باسم
الشعب
المحكمة
الدستورية العليا
بالجلسة
العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من ديسمبر سنة 2024م، الموافق الخامس من جمادى
الآخرة سنة 1446ه.
برئاسة
السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد
الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد
رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس
المحكمة
وحضور
السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور
السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت
الحكم الآتي
في
الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 262 لسنة 25 قضائية
"دستورية"
المقامة
من
إبراهيم
عبد المحسن إبراهيم
ضد
1- رئيس
مجلس الوزراء
2- وزير
الدفاع
3- مدير
إدارة التأمين والمعاشات بالقوات المسلحة
----------------
الإجراءات
بتاريخ
الخامس عشر من أكتوبر سنة 2003، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثانية
من القانون رقم 51 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات
للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، فيما تضمنه من حرمان من انتهت
خدمته بناءً على طلبه من المعاش الإضافي.
وقدمت
هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد
تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت
الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة
اليوم.
--------------
المحكمة
بعد
الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن
الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي أقام
الدعوى التي آل قيدها أمام المحكمة الإدارية لوزارة الدفاع وملحقاتها بمجلس الدولة
برقم 83 لسنة 48 قضائية، ضد المدعى عليهما الثاني والثالث وآخر، بطلب الحكم
بأحقيته في الحصول على نسبة ال20٪ المقررة بالقانون رقم 102 لسنة 1987، وفي صرف
المعاش الإضافي (معاش الأجر المتغير) المقرر بالقانون رقم 47 لسنة 1984، وتسوية
مستحقاته بأثر رجعي اعتبارًا من تاريخ العمل بالقانون آنف الذكر، وإضافة قيمة
المعاش الإضافي إلى معاشه الأساسي، وذلك على سند من أنه كان متطوعًا بالقوات
المسلحة بدرجة رقيب أول، خلال الفترة من 16/7/1972 إلى 1/7/1984، وفي أثناء خدمته
صدر القانون رقم 47 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر
بالقانون رقم 79 لسنة 1975 وبزيادة المعاشات، وجرى خصم اشتراكات المعاش الإضافي من
راتبه اعتبارًا من أبريل سنة 1984 ولمدة ثلاثة أشهر. وبتاريخ 1/7/1984، أُنهيت
خدمته بناءً على طلبه، وعند تسوية معاشه لم يحصل على المعاش الإضافي؛ مما حدا به
إلى إقامة الدعوى المار ذكرها. وفي أثناء نظرها دفع المدعي بعدم دستورية نص الفقرة
الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 51 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون
التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975. وإذ
قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن
المادة الثانية من القانون رقم 51 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون التقاعد
والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، تنص على أن
"يُقتطع من الفئات المنصوص عليها بالبندين (أ، ب) من المادة (1) من قانون
التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975
نسبة (9٪) شهريًّا من بدل طبيعة العمل، ولا يدخل هذا البدل في حساب الحد الأقصى
للراتب المستقطع عنه احتياطي المعاش المقرر بالمادة (2) من قانون التقاعد والتأمين
والمعاشات للقوات المسلحة.
وتمنح
هذه الفئات علاوة على المعاش لمن تنتهى خدمته بغير طلب منه، ولسبب غير تأديبي أو
لسبب جنائي أو تبعا لتوقيع عقوبة جنائية، أو لعدم الصلاحية للاستمرار بالخدمة، أو
لعدم توافر شروط الأهلية للترقي، أو للاستغناء عن الخدمة لعدم الصلاحية
الفنية، أو لدواعي الصالح العام، أو فقد الجنسية، معاشًا إضافيًّا يعادل 4/5
البدل المشار إليه.
ويُوزع
المعاش الإضافي على المستحقين عن المنتفع أو صاحب المعاش وفقًا للجدول رقم (1)
المرافق للقانون رقم 90 لسنة 1975 المشار إليه.
وفى جميع
الأحوال يسري في شأن المعاش الإضافي كافة الأحكام المقررة بالنسبة للمعاش.
ولا يدخل
هذا المعاش عند حساب التعويض التقاعدي المنصوص عليه بالفقرة الأولى من المادة (21)
من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة المشار إليه".
وحيث إن
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية
- وهي شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى
الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في
الطلبات الموضوعية المطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان المدعي قد شغل
درجة رقيب أول متطوع بالقوات المسلحة عند انتهاء خدمته، بناءً على طلبه في
1/7/1984، وكان قد جرى اقتطاع الاشتراك منه عن المعاش الإضافي اعتبارًا من شهر
أبريل سنة 1984 حتى انتهاء خدمته، وتمت تسوية معاشه دون أن يحصل على المعاش
الإضافي، وكان يستهدف من نزاعه الموضوعي الحكم بأحقيته في ذلك المعاش، وكان نص
الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 51 لسنة 1984 المشار إليه، فيما
اشترطه لاستحقاق المعاش الإضافي ألا يكون المخاطب به قد انتهت خدمته بالقوات المسلحة
بناءً على طلبه، من شأنه أن يحول دون إجابة المدعي إلى طلبه في صرف ذلك المعاش؛
ومن ثم فإن الفصل في دستوريته يكون ذا أثر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى
الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وبهذه المثابة تتوافر للمدعي مصلحة شخصية
ومباشرة في الدعوى الدستورية المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه النص المطعون فيه
– قبل استبدال القانون رقم 114 لسنة 1987 به – من عدم أحقية من انتهت خدمته
بالقوات المسلحة بناءً على طلبه في المعاش الإضافي، دون سائر أحكام النص الأخرى.
ولا ينال
من توافر المصلحة في الدعوى المعروضة أن النص المطعون فيه قد استُبدل بمقتضى
القانون رقم 114 لسنة 1987 بتعديل بعض أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات
للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى
على أن استبدال المشرع قاعدة قانونية بغيرها، أو إلغاءها، لا يحول دون الطعن عليها
بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال مدة نفاذها وترتبت بمقتضاها آثار قانونية
بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق
القاعدة القانونية هو سريانها علي الوقائع التي تتم في ظلها وحتى إلغائها، فإذا
أُلغيت هذه القاعدة أو حلت محلها قاعدة قانونية أخرى فإن القاعدة الجديدة تسري من
الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد
النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ مكتملًا في ظل القاعدة القديمة من
المراكز القانونية وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعًا لحكمها وحدها. متى
كان ذلك، فإن استبدال النص المطعون فيه بموجب أحكام القانون رقم 114 لسنة 1987
المار ذكره، لا يمنع هذه المحكمة من إعمال رقابتها الدستورية عليه، باعتباره قد
طبق على المدعي خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليه.
وحيث إن
المدعي ينعى على النص المطعون فيه – في النطاق المحدد سلفًا - مخالفته لأحكام
المواد (8 و17 و40 و122) من دستور سنة 1971، وذلك تأسيسًا على أنه حرم من انتهت
خدمته بالقوات المسلحة بناءً على طلبه من استحقاق أي نسبة من المعاش الإضافي، في
حين أن المادة الخامسة من القانون رقم 114 لسنة 1987 المشار إليه منحت من تنتهى
خدمته بناءً على طلبه 50٪ من المعاش الإضافي، مما يشكل تفرقة تحكمية بين ذوي
المراكز القانونية المتماثلة، وتمييزًا غير مبرر لا يتساند إلى أسس موضوعية.
وحيث إنه
من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حمايتها للدستور إنما تنصرف إلى الدستور القائم،
إلا أنه إذا كان هذا الدستور ليس له أثر رجعي فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور
السابق الذى صدر القانون المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا القانون
قد عمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان ذلك
الدستور. متى كان ذلك، وكان نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم
51 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة
الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 قد عُمل به إلى أن جرى استبداله بمقتضى أحكام
المادة الخامسة من القانون رقم 114 لسنة 1987 بتعديل بعض أحكام قانون التقاعد
والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، إبان سريان
دستور سنة 1971؛ ومن ثم يتعين الاحتكام بشأنه إلى ما ورد بأحكام هذا الدستور.
وحيث إن
المخاطر المؤمن ضدها في قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة المار
ذكره، تستطيل - بالإضافة إلى المخاطر التقليدية المنصوص عليها في قوانين التأمينات
الاجتماعية والمعاشات المدنية - إلى ما يقع من مخاطر في ساحات التدريب أو في
ميادين الحرب، من حالات استشهاد أو أَسْر أو فقد أو عدم لياقة صحية بسبب العمليات
الحربية، أو بسبب الخدمة العسكرية، أو غيرها من أسباب انتهاء الخدمة بالقوات
المسلحة قبل بلوغ سن التقاعد؛ ومن ثم تتعدد أوجه المغايرة في الفلسفة والأهداف
التي تبناها المشرع في كل من قانوني التأمينات الاجتماعية والمعاشات المدنية،
والتقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، لاسيما في شأن معالجة حالات الخطر
المؤمن منه والمزايا المستحقة للمخاطبين بأحكامهما، مما ترتب عليه اختلافهما في
العديد من الأحكام القانونية الموضوعية، والإجرائية، أو ما يتعلق بالحسابات
الإكتوارية، وهو ما يتضح – أيضًا – وبجلاء في الأحكام المنظمة للمنتفعين، وتمويل
المعاش والاشتراكات على اختلاف مكوناتها ومسمياتها، التي تراوحت بين أجر الاشتراك،
والاستقطاع للمعاش الشهري واحتياطي المعاش، وكذا الأحكام المنظمة لتحديد سن
الإحالة للمعاش، وتقدير المدد المؤهلة لاستحقاق المعاش وقواعد تسوية المستحقات
التأمينية وطرق توزيعها، وحالات استحقاق المعاش والتعويضات، وأنواع المعاشات
والمكافآت، والأحكام العامة في كل منهما.
وحيث إن
المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 51 لسنة 1984 المار ذكره قد تضمنت أن "القانون
رقم 90 لسنة 1975 بإصدار قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة جاء عقب
حرب أكتوبر 1973 المجيدة، شاملًا ومنظمًا لكافة أحكام التقاعد والتأمين والمعاشات
للقوات المسلحة. ومنذ ذلك التاريخ صدرت عدة قوانين خاصة بتعديل القانون رقم 90
لسنة 1975 المشار إليه، وقد روعيت في هذه القوانين الملاءمة مع الظروف الاجتماعية
العامة في البلاد والارتفاع التدريجي في تكاليف المعيشة، وأن من أهم المزايا
والأحكام التي تضمنها مشروع القانون ... ثانيًا: في مجال التطوير: تقرر الحق
للعاملين (المنتفعين) بأحكام البندين (أ، ب) من المادة (1) من القانون رقم 90 لسنة
1975 في معاش إضافي شهري، وذلك في حالة إنهاء خدمة المنتفع بغير طلب منه".
وحيث إن
التنظيم التشريعي للمعاش الإضافي، طبقًا للنص المطعون فيه، يُعد تنظيمًا متكاملًا
يكوّن وحدة لا تنفصم جميع عناصرها القانونية، إذ أسبغ المشرع على هذا المعاش وصف
مزية إضافية تمنح علاوة على المعاش الأساسي، وأفرد بدل طبيعة العمل وعاءً لتمويله،
وحدد النسبة المقتطعة من ذلك البدل بواقع (9٪) شهريًّا، ومقداره بما يعادل أربعة
أخماس البدل المشار إليه، وعيَّن المستفيدين منه بالفئات المنصوص عليها بالبندين
(أ ، ب) من المادة (1) من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر
بالقانون رقم 90 لسنة 1975، دون غيرهم، وقصر منح هذا المعاش – في النطاق الذي
تحددت به الدعوى المعروضة– على من انتهت خدمته بغير طلب منه.
حيث إن
ما ينعاه المدعي من إخلال النص المطعون فيه بكفالة الدولة خدمات التأمين الاجتماعي
وقواعد تقرير المعاشات المنصوص عليهما في المادتين (17 و122) من دستور سنة 1971،
فإنه مردود بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ عهد بنص المادة (122)
منه إلى المشرع بصوغ القواعد القانونية التي تتقرر بموجبها على خزانة الدولة
مرتبات المواطنين ومعاشاتهم وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم، على أن ينظم أحوال
الاستثناء منها، والجهات التي تتولى تطبيقها، فذلك لتهيئة الظروف التي تفي
باحتياجاتهم الضرورية، وتكفل مقوماتها الأساسية التي يتحررون بها من العوز،
وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم والارتقاء بمعاشها، بما مؤداه: أن التنظيم
التشريعي للحقوق التي كفلها المشرع في هذا النطاق يكون مجافيًا أحكام الدستور،
منافيًا لمقاصده إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو يفرغها من مضمونها. ولازم ذلك
أن الحق في المعاش - إذا توافر أصل استحقاقه وفقًا للقانون - إنما ينهض التزامًا
على الجهة التي تقرر عليها، وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعي، على تعاقبها،
إذ يتبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه عند انتهاء
خدمة المؤمن عليه وفقاً للنظم المعمول بها، يعتبر التزامًا مترتبًا بنص القانون في
ذمة الجهة المدينة، وإذ كان الدستور قد خطا بمادته (17) خطوة أبعد في اتجاه دعم
التأمين الاجتماعي حين ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية،
الاجتماعية منها والصحية، بما في ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن
العمل أو شيخوختهم في الحدود التي يبينها القانون، فذلك لأن مظلة التأمين
الاجتماعي، التي يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها، هي التي تكفل لكل مواطن
الحد الأدنى لمعيشة كريمة لا تمتهن فيها آدميته، والتي توفر لحريته الشخصية مناخها
الملائم، ولضمانة الحق في الحياة أهم روافدها، وللحقوق التي يمليها التضامن بين
أفراد الجماعة التي يعيش في محيطها مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها، وتلك هي
الأسس الجوهرية التي لا يقوم المجتمع بدونها، والتي تعتبر المادة (7) من الدستور
مدخلًا إليها.
وحيث إن
قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها
سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة يتمثل في
المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها
لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذى يتناوله
التنظيم.
متى كان
ذلك، وكان البين من استصفاء أحكام نص المادة الثانية من القانون المشار إليه،
مجتمعة، أنه ولئن أورد في فقرته الرابعة سريان الأحكام المقررة بالنسبة للمعاش
الأساسي على المعاش الإضافي، فإن بعضًا من تلك الأحكام تتأبى على المماثلة مع
الأحكام المقررة في شأن المعاش الأصلي، ومن ذلك أن المشرع خص فئات محددة من
المخاطبين بأحكامه، بمقتضى صفاتهم، لإعمال أحكام المعاش الإضافي في مواجهتهم، واتخذ
وعاءً لتمويل هذا المعاش مغايرًا لوعاء تمويل المعاش الأساسي، فضلًا عما قرره
بمقتضى نص المادة الثالثة من القانون رقم 51 لسنة 1984 المار ذكره، من أحقية من لم
يمنح هذا المعاش الإضافي في استرداد ما أداه من اشتراكات – نسبة ال 9٪ المستقطعة
من بدل طبيعة العمل-، وذلك خلافًا لما هو مقرر في شأن المعاش الأساسي بموجب المادة
(24) من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة المار ذكره، من أحقية
مَن انتهت خدمته قبل استيفائه شرط المدة لاستحقاق المعاش الأساسي، من مكافأة تُحسب
بواقع 15٪ من الراتب السنوي عن كل سنة كاملة من مدة خدمته المحسوبة في المعاش بفئة
آخر راتب استحقه؛ ومن ثم فإن التنظيم التشريعي للمعاش الإضافي لا ينال من الحقوق
التأمينية الأساسية المقررة لمن انتهت خدمته العسكرية بناءً على طلبه، ولا من
مقدارها، ولا من الشروط التي ترتبط عقلًا بها، وإنما وضع بالنص المطعون فيه قدرًا
من التوازن بين حق المخاطب به في ترك الخدمة بالقوات المسلحة بإرادته المنفردة،
وعدم استحقاقه مزية المعاش الإضافي، لكي لا تُقابل مزية بغير مسئولية، وبذلك يكون
هذا التنظيم قد راعى طبيعة ومتطلبات الخدمة بالقوات المسلحة والعلاقة التي تربطها
بأفرادها، وبتقريره أن انفصام عراها، وانتهاء خدمة واحد من الفئات المخاطبة بأحكام
المعاش الإضافي، بناءً على طلبه، يسوغ عدم أحقيته لهذا المعاش، وردَّ ما استقطع
منه من اشتراك مقابلًا له، ويكون المشرع بذلك قد باشر اختصاصه وسلطته التقديرية في
تنظيم الحقوق، بما لا ينال من الالتزام الدستوري المفروض على الدولة بكفالة
التأمين الاجتماعي؛ ومن ثم يكون النعي بمخالفة النص المطعون فيه للمادتين (17
و122) من دستور 1971، لا سند له متعينًا رفضه.
وحيث إنه عن نعي المدعي مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة، على النحو السالف بيانه، فمردود أولًا: بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن دستور 1971 أفرد بابه الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة، وصدَّره بالنص في المادة الأربعين منه على أن المواطنين لدى القانون سواء، وكان الحق في المساواة أمام القانون، هو ما رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يتوخاها تتمثل أصلًا في صون حقوق المواطنين وتأمين حرياتهم في مواجهة صور من التمييز تنال منها، أو تقيد ممارستها، وأن الإخلال بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون يفترض أن يكون المشرع قد تدخل من خلال النصوص القانونية التي أحدثها ليعدل بها من الحقوق التي أنشأتها مراكز قانونية تتحد في العناصر التي تقوم عليها، ذلك أن وحدة المراكز القانونية تفترض تماثل مكوناتها، وبقدر ما بينها من تغاير تفقد هذه المراكز تعادلها، فلا تجمعها تلك الوحدة التي تقتضى تساويها في الآثار التي ترتبها، وأنه كلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره في ذلك قائمًا على أسس موضوعية؛ مستلهمًا أهدافًا لا نزاع في مشروعيتها، وكافلًا وحده القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلباتها، كان القانون واقعًا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع، ولا يعتبر بالتالي قانونًا مشتبهًا فيه، بل متضمنًا تمييزًا مبررًا لا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابيًّا عن الكمال، ولا أن يكون تطبيقها عملًا قد أخل بها. وإذ كان ما تضمنه النص المطعون فيه موجهًا إلى كافة من تماثلت ظروفهم ومراكزهم القانونية ممن أنهيت خدمتهم بغير طلب منهم اعتبارًا من أول أبريل سنة 1984، وكان المركز القانوني لهؤلاء مغايرًا للمركز القانوني لمن انتهت خدمتهم بناءً على طلب منهم، وكانت تلك المغايرة القائمة على أسباب انتهاء الخدمة، تمليها المصلحة العامة التي تغياها المشرع من النص المطعون عليه على الوجه السالف بيانه، وبحسبان المغايرة في بعض الأوضاع والمراكز القانونية بين هاتين الفئتين – ما دامت قد اتفقت مع الغرض من تقريرها - تغدو مبررة من زاوية دستورية.
ومردود
ثانيًا: بأن فحوى ما قرره النص المطعون فيه، من شروط لمنح المعاش الإضافي وتحديد
الفئات المستحقة له، ليكون استحقاقه مقرونًا – دومًا - بتحري قواعد بلوغه، إنما
تغيا تعميق المزايا التأمينية، وإثابة أفراد الفئات الأولى والأحق بها والذين ظلوا
على الالتزام والانضباط العسكري طوال مدة خدمتهم حتى اكتمال عطائهم بإحالتهم
للتقاعد بغير طلب منهم، وبهذه المثابة يكون النص المطعون فيه قد جاء كافلًا للأسس
الموضوعية التي ينظم المشرع الحقوق في نطاقها.
ومردود
ثالثًا: بأنه في الدائرة التي يجيز فيها الدستور للمشرع أن يباشر سلطته التقديرية
لمواجهة مقتضيات الواقع، وهى الدائرة التي تقع بين حَدَّى الوجوب والنهي
الدستوريين، فإن الاختلاف بين الأحكام التشريعية المتعاقبة التي تنظم موضوعًا
واحدًا، تعبيرًا عن تغير الواقع عبر المراحل الزمنية المختلفة، لا يعد إخلالًا
بمبدأ المساواة الذى يستقي أحد أهم مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التي يطبق
خلالها النص القانوني الخاضع لضوابط المبدأ، فإذا تباينت النصوص التشريعية في
معالجتها لموضوع واحد، وكان كل منها قد طُبق في مرحلة زمنية مختلفة، فإن ذلك لا
يعد بذاته إخلالًا بمبدأ المساواة، وإلا تحوَّل هذا المبدأ من ضابط لتحقيق العدالة
إلى سد حائل دون التطور التشريعي. إذ كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لم يتضمن
أحقية من انتهت خدمته بالقوات المسلحة بناءً على طلبه للمعاش الإضافي، ثم في مرحلة
زمنية لاحقة صدر نص تشريعي آخر – المادة الخامسة من القانون رقم 114 لسنة
1987 – يقرر أنه استثناء من النص المطعون فيه يستحق المنتفع الذي تنتهي خدمته
بناءً على طلبه 50٪ من المعاش الإضافي متى كان قد أمضى عشرين سنة خدمة فعلية، فإن
النص المطعون فيه والنص اللاحق عليه، المتمحل بحكمه، يكونان في تعاقبهما، قد عبرا
عن مرحلتين زمنيتين مختلفتين تتأبى معهما المقارنة اللازمة لإعمال مبدأ المساواة.
ومردود
رابعًا: بأن استحداث مزايا تأمينية للمستفيدين من المعاش في ظل العمل بنظام تأميني
قائم، لا يوجب – بالضرورة – سريانها على أقرانهم الذين اكتملت عناصر مراكزهم
القانونية قبل العمل بتلك المزايا، ذلك أن ما يتم إقراره منها يرتبط – في الغالب
الأعم – بعوامل متعددة، يرتد بعضها إلى التزامات متقابلة لأطراف العلاقة
التأمينية، كما يتعلق بعضها الآخر بإنفاذ أحكام الدستور التي تكفل تقديم الحماية
المجتمعية، وتلزم بالتضامن الاجتماعي لأصحاب المعاش والمستفيدين عنهم، وفي جميع
الأحوال فإن إقرار أية مزايا تأمينية يعتمد على ما يتوافر من موارد للجهة المدينة
بتقديم هذه المزايا لتغطية التكلفة المالية الناشئة عن إقرارها، على نحو تعكسه
معادلات حساب إكتواري، يتحدد بمقتضاه فئات المستفيدين من المزايا المستحدثة،
ومقدارها، وشرائط الانتفاع بها؛ ومن ثم يغدو وصم المدعي للنص المطعون فيه إخلاله
بمبدأ المساواة، لعدم إفادته من المزايا التأمينية التي استحدثها تشريع لاحق،
لغوًا يتعين اطراحه والالتفات عنه.
وحيث إن
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور ولئن كفل حق الملكية الخاصة، وأحاطه بسياج
من الضمانات التي تصون هذه الملكية وتدرأ كل عدوان عليها، فإنه في ذلك كله لم يخرج
عن تأكيده الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي
تقتضيها أو تفرضها ضرورات اجتماعية، ما دامت لم تبلغ هذه القيود مبلغًا يعيب حق
الملكية في جوهره، أو يعدم جل خصائصه، وهو الأمر الذى راعاه المشرع بموجب النص
المطعون فيه حين قرر أن هذا المعاش الإضافي - حال توافر شروط استحقاقه – يُعد من
العناصر الإيجابية للذمة المالية لأصحابها، لمجابهة أعباء المعيشة، وأن هذا
الاستحقاق مرده في الأساس إلى ما أقتُطع منهم لأغراض تمويل هذا المعاش – وهى نسبة
ال 9٪ التي تخصم من بدل طبيعة العمل – إلا أن ما قرره المشرع بالمادة الثالثة من
القانون رقم 51 لسنة 1984 من أنه "في حالات إنهاء الخدمة التي لا يستحق فيها
المعاش الإضافي يُرد إلى المنتفع قيمة مدفوعاته من احتياطي المعاش الإضافي بالفئة
المنصوص عليها في المادة السابقة محسوبة على أساس بدل آخر شهر استقطع منه احتياطي
المعاش الإضافي عن مدة اشتراكه عنه، وفى حساب هذه المدة يُجبر كسر الشهر إلى شهر
كامل"، إنما يفيد - بحكم اللزوم – حرص المشرع على صون الملكية الخاصة بعدم
المساس بالعناصر الإيجابية للذمة المالية، وعدم الإضرار بحقوق تلك الفئة، فقد قرر
رد هذه المدفوعات، وبذات الفئة على أن تحسب على أساس بدل آخر شهر استقطع منه
احتياطي المعاش الإضافي عن مدة اشتراكه عنه، بما يُعد بديلًا متوازنًا ارتأى
المشرع ملاءمة تقريره لمن لم تتوافر في شأنه شروط استحقاق المعاش الإضافي لانتهاء
خدمته بناءً على طلبه؛ ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا يخالف أحكام المادة (34) من
دستور 1971.
وحيث إنه
عن النعي بمخالفة النص المطعون فيه مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة (8)
من دستور 1971، فمردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن هذا المبدأ تنحصر
دائرة إعماله في الفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها عند التزاحم عليها. وإذ كانت
القواعد التي قررها المشرع بالنص المطعون فيه في شأن المعاش الإضافي، لا صلة لها
بفرص قائمة يجري التزاحم عليها، فإن قالة الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص لا يكون لها
من سند.
وحيث إن
النص المطعون فيه لا يخالف أي حكم آخر من الدستور؛ ومن ثم فإنه يتعين القضاء برفض
هذه الدعوى.
فلهذه
الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق