الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 يناير 2025

الطعن 159 لسنة 35 ق جلسة 16 / 1 / 1996 إدارية عليا مكتب فني 41 ج 1 ق 39 ص 325

جلسة 16 من يناير سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: د. محمد عبد السلام مخلص، وعلي فكري حسن صالح، ود. حمدي محمد أمين الوكيل، والصغير محمد محمود بدران - نواب رئيس مجلس الدولة.

------------------

(39)

الطعن رقم 159 لسنة 35 القضائية

هيئة الشرطة - انتهاء خدمة الضباط - مد الخدمة لرتبة لواء -سلطة الإدارة التقديرية.
المادة 71 فقرة 2 من قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971.
تنتهي خدمة الضابط ببلوغ السن المقررة لترك الخدمة أو إذا أمضى في رتبة لواء سنتين ما لم تمد بقرار من وزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة ثلاث سنوات ثم سنتين تنتهي بعدها خدمته بانقضاء هذه المدة - الأصل انتهاء الخدمة بقوة القانون في الحالتين السابقتين - الاستثناء لوزير الداخلية على النحو المذكور يدخل في مطلق تقدير جهة الإدارة الواسعة حتى يسمح لها باختيار أحسن العناصر المشرفة على جهاز الأمن ابتغاء حسن سير المرفق العام - أساس ذلك - وظيفة ضباط (بدرجة لواء) من الوظائف القيادية العليا بجهاز الشرطة، كما أن وزير الداخلية والمجلس الأعلى للشرطة مسئول سياسياً وشعبياً عن الأمن في البلاد هذه المسئولية يجب أن يقابلها سلطة كاملة وحرية واسعة في اختيار معاونيه من شاغلي الوظائف القيادية الرئيسية بجهاز الشرطة - لا مسئولية بغير سلطة ولا سلطة بغير مسئولية.
للحكومة الحق في اختيار كبار موظفيها من شاغلي الوظائف العليا الذين تستأنس فيهم قدرتهم على القيام بما تطلبه منهم لتنفيذ السياسة المرسومة وتسيير الخدمات العامة على وجه يحقق الصالح العام - لازم ذلك - أن يترك لها قدر واسع من الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لشغل تلك الوظائف، بغير ذلك تقف السلطة التنفيذية مغلولة الأيدي - خلو ملف الخدمة من الشوائب لا يكفي للقول بصلاحيته في هذه الوظائف القيادية - أساس ذلك - أن الصلاحية هنا لها اعتبارات شتى. ومرده أمرين (1) أصل طبيعي وهو وجوب هيمنة الحكومة على سير المرافق العامة (2) أصل تشريعي حسبما ورد في القوانين - قياس ذلك على جهاز الأمن في البلاد من باب أولى - لا معقب على تقدير الإدارة في هذا المجال مادام قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة - القرار الصادر تطبيقاً للفقرة الثانية من المادة 71 سالفة الذكر هو قرار تنفيذي لا يحتاج لبيان سبب له - أساس ذلك - تنفيذ نص القانون لا يحتاج للتسبيب. تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 13/ 12/ 1988 أودع الأستاذ/..... المحامي بالمحكمة الإدارية العليا، بصفته وكيلاً عن الطاعن بموجب التوكيل الرسمي الخاص رقم 7180/ ولسنة 1988 سكرتارية المحكمة، تقرير طعن قيد بجدولها العام تحت رقم 159 لسنة 35 قضائية عليا، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في الدعوى رقم 1483 لسنة 39 ق بجلسة 25/ 10/ 1988 والذي قضى: بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وإلزام المدعى المصروفات وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون وبإلغاء القرار الإداري رقم 166 لسنة 1985 فيما تضمنه من إنهاء خدمته اعتباراً من 1/ 4/ 1985 وبأحقيته في مد خدمته لمدة ثلاث سنوات أخرى، وأحقيته في تعويض مؤقت مقدراه مائة جنيه مع إلزام الإدارة المصروفات وأتعاب المحاماة.
وتم إعلان المطعون ضده قانوناً بتقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وبعد تحضير الطعن، قدمت هيئة مفوضي الدولة. تقريراً مسبباً في الطعن - ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وبجلسة 16/ 6/ 1993 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة لنظره بجلسة 3/ 8/ 1993، حيث نظرته المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات اللازمة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتلخص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1483 لسنة 39 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية طلب فيها الحكم بإلغاء القرار رقم 166 لسنة 1985 فيما تضمنه من إنهاء خدمته اعتباراً من 1/ 4/ 1985 وبأحقيته في مد خدمته لمدة ثلاث سنوات أخرى وبأحقيته في تعويض مؤقت مقداره مائة جنيه مع إلزام جهة الإدارة المصروفات وأتعاب المحاماة. وأسس دعواه على أنه تخرج من كلية الشرطة عام 1957 وعمل بجهاز الشرطة ثم نقل إلى مباحث أمن الدولة منذ عام 1960 وتدرج في الترقية إلى أن وصل إلى رتبة اللواء عام 1983 حيث نقل إلى وظيفة وكيل الإدارة العامة لشرطة ميناء الإسكندرية البحري - وقد كان خلال قيامه بعمله من المشهود لهم بالدراية والكفاية الممتازة وفقاً لتقارير رؤسائه كما رشح خلال عمله بجهاز أمن الدولة خبيراً للأمن السياسي بوزارة الخارجية المصرية وأوفد في مهمة رسمية للخارج وانتدب ملحقاً ثقافياً بالمكتب الثقافي بسفارة جمهورية مصر العربية ببراغ بتشيكوسلوفاكيا في المدة من 72 حتى عام 1976 - كما حصل على وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية وقت أن كان برتبة نقيب ومنح علاوة تشجيعية في عام 1984 الأمر الذي يدل على امتيازه في عمله ومنح حوافز تعادل مرتب شهرين في فبراير سنة 1985، ومع ذلك فوجئ بصدور القرار المطعون فيه اعتباراً من 1/ 4/ 1985 الذي صدر مخالفاً للقانون لعدم قيامه على أسباب جدية لأنه استند إلى تقرير أعده عنه مدير إدارة شرطة ميناء الإسكندرية الذي لم يكن على وفاق معه في العمل، وعلى تقرير مصلحة الأمن العام أعده أحد زملاء رئيسه في العمل، كما أن تقرير إدارة التفتيش حرره أحد ضباط الذي لم يكن قد مضى على نقله إلى الإسكندرية أكثر من شهر - وانتهى المدعي إلى أن القرار ألحق به أضراراً مادية وأدبية.
وبجلسة 25/ 10/ 1988 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات، مؤسسة قضاءها على نص المادة 71 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971، وأن الأصل أن القاعدة العامة وفقاً لهذا النص هو انتهاء خدمة من هو في رتبة اللواء بقوة القانون متى أمضى في هذه الرتبة مدة سنتين محسوبة من تاريخ ترقيته إليها، وأن الاستثناء الذي يرد على تلك القاعدة هو جواز مد مدة خدمته لمدة ثلاث سنوات ثم لمدة سنتين أخريين بقرار من وزير الداخلية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة في هذه الحالة تنتهي خدمته بانقضاء مدة التجديد بما مؤداه أن هذا التجديد ليس حقاً خالصاً للواء الذي انتهت خدمته بقوة القانون لتمضيته مدة سنتين في هذه الرتبة وإنما هي رخصة أناط بها المشرع وزير الداخلية متى رأى المجلس الأعلى للشرطة ذلك وأن المد هو استثناء على القاعدة العامة التي تنص على انتهاء خدمة الضابط الذي رقي إلى رتبة اللواء بعد مضي سنتين وبذلك يكون القرار المطعون فيه قد صادف صحيح حكم القانون، وتبعاً لذلك رفضت المحكمة أيضاً دعوى التعويض لانتفاء عنصر الخطأ في جانب الإدارة.
ومن حيث إن الطاعن - طلب في تقرير طعنه إلغاء هذا الحكم مستنداً في ذلك إلى الأسباب التالية:
أولاً: الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، لأنه ليس مؤدى نص المادة 71 من قانون الشرطة، أن اكتمال مدة سنتين في رتبة لواء يعتبر بذاته سبباً وجوبياً لإنهاء خدمة الضابط وإنما تكون الإدارة حيال أمرين أحدهما: أن تصدر قراراً بإنهاء الخدمة. والثاني: أن تصدر قراراً بمدها ثلاث سنوات وكلاهما قرار إداري يتعين أن يقوم على أركانه من شكل وسبب وغاية. وأن القرار الصادر بإنهاء خدمته لم يقم على سبب يؤدى إليه. لأن مفاد مد خدمة البعض لكفاءتهم وعدم مد خدمة البعض الآخر يعني عدم كفاءتهم وأنه لم يثبت جدارته في العمل القيادي - في حين أن الأوراق تثبت عكس ذلك على النحو السابق بيانه بشأن خدمته ومنها حصوله أثناء مدة خدمته على وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية ومن ثم فإن الأسباب التي أدت إلى مد خدمة غيره قائمة بالنسبة إليه وأكثر، وهو ما يعيب قرار إنهاء خدمته.
ثانياً: أن الإدارة أفصحت عن سبب عدم مد خدمته بقولها أنه لم يضف جديداً إلى عمله بعد ترقيته إلى رتبة اللواء في حين أن الثابت أنه منح ترقيته إلى رتبة لواء علاوة تشجيعية في يوليو سنة 1984 ومكافأة تشجيعية في فبراير سنة 1985 وهذه وتلك لا تمنح وفقاً للمادتين 23، 24 من قانون الشرطة - إلا للضابط الحاصل على تقرير ممتاز في العامين الأخيرين أو بذل جهداً خاصاً وحقق رفعاً لمستوى الأداء أو قام بعمل ممتاز، أو قدم خدمات ممتازة أو أعمالاً أو بحوثاً أو اقتراحات جدية تساعد على تحسين طرق العمل ورفع كفاءة الأداء وبذلك يكون غير صحيح ما قالته جهة الإدارة في هذا الخصوص وأن أسباب مد الخدمة بالنسبة له كانت قائمة، وإذ صدر القرار على خلاف ذلك فإنه يكون معيباً.
ثالثاً: إن الإدارة امتنعت عن تقديم التقارير المطلوبة رغم أنه لا توجد تقارير بعد رتبة العقيد الأمر الذي يتعارض مع حصول الطاعن على علاوة تشجيعية ومكافأة تشجيعية أثناء خدمته في رتبة لواء وكلاهما لا يمنحان إلا بناء على تقريري امتياز أو كفاءة أو جهد خاص وامتناع الإدارة عن تقديمها يُعد قرينة لصالح الطاعن وفقاً لما استقر عليه قضاء المحكمة العليا.
رابعاً: أن جهة الإدارة إذا ما أصدرت قراراً مستندة إلى أسباب اتضح للمحكمة أن بعضها لا دليل عليه وبعضها الآخر لا يبرر قانوناً النتيجة التي انتهت إليها فإن قرارها يكون قد خالف القانون واتسم بعيب إساءة استعمال السلطة ويتعين لذلك إلغاؤه وقد أفصحت الإدارة في النزاع المطروح عن سبب قرارها وهو أن الطاعن لم يقدم جديداً لعمله بعد ترقيته إلى رتبة اللواء - فإن هذا السبب يخضع لرقابة المحكمة - وعلى ضوء ما سبق بيانه من كفاءة الطاعن وامتيازه فإن السبب الذي استندت إليه الإدارة يكون غير صحيح ويعد مشوباً بالانحراف بالسلطة ولم تعمل المحكمة رقابتها القضائية فإنها تكون قد أخطأت بما يستوجب إلغاء حكمها.
خامساً: الحكم على خلاف الثابت بالأوراق والمستندات، من أن الطاعن على درجة عالية من الكفاءة تبرر مد مدة خدمته وكان يتعين على المحكمة أن تقول كلمتها في كل تلك المستندات المؤدية إلى تلك النتيجة وهي لم تفعل ذلك بل جاء حكمها على خلافها، بما يفيد أن الطاعن لم يكن على الكفاءة التي تبرر مد الخدمة وهو ما يعيب الحكم.
سادساً: إغفال حق الدفاع - فقد طلب الطاعن أمام هيئة مفوضي الدولة ضم جميع التقارير السرية وتقارير الكفاية من عام 1957 إلى عام 1985 كما طلب تقارير التقييم التي استند إليها قرار وزير الداخلية المطعون فيه والتقارير الخاصة بالترقية إلى رتبة لواء ومحضر جلسة المجلس الأعلى للشرطة التي استند إليها القرار رقم 200 لسنة 1983 بترقيته إلى رتبة لواء - وهذه الطلبات كانت مطروحة أمام القضاء الإداري ولم يستجب لها، وهي مستندات يترتب عليها تغيير وجه الرأي في الدعوى وإغفال ضمها يعد إخلالاً بحق الدفاع يعيب الحكم.
سابعاً: بطلان الإجراءات: فقد تم تعجيل الدعوى إدارياً أمام محكمة القضاء الإداري من جلسة 13/ 10/ 1988 إلى 21/ 10/ 1988 وفيها تم حجز الدعوى للحكم دون إخطار الطاعن بهذا التعجيل - وذلك عيب في الإجراءات يترتب عليه بطلان الحكم. كما أنه في هذه الجلسة قدمت هيئة قضايا الدولة حافظة مستندات لم يطلع عليها الطاعن ولم يعط فرصة للرد عليها وفى هذا بطلان في الإجراءات لمخالفة ذلك لما هو مقرر من عدم جواز قبول أوراق أو مستندات من أحد الخصوم دون اطلاع الخصم عليها.
وبجلسة 21/ 10/ 1992 قدم الطاعن مذكرة بدفاعه ردد فيها ما ورد في تقرير الطعن أسباباً وطلباً.
وبجلسة 29/ 9/ 1994 قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها في الطعن طلبت في ختامها رفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة على أساس أن القرار المطعون فيه صدر سليماً وأنه دخل في نطاق السلطة التقديرية المطلقة للجهة الإدارية وفقاً لنص المادة 71 من قانون هيئة الشرطة ولم يقم الطاعن الدليل على إساءة الجهة الإدارية لسلطتها أو الانحراف بها عند إصدارها القرار المطعون فيه، كما قدمت هيئة قضايا الدولة بجلسة 14/ 3/ 1995 حافظة مستندات طويت على مذكرة الإدارة لشئون الضباط في الطعن.
ومن حيث إن المادة 71 من قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 نصت على أن:
"تنتهي خدمة الضابط لأحد الأسباب التالية:
1 - بلوغ السن المقررة لترك الخدمة وهي ستون سنة ميلادية.
2 - إذا أمضى في رتبة لواء سنتين من تاريخ الترقية إليها ويجوز مد خدمته ثلاث سنوات ثم لمدة سنتين أخريين كل بقرار من الوزير بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة وتنتهي خدمته بانقضاء هذه المدة حتى إذا رقي خلالها إلى درجة مالية أعلى.
ومن حيث إن مؤدى هذا النص - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن خدمة الضابط تنتهي ببلوغ الضابط السن المقررة لترك الخدمة أو إذا أمضى في رتبة لواء سنتين ما لم تمد بقرار من وزير الداخلية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة ثلاث سنوات ثم سنتين أخريين تنتهي بعدها خدمته بانقضاء هذه المدة، فالعلاقة الوظيفية تنتهي متى قام سبب من أسباب انتهاء الخدمة الواردة في نص المادة 71 سالف الذكر ومنها بلوغ السن المقررة لترك الخدمة أو انقضاء سنتين في رتبة لواء من تاريخ الترقية إليها - وفى هذا التاريخ يعتبر الضابط محالاً إلى التقاعد وتعتبر خدمته منتهية بتحقق سببها، والأصل هو انتهاء الخدمة بقوة القانون في الحالتين السابقتين، ثم أجاز المشرع، استثناء لوزير الداخلية مد خدمة الضابط لمدة محددة هي ثلاث سنوات وهذا الاستثناء يدخل في مطلق تقدير جهة الإدارة، فهي تملك في هذا المجال سلطة تقدير واسعة، هذا التقدير هو الذي يسمح لها باختيار أحسن العناصر التي تشرف على جهاز الأمن وتقدير مستوى الكفاءة اللازم فيمن تم اختياره لشغل المناصب الرئيسية بالوزارة أو الاستيفاء منها، ولا يتيسر للوزارة ذلك إلا إذا ترك لها الحرية الكاملة والواسعة دون قيود في اختيار من ترى استيفاءه من الضابط لتلك المناصب القيادية بحسب ما تقدره وتطمئن إليه من حيث توافر عناصر الكفاية العالية والمتميزة حتى يكون زمام الأمن العام في يد أحسن العناصر بحسب تقديرها ابتغاء حسن سير مرفق الأمن العام على الوجه الذي ارتآه القانون، وفى ضوء أن ميزان التقدير وحساب القدرة والكفاءة يدق كثيراً بالنسبة للوظائف القيادية العليا بجهاز الشرطة وما تتطلبه في شاغليها من عناصر تميز ودرجة عالية من الكفاءة تختلف عن متطلبات الوظائف الأدنى أو حتى غيرها من الوظائف المدنية النظيرة.
وحيث إن مما يتصل بهذا التقدير، كون وزير الداخلية والمجلس الأعلى للشرطة مسئول سياسياً وشعبياً عن الأمن في البلاد وهذه المسئولية يجب أن يقابلها سلطة كاملة وحرية واسعة في اختيار معاونيه من شاغلي الوظائف القيادية الرئيسية بجهاز الشرطة التي تقود رسالة الأمن في البلاد وما يستلزم ذلك من عدم وضع قيود أو تضييق على السلطة المختصة في اختيار معاونيها ومن يشاركونها مسئولية إدارة مرفق الأمن في البلاد ومن ثم فلا يصح في القانون أو الواقع أن يفرض على الحكومة من لا ترى مناسبتهم في المشاركة في تحمل مسئولية إدارة الأمن العام فلا مسئولية بغير سلطة ولا سلطة بغير مسئولية.
وحيث إنه من جهة أخرى فإنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن للحكومة الحق في اختيار كبار موظفيها من شاغلي الوظائف العليا الذين تستأنس فيهم قدرتهم على القيام بما تطلبه عنهم للنهوض وتنفيذ السياسة التي ترسمها باعتبارها المهيمنة على مصالح الدولة المختلفة والمسئولية عن حسن تصريف أمورها وتسيير الخدمات العامة على وجه يحقق الصالح العام ولازم ذلك أن يترك لها قدراًَ واسعاًَ من الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لشغل تلك الوظائف وبغير ذلك تقف السلطة التنفيذية مغلولة الأيدي بالنسبة لمن ترى فيهم الصلاحية والقدرة على تنفيذ سياستها وتسيير مرافقها على أحسن وجه الأمر الذي يجب معه أن يترك لها حرية اختيار كبار موظفيها من شاغلي الوظائف القيادية العليا، وتقديرها في ذلك مطلق من كل قيد طالما خلا من إساءة، وهو أمر لا يكفي في إثباته في هذا المجال مجرد خلو ملف الخدمة من الشوائب أو كون الموظف كفء في أدائه لعمله، فالصلاحية هنا والكفاءة لها اعتبارات شتى لها جميعاً وزنها وتقديرها في الحكم على صلاحية كبار الموظفين القادرين على تولي الوظائف القيادية العليا ومن تراه الإدارة صالحاً لمعاونتها لتحقيق أهدافها وهذا الحق الثابت للإدارة مرده على أمرين:
أولهما: أصلي طبيعي هو وجوب هيمنة الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء والوزراء على سير المرافق العامة على وجه تحقيق الصالح العام.
ثانيهما: أصل تشريعي مستخدماً ما ورد في القوانين من حق الحكومة في اختيار كبار موظفيها من شاغلي الوظائف القيادية العليا.
وإذا كان هذا الحق مقرر للحكومة بصفه عامة باعتبارها المسئولة عن إدارة وحسن سير المرافق العامة في البلاد فإن هذا الحق يتأكد بصفة خاصة في مجال مرفق الأمن العام الذي تقوم عليه وزارة الداخلية وهيئة الشرطة، بالنظر إلى طبيعة الوظائف العليا القيادية بها وتأثيرها المباشر على مرفق الأمة ومصالح البلاد العليا مما يقتضي التدقيق واختيار أفضل العناصر لتولي أمر تلك الوظائف وإعطاء الحكومة حقها وحريتها الكاملة في هذا الشأن حتى يتسنى لها هذا الاختيار تحقيقاً لهذا الهدف.
وحيث إنه إذا أطلق القانون يد الإدارة في هذا الاختيار فلا معقب على تقديرها واختيارها مادام قد خلا من عيب استعمال السلطة، فجوهر السلطة التقديرية هو الإطلاق فيما أطلقت والقيد الوحيد على هذه السلطة هو عدم التعسف في استعمالها ومع ذلك إذا ذكرت الإدارة أسباباً لقرارها فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها للقانون أو عدم مطابقتها له وأثر ذلك على النتيجة التي انتهى إليها قرارها دون أن يكون للقضاء الإداري أن يحل نفسه محل جهة الإدارة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن سبق أن رقي إلى رتبة لواء عامل وأمضى فيها مدة سنتين فإن خدمته، وفقاً لنص المادة 71/ 2 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة - تكون قد انتهت، شأنه في ذلك شأن من انتهت خدمته لبلوغه السن المقررة لترك الخدمة وهي ستون سنة وإذ صدر بذلك قرار وزير الداخلية رقم 166 لسنة 1985 متضمناً إنهاء خدمة الطاعن اعتباراً من 1/ 4/ 1985 تاريخ انقضاء سنتين على ترقيته إلى رتبة اللواء فإن القرار يكون قد صدر بالتطبيق السليم لنص المادة 71/ 2 من قانون هيئة الشرطة بل هو في الحقيقة، يعد قراراً تنفيذياً للنص سالف الذكر الذي قضى بإنهاء الخدمة في هذه الحالة، فانتهاء الخدمة في هذه الحالة يقع بقوة القانون بمجرد قيام سبب إنهاء الخدمة المنصوص عليه في القانون، وأن القرار الإداري الصادر بذلك لا يعدو أن يكون قراراًَ تنفيذياً لما نص عليه القانون، فالتكييف القانوني للقرار هو قرار تنفيذي لنص القانون، شأنه في ذلك شأن قرار إنهاء الخدمة لبلوغ السن القانونية المقررة لترك الخدمة، وإذا كان هذه القرار قد صدر إعمالاً لنص في القانون حدد الحالات التي تنتهي فيها خدمة الضابط ومنها الحالة موضوع الطعن، فإنه لا يحتاج لبيان سبب له، لأن سببه هو نص المادة 71/ 2 فهو قرار لم تنشأ منه المركز القانوني للطاعن وإنما هو قرار كاشف وتنفيذي لحكم القانون، كما أن القرار وإن كان ينطوي ضمناً على عدم الموافقة على مد خدمته لمدة ثلاث سنوات أخرى كنص المادة 71/ 2 المشار إليها باعتبار أن ذلك هو الوجه الآخر للقرار، فإن ذلك لا يغير من إنه صدر تنفيذاً لحكم القانون وتطبيقاًَ سليماً له، وبه ينتهي خدمة الطاعن الوظيفية، فالطعن بحسب مقصود الطاعن وهدفه هو على القرار الضمني أو السلبي بعدم مد خدمته لمدة ثلاثة سنوات بالتطبيق لنص المادة 71/ 2 سالفة الذكر، فقرار مد الخدمة سلطة جوازيه بنص القانون لوزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة - ويخضع لتقديره المطلق من كل قيد طالما خلا من إساءة استعمال السلطة على النحو السابق تفصيله ولم يقدم الطاعن الدليل على ذلك كما خلت منه الأوراق فلا يعد دليلاً على ذلك مد الخدمة لبعض زملائه من شاغلي رتبة اللواء أو كون الطاعن كفء في عمله وخلو ملفه من الشوائب، أو أن قرار إنهاء خدمته وعدم مدها لم يرد به السبب المبرر له ذلك أنه كانت ترقيته إلى رتبة لواء عامل وشغلها لمدة سنتين دليل على أن له من الكفاءات التي أهلته إلى الترقية إلى تلك الوظيفة الرئاسية إلا أنها ليست دليلاً على إساءة جهة الإدارة لسلطتها بعدم مد خدمته لأنه فضلاً عن أن من تمد خدمته لمدة ثلاث سنوات يحتاج عناصر أخرى متميزة من الكفاءة ومستوى أعلى من القدرات فالصلاحية هنا كما سبق القول لها اعتبارات شتى لها جميعاً وزنها وتقديرها لدى الجهة المختصة في الحكم على من تراه وتختاره للاستمرار في الخدمة كما أن الطاعن في هذا المقام يكون في وضع مقارنة مع آخرين من زملائه من ذوي الكفاية والتمييز في العمل والقدرات، وأن الطعن في قرار إنهاء خدمته وعدم مدها ينطوي بحكم اللزوم الطعن في كفاية وجدارة من تم اختيارهم ومدت خدمتهم للبقاء في وظائف محدودة العدد وهذا يقتضى إثبات أنهم أقل منه كفاية حتى يمكن القول بخطأ جهة الإدارة في التقدير أو انحرافها في استعمال سلطتها وهو ما لم يثبته الطاعن وخلت منه الأوراق وبالنسبة لخلو قرار إنهاء الخدمة - من بيان السبب فذلك لا يعيب القرار لأن السبب هذا وارد في نص المادة 71/ 2 من قانون الشرطة التي حددت حالات إنهاء الخدمة ومنها حالة الطاعن. فتنفيذ نص في القانون لا يحتاج لتسبيب إلا إذا كان المقصود الإشارة النص القانوني - سند القرار وهو ما أشير إليه في ديباجة القرار المطعون فيه وفى محضر اجتماع المجلس الأعلى للشرطة بجلسة 20/ 2/ 1985، ومن ثم وعلى ضوء ما تقدم بيانه يكون القرار المطعون فيه قد صدر سليماً وتطبيقاً صحيحاً لأحكام القانون وفى نطاق ما سمح به القانون لجهة الإدارة ويكون الحكم المطعون إذا ذهب إلى رفض طلب الطاعن إلغاء هذا القرار والتعويض عنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً سليماً الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الطعن بشقيه إلغاء وتعويضاً وإلزام الطاعن بالمصاريف عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصاريف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق