جلسة 7 من ديسمبر سنة 2019
برئاسة السيد القاضي / سمير فايزي عبد الحميد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عبد الصمد محمد هريدي ، محمد مأمون سليمان ، عبد الناصر عبد اللاه فراج وصلاح الدين فتحي الخولي نواب رئيـس المحكمة .
-----------------
(150)
الطعن رقم 14797 لسنة 88 القضائية
(1) حكم " تسبيب الأحكام : ماهية التسبيب والغاية منه " .
الحكم . وجوب أن يطمئن المُطّلِع عليه إلى أن المحكمة محصت الأدلة المقدمة إليها وحصَّلت منها ما يؤدي إليه . كيفية ذلك .
(2) محكمة الموضوع " سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع وتقدير الأدلة في الدعوى : تقدير الأدلة " .
محكمة الموضوع . سلطتها في الأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة دون حاجة للرد استقلالاً على ما لم تأخذ به . شرطه . أن تكون قد اطلعت على الأوراق وأخضعتها لتقديرها وأن تفصح عن مصادر الأدلة التي كونت منها عقيدتها وفحواها وأن يكون استخلاصها سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي خلصت إليها . علة ذلك .
(3) دعوى " نظر الدعوى أمام المحكمة : إجراءات نظر الدعوى : تقديم المستندات والمذكرات في الدعوى " .
تقديم الخصم لمحكمة الموضوع مستندات وتمسكه بدلالتها . التفات الحكم عن التحدث عنها مع ما قد يكون لها من الدلالة . قصور .
(4) حكم " عيوب التدليل : مخالفة الثابت بالأوراق " .
مخالفة الثابت بالأوراق التي تُبطل الحكم . ماهيتها .
(5) إيجار " تشريعات إيجار الأماكن : أسباب الإخلاء : الإخلاء للهدم الكلي أو الجزئي للمنشآت الآيلة للسقوط والترميم والصيانة " .
الإخلاء للهدم الكلي أو الجزئي للمنشآت الآيلة للسقوط والإخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة . مناطه . صدور قرار نهائي من اللجان المختصة وفقاً للإجراءات المنصوص عليها . مؤداه . ليس لمحكمة الإخلاء مناقشته . علة ذلك . م 18 ق 136 لسنة 1981 .
(6) إيجار " تشريعات إيجار الأماكن : المنشآت الآيلة للسقوط : الطعن على قرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط في ظل القانون 119 لسنة 2008 " .
قرارات لجنة المنشآت الآيلة للسقوط الصادرة اعتباراً من 12/5/2008 . اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الطعن عليها . م 114/1 ق 119 لسنة 2008 والمادتين 3 ، 6 من مواد إصداره .
(8،7) إيجار " تشريعات إيجار الأماكن : المنشآت الآيلة للسقوط : إعلان قرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط في ظل القانون 119 لسنة 2008 " .
(7) اتباع قواعد وإجراءات إعلان قرارات لجنة المنشآت الآيلة للسقوط لذوي الشأن . عدم الطعن على هذه القرارات في المواعيد المقررة أو استنفاد طرق الطعن . مؤداه . صيرورتها نهائية . م 90 ، 91 ، 92 ق 119 لسنة 2008 .
(8) ثبوت عدم اكتمال قواعد وإجراءات إعلان قرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط المطعون عليه . مؤداه . عدم صيرورته نهائياً . أثره . عدم انفتاح مواعيد الطعن عليه . قضاء الحكم المطعون فيه بطرد الطاعنين من محلى النزاع بقالة صيرورة القرار نهائياً لعدم الطعن عليه في المواعيد المقررة . خطأ ومخالفة للثابت بالأوراق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر - في قضاء محكمة النقض – أن الحكم يجب أن يكون فيه بذاته ما يطمئن المُطّلع عليه إلى أن المحكمة قد محّصت الأدلة التي قُدمت إليها وحصّلت منها ما تؤدي إليه، وذلك باستعراض هذه الأدلة والتعليق عليها بما يُنبئ عن بحث ودارسة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة.
2- المقرر - فى قضاء محكمة النقض – أن القول بأن لمحكمة الموضوع سلطة الأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة واطراح ما عداه دون حاجة للرد استقلالاً على ما لم تأخذ به - محله أن تكون قد اطّلعت على تلك الأوراق وأخضعتها لتقديرها، كما يتعين على محكمة الموضوع أن تُفْصِح عن مصادر الأدلة التي كونت منها عقيدتها وفحواها، وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق، وأن يكون ما استخلصته منها سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي خلُصت إليها حتى يتأتى لمحكمة النقض أن تُعمل رقابتها على سلامة الحكم.
3- المقرر - في قضاء محكمة النقض – أنه إذا ما قَدَّم الخصم لمحكمة الموضوع مستندات وتمسك بدلالتها فالتفت الحكم عن التحدث عنها كلها أو بعضها مع ما يكون لها من الدلالة، فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب.
4- المقرر - في قضاء محكمة النقض – أن مخالفة الثابت بالأوراق التي تُبطل الحكم هي تحريف محكمة الموضوع للثابت مادياً ببعض المستندات أو ابتناء الحكم على فهم حصّلته المحكمة مخالفاً لما هو ثابت بأوراق الدعوى من وقائع لم تكن محل مناضلة من الخصوم.
5- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن مفاد نص المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 والتي حَلَّت محل المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977 – بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر – أن تلك المادة وإن جعلت هذه الحالة من حالات الإخلاء إلا أنها أكدت على أن يكون الإخلاء وفقاً للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية، أي وفقاً للنصوص المعمول بها في مسائل الهدم والترميم والصيانة، ويجب أن يكون القرار الصادر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط نهائياً إما بفوات ميعاد الطعن فيه أو بالفصل في الطعن الذي يُرفع عنه أمام الجهة المختصة والقرار النهائي الصادر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط يحوز حجية أمام المحكمة التي تنظر دعوى الإخلاء، فليس لها أن تُناقش حاجة المبنى إلى الهدم الكلي أو الجزئي أو أعمال الترميم والصيانة، لأن القرار النهائي قد حَسَم ذلك.
6- المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أن مفاد نص المادة 114/1 من القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء والمادتين الثالثة والسادسة من مواد إصداره يدل على أن المشرع قَصَر سريان أحكام القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء بشأن الطعن على القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية أمام محكمة القضاء الإداري على القرارات التي تُصدرها وفقاً لأحكامه، أما القرارات التي صدرت من الجهة الإدارية قبل سريانه فتظل خاضعة لأحكام القانون التي صدرت في ظله، مما مؤداه أنه اعتباراً من 12/5/2008 أصبحت محكمة القضاء الإداري دون غيرها هي المختصة بنظر الطعون على القرارات التي تصدر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط سواء بهدم أو ترميم أو بصيانة المنشآت.
7- النص في المادة 90 من القانون رقم 119 لسنة 2008 سالف البيان (بإصدار قانون البناء) على أنه "... تتولى الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم من خلال لجنة أو أكثر في كل وحدة محلية تشكل من مهندسين أو مكاتب هندسية أو جهات هندسية متخصصة معاينة وفحص المباني والمنشآت وتقرير ما يلزم اتخاذه للمحافظة على الأرواح والأموال سواء بالصيانة أو الترميم أو التدعيم لجعلها صالحة للغرض المخصصة من أجله أو بالهدم الجزئي أو الكلي طبقاً لما توضحه اللائحة التنفيذية لهذا القانون من إجراءات في هذا الشأن، وتُقدم اللجنة تقريرها إلى الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم لتصدر قراراتها في ذلك متضمنة المدة اللازمة لتنفيذ الأعمال المطلوبة، وما إذا كانت تستوجب إخلاء المبنى مؤقتاً جزئياً أو كلياً، وفي حالتي الهدم الجزئي أو الكلي تُعتمد القرارات من المحافظ المختص أو من ينيبه خلال أسبوع على الأكثر من تاريخ استلام تقارير اللجنة ..."، وأما في شأن إعلان القرارات التي تصدر من تلك اللجان فقد جرى نص المادة 91 من ذات القانون على أن" تعلن القرارات المشار إليها في المادة السابقة إلى ذوى الشأن من الملاك وشاغلي العقار، وإلى ملاك العقارات المؤجرة طبقاً للقانون رقم 4 لسنة 1996، وأصحاب الحقوق واتحادات الشاغلين المنصوص عليها بالفصل الأول من هذا الباب بالطريق الإداري، وتعاد صورة منها إلى الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم، فإذا تعذر إعلان أي منهم يتم الإعلان بإيداع نسخة من القرارات فى مقر الوحدة المحلية وقسم الشرطة أو نقطة الشرطة الواقع فى دائرتها العقار، ويخطر ذوو الشأن بذلك الإيداع بكتاب موصى عليه بعلم الوصول، وفى جميع الأحوال تلصق نسخة من القرار فى مكان ظاهر بواجهة العقار"، وقد أجازت المادة 92 من ذات القانون لكل من ذوى الشأن أو اتحادات الشاغلين التظلم من القرارات التى تصدرها اللجنة المشار إليها بالمادة 90 وفقاً لأحكام هذا القانون خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطارهم بتلك القرارات، مما مفاده ولازمه أنه متى اتُّبعت القواعد والإجراءات سالفة البيان فى إعلان ذوى الشأن من الملاك وأصحاب الحقوق وشاغلى العقار ولم يطعنوا على القرارات الإدارية الصادرة من تلك اللجان المشار إليها فى المواعيد المقررة من تاريخ إعلانهم بها أو استنفدوا طرق الطعن الجائزة قانوناً صارت تلك القرارات نهائية.
8- إذ كان الثابت أن المطعون ضدهما قد أقاما الدعوى بطلب طرد وإخلاء الطاعنين من محلى النزاع على سند من نهائية القرار الهندسى رقم ... لسنة 2010 والتظلم المقام كذلك منهما رقم ... لسنة 2012 والصادر بإزالة العقار بأكمله حتى سطح الأرض، وذلك لعدم الطعن عليه فى المواعيد المقررة، وكان الثابت تمسك الطاعنين أمام محكمة الموضوع بعدم نهائية ذلك القرار الإدارى الصادر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط بالوحدة المحلية لمدينة الفيوم، وقدما تدليلاً على ذلك شهادة صادرة من الوحدة المحلية – لجنة المنشآت الآيلة للسقوط – ثابت بها أن القرار الصادر فى التظلم رقم ... لسنة 2012 على القرار رقم ... لسنة 2010 أُعلن للجنة الإدارية وأُرسل لقسم الشرطة تحت رقم ... بتاريخ 3/10/2012، وأُعيدت الأوراق من قسم الشرطة بتاريخ 8/10/2012، بما يفيد استلام المدعو/ ... فقط "المطعون ضده الأول" وهو من ملاك العقار، وإذ لجأ الطاعنان إلى محكمة القضاء الإدارى – صاحبة الاختصاص الولائى فى نظر الطعون على القرارات الإدارية الصادرة من لجان المنشآت الآيلة للسقوط إعمالاً للقانون 119 لسنة 2008 منذ نشر القانون بالجريدة الرسمية فى 11/5/2008 – وذلك للطعن على القرار الإدارى محل الدعوى، وقدما شهادة من محكمة القضاء الإدارى بالفيوم ثابت بها الطعن على القرار رقم ... لسنة 2010 والتظلم الصادر عليه برقم ... لسنة 2012 وذلك بموجب الطعن رقم ... لسنة 3 ق، كما خلت الأوراق مما يفيد اتباع الإجراءات والقواعد بشأن إعلان القرارات الصادرة من لجان المنشآت الآيلة للسقوط لذوي الشأن وشاغلي العقار وأصحاب الحقوق والواردة بنص المادة 90 من القانون رقم 119 لسنة 2008، فلم يَثبُت بالأوراق إخطار ذوى الشأن بإيداع نسخة من القرار بمقر الوحدة المحلية أو بقسم الشرطة الواقع فى دائرته العقار بكتاب موصى عليه بعلم الوصول، كما لم يَثبُت لصق نسخة من القرار بمكان ظاهر على واجهة العقار، إذ إن لازم ذلك أن تتحقّق المحكمة من تمام الإعلان بالطريقة التى حددها القانون، ذلك أن المشرع استهدف من النص على طريقة معينة لإعلان ذوى الشأن بقرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط أن يتوفر علم المعلن إليه بصدور هذا القرار حتى يتسنى له اتخاذ ما يراه بشأنه سواء كان هذا العلم حقيقياً إذا تم الإعلان لذوى الشأن، أو حُكمياً إذا تم لصقه في الحالات والأماكن التي حددها ، ومن ثم فإن إجراءات إعلان القرار الإداري للطاعنين - على هذه الصورة - تكون غير مكتملة الخطوات والقواعد التي نص عليها القانون، ويُصبح حابط الأثر لا ينفتح به ميعاد الطعن، مما مفاد ذلك عدم صيرورة القرار الإداري محل الدعوى نهائياً حتى يصبح سنداً لدعوى الإخلاء، وإذ تنكَّب الحكم الابتدائي المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه ذلك النظر، وانتهى فى قضائه إلى طرد الطاعنين وإخلائهما من عقار النزاع على سند من صيرورة القرار الصادر فى التظلم رقم ... لسنة 2012 على القرار رقم ... لسنة 2010 نهائياً، وأن الدعوى الراهنة ليست مجالاً لبحث حالة المبنى، وأن القرار الإداري النهائي قد حسم ذلك، مما يُعيبه بالخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق ويوجب نقضه، وقد حجبه ذلك عن بحث مدى صيرورة ذلك القرار الإداري نهائياً من عدمه بعد الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري صاحبة الاختصاص في نظر الطعون على قرارات لجان المنشآت الآيلة للسقوط منذ نفاذ القانون رقم 119 لسنة 2008، ومن ثم فيجب أن يكون مع النقض الإحالة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تـلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما أقاما على الطاعنين الدعوى رقم ... لسنة 2015 أمام محكمة الفيوم الابتدائية بطلب الحكم بطردهما من محلى النزاع والإخلاء والتسليم، وقالا بياناً لذلك إنه بموجب القرار رقم ... لسنة 2010 والتظلم رقم ... لسنة 2012 أصدرت لجنة المنشآت الآيلة للسقوط بالوحدة المحلية لمدينة الفيوم قراراً بإزالة العقار الكائن به محلا النزاع حتى سطح الأرض، وإذ صار هذا القرار نهائياً فقد أقاما الدعوى. حكمت المحكمة بالطلبات. استأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة استئناف بنى سويف "مأمورية الفيوم" بالاستئناف رقم ... لسنة 52 ق، وبتاريخ 5/6/2018 قضت المحكمة بالتأييد. طعن الطاعنان على هذا الحكم بطريق النقض، وإذ أودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة، فأمرت بوقف تنفيذ الحكم، وحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل ما ينعى به الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق، وفى بيان ذلك يقولان إن القرار الصادر من الوحدة المحلية المختصة رقم ... لسنة 2010 والتظلم رقم ... لسنة 2012 لم يصيرا نهائيين وذلك لعدم إخطارهما به أو إعلانهما وفقاً للإجراءات والقواعد الواردة بنص المادة 91 من القانون 119 لسنة 2008، وهو ما ثبت بحيثيات الحكم رقم ...،... لسنة 2014 م. س الفيوم، كما أنهما طعنا على ذلك القرار بالطعن رقم ... لسنة 3 ق أمام محكمة القضاء الإداري إعمالاً للقانون 119 لسنة 2008، وقدما تدليلاً على ذلك شهادة من محكمة القضاء الإداري بالفيوم، وكذا شهادة إدارية من الوحدة المحلية لمدينة الفيوم مؤرخة فى 31/1/2018 ثابت بها أنه تم إعلان القرار إدارياً لقسم الشرطة برقم ... بتاريخ 3/10/2012، وأُعيدت الأوراق من قسم الشرطة بتاريخ 8/10/2012 بما يفيد استلام الطاعن الأول فقط، وإذ انتهى الحكم الابتدائي والمؤيد بالحكم المطعون فيه إلى طردهما على سند من نهائية القرار الإداري سالف البيان فيكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الحكم يجب أن يكون فيه بذاته ما يطمئن المُطّلع عليه إلى أن المحكمة قد محّصت الأدلة التي قُدمت إليها وحصّلت منها ما تؤدى إليه، وذلك باستعراض هذه الأدلة والتعليق عليها بما يُنبئ عن بحث ودارسة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة، والقول بأن لمحكمة الموضوع سلطة الأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة واطراح ما عداه دون حاجة للرد استقلالاً على ما لم تأخذ به - محله أن تكون قد اطّلعت على تلك الأوراق وأخضعتها لتقديرها، كما يتعين على محكمة الموضوع أن تُفْصِح عن مصادر الأدلة التي كونت منها عقيدتها وفحواها، وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق، وأن يكون ما استخلصته منها سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي خلُصت إليها حتى يتأتى لمحكمة النقض أن تُعمل رقابتها على سلامة الحكم، فإذا ما قَدَّم الخصم لمحكمة الموضوع مستندات وتمسك بدلالتها فالتفت الحكم عن التحدث عنها كلها أو بعضها مع ما يكون لها من الدلالة، فإنه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب، كما أنه من المقرر أن مخالفة الثابت بالأوراق التي تُبطل الحكم هي تحريف محكمة الموضوع للثابت مادياً ببعض المستندات أو ابتناء الحكم على فهم حصّلته المحكمة مخالفاً لما هو ثابت بأوراق الدعوى من وقائع لم تكن محل مناضلة من الخصوم، وكان النص في المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 والتي حَلَّت محل المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977 – بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر – على أنه "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأحد الأسباب الآتية: أ– الهدم الكلى أو الجزئي للمنشآت الآيلة للسقوط والإخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة وفقاً للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية .." مما مفاده أن تلك المادة وإن جعلت هذه الحالة من حالات الإخلاء إلا أنها أكدت على أن يكون الإخلاء وفقاً للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية، أي وفقاً للنصوص المعمول بها فى مسائل الهدم والترميم والصيانة، ويجب أن يكون القرار الصادر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط نهائياً إما بفوات ميعاد الطعن فيه أو بالفصل في الطعن الذى يُرفع عنه أمام الجهة المختصة والقرار النهائي الصادر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط يحوز حجية أمام المحكمة التي تنظر دعوى الإخلاء، فليس لها أن تُناقش حاجة المبنى إلى الهدم الكلى أو الجزئي أو أعمال الترميم والصيانة، لأن القرار النهائي قد حَسَم ذلك، وإذ صدر القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء، وقد جرى نص المادة 114/1 منه على أن "تختص محكمة القضاء الإداري دون غيرها بالفصل في الطعون على جميع القرارات الصادرة من الجهة الإدارية تطبيقاً لأحكام هذا القانون، وإشكالات التنفيذ في الأحكام الصادرة منها في هذا الشأن ..."، وفى المادة الثالثة من مواد إصداره على أن "يلغى ... والفصل الثاني من الباب الثاني والفصل الثاني من الباب الرابع من القانون رقم 49 لسنة 1977 ..."، وفى المادة السادسة من مواد إصداره على أن "ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره"، وقد نُشر في الجريدة الرسمية بالعدد 19 مكرر(أ) بتاريخ 11/5/2008، فإن ذلك يدل على أن المشرع قَصَر سريان أحكام القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء بشأن الطعن على القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية أمام محكمة القضاء الإداري على القرارات التي تُصدرها وفقاً لأحكامه، أما القرارات التى صدرت من الجهة الإدارية قبل سريانه فتظل خاضعة لأحكام القانون التي صدرت في ظله، مما مؤداه أنه اعتباراً من 12/5/2008 أصبحت محكمة القضاء الإداري دون غيرها هي المختصة بنظر الطعون على القرارات التي تصدر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط سواء بهدم أو ترميم أو بصيانة المنشآت، هذا وقد جرى نص المادة 90 من القانون رقم 119 لسنة 2008 سالف البيان على أنه "... تتولى الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم من خلال لجنة أو أكثر فى كل وحدة محلية تشكل من مهندسين أو مكاتب هندسية أو جهات هندسية متخصصة معاينة وفحص المباني والمنشآت وتقرير ما يلزم اتخاذه للمحافظة على الأرواح والأموال سواء بالصيانة أو الترميم أو التدعيم لجعلها صالحة للغرض المخصصة من أجله أو بالهدم الجزئي أو الكلي طبقاً لما توضحه اللائحة التنفيذية لهذا القانون من إجراءات فى هذا الشأن، وتُقدم اللجنة تقريرها إلى الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم لتصدر قراراتها في ذلك متضمنة المدة اللازمة لتنفيذ الأعمال المطلوبة، وما إذا كانت تستوجب إخلاء المبنى مؤقتاً جزئياً أو كلياً، وفي حالتي الهدم الجزئي أو الكلى تُعتمد القرارات من المحافظ المختص أو من ينيبه خلال أسبوع على الأكثر من تاريخ استلام تقارير اللجنة ..."، وأما في شأن إعلان القرارات التي تصدر من تلك اللجان فقد جرى نص المادة 91 من ذات القانون على أن "تعلن القرارات المشار إليها في المادة السابقة إلى ذوى الشأن من الملاك وشاغلي العقار، وإلى ملاك العقارات المؤجرة طبقاً للقانون رقم 4 لسنة 1996، وأصحاب الحقوق واتحادات الشاغلين المنصوص عليها بالفصل الأول من هذا الباب بالطريق الإداري، وتعاد صورة منها إلى الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم، فإذا تعذر إعلان أى منهم يتم الإعلان بإيداع نسخة من القرارات فى مقر الوحدة المحلية وقسم الشرطة أو نقطة الشرطة الواقع في دائرتها العقار، ويخطر ذوو الشأن بذلك الإيداع بكتاب موصى عليه بعلم الوصول، وفى جميع الأحوال تلصق نسخة من القرار في مكان ظاهر بواجهة العقار"، وقد أجازت المادة 92 من ذات القانون لكل من ذوى الشأن أو اتحادات الشاغلين التظلم من القرارات التي تصدرها اللجنة المشار إليها بالمادة 90 وفقاً لأحكام هذا القانون خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطارهم بتلك القرارات، مما مفاده ولازمه أنه متى اتُّبعت القواعد والإجراءات سالفة البيان في إعلان ذوى الشأن من الملاك وأصحاب الحقوق وشاغلي العقار ولم يطعنوا على القرارات الإدارية الصادرة من تلك اللجان المشار إليها فى المواعيد المقررة من تاريخ إعلانهم بها أو استنفدوا طرق الطعن الجائزة قانوناً صارت تلك القرارات نهائية. لما كان ذلك، وكان الثابت أن المطعون ضدهما قد أقاما الدعوى بطلب طرد وإخلاء الطاعنين من محلى النزاع على سند من نهائية القرار الهندسي رقم ... لسنة 2010 والتظلم المقام كذلك منهما رقم ... لسنة 2012 والصادر بإزالة العقار بأكمله حتى سطح الأرض، وذلك لعدم الطعن عليه فى المواعيد المقررة، وكان الثابت تمسك الطاعنين أمام محكمة الموضوع بعدم نهائية ذلك القرار الإداري الصادر من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط بالوحدة المحلية لمدينة الفيوم، وقدما تدليلاً على ذلك شهادة صادرة من الوحدة المحلية – لجنة المنشآت الآيلة للسقوط – ثابت بها أن القرار الصادر في التظلم رقم ... لسنة 2012 على القرار رقم ... لسنة 2010 أُعلن للجنة الإدارية وأُرسل لقسم الشرطة تحت رقم ... بتاريخ 3/10/2012، وأُعيدت الأوراق من قسم الشرطة بتاريخ 8/10/2012، بما يفيد استلام المدعو/ ... فقط "المطعون ضده الأول" وهو من ملاك العقار، وإذ لجأ الطاعنان إلى محكمة القضاء الإداري – صاحبة الاختصاص الولائي في نظر الطعون على القرارات الإدارية الصادرة من لجان المنشآت الآيلة للسقوط إعمالاً للقانون 119 لسنة 2008 منذ نشر القانون بالجريدة الرسمية فى 11/5/2008– وذلك للطعن على القرار الإداري محل الدعوى، وقدما شهادة من محكمة القضاء الإداري بالفيوم ثابت بها الطعن على القرار رقم ... لسنة 2010 والتظلم الصادر عليه برقم ... لسنة 2012 وذلك بموجب الطعن رقم ... لسنة 3 ق، كما خلت الأوراق مما يفيد اتباع الإجراءات والقواعد بشأن إعلان القرارات الصادرة من لجان المنشآت الآيلة للسقوط لذوى الشأن وشاغلي العقار وأصحاب الحقوق والواردة بنص المادة 90 من القانون رقم 119 لسنة 2008، فلم يَثبُت بالأوراق إخطار ذوى الشأن بإيداع نسخة من القرار بمقر الوحدة المحلية أو بقسم الشرطة الواقع فى دائرته العقار بكتاب موصى عليه بعلم الوصول، كما لم يَثبُت لصق نسخة من القرار بمكان ظاهر على واجهة العقار، إذ إن لازم ذلك أن تتحقّق المحكمة من تمام الإعلان بالطريقة التي حددها القانون، ذلك أن المشرع استهدف من النص على طريقة معينة لإعلان ذوى الشأن بقرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط أن يتوفر علم المعلن إليه بصدور هذا القرار حتى يتسنى له اتخاذ ما يراه بشأنه سواء كان هذا العلم حقيقياً إذا تم الإعلان لذوى الشأن، أو حُكمياً إذا تم لصقه في الحالات والأماكن التي حددها، ومن ثم فإن إجراءات إعلان القرار الإداري للطاعنين - على هذه الصورة - تكون غير مكتملة الخطوات والقواعد التي نص عليها القانون، ويُصبح حابط الأثر لا ينفتح به ميعاد الطعن، مما مفاد ذلك عدم صيرورة القرار الإداري محل الدعوى نهائياً حتى يصبح سنداً لدعوى الإخلاء، وإذ تنكَّب الحكم الابتدائي المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه ذلك النظر، وانتهى في قضائه إلى طرد الطاعنين وإخلائهما من عقار النزاع على سند من صيرورة القرار الصادر في التظلم رقم ... لسنة 2012 على القرار رقم ... لسنة 2010 نهائياً، وأن الدعوى الراهنة ليست مجالاً لبحث حالة المبنى، وأن القرار الإداري النهائي قد حسم ذلك، مما يُعيبه بالخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق ويوجب نقضه، وقد حجبه ذلك عن بحث مدى صيرورة ذلك القرار الإداري نهائياً من عدمه بعد الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري صاحبة الاختصاص في نظر الطعون على قرارات لجان المنشآت الآيلة للسقوط منذ نفاذ القانون رقم 119 لسنة 2008، ومن ثم فيجب أن يكون مع النقض الإحالة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق