جلسة 14 من ديسمبر سنة 2021
برئاسة السيد القاضي / عبد الرسول طنطاوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد زغلول ، محمد فريد ، عبد الحميد جابر وأحمد رمضان نواب رئيس المحكمة .
----------------
(104)
الطعن رقم 2941 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
حكم الإدانة . بياناته ؟ المادة 310 إجراءات جنائية .
بيان الحكم واقعة الدعوى وإيراد مؤدى أدلة الثبوت في بيان وافٍ . لا قصور .
(2) تلبس . دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير حالة التلبس " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
المواد 34 و 35 و 46 إجراءات جنائية . مفادها ؟
التلبس . حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها . أثر ذلك ؟
تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها . موضوعي . حد ذلك ؟
النعي ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما بغير إذن . غير مقبول . متى أوجد الطاعن نفسه طواعية بحالة تلبس .
مثال لرد سائغ على الدفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس .
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . إثبات " أوراق رسمية " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
تقدير جدية التحريات . موضوعي .
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(4) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
نعي الطاعن على الحكم بشأن إقراره بمحضر الضبط . غير مجد . ما دام لم يستند إليه في الإدانة .
(5) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .مثال .
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " " سلطتها في تقدير الدليل " . إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
تناقض الشهود في أقوالهم . لا يعيب الحكم . متى استخلص الحقيقة منها بما لا تناقض فيه .
عدم تقيد القاضي الجنائي بنصاب معين في الشهادة . له تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه . حد ذلك ؟
سكوت الضابط عن الإدلاء بأسماء القوة المصاحبة له . لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) قانون " تفسيره " . نقد . مصادرة . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .
المادة 126 من القانون 88 لسنة 2003 المعدل بالقانون 66 لسنة 2016 . مفادها ؟
حيازة النقد الأجنبي في ذاتها . غير معاقب عليها . قضاء الحكم بمصادرة مبالغ لم تكن محلاً لجريمتي التعامل في النقد الأجنبي عن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل فيه أو الجهات المرخص لها بذلك ومباشرة عمل من أعمال البنوك . خطأ يوجب تصحيحه بقصرها على المبلغ محل التعامل . أساس وعلة ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما ، وأورد أدلة الثبوت ومؤداها التي عول عليها في الإدانة في بيان وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، فإنه ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله .
2- لما كانت المادتان 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972 قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه فإذا لم يكن حاضراً جاز للمأمور إصدار أمراً بضبطه وإحضاره ، كما خولته المادة 46 من القانون ذاته تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً ، وأن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح لمأمور الضبط القضائي الذى شاهد وقوعها أن يقبض على المتهم الذي تقوم دلائل كافية على ارتكابه لها وأن يجرى تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة . وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما بغير إذن من النيابة العامة ولانتفاء حالة التلبس واطرحه في قوله : " وحيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش لعدم وجود إذن من النيابة العامة ولانتفاء حالة التلبس فهو مردود بأن ضابط الواقعة – الشاهد الأول – اتخذ الإجراء الذي أوجب عليه القانون القيام به إعمالاً لصريح نص المادة 31 من قانون الإجراءات الجنائية بالانتقال فوراً إلى محل الواقعة ، وليس في القانون ما يوجب عليه التربص لحين استصدار إذن من النيابة العامة ، حال كون محل الواقعة محلاً عاماً مما لا يشترط إذن من جهات التحقيق لدخوله وتفتيشه – محل ملابس - أما عن الدفع بانتفاء حالة التلبس فهو مردود كذلك بأن جناية الاتجار في النقد محل الدعوى جاءت متلبس بها في أجلى صور التلبس كما هو معرف في مقصود نص المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية ، إذ الثابت في يقين المحكمة والذي اطمأنت إليه أن المتهم قدم طواعية للشاهد الأول مبلغ الألف دولار التي طلب منه مبادلتها بالعملة الوطنية وهو ما تأكد بشهادة الشاهد الثاني ، وتلك هي الصورة المثلى والحالة الأجلى لحالة التلبس كما هي معرفة به في القانون ، ولا ينال من ذلك ما ردده الدفاع الحاضر من أن الشاهد الأول قد اصطنع أو اختلق الجريمة والتلبس الملازم لها ، إذ إن ذلك مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أنه لا تثريب على مأمور الضبط القضائي إن هو اتخذ من الوسائل أبدعها والطرق أذكاها لتسلس له مقصوده وغاية أمره منها وهو ضبط الجرائم ومرتكبيها ما دامت إرادة الجاني حاضرة غير غائبة حرة غير معدومة " . وكان القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن الحكم يكون سليماً فيما انتهى إليه من رفض الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش تأسيساً على توافر حالة التلبس التي يبيحها ، كما أن الطاعن أظهر نفسه طواعية في أظهر حالة من حالات التلبس فإن قيام الضابط بضبطه يكون صحيحاً منتجاً لأثره ولا عليه إن هو لم يسع للحصول على إذن من النيابة العامة بذلك إذ لم يكن في حاجة إليه ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد .
3- من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، فإذا كانت هذه الأخيرة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، وكان خلو التحريات من المصدر السري لا يقدح بذاته في جديتها ، ولما كانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وإذ كانت المحكمة – في الدعوى الراهنة – قد ردت على الدفع بعدم جدية التحريات بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق ، فإنه لا تجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض .
4- لما كان لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور لإغفاله الرد على الدفع ببطلان إقرار الطاعن بمحضر الضبط لصدوره تحت تأثير الإكراه ما دام أن البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من إقرار الطاعن المدعى ببطلانه ، وإنما أقام قضاءه على أدلة أخرى ليس من بينها ذلك الإقرار، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله .
5- لما كان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن ماهية دفوعه الإجرائية التي أغفل الحكم الرد عليها بل ساق نعيه مرسلاً مجهلاً ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول أسباب الطعن أن تكون واضحة محددة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .
6- من المقرر أن من حــق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، وكان تناقض الشهود في أقوالهم لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، وكانت المحكمة قد اقتنعت بحصول الواقعة على الصورة التي رواها شاهدي الإثبات اطمئناناً منها إلى صدق أقوالهما ، بما مفاده أنها اطرحت دفاع الطاعن القائم على عدم معقولية حدوث الضبط على تلك الصورة ، وكان من المقرر أن الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بنصاب معين في الشهادة وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه طالما أن له مأخذه الصحيح في الأوراق ، كما أن سكوت من قام بالضبط عن الإدلاء بأسماء القوة المصاحبة له لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، فإن تعويل الحكم المطعون فيه على شهادة شاهد واحد – بفرض حصوله – ليس فيه ما يخالف القانون وينحل نعي الطاعن في هذا الصدد إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب .
7- لما كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمتي التعامل في النقد الأجنبي عن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل فيه أو الجهات المرخص لها بذلك ومباشرة عمل من أعمال البنوك وعاقبه بالمواد 31 /1، 2، 111 /1، 2، 118، 119 /1، 126 /1، 4، 129، 131 من القانون رقم 88 لسنة 2003 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 2016 وكانت المادة 126 من هذا القانون المعدلة بالقانون رقم 66 لسنة 2016 قد نصت على أنه " وفى جميع الأحوال تضبط المبالغ والأشياء محل الدعوى ويحكم بمصادرتها فإن لم تضبط حكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها " . وكان المفهوم من صريح هذا النص أن المصادرة تنصب على النقد الأجنبي المضبوط الذى كان محلاً للجريمة التي دين الطاعن بها ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن النقد الأجنبي محل الجريمة هو مبلغ ألف دولار أمريكي ، كما أسفر تفتيش محل الطاعن عن ضبط مبالغ من العملة المصرية والعملات الأجنبية المختلفة لم يكن لها صلة بالجريمة التي أخذ الطاعن بها ، وكانت مجرد حيازة النقد الأجنبي قد أضحت بموجب الفقرة الأولى من المادة 111 من القانون رقم 88 لسنة 2003 الآنف الذكر غير معاقب عليها ، فإنه إذ قضى بمصادرتها يكون قد خالف القانون مما يتعين معه عملاً بالمادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 والمعدلة بالقانون رقم 11 لسنة 2017 أن تصحح المحكمة الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون تحديد جلسة لنظر الموضوع ما دام العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه مما يتعين التعرض لموضوع الدعوى الجنائية ، فإنه يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه بقصر عقوبة المصادرة المقضي بها على أوراق النقد الأجنبي البالغة ألف دولار أمريكي ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: تعامل في النقد الأجنبي على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً بأن أجرى عمليات استبدال العملات الأجنبية بما يعادلها من العملة الوطنية دون أن يكون ذلك عن طريق المصارف والبنوك والجهات المرخص لها قانوناً على النحو المبين بالتحقيقات . ثانياً: باشر عملاً من أعمال البنوك بأن تعامل في النقد الأجنبي والمصري شراء وبيعاً دون أن يكون من المسجلين في البنك المركزي لممارسة هذا النشاط وذلك على النحو المبين بالتحقيقات وأحالته إلى محكمة جنايات .... الاقتصادية لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتوكيل عملاً بالمواد 31 /1، 2، 111 /1، 2، 118، 119 /1، 126 /1، 4، 129، 131 من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 88 لسنة 2003 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 2016 مع إعمال المواد 17، 32، 55 /1، 56 /1 من قانون العقوبات ، بمعاقبة .... بالحبس لمدة سنة وبتغريمه مبلغ مليون جنيه مصري وبمصادرة المبالغ المضبوطة ، وبإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس المقضي بها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم وألزمته بالمصاريف .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي التعامل في النقد الأجنبي عن طريق غير البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك ومباشرة عمل من أعمال البنوك حال كونه غير مسجل قانوناً ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، وانطوى على إخلال بحق الدفاع ، وخطأ في تطبيق القانون ؛ ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمة الأولى والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي أقام عليها قضاءه بالإدانة ، واطرح الحكم بما لا يسوغ دفعيه ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما بغير إذن من النيابة العامة ولانتفاء حالة التلبس ، وببطلان القبض والتفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية خلت من المصدر السري وبدلالة المستندات المقدمة من الطاعن ، وأغفل الرد على دفعه ببطلان الإقرار المعزو إليه بمحضر الضبط لكونه وليد إكراه ولم يورد مؤداه ، كما لم يعن بالرد على الدفوع الإجرائية للطاعن ، وعول الحكم على أقوال شاهد الإثبات الأول رغم تناقضها مع أقوال الشاهد الثاني وعدم معقولية تصويره للواقعة ، وانفراده بالشهادة وحجبه عنها أفراد القوة المرافقة له ،وقضى بمصادرة المبالغ النقدية دون تمييز بين النقد الأجنبي محل التعامل وبين النقد الأجنبي والمصري المضبوط بمحله ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما ، وأورد أدلة الثبوت ومؤداها التي عول عليها في الإدانة في بيان وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، فإنه ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكانت المادتان 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972 قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أن يقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه فإذا لم يكن حاضراً جاز للمأمور إصدار أمراً بضبطه وإحضاره ، كما خولته المادة 46 من القانون ذاته تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً ، وأن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح لمأمور الضبط القضائي الذى شاهد وقوعها أن يقبض على المتهم الذي تقوم دلائل كافية على ارتكابه لها وأن يجرى تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة . وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما بغير إذن من النيابة العامة ولانتفاء حالة التلبس واطرحه في قوله : " وحيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش لعدم وجود إذن من النيابة العامة ولانتفاء حالة التلبس فهو مردود بأن ضابط الواقعة – الشاهد الأول – اتخذ الإجراء الذي أوجب عليه القانون القيام به إعمالاً لصريح نص المادة 31 من قانون الإجراءات الجنائية بالانتقال فوراً إلى محل الواقعة ، وليس في القانون ما يوجب عليه التربص لحين استصدار إذن من النيابة العامة ، حال كون محل الواقعة محلاً عاماً مما لا يشترط إذن من جهات التحقيق لدخوله وتفتيشه – محل ملابس - أما عن الدفع بانتفاء حالة التلبس فهو مردود كذلك بأن جناية الاتجار في النقد محل الدعوى جاءت متلبس بها في أجلى صور التلبس كما هو معرف في مقصود نص المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية ، إذ الثابت في يقين المحكمة والذي اطمأنت إليه أن المتهم قــــــــدم طواعية للشاهد الأول مبلغ الألف دولار التي طلب منه مبادلتــــــــها بالعملة الوطنية وهو ما تأكد بشهادة الشاهد الثاني ، وتلك هي الصورة المثلى والحالة الأجلى لحالة التلبس كما هي معرفة به في القانون ، ولا ينال من ذلك ما ردده الدفاع الحاضر من أن الشاهد الأول قد اصطنع أو اختلق الجريمة والتلبس الملازم لها ، إذ إن ذلك مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أنه لا تثريب على مأمور الضبط القضائي إن هو اتخذ من الوسائل أبدعها والطرق أذكاها لتسلس له مقصوده وغاية أمره منها وهو ضبط الجرائم ومرتكبيها ما دامت إرادة الجاني حاضرة غير غائبة حرة غير معدومة " . وكان القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن الحكم يكون سليما بضبطه يكون صحيحاً منتجاً لأثره ولا عليه إن هو لم يسع للحصول على إذن من النيابة العامة بذلك إذ لم يكن في حاجة إليه ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، فإذا كانت هذه الأخيرة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، وكان خلو التحريات من المصدر السري لا يقدح بذاته في جديتها ، ولما كانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وإذ كانت المحكمة – في الدعوى الراهنة – قد ردت على الدفع بعدم جدية التحريات بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق ، فإنه لا تجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور لإغفاله الرد على الدفع ببطلان إقرار الطاعن بمحضر الضبط لصدوره تحت تأثير الإكراه ما دام أن البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من إقرار الطاعن المدعى ببطلانه ، وإنما أقام قضاءه على أدلة أخرى ليس من بينها ذلك الإقرار، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن ماهية دفوعه الإجرائية التي أغفل الحكم الرد عليها بل ساق نعيه مرسلاً مجهلاً ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول أسباب الطعن أن تكون واضحة محددة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان مــن المقرر أن من حــق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقـــــوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، وكان تناقض الشهود في أقوالهم لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، وكانت المحكمة قد اقتنعت بحصول الواقعة على الصورة التي رواها شاهدي الإثبات اطمئناناً منها إلى صدق أقوالهما ، بما مفاده أنها اطرحت دفاع الطاعن القائم على عدم معقولية حدوث الضبط على تلك الصورة ، وكان من المقرر أن الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بنصاب معين في الشهادة وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه طالما أن له مأخذه الصحيح في الأوراق ، كما أن سكوت من قام بالضبط عن الإدلاء بأسماء القوة المصاحبة له لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، فإن تعويل الحكم المطعون فيه على شهادة شاهد واحد – بفرض حصوله – ليس فيه ما يخالف القانون وينحل نعي الطاعن في هذا الصدد إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمتي التعامل في النقد الأجنبي عن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل فيه أو الجهات المرخص لها بذلك ومباشرة عمل من أعمال البنوك وعاقبه بالمواد 31 /1، 2، 111 /1، 2، 118، 119 /1، 126 /1، 4، 129، 131 من القانون رقم 88 لسنة 2003 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 2016 وكانت المادة 126 من هذا القانون المعدلة بالقانون رقم 66 لسنة 2016 قد نصت على أنه " وفي جميع الأحوال تضبط المبالغ والأشياء محل الدعوى ويحكم بمصادرتها فإن لم تضبط حكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها " . وكان المفهوم من صريح هذا النص أن المصادرة تنصب على النقد الأجنبي المضبوط الذى كان محلاً للجريمة التي دين الطاعن بها ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن النقد الأجنبي محل الجريمة هو مبلغ ألف دولار أمريكي ، كما أسفر تفتيش محل الطاعن عن ضبط مبالغ من العملة المصرية والعملات الأجنبية المختلفة لم يكن لها صلة بالجريمة التي أخذ الطاعن بها ، وكانت مجرد حيازة النقد الأجنبي قد أضحت بموجب الفقرة الأولى من المادة 111 من القانون رقم 88 لسنة 2003 الآنف الذكر غير معاقب عليها ، فإنه إذ قضى بمصادرتها يكون قد خالف القانون مما يتعين معه عملاً بالمادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 والمعدلة بالقانون رقم 11 لسنة 2017 أن تصحح المحكمة الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون تحديد جلسة لنظر الموضوع ما دام العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه مما يتعين التعرض لموضوع الدعوى الجنائية ، فإنه يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه بقصر عقوبة المصادرة المقضي بها على أوراق النقد الأجنبي البالغة ألف دولار أمريكي ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق