد على ذلك أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، وكان ما قاله الحكم من أن الطاعن الأول أمكنه أن يستوقع أمين مخزن السرية بما يفيد ورود جميع الإطارات خلافاًًًًً للحقيقة له أساس من أقوال هذا الشاهد ومن إقرار الطاعن بهذه الواقعة كما هو وارد بالحكم. لما كان ذلك وكان الجدل في مسألة عرض الطاعن الأول إيصال الأمانة الذي حصل عليه من موظف الشركة على رئيسه النقيب........ حتى بفرض صحة هذه الواقعة لا يجدي لأنه لا يؤثر فيما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعنين للأسباب التي اعتمد عليها وما أثبته من ضبط هذه الإطارات بمكان إخفائها بمعرفة المتهمين فضلاًًًًً عن أن أقوال الشاهد عبد السلام محمد عزام بمحضر الجلسة تناولت ما يفيد أن الطاعن لم يتصل به في شأن الإطارات العشرة المذكورة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من الطاعن الأول على غير أساس متعيناًًًًً رفضه موضوعاًًًًً.
وحيث إن الطاعن الثاني ينعى على الحكم المطعون فيه القصور والخطأ في الاستدلال وفي الإسناد وفي تطبيق القانون للأسانيد التي ذهب إليها الطاعن الأول وأنه لا شأن لهذا الطاعن بواقعة ترك العشرة إطارات بداءة بشركة النقل والهندسة ولأن ما قاله الحكم عن الدافع الحقيقي لوضع هذه الإطارات بورشة الطاعن وهو العطب الذي أصاب السيارة وأن هذه التعلة لو كانت حقيقية لما أمكن لهذه السيارة أن تجوب الشوارع التي بها المحلات التجارية بزعم شراء مهمات أخرى إذ أن هذا القول من جانب الحكم لا يصلح سنداًًًًً صحيحاًًًًً للنتيجة التي انتهى إليها، ذلك أن دفاع الطاعن قد قام على أن السيارة لم تقو على السير بحمولتها وأن واصلته بعد تخفيف حملها ولم يقل الطاعن ولا غيره إن العطب قد منعها من السير، هذا إلى أنه لو قيل جدلاًًًًًًًًًً بأن الطاعن الأول قد قصد اختلاس بعض هذه الإطارات وأن الطاعن قد انصاع لرغبته ووضع الإطارات بمحله فإنه لم يقارف جرماًًًًً لأنه من رجال السلك العسكري وتجب عليه طاعة رئيسه وإن ارتكب جرماًًًًً نتيجة هذه الطاعة فلا عقاب عليه إعمالاًًًًً لنص المادة 63 من قانون العقوبات فيكون الحكم إذ دانه في هذه الجريمة قد خالف أحكام القانون.
وحيث إن الشطر الأول من هذا الطعن مردود بما سلف ذكره في خصوص الرد على الطعن المقدم من الطاعن الأول وقد أثبت الحكم في حق الطاعنين أنهما احتجزا العشرة إطارات موضوع التهمة بنية اختلاسها وقاما بإخفائها في ورشة الطاعن الثاني وهو ما تتوافر به جناية اختلاس الأموال الأميرية التي دانهما الحكم بها وأورد على ذلك أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها وليس الحكم بعد ذلك في حاجة إلى تتبع الطاعن في كل جزئية من جزئيات دفاعه والرد عليها استقلالاًًًًً إذ الرد مستفاد من الحكم بالإدانة. لما كان ذلك، وكان ما يقوله الطاعن خاصاًًًًً بعدم مسئوليته عن جريمة اختلاس الإطارات طبقاًًًًً لنص المادة 63 من قانون العقوبات لأنه انصاع لرغبة رئيسه الطاعن الأول - هذا القول مردود بأن فعل الاختلاس الذي أسند إليه ودانته المحكمة به هو عمل غير مشروع ونية الإجرام واضحة بما لا يشفع للطاعن فيما يدعيه من عدم مسئوليته، بل إن إقدامه على ارتكاب هذا الفعل يجعله أسوة الطاعن الأول في الجريمة، وفضلاًًًًً عن ذلك فالذي يبين من الاطلاع على محضر الجلسة أن الطاعن لم يثر هذا الدفع أمام محكمة الموضوع حتى تستطيع التثبت من حقيقة الصلة التي تربطه بالمتهم الأول بصفة هذا الأخير رئيساًًًًً له كما يقول. لما كان ذلك، فإن الطعن المقدم من الطاعن الثاني لا يكون سديداًًًًً ويتعين رفضه موضوعاًًًًً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق