جلسة 28 من ديسمبر سنة 2020
برئاسة السيد القاضي / حازم بدوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / وائل شوقي وهاني مختار المليجي نائبي رئيس المحكمة ومحمد صلاح وتامر عابدين .
-------------------
(115)
الطعن رقم 30988 لسنة 84 القضائية
(1) الإخلال العمدي بتنفيذ عقد مقاولة . قصد جنائي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
جريمة الإخلال العمدي في تنفيذ عقد المقاولة المؤثمة بالمادة 116 مكرراً (ج) عقوبات . عمدية . تحقق القصد الجنائي فيها باتجاه إرادة المتعاقد إلى الإخلال بالعقد مع علمه بذلك . تقدير توافره . موضوعي .
بيان الحكم واقعة الدعوى وأركان الجريمة التي دان الطاعنين بها في بيانٍ وافٍ . لا قصور .
مثال .
(2) رابطة السببية . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر رابطة السببية " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
علاقة السببية في المواد الجنائية . ماهيتها ؟
تقدير توافر علاقة السببية في المواد الجنائية . موضوعي . حد ذلك ؟
إثبات الحكم تعمد إخلال الطاعنين في تنفيذ الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة . النعي بعدم استظهاره رابطة السببية . غير مقبول .
(3) دفوع " الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . الإخلال العمدي بتنفيذ عقد مقاولة .
مثال لتسبيب سائغ في الرد على الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة في جريمة الإخلال العمدي بتنفيذ عقد مقاولة .
(4) قانون " تفسيره " " تطبيقه " " إلغاؤه " . اتفاقيات دولية . الإخلال العمدي بتنفيذ عقد مقاولة .
القانون الجنائي . طبيعته وأهدافه ومهمته ؟
وجوب تقيد المحكمة بإرادة المشرع عند تطبيق أحكام القانون الجنائي بغض النظر عما يفرضه القانون الدولي . أثر ذلك؟
إلغاء النص التشريعي . حالاته ؟
النص في الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان المدنية والسياسية على عدم جواز سجن الأشخاص لعجزهم عن الوفاء بالتزام تعاقدي . دعوة للدول لضمان فعالية التدابير المتخذة في ذلك الشأن . خلوها من أي حكم يخل بمبدأ المسئولية الجنائية التي سببتها الأفعال الضارة بالمجتمع المؤثمة بقوانين عقابية . أثره : وجوب إعمال حكم المادة 116 مكرراً (ج) عقوبات . النعي بمخالفتها الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان المدنية والسياسية . غير مقبول . علة وأساس ذلك ؟
(5) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إثبات " أوراق رسمية " .
الدفع بنفي التهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم . متابعة المتهم في مناحي دفاعه . غير لازمة . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
لمحكمة الموضوع الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة .
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره " .
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجّه إلى تقاريرهم من مطاعن . موضوعي .
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب الدفاع تشكيل لجنة هندسية أخرى . ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها حاجة لذلك .
(7) عقوبة " تطبيقها " . الإخلال العمدي بتنفيذ عقد مقاولة . غرامة . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .
معاقبة الطاعنين عن جريمة الإخلال العمدي بتنفيذ عقد مقاولة بالسجن المشدد ومعاقبة الطاعن الأول بغرامة تجاوز قيمة الضرر . خطأ في تطبيق القانون يوجب تصحيحه . أساس ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه بموجب عقدي المقاولة المؤرخين .... ، .... تعاقدت الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان مع المحكوم عليه / .... ( المتهم الأول ) على تنفيذ وإنشاء عدد ثلاثين عمارة من الإسكان الشعبي بـ .... مع إنشاء شبكة الصرف الصحي لها ، واستعان المحكوم عليه سالف الذكر لتنفيذ التزامه بالطاعن الأول ، إلا أنهما اتفقا فيما بينهما على الإخلال في تنفيذ بعض الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة المؤرخ .... ، بأن تعمدا غمر التربة بكمية مياه أقل من المطلوب استخدمها ودون المدة المقررة لذلك ، وعدم مراعاة الاشتراطات الواجب توافرها في تنفيذ الأساسات والهياكل الخراسانية للعمارات باستخدام مواد بناء غير مطابقة للمواصفات ، وقاما أيضاً بتجريف التربة الطبيعية لموقع الإنشاء وبيعها لحساب المحكوم عليه غيابياً / .... ( المتهم الأول ) ، وإحلال محلها تربة أخرى منقولة من أماكن أخرى ناتجة من مخلفات حفر وردم وأعمال مباني ، وذلك بالمخالفة لتقرير أبحاث التربة ، مما ترتب عليه إلحاق ضرر جسيم بأموال الهيئة بلغت قيمته ثلاثة ملايين ومائتين وواحد وأربعين ألفاً وثلاثمائة وتسعة وستين جنيهاً ، قيمة سبع عمارات تم إزالتها وإصلاح وترميم وتدعيم عدد واحد وعشرين عمارة ، كما اشترك الطاعن الأول مع المحكوم عليهما الآخرين في الإخلال ببعض الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة الثاني المؤرخ .... ، بأن تعمدوا عدم استكمال تنفيذ أعمال العزل والردم حول غرف التفتيش الخاصة بشبكة الصرف الصحي ، وعدم التقيد بمنسوب الإنشاءات والرسومات ، مما ترتب عليه إلحاق ضرر جسيم بأموال الهيئة ، وبموجب عقد المقاولة المؤرخ .... تعاقدت الهيئة مع الطاعن الثاني على إنشاء وتنفيذ شبكة تغذية بمياه الشرب لعدد واحد وأربعين عمارة بالمشروع المذكور ، واستعان في تنفيذ ذلك بشقيقه المحكوم عليه غيابياً / .... ( المتهم الخامس ) ، وبالاتفاق والمساعدة فيما بينهما أخلا في تنفيذ بعض الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة بأن تعمدا عدم تنفيذ الدعامات الخرسانية حول القطع الخاصة بالمواسير وعدم ردم الأجزاء الظاهرة مما تسبب في انفجار تلك المواسير ، وترتب عليه ضرر جسيم بأموال الهيئة بلغت قيمته اثني وعشرين ألفاً ومائتي وعشرة جنيهات ، وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة - في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقريري اللجنة الخماسية المشكلة من كلية الهندسة جامعة عين شمس وأبحاث التربة والأساسات المعدة بمعرفة المحكوم عليه / .... ( المتهم الأول ) ، ثم أورد مؤدى كل دليل من هذه الأدلة في بيانٍ وافٍ ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رُتب عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن جناية الإخلال العمدي في تنفيذ الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (ج) من قانون العقوبات هي جريمة عمدية يشترط لقيامها توفر القصد الجنائي باتجاه إرادة المتعاقد إلى الإخلال بالعقد مع علمه بذلك ، وكان تقدير قيام القصد الجنائي أو عدم قيامه يعد مسألة متعلقة بالوقائع وتفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب ، وكان ما أورده الحكم واضح وكافٍ في بيان واقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعنين بها ، وينبئ بجلاء عن ثبوتها في حقهما ، ومن ثم تنحسر عن الحكم دعوى القصور في التسبيب في هذا الخصوص .
2- من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً ، وكانت هذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ، ومتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين أنهما - وباقي المحكوم عليهم - تعمدا الإخلال في تنفيذ الالتزامات التي يفرضها عقدا المقاولة ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد .
3- لما كان الحكم قد عرض لما دفع به الطاعنان من انقضاء الدعوى الجنائية في قوله : ( وحيث إنه عن الدفع المبدى بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة عملاً بالمادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية ، فإن هذا الدفع في غير محله ذلك أن العبرة في الموعد الذي يبدأ منه التقادم في هذه الدعوى هو تسليم العمل تسليماً نهائياً . وإذ كان ذلك ، وكان الثابت أن الأعمال محل الاتهام لم يتم تسليمها نهائياً للهيئة ، ومن ثم لا يسري على ما وقع فيها من مخالفات سقوط الدعوى الجنائية بمضي المدة ، ومن ثم تلتفت المحكمة عن هذا الدفع ) . لما كان ذلك ، وكان ما قاله الحكم فيما تقدم سائغ في الرد على دفاع الطاعنين ، ويكون نعيهما على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد غير مقبول .
4- من المقرر أن القانون الجنائي هو قانون جزائي له نظام قانوني مستقل عن غيره من النظم القانونية الأخرى وله أهدافه الذاتية إذ يرمي من وراء العقاب إلى الدفاع عن أمن الدولة ، ومهمته الأساسية حماية المصالح الجوهرية فيها ، فهو ليس مجرد نظام قانوني تقتصر وظيفته على خدمة الأهداف التي تعنى بها تلك النظم ، وعلى المحكمة عند تطبيقه على جريمة منصوص عليها فيه وتوافرت أركانها وشروطها أن تتقيد بإدارة الشارع في هذا القانون الداخلي ومراعاة أحكامه التي خاطب بها المشرع القاضي الجنائي ، فهي الأولى في الاعتبار بغض النظر عما يفرضه القانون الدولي من قواعد أو مبادئ يخاطب بها الدول الأعضاء في الجماعة الدولية ، وعلى ذلك فإن المحكمة الجنائية في تحديد معنى الإخلال المؤثم بالمادة 116 مكرراً (ج) من قانون العقوبات لها أن تهتدي بقصد المشرع الجنائي تحقيقاً للهدف الذي هدف إليه وهو حماية المصالح الجوهرية للجماعة استناداً إلى الواقع الذي رأته في الدعوى وأقامت الدليل عليه . لما كان ذلك ، وكانت الجريمة المُسندة للطاعنين مؤثمة صراحة بموجب المادة 116 مكرراً (ج) من قانون العقوبات ، وهي المادة التي طلبت النيابة العامة مُعاقبة الطاعنين بموجبها ، وكان من المقرر أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع ، وإذ كان البين من استقراء نصوص الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وتم التوقيع عليها بتاريخ 4 من أغسطس سنة 1967 ، وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 536 لسنة ١٩٨١ والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 15 من أبريل ١٩٨٢ بالموافقة عليها أخصها المادة الحادية عشر والتي تنص على : ( عدم جواز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي ) من أنها لا تعدو أن تكون مجرد دعوة إلى الدول بصفتها أشخاص القانون الدولي العام إلى القيام بعمل منسق لضمان فاعلية التدابير المتخذة التي تكفل عدم توقيع عقوبة السجن على الأشخاص في حالة عدم قدرتهم على الوفاء بالتزام تعاقدي ، وخلت نصوصها من أي حكم يخل بمبدأ المسئولية الجنائية والتي سببها الأفعال الضارة بالمجتمع وأساسها مخالفة شعورية لواجب قانوني تكفله قوانين العقوبات بنصوص خاصة . وإذ كان ذلك ، وكانت المادة 116 مكرراً (ج) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم ١٢٠ لسنة ١٩٦٢ والمعدل بالقانون رقم 95 لسنة ٢٠٠٣ قد نصت على أن : ( كل من أخل عمداً بتنفيذ كل أو بعض الالتزامات التي يفرضها عليه عقد مقاولة أو نقل أو توريد أو التزام أو أشغال عامة ارتبط به مع إحدى الجهات المبينة في المادة 119 أو مع إحدى شركات المساهمة وترتب على ذلك ضرر جسيم .... يعاقب بالسجن .... ، ويعاقب بالعقوبات سالفة الذكر على حسب الأحوال المتعاقدون من الباطن والوكلاء والوسطاء إذا كان الإخلال بتنفيذ الالتزام أو الغش راجعاً إلى فعلهم ) ، وكان من الواضح من سياق هذا النص أنه يعاقب على جريمة الإخلال العمدي في تنفيذ أي من العقود عن تنفيذ الالتزامات التعاقدية كلها أو بعضها أو تنفيذها على نحو مخالف لنصوص العقد أو قواعد القانون التي تحكمه أو اعتبارات حسن النية التي يلتزم بها المتعاقد ، وهذه الجريمة ربط فيها الشارع الإخلال بجسامة النتيجة المترتبة عليه فاشترط الضرر الجسيم ركناً في الجريمة دون ما عداها ، وقد اشترط الشارع لقيام هذه الجريمة أن يقع الإخلال في تنفيذ عقد من العقود التي أوردتها المادة على سبيل الحصر ، وأن يكون التعاقد مرتبطاً به مع إحدى الجهات التي أشارت إليها المادة المذكورة ، وأن يكون الجاني متعاقداً مع إحدى هذه الجهات أو أن يكون متعاقداً من الباطن أو وكيلاً أو وسيطاً متى كان الإخلال بتنفيذ الالتزام راجعاً إلى فعله ، كما يشترط لقيام هذه الجريمة توافر القصد الجنائي باتجاه إرادة الجاني إلى الإخلال بتنفيذ العقد مع علمه بذلك ، ومن ثم يتعين إعمال أحكام القانون الأخير على الواقعة بحسبان أن مجال تطبيقه يختلف عن مجال تطبيق الاتفاقية الدولية ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان من أن القانون مخالف للاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية يكون على غير ذي محل .
5- لما كان الدفع بنفي التهمة هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً ، بل إن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، ولا تلتزم المحكمة في هذا الصدد بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال ، هذا إلى أن لمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة القائمة في الدعوى التي تكفي لحمل قضائها - كالحال في الدعوى الماثلة - ، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي أعرضت عن مستندات قدمها الطاعنان للتشكيك في أدلة الإثبات التي اطمأنت إليها المحكمة .
6- لما كان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها ، ولها أن تفاضل بين هذه التقارير فتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه إذ إن ذلك الأمر متعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها في ذلك ، وهي غير ملزمة - من بعد - بإجابة الدفاع إلى ما طلبه بتشكيل لجنة هندسية أخرى ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء .
7- لما كانت العقوبة المقررة للجريمة التي دين الطاعنين بها هي السجن وغرامة تساوي قيمة الضرر المترتب على الجريمة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ عاقبهما بالسجن المشدد وأوقع على الطاعن الأول غرامة تجاوز قيمة الضرر الذي تسبب فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، بما يتعين – إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 – تصحيحه بجعل العقوبة السالبة للحرية المقضي بها على الطاعنين السجن لمدة خمس سنوات ، ومبلغ الغرامة المقضي به على الطاعن الأول بجعله ثلاثة ملايين ومائتين وتسعة وستين ألفاً وثمانية وعشرين جنيهاً واثنين وأربعين قرشاً ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـوقـائـــع
اتهمت النيابة العامة كلاً من : 1- .... ، 2- .... ( الطاعن الأول ) ، 3- .... ، 4- .... ( الطاعن الثاني ) ، 5- .... بأنهم :
المتهم الأول :
1- أخل عمداً بتنفيذ بعض الالتزامات التعاقدية التي يفرضها عليه عقد المقاولة المؤرخ .... المرتبط به مع الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان – إحدى الهيئات التابعة للدولة - بشأن تنفيذ وإنشاء عدد ( 30 ) ثلاثين عمارة بمشروع .... بأن تعمد غمر التربة بكمية مياه أقل من الواجب استخدامها المقدرة بمبلغ 18 ألف جنيه ودون المدة المقررة لذلك وعدم غمر البعض الآخر ولم يراع الاشتراطات الواجب توافرها في تنفيذ الأساسات والهياكل الخرسانية للعمارات باستخدام مواد بناء غير مطابقة للمواصفات وأحل مخلفات ردم بدلاً من تربة الموقع الطبيعية بعد تجريفها وذلك بالمخالفة لتقرير أبحاث التربة والأصول الفنية للبناء مما ألحق ضرراً جسيماً بأموالها بلغت قيمته 3241369,42 جنيه " ثلاثة ملايين ومائتين وواحد وأربعين ألفاً وثلاثمائة وتسعة وستين جنيهاً واثنان وأربعون قرشاً " قيمة إزالة عدد سبع عمارات وإصلاح وتدعيم عدد واحد وعشرين عمارة .
2- أخل عمداً بتنفيذ بعض الالتزامات التعاقدية التي يفرضها عليه عقد المقاولة المؤرخ في .... والذي ارتبط به مع الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان بشأن إنشاء شبكة الصرف الصحي بالمشروع سالف الذكر بعدم استكمال وعدم التقيد بمنسوب الإنشاءات والرسومات وترتب على ذلك إلحاق ضرر جسيم بأموال الهيئة سالفة الذكر بلغت قيمته 27658,93 جنيه " سبعة وعشرين ألفاً وستمائة وثمانية وخمسين جنيه وثلاثة وتسعين قرشاً " وبلغت قيمة الالتزامات التي لم يقم بتنفيذها اثني عشر ألف جنيه .
المتهمان الثاني والثالث :
- اشتركا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في الجريمتين موضوع الاتهامين الأول والثاني للمتهم الأول بالإخلال عمداً في تنفيذ بعض الالتزامات التعاقدية التي يفرضها عليهما عقد المقاولة سالف البيان المرتبط به الأول مع الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان بشأن إنشاء وتنفيذ عدد 30 عمارة بمشروع .... بـ .... مع علمهما بذلك.
المتهم الرابع :
- أخل عمداً بتنفيذ بعض الالتزامات التعاقدية التي يفرضها عليه عقد المقاولة والذي ارتبط به مع الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان بشأن تنفيذ وإنشاء شبكة تغذية المياه لعدد 41 عمارة بالمشروع سالف الذكر وذلك بعدم تنفيذ الدعامات الخرسانية حول القطع الخاصة بالمواسير ولم يقم بردم الأجزاء الظاهرة مما ألحق ضرراً جسيماً بأموال الجهة سالفة البيان بلغت قيمته 22210 جنيه " اثنان وعشرين ألفاً ومائتان وعشرة جنيهات " وبلغت قيمة الالتزامات التي لم يقم بتنفيذها ألفي جنيه .
المتهم الخامس :
- اشترك مع المتهم الرابع في الجريمة موضوع الاتهام للمتهم الرابع في الإخلال عمداً بتنفيذ بعض الالتزامات التعاقدية التي يفرضها عقد المقاولة سالف البيان المرتبط به المتهم الرابع مع الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان بشأن تنفيذ وإنشاء شبكة تغذية المياه لعدد 41 عمارة بالمشروع سالف البيان مع علمه بذلك .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمُعاقبتهم طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للثاني والثالث والرابع وغيابياً للأول والخامس أولاً : بمعاقبة كل من المتهمين الثاني الثالث والرابع بالسجن لمدة عشر سنوات ، ثانياً : بمعاقبة كل من المتهمين الأول والخامس بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً ، ثالثاً : بتغريم المتهمين الأول والثاني والثالث مبلغ ثلاثة ملايين وستمائة وتسعة وسبعين ألفاً وثمانية وعشرين جنيهاً وبتغريم المتهمين الرابع والخامس اثنين وعشرين ألف ومائتين وعشرة جنيهات على سبيل التضامن فيما بينهم .
فطعن المحكوم عليهم الثاني والثالث والرابع في هذا الحكم بطريق النقض .
وقضت محكمة النقض أولاً : بسقوط الطعن المقدم من المحكوم عليه الثالث ، ثانياً : قبول الطعن المقدم من المحكوم عليهما الثاني والرابع شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات .... لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى .
ومحكمة الإعادة قضت – بهيئة مغايرة - حضورياً للمتهمين الثاني والرابع وغيابياً للمتهم الثالث عملاً بالمواد 40 / ثانياً وثالثاً ، 41 ، 116 مكرراً ج / 1-4 ، 119 ب من قانون العقوبات ، بمُعاقبتهم بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات لكل منهم وبتغريم المتهمين الثاني والثالث مبلغ ثلاثة ملايين وستمائة وتسعة وسبعين ألفاً وثمانية وعشرين جنيهاً بالتضامن فيما بينهما ، وبتغريم الرابع اثنين وعشرين ألف ومائتين وعشرة جنيهات .
فطعن المحكوم عليهما الثاني والرابع في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة الاشتراك في الإخلال العمدي بتنفيذ الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة مع جهة حكومية ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه أُفرغ في عبارات عامة مجملة لا يبين منها واقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمة المار بيانها ، وفاته التدليل على توافر القصد الجنائي لديهما رغم انتفائه في حقهما ، ولم يستظهر عناصر اشتراكهما في الجريمة ورابطة السببية بين فعلهما والضرر الذي لحق الجهة المتعاقد معها ، واطرح بما لا يصلح دفاعهما القائم على انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة وبعدم انطباق نص المادة 116 مكرر من قانون العقوبات في حقهما لمخالفته الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية ، وبانتفاء صلتهما بالواقعة والتفت عن المستندات التي تظاهر هذا الدفاع ، وعول على تقرير اللجنة الهندسية مع أنه لا يصلح دليلاً للإدانة ، ولم تجبهما المحكمة إلى طلب تشكيل لجنة هندسية أُخرى لفحص المخالفات مثار الاتهام ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه بموجب عقدي المقاولة المؤرخين .... ، .... تعاقدت الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان مع المحكوم عليه / .... ( المتهم الأول ) على تنفيذ وإنشاء عدد ثلاثين عمارة من الإسكان الشعبي بـ .... مع إنشاء شبكة الصرف الصحي لها ، واستعان المحكوم عليه سالف الذكر لتنفيذ التزامه بالطاعن الأول ، إلا أنهما اتفقا فيما بينهما على الإخلال في تنفيذ بعض الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة المؤرخ .... ، بأن تعمدا غمر التربة بكمية مياه أقل من المطلوب استخدمها ودون المدة المقررة لذلك ، وعدم مراعاة الاشتراطات الواجب توافرها في تنفيذ الأساسات والهياكل الخراسانية للعمارات باستخدام مواد بناء غير مطابقة للمواصفات ، وقاما أيضاً بتجريف التربة الطبيعية لموقع الإنشاء وبيعها لحساب المحكوم عليه غيابياً / .... ( المتهم الأول ) ، وإحلال محلها تربة أخرى منقولة من أماكن أخرى ناتجة من مخلفات حفر وردم وأعمال مباني ، وذلك بالمخالفة لتقرير أبحاث التربة ، مما ترتب عليه إلحاق ضرر جسيم بأموال الهيئة بلغت قيمته ثلاثة ملايين ومائتين وواحد وأربعين ألفاً وثلاثمائة وتسعة وستين جنيهاً ، قيمة سبع عمارات تم إزالتها وإصلاح وترميم وتدعيم عدد واحد وعشرين عمارة ، كما اشترك الطاعن الأول مع المحكوم عليهما الآخرين في الإخلال ببعض الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة الثاني المؤرخ .... ، بأن تعمدوا عدم استكمال تنفيذ أعمال العزل والردم حول غرف التفتيش الخاصة بشبكة الصرف الصحي ، وعدم التقيد بمنسوب الإنشاءات والرسومات ، مما ترتب عليه إلحاق ضرر جسيم بأموال الهيئة ، وبموجب عقد المقاولة المؤرخ .... تعاقدت الهيئة مع الطاعن الثاني على إنشاء وتنفيذ شبكة تغذية بمياه الشرب لعدد واحد وأربعين عمارة بالمشروع المذكور ، واستعان في تنفيذ ذلك بشقيقه المحكوم عليه غيابياً / .... ( المتهم الخامس ) ، وبالاتفاق والمساعدة فيما بينهما أخلا في تنفيذ بعض الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة بأن تعمدا عدم تنفيذ الدعامات الخرسانية حول القطع الخاصة بالمواسير وعدم ردم الأجزاء الظاهرة مما تسبب في انفجار تلك المواسير ، وترتب عليه ضرر جسيم بأموال الهيئة بلغت قيمته اثني وعشرين ألفاً ومائتي وعشرة جنيهات ، وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة - في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقريري اللجنة الخماسية المشكلة من كلية الهندسة جامعة عين شمس وأبحاث التربة والأساسات المعدة بمعرفة المحكوم عليه / .... ( المتهم الأول ) ، ثم أورد مؤدى كل دليل من هذه الأدلة في بيانٍ وافٍ ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رُتب عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن جناية الإخلال العمدي في تنفيذ الالتزامات التي يفرضها عقد المقاولة المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (ج) من قانون العقوبات هي جريمة عمدية يشترط لقيامها توفر القصد الجنائي باتجاه إرادة المتعاقد إلى الإخلال بالعقد مع علمه بذلك ، وكان تقدير قيام القصد الجنائي أو عدم قيامه يعد مسألة متعلقة بالوقائع وتفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب ، وكان ما أورده الحكم واضح وكافٍ في بيان واقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعنين بها ، وينبئ بجلاء عن ثبوتها في حقهما ، ومن ثم تنحسر عن الحكم دعوى القصور في التسبيب في هذا الخصوص . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً ، وكانت هذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ، ومتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين أنهما - وباقي المحكوم عليهم - تعمدا الإخلال في تنفيذ الالتزامات التي يفرضها عقدا المقاولة ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض لما دفع به الطاعنان من انقضاء الدعوى الجنائية في قوله : ( وحيث إنه عن الدفع المبدى بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة عملاً بالمادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية ، فإن هذا الدفع في غير محله ذلك أن العبرة في الموعد الذي يبدأ منه التقادم في هذه الدعوى هو تسليم العمل تسليماً نهائياً . وإذ كان ذلك ، وكان الثابت أن الأعمال محل الاتهام لم يتم تسليمها نهائياً للهيئة ، ومن ثم لا يسري على ما وقع فيها من مخالفات سقوط الدعوى الجنائية بمضي المدة ، ومن ثم تلتفت المحكمة عن هذا الدفع ) . لما كان ذلك ، وكان ما قاله الحكم فيما تقدم سائغ في الرد على دفاع الطاعنين ، ويكون نعيهما على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون الجنائي هو قانون جزائي له نظام قانوني مستقل عن غيره من النظم القانونية الأخرى وله أهدافه الذاتية إذ يرمي من وراء العقاب إلى الدفاع عن أمن الدولة ، ومهمته الأساسية حماية المصالح الجوهرية فيها ، فهو ليس مجرد نظام قانوني تقتصر وظيفته على خدمة الأهداف التي تعنى بها تلك النظم ، وعلى المحكمة عند تطبيقه على جريمة منصوص عليها فيه وتوافرت أركانها وشروطها أن تتقيد بإدارة الشارع في هذا القانون الداخلي ومراعاة أحكامه التي خاطب بها المشرع القاضي الجنائي ، فهي الأولى في الاعتبار بغض النظر عما يفرضه القانون الدولي من قواعد أو مبادئ يخاطب بها الدول الأعضاء في الجماعة الدولية ، وعلى ذلك فإن المحكمة الجنائية في تحديد معنى الإخلال المؤثم بالمادة 116 مكررا (ج) من قانون العقوبات لها أن تهتدي بقصد المشرع الجنائي تحقيقاً للهدف الذي هدف إليه وهو حماية المصالح الجوهرية للجماعة استناداً إلى الواقع الذي رأته في الدعوى وأقامت الدليل عليه . لما كان ذلك ، وكانت الجريمة المُسندة للطاعنين مؤثمة صراحة بموجب المادة 116 مكرراً (ج) من قانون العقوبات ، وهي المادة التي طلبت النيابة العامة مُعاقبة الطاعنين بموجبها ، وكان من المقرر أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع ، وإذ كان البين من استقراء نصوص الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وتم التوقيع عليها بتاريخ 4 من أغسطس سنة 1967 ، وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 536 لسنة ١٩٨١ والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 15 من أبريل ١٩٨٢ بالموافقة عليها أخصها المادة الحادية عشر والتي تنص على : ( عدم جواز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي ) من أنها لا تعدو أن تكون مجرد دعوة إلى الدول بصفتها أشخاص القانون الدولي العام إلى القيام بعمل منسق لضمان فاعلية التدابير المتخذة التي تكفل عدم توقيع عقوبة السجن على الأشخاص في حالة عدم قدرتهم على الوفاء بالتزام تعاقدي ، وخلت نصوصها من أي حكم يخل بمبدأ المسئولية الجنائية والتي سببها الأفعال الضارة بالمجتمع وأساسها مخالفة شعورية لواجب قانوني تكفله قوانين العقوبات بنصوص خاصة . وإذ كان ذلك ، وكانت المادة 116 مكرراً (ج) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم ١٢٠ لسنة ١٩٦٢ والمعدل بالقانون رقم 95 لسنة ٢٠٠٣ قد نصت على أن : ( كل من أخل عمداً بتنفيذ كل أو بعض الالتزامات التي يفرضها عليه عقد مقاولة أو نقل أو توريد أو التزام أو أشغال عامة ارتبط به مع إحدى الجهات المبينة في المادة 119 أو مع إحدى شركات المساهمة وترتب على ذلك ضرر جسيم .... يعاقب بالسجن .... ، ويعاقب بالعقوبات سالفة الذكر على حسب الأحوال المتعاقدون من الباطن والوكلاء والوسطاء إذا كان الإخلال بتنفيذ الالتزام أو الغش راجعاً إلى فعلهم ) ، وكان من الواضح من سياق هذا النص أنه يعاقب على جريمة الإخلال العمدي في تنفيذ أي من العقود عن تنفيذ الالتزامات التعاقدية كلها أو بعضها أو تنفيذها على نحو مخالف لنصوص العقد أو قواعد القانون التي تحكمه أو اعتبارات حسن النية التي يلتزم بها المتعاقد ، وهذه الجريمة ربط فيها الشارع الإخلال بجسامة النتيجة المترتبة عليه فاشترط الضرر الجسيم ركناً في الجريمة دون ما عداها ، وقد اشترط الشارع لقيام هذه الجريمة أن يقع الإخلال في تنفيذ عقد من العقود التي أوردتها المادة على سبيل الحصر ، وأن يكون التعاقد مرتبطاً به مع إحدى الجهات التي أشارت إليها المادة المذكورة ، وأن يكون الجاني متعاقداً مع إحدى هذه الجهات أو أن يكون متعاقداً من الباطن أو وكيلاً أو وسيطاً متى كان الإخلال بتنفيذ الالتزام راجعاً إلى فعله ، كما يشترط لقيام هذه الجريمة توافر القصد الجنائي باتجاه إرادة الجاني إلى الإخلال بتنفيذ العقد مع علمه بذلك ، ومن ثم يتعين إعمال أحكام القانون الأخير على الواقعة بحسبان أن مجال تطبيقه يختلف عن مجال تطبيق الاتفاقية الدولية ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان من أن القانون مخالف للاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية يكون على غير ذي محل . لما كان ذلك ، وكان الدفع بنفي التهمة هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً ، بل إن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، ولا تلتزم المحكمة في هذا الصدد بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال ، هذا إلى أن لمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة القائمة في الدعوى التي تكفي لحمل قضائها - كالحال في الدعوى الماثلة - ، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي أعرضت عن مستندات قدمها الطاعنان للتشكيك في أدلة الإثبات التي اطمأنت إليها المحكمة . لما كان ذلك ، وكان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها ، ولها أن تفاضل بين هذه التقارير فتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه إذ إن ذلك الأمر متعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها في ذلك ، وهي غير ملزمة - من بعد - بإجابة الدفاع إلى ما طلبه بتشكيل لجنة هندسية أخرى ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هـذا الإجراء . لما كان ذلك ، فإن الطعن – في حدود الأسباب التي بني عليها – يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ، إلا أنه لما كانت العقوبة المقررة للجريمة التي دين الطاعنين بها هي السجن وغرامة تساوي قيمة الضرر المترتب على الجريمة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ عاقبهما بالسجن المشدد وأوقع على الطاعن الأول غرامة تجاوز قيمة الضرر الذي تسبب فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، بما يتعين – إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 – تصحيحه بجعل العقوبة السالبة للحرية المقضي بها على الطاعنين السجن لمدة خمس سنوات ، ومبلغ الغرامة المقضي به على الطاعن الأول بجعله ثلاثة ملايين ومائتين وتسعة وستين ألفاً وثمانية وعشرين جنيها واثنين وأربعين قرشاً ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق