جلسة 6 من فبراير سنة 1996
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: فاروق علي عبد القادر، ود. محمد عبد السلام مخلص، والصغير محمد محمود بدران، ومحمد إبراهيم قشطه - نواب رئيس مجلس الدولة.
-----------------
(59)
الطعن رقم 1127 لسنة 35 القضائية
طوائف خاصة من العاملين - عاملون بمصر للطيران - طيار - تأديب - إثبات خطأ الطيار في المسائل الفنية.
المسائل الفنية التي يقتصر تقديرها على ذوي الخبرة المتخصصين لا يجوز إثبات مخالفتها أو نفيها بأقوال الشهود من غير هؤلاء المتخصصين - أساس ذلك - أن الأمور الفنية التي قد تدق على ذوي الخبرة والتخصص بما قد يترتب على ذلك من اختلاف في فهم تلك الأمور وبالتالي اختلاف القرار أو التصرف الذي يصدر من المختصين طبقاً لفهمهم لها وطبقاً لتقديراتهم والتي تخضع بلا مجادلة لجملة اعتبارات وفقاً لثقافتهم ومستوى خبراتهم ومسمياتهم الشخصية - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم السبت الموافق 1/ 3/ 1989 أودع السيد الأستاذ/..... المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا نيابة عن السيد الأستاذ/.... المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا والوكيل عن الطاعن بالتوكيل رقم 911 لسنة 1989 عام توثيق مصر الجديدة النموذجي - تقرير الطعن رقم 1127 لسنة 35 الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بجلسة 11/ 1/ 1989 في الدعوى التأديبية رقم 66 لسنة 30 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن والذي قضى بمعاقبة المحال بعقوبة اللوم - وبختام تقرير الطعن طلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه فيما قضى به من مجازاته بعقوبة اللوم والقضاء مجدداً ببراءته مما نسب إليه مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى هيئة قضايا الدولة بتاريخ 13/ 3/ 1989.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون حيث قدمت هيئة النيابة الإدارية مذكرة طلبت فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً استناداً إلى أنه لا إلزام على القاضي التأديبي إتباع وسيلة معينة من وسائل الإثبات إذ أن له حرية تكوين عقيدته حسبما يراه في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها ومن ثم فلا إلزام عليه أن يسمع شهادة من يطلب المحال سماعه إذا ما قدر أن الأوراق والتحقيقات كافية للفصل في الدعوى - وقدم الطاعن مذكرة أورد بها أن المادة (45) من القانون 128 لسنة 1981 تقضي بأن على قائد الطائرة قبل الإقلاع بالطائرة التأكد من إمكان إتمام الرحلة بسلام طبقاً للقواعد والأنظمة وفى ضوء دراسة لما يتوافر لديه من التقارير والتنبؤات الجوية السارية والمعلومات الملاحية الخاصة بالرحلة ومن ثم فإن قائد الطائرة يتمتع بسلطة تقديرية فيما يتعلق بما إذا كانت الظروف تسمح بالقيام بالرحلة أم لا دون أن يكون عليه في مثل هذه الحالة أدنى مسئولية حتى ولو كان قراره في هذا الشأن خاطئاً بحسبان التقدير يحتمل الخطأ والصواب هذا فضلاً عن أن المادة 98 من قانون الطيران المدني 128 لسنة 1981 قد أناطت بالإدارة العامة لتحقيق وضع حوادث الطائرات بوزارة الطيران اختصاص التحقيق الفني للحوادث والوقائع التي تحدث للطائرات المدنية الأمر الذي كان يتعين معه على المحكمة الاعتداد بشهادة مدير تلك الإدارة وإذ انتهت المحكمة المطعون على حكمها إلى عدم الاعتداد بتلك الشهادة فإن هذا الحكم يكون مخالفاً للقانون ومشوباً بالخطأ في تطبيقه وتأويله وبجلسة 15/ 2/ 1995 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 2/ 5/ 1995 وأحيل الطعن إلى المحكمة وتدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها حيث قدم الطاعن مذكرة أكد فيها أنه اتخذ قراره بعدم الإقلاع في ذلك اليوم بناء على سلطته التقديرية التي باشرها في ضوء ما توافر لديه من معلومات عن حالة الظروف الجوية وبالتالي فإنه وقد خلت الأوراق مما يفيد انحرافه في استعمال سلطته التقديرية في هذا الشأن فلا مجال لمؤاخذته تأديبياً ولو تبين أن قراره لم يكن صائباً كما وأنه لا مجال للاستناد إلى أن قائد إحدى الطائرات الأخرى غير التابعة لمؤسسة مصر للطيران قد استطاع أن يقوم برحلة مماثلة في التوقيت الذي قدر فيه الطاعن عدم ملائمة الإقلاع بالطائرة إذ أن مرجع ذلك إلى الصفات الشخصية لكل منهما وهذا الخلاف لا يولد مسئوليته التأديبية وبجلسة 21/ 11/ 1995 قررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما هو ثابت بالأوراق في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 66 لسنة 30 ق أمام المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة مشتملة على تقرير اتهام ضد/.... الطيار بمؤسسة مصر للطيران بدرجة مدير عام لأنه في يوم 12/ 10/ 1986 بدائرة مؤسسة مصر للطيران خرج على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يحافظ على أموال وممتلكات المؤسسة التي يعمل بها بأن رفض الإقلاع بالطائرة رحلة طوكيو - مانيلا بدعوى سوء الأحوال الجوية على غير الحقيقة مما أدى إلى تأخير الإقلاع بالطائرة حتى صباح 13/ 10/ 1986 وتحميل مؤسسة مصر للطيران نفقات مبيت الركاب والتي قدرت بملغ ستة آلاف جنية فضلاً عن الإساءة إلى سمعة المؤسسة - مما يكون معه المذكور مرتكباً المخالفة المالية المنصوص عليها في المادتين 78/ 4، 80/ 1 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المحال بالمادتين المشار إليهما والمادتين 82، 84 من القانون سالف الإشارة والمادة (7) من القانون 16 لسنة 1975 بشأن بعض الأحكام الخاصة بمؤسسة مصر للطيران والمادة 14 من القانون 117 لسنة 1958 من قانون النيابة الإدارية معدلاً بالقانون رقم 171 لسنة 1981 والمادتين 15، 19 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972.
وبجلسة 11/ 1/ 1989 حكمت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بمجازاة المحال بعقوبة اللوم وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من أقوال الشهود أن ما تذرع به المحال من عدم ملائمة الأحوال الجوية للطيران غير قائم على سند من حقيقة الواقع خاصة وأن الثابت بالأوراق أنه عقب امتناعه عن الإقلاع بالطائرة تم نقل عدد 31 راكب من ركاب الطائرة على متن إحدى الطائرات التابعة لشركة الطيران التايلاندية من مانيلا إلى بانكوك والتي أقلعت يوم 12/ 10/ 1986 الساعة العاشرة والربع الأمر الذي يقطع بأن الأحوال الجوية كانت مهيئة للطيران مع استبعاد شهادة الطيار/..... مدير عام تحقيق ومنع حوادث الطائرات بوزارة الطيران المدني التي تتضمنها حافظة مستندات المحال.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون عليه جاء مشوباً بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وذلك تأسيساً على أن الدعوى التأديبية الصادر بشأنها الحكم المطعون عليه يدور حول واقعة فنية تتعلق بمدى صلاحية الأحوال الجوية يوم 12/ 10/ 1986 بالطيران من مانيلا غلى بانكوك وهذه المسألة لا تخضع لأقوال الشهود وإنما يتم تقديرها من جانب ذوي الخبرة المتخصصة مما كان يستوجب إجابة الطاعن إلى طلبه بالاستماع إلى رأي الجهة الرسمية المتخصصة بوزارة الطيران كما وأنه لا وجه لما استند إليه الحكم المطعون عليه من قيام أحد الطيارين التابعين لشركة الطيران التايلاندية بالطيران في نفس اليوم الذي قدر فيه عدم الطيران لرحلة مماثلة أو قد يرجع ذلك إلى عدم فهم الطيار الآخر.
ومن حيث إنه لما كانت المخالفة المنسوبة إلى الطاعن تتعلق بمدى صلاحية الأحوال الجوية للطيران من مطار مانيلا إلى مطار بانكوك وفقاً للنشرة الجوية الصادرة من المتخصصين بمطار مانيلا أي أن المخالفة تتعلق بمسألة فنية يقتصر تقديرها على ذوي الخبرة المتخصصين وبالتالي فلا يجوز ثبوت المخالفة أو نفيها بأقوال الشهود من غير هؤلاء المتخصصين.
ومن حيث إن الأمور الفنية التي قد تدق على ذوي الخبرة والتخصص بما قد يترتب على ذلك من اختلاف في فهم تلك الأمور وبالتالي اختلاف القرار أو التصرف الذي يصدر من المختصين طبقاً لفهمهم لها وطبقاً لتقديراتهم والتي تخضع بلا مجادلة لجملة اعتبارات وفقاً لثقافتهم ومستوى خبراتهم وسماتهم الشخصية لا يمكن أن تشكل كقاعدة عامة ذنباً إدارياً يستوجب المجازاة الإدارية ومن ثم فإنه لذلك ونظراً لأن النيابة الإدارية قد اكتفت في اتهام الطاعن على شهادة أحد الخبراء المختصين وهو أحد كبار الطيارين على الرغم من اختلاف رأيه مع أقوال الطاعن ودون مواجهة الطاعن في التحقيق لإبداء ملاحظاته أو الاستشهاد بآخرين من ذوي الخبرة وهو ما حدا به أن يطلب بمحضر جلسة المحكمة التأديبية المنعقدة في 16/ 11/ 1988 التصريح باستدعاء أحد الطيارين المتخصصين لسماع شهادته مع تحديد أسماء ثلاثة من هؤلاء المتخصصين إلا أن المحكمة لم تجبه إلى طلبه ثم تقدم الطاعن بحافظة مستندات تحتوي على صورة من تقرير رسمي صادر من السلطات المختصة بالأحوال الجوية للطيران الدولي بمنطقة الفلبين معلقاً عليه بشهادة صادرة من السيد/..... مدير عام تحقيق ومنع حوادث الطائرات بوزارة الطيران تضمنت عدم صلاحية الأحوال الجوية للطيران من مطار مانيلا إلى بانكوك يوم 12/ 10/ 1986 والذي تضمن أن منطقة الفلين كان يمر بها إعصار جوى وأن خط سيره يوم 12/ 10/ 1986 كان يعترض الخطين الأصلي والاحتياطي لمسار رحلة مانيلا - بانكوك وأنه يتعين (على كل طيار يبتغي الأمن والسلامة ويحافظ على واجباته التي تفرضها عليه أصول المهنة) عدم الإقلاع بالطائرة وهي الشهادة التي لم تعول عليها المحكمة المطعون على الحكم الصادر منها - ومن ثم يكون هذا الحكم مخالفاً للقانون لإخلاله بحق الدفاع للطاعن.
ومن حيث إن النيابة الإدارية لم تطعن على شهادة السيد/..... سالفة الإشارة أو تنكر صدورها منه - فإن ما نسب إلى الطاعن قد تعلق بمسألة اختلف ذوي الخبرة المتخصصة في تقديره حيث ذهب الطيار/...... إلى أن الأحوال الجوية يوم 12/ 10/ 1986 لم تكن صالحة للطيران من مطار مانيلا إلى مطار بانكوك فيما ذهب الطيار...... كبير طياري طراز 768 بمؤسسة مصر للطيران في تحقيقات النيابة الإدارية أن النشرة الجوية الصادرة من المختصين بالفلبين تفيد عدم وجود ما يحول دون الطيران - ومن ثم فإنه لا تثريب على الطاعن وقد جنح إلى السلامة والمحافظة على الطائرة قيادته وأرواح ركابها وأمتعتهم بعد الإقلاع بالطائرة للقيام برحلة مانيلا - بانكوك يوم 12/ 10/ 1986 وفقاً لتقديراته للنشرة الجوية الصادرة من المختصين الأمر الذي ينفي ارتكابه لذنباً إدارياً يستوجب مجازاته عنه مما يتعين معه القضاء ببراءة الطاعن من الاتهام المنسوب إليه دون أن ينال من ذلك أن قائد إحدى الطائرات التابعة لشركة الطيران التايلاندية قد أقلع بطائرته في نفس اليوم من مطار مانيلا إلى مطار بانكوك ذلك لأن إقلاع هذا الطيار بتلك الرحلة لا يفيد بذاته أن قراره بالإقلاع بالطائرة كان هو القرار الصائب في ضوء ما ورد بتقرير الأحوال الجوية الصادرة من السلطات المختصة بالفلبين في وجود إعصار قدر الطاعن ابتغاء لسلامة الطائرة وركابها أن يعوق القيام بالرحلة المقررة بحسبان أن هذا يدل على وجود خلاف الفهم والتقدير وبالتالي فإنه لا ينهض دليلاً على ارتكاب الطاعن للمخالفة المنسوبة إلية بما يضمن معه القضاء ببراءته مما نسب إلية وإذ ذهب الحكم المطعون عليه غير هذا المذهب فإنه يكون مخالفاً للقانون جديراً بالإلغاء مما يتعين معه القضاء بإلغائه والقضاء ببراءة الطاعن مما نسب إلية.
ومن حيث إن الطعون التأديبية معفاة من الرسوم القضائية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه وببراءة الطاعن مما نسب إلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق