الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 يونيو 2023

الطعن 363 لسنة 36 ق جلسة 22 / 4 / 1971 مكتب فني 22 ج 2 ق 84 ص 540

جلسة 22 من إبريل سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.

-------------

(84)
الطعن رقم 363 لسنة 36 القضائية

(أ) أهلية. "العته". محكمة الموضوع. "تقدير حالة العته". نقض.
تقدير حالة العته. واقع يستقل به قاضي الموضوع.
(ب) أهلية. "العته". حكم. "حجية الحكم". عقد.
القضاء بصحة التصرفات السابقة على الحكم الصادر بتوقيع الحجر للعته. لا يتعارض مع حجية الحكم الأخير طالما أنه لم يقطع بقيام حالة العته وقت التصرف. الحكم المذكور من الأحكام المنشئة.
(ج) حكم. "تسبيب الحكم". إثبات. "البينة". استئناف.
تقدير أقوال الشهود. لمحكمة الاستئناف أن تخالف فيها محكمة أول درجة. عدم لزوم بيانها أسباب ذلك.
(د) أهلية. "العته". محكمة الموضوع.
الوصف القانوني للحالة المرضية. لا شأن للطبيب به. الأمر في ذلك لقاضي الدعوى.

--------------
1 - تقدير حالة العته لدى أحد المتعاقدين مما يستقل به قاضي الموضوع لتعلقه بفهم الواقع في الدعوى، والنعي على الحكم في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
2 - القضاء بصحة التصرفات السابقة على الحكم الصادر بتوقيع الحجر للعته لا يعتبر إخلالاً بحجيته، إذ أن الحكم لم يقطع بقيام حالة العته لدى المورث وقت حصول التعاقد، فضلاً عن تعلقه بحالة الإنسان وأهليته، فيعتبر من الأحكام المنشئة التي لا تنسحب آثارها على الوقائع السابقة عليه.
3 - لمحكمة الاستئناف أن تذهب في تقدير أقوال الشهود مذهباً مخالفاً لتقدير محكمة أول درجة، ولا يكون عليها في هذه الحالة أن تبين الأسباب الداعية لذلك، وحسبها أن تقيم قضاءها على ما يحمله، فلا يعيب حكمها أن تستخلص من أقوال الشهود ما اطمأنت إليه ولو كان مخالفاً لما استخلصته محكمة الدرجة الأولى التي سمعتهم.
4 - الطبيب ليس هو الذي يعطي الوصف القانوني للحالة المرضية التي يشاهدها، الشأن في ذلك لقاضي الدعوى في ضوء ما يبديه الطبيب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن السيدة/ فتحية عبد الفتاح بصفتها وصية خصومة على قصر المرحوم خليل حمودة أقامت الدعوى رقم 5485 سنة 1962 كلي القاهرة تطلب الحكم بإبطال التصرفين الصادرين من والدهم المتضمن أولهما بيعه لأخيه محمد حمودة حصة قدرها 9/ 24 شائعة في المنزل رقم 5 زقاق العرقسوس قسم الخليفة المشهر برقم 7152 سنة 1957 توثيق القاهرة، والمتضمن ثانيهما بيعه لزوجته عائشة محمود السنباطي المطعون عليها الثانية المنزل رقم 10 بحوش الشرقاوي قسم الدرب الأحمر المشهر برقم 9825 سنة 1957 توثيق القاهرة ومحو كافة التسجيلات الموقعة على هذين العقارين، وقالت شرحاً للدعوى إن مورث القصر أصيب بمرض عقلي وقضت محكمة الأحوال الشخصية في 25/ 3/ 1959 بتوقيع الحجر عليه بناء على طلب زوجته إحسان عبد الفتاح التي توفيت معه بتاريخ 31/ 5/ 1961، ولما كان التصرفان الصادران من المورث للمدعى عليهما باطلين في حكم المادة 114/ 2 من القانون المدني، وكانت محكمة الأحوال الشخصية قررت تعينها وصية خصومة على أولاد أختها القصر، فقد أقامت هذه الدعوى بالطلبات السابقة، وطلب المدعى عليهما رفض الدعوى لصدور التصرفين من المورث وهو في حال الصحة وقبل توقيع الحجر عليه في 14/ 3/ 1964. حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية بكافة طرق الإثبات أن عقدي البيع المشار إليهما قد صدرا من المورث وهو في حالة عته شائعة، وأن الطرف الآخر المتعاقد معه كان وقت التعاقد على بينة منها، وبعد سماع شهود الطرفين عادت وبتاريخ 27/ 2/ 1965 فحكمت بطلبات المدعية، واستأنف المدعى عليهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد هذا الاستئناف برقم 827 سنة 82 قضائية، وفي 3/ 5/ 1966 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى، وطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصرت الطاعنة على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليهما رفض الطعن، وصممت النيابة على الرأي الوارد بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن محكمة الأحوال الشخصية قضت بتوقيع الحجر على مورث القصر للعته، وقطعت في أسباب حكمها بأن حالة العته لديه بدأت منذ الطفولة أخذاًَ بما قرره الطبيب الشرعي، وإذ أصبح ذلك الحكم نهائياً وحاز قوة الشيء المحكوم به في هذا الخصوص، فإنه كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يلتزم الوصف الذي انتهى إليه ذلك الحكم واعتبار أن المحجور عليه كان معتوهاً منذ الطفولة والقضاء ببطلان التصرفات الصادرة منه بصرف النظر عن تاريخ إبرامها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بصحة العقدين موضوع الدعوى على أساس صدورهما منه قبل ظهور حالة العته لديه فإنه يكون قد أخطأ في القانون وفصل في النزاع على خلاف حكم الحجر المذكور مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الشق الأول منه، ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن سرد وقائع النزاع وعرض لأقوال الشهود الواردة في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة لإثبات مقتضى المادة 114/ 2 من القانون المدني، خلص إلى القضاء بصحة التصرفين موضوع الدعوى لصدورهما من المورث قبل تسجيل القرار الصادر بتوقيع الحجر عليه للعته وقبل إصابته بهذا المرض، استناداً إلى ما استخلصه من أقوال الشهود إلى القرائن التي ساقها تدعيماً لقضائه، ولما كان تقدير حالة العته لدى أحد المتعاقدين مما يستقل به قاضي الموضوع لتعلقه بفهم الواقع في الدعوى، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. والنعي مردود في شقه الثاني بأن القضاء بصحة التصرفات السابقة على الحكم الصادر بتوقيع الحجر للعته لا يعتبر إخلالاً بحجيته، إذ أنه فضلاً عن أن ذلك الحكم لم يقطع بقيام حالة العته لدى المورث وقت حصول التعاقد، فإنه لتعلقه بحالة الإنسان وأهليته يعتبر من الأحكام المنشئة التي لا تنسحب آثارها على الوقائع السابقة عليه.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني وبالسببين الثالث والخامس على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال من وجوه (أولها) أنه أقام قضاءه بصحة العقدين على ما ذكره المطعون عليه الثاني من أن زوجة البائع المرحومة إحسان عبد الفتاح قد وقعت على عقده الابتدائي المؤرخ 28/ 7/ 1957، في حين أن هذا العقد لم يقدم أصلاً وإنما قدمت صورته الشمسية خالية من هذا التوقيع، وقد طلبت الطاعنة تقديم أصل العقد للطعن عليه بالتزوير دون أن تعترف بصحة صورته المقدمة (وثانيها) أن الحكم قضى بصحة العقد الصادر من المورث لأخيه المطعون عليه الأول استناداً إلى هذا العقد أبرم بعد فترة وجيزة من عقد رهن صدر له عن ذات العقار وأن هذا العقد لم يطعن عليه، في حين أن القول بصحة عقد الرهن أو عدم الطعن فيه لا يعني بالضرورة صحة عقد البيع الذي جاء تالياً له، خصوصاً وأن الحكم الصادر بتوقيع الحجر قد قطع في أسبابه بأن حالة العته لدى المحجور عليه ترجع إلى عهد الطفولة، وإذ كان الحكم قد اعتبر أن عقد الرهن صحيح واستدل بذلك على صحة البيع اللاحق فإنه يكون قد خالف القرينة القاطعة المستمدة من قيام حكم الحجر والتي تفترض بطلان جميع التصرفات الصادرة من ذلك المحجور عليه (وثالثها) ذهب الحكم وهو بصدد التدليل على صحة عقد البيع الصادر للمطعون عليه الأول إلى أن تقرير الطبيب الشرعي جاء لاحقاً لهذا البيع بأكثر من سنة، وهو ما يدل على أنه قد أخذ بهذا التقرير وأنه حاول أن يضفي طابع الصحة على تصرفات المورث في الفترة السابقة عليه، في حين أن الطبيب الشرعي لم يشر في تقريره إلى أن المرض قد فاجأ المورث قبيل الكشف عليه كما أنه لم ينف أن المرض كان قديماً لديه.
وحيث إن هذا النعي مردود في جملته، ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض الدعوى على أن التصرفين موضوع النزاع قد صدرا من المورث وهو في حالة الصحة مستنداً في ذلك إلى ما استخلصه من أقوال الشهود وإلى القرائن المؤدية الأخرى التي ساقها، وإذ كان تقدير حالة العته هو تقدير موضوعي، وكان الحكم المطعون فيه على ما سلف بيانه في الرد على السبب الأول لم يخالف قوة الشيء المقضي فيه بالحكم الصادر بتوقيع الحجر لأن ذلك الحكم لم يقطع بقيام حالة العته وقت صدور التصرفين المطلوب إبطالهما، فإن النعي على الحكم بهذه الأوجه الثلاثة يكون مجرد مجادلة في تقدير الأدلة المقدمة في الدعوى بغية الحصول على نتيجة أخرى غير التي انتهت إليها محكمة الموضوع مما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في الاستنتاج، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم الابتدائي اتخذ من أقوال شهودها دليلاً على مرض البائع وألغت محكمة الاستئناف ذلك الحكم وأهدرت هذا الدليل المطروح عليها دون أن تناقشه أو ترد عليه، كما اتخذت من أقوال كل من الدكتور عبد الكريم صبري والأستاذين مصطفى خطاب وإسحق فرج المحاميين دليلاً على نفي المرض، في حين أن أقوال الشاهد الأول تؤدي إلى عكس النتيجة التي انتهت إليها إذ شهد بأن البائع كان مريضاً وقت توقيع الكشف عليه في أوائل شهر مارس سنة 1957 بمرض عقلي، وأن أقوال الشاهدين الآخرين لا تصلح على نفي هذه الواقعة التي يرجع في تقديرها إلى الخبرة.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود، ذلك إن لمحكمة الاستئناف أن تذهب في تقدير أقوال الشهود مذهباً مخالفاً لتقدير محكمة أول درجة ولا يكون عليها في هذه الحالة أن تبين الأسباب الداعية لذلك، وحسبها أن تقيم قضاءها على ما يحمله فلا يعيب حكمها أن تستخلص من أقوال الشهود ما اطمأنت إليه ولو كان مخالفاً لما استخلصته محكمة الدرجة الأولى التي سمعتهم. والنعي مردود في شقه الثاني بأنه فضلاً عن أن الطبيب ليس هو الذي يعطي الوصف القانوني للحالة المرضية التي يشاهدها وأن الشأن في ذلك لقاضي الدعوى في ضوء ما يبديه الطبيب، فإن تقدير قيام حالة العته عند أحد المتعاقدين هو مما يتعلق بفهم الواقع، وإذ استخلصت المحكمة من أقوال الأستاذين مصطفى خطاب واسحق فرج المحامين أن المورث كان سليماً وقت تصرفه للمطعون عليهما لاطمئنانها إليها فإنها تكون قد أعملت سلطتها في فهم هذا الواقع وأعطت الوصف القانوني الذي يتفق مع هذا الفهم لحالة المورث عند التعاقد.
وحيث إن حاصل السبب السادس أن الحكم المطعون فيه بعد أن عول في قضائه بصحة العقدين على واقعة قيام المطعون عليهما بدفع ثمن المبيع طبقاً لأقوال الشهود الواردة في تحقيق نيابة الأحوال الشخصية عاد وافترض أن المطعون عليها الثانية لم تدفع ثمناً وأن عقدها يظل صحيحاً باعتباره هبة مستترة في صورة عقد بيع من الواهب وهو في حالة الصحة وهو من الحكم إجمال وإبهام في التسبيب يعيب الحكم ويبطله.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد اعتبر عقد المطعون عليها الثانية صحيحاًً لصدوره قبل توقيع الحجر على البائع وقبل إصابته بالمرض العقلي، وأنه كان معاصراً للعقد الصادر للمطعون عليه الأول الذي اعتبره الحكم صحيحاً، ولما كانت هذه الأسباب تكفي لحمل قضائه في هذا الخصوص وكان ما قرره الحكم من اعتبار التصرف الصادر للمطعون عليها هبة مستترة في صورة عقد بيع لم يرد إلا على سبيل الفرض ورداً على ما أثير من أن البيع الصادر لها هو بيع صوري لم يدفع فيه ثمن، فإن النعي على الحكم بالإجمال والإبهام في التسبيب يكون على غير أساس، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق