الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 يناير 2025

المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون 13 لسنة 1973 بتعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية

المذكرة الإيضاحية
لمشروع القانون رقم 13 لسنة 1973
من أهم ما تحرص عليه الدولة في عهد سيادة القانون تيسير سبل التقاضي للمواطنين كافة، وتبسيط إجراءاته، والعمل على تحقيق عدالة سريعة ميسرة تكفل وصول الحقوق لأربابها في غير عنت أو مشقة أو إرهاق. ولقد صدر قانون المرافعات المدنية والتجارية منذ سنوات ثلاث مستهدفا تحقيق هذا الهدف الأسمى. وبرغم ما استحدثه القانون الجديد من وجوه الإصلاح والتيسير، فإن الخصومة أمام القضاء ما تزال تتسم بالبطء في بعض مراحلها لا سيما في مرحلة الطعن بالنقض حيث يستغرق نظر الطعون سنوات طويلة وما يزال كاهل القضاء مرهقا بفضول من الإجراءات يجمل اختزالها والتخفف منها توفيرا للجهد والوقت وتحقيقا لسرعة البت في المنازعات. ومن أجل ذلك رؤى وضع مشروع القانون المرافق بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات بما يكفل تحقيق المزيد من الخطوات في سبيل التعجيل بحسم المنازعات، والتخفيف عن كاهل القضاء، وعلاج بعض ما أظهره التطبيق العملي من أوجه اللبس أو القصور. وفيما يلي إيضاح لأهم التعديلات التي اشتمل عليها المشروع:
أولا - أضاف المشروع إلى المادة 140 فقرة جديدة تقضي باستثناء الطعون بالنقض من أحكام انقضاء الخصومة بمضي المدة متى وقف السير فيها لمدة تزيد على ثلاث سنوات من أخر إجراء صحيح فيها، اعتبارا بأن نظر الطعون أمام محكمة النقض إنما يجرى بترتيب دورها في الجدول. ولا يد للخصوم فيما يحدث من تأخير السير فيها في بعض الأحيان حتى يسوغ أن يضاروا بهذا التأخير. لذلك اتجه الرأي في ظل قانون المرافعات السابق إلى عدم إخضاع الخصومة في مرحلة النقض لأحكام الانقضاء. وهو مبدأ استقر عليه العمل. وقد استصوب المشروع تأكيده بنص صريح دفعا لكل مظنة وخشية أن يفهم من عبارة "في جميع الأحوال" الواردة في صدر المادة انقضاء الخصومة حتما بمضي المدة المقررة في أي مرحلة من مراحلها بما في ذلك مرحلة الطعن بالنقض وهو فهم قد يبعث عليه أن القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض كان يتضمن نصا صريحا بتقرير هذا الاستثناء، ثم ألغى هذا النص بإلغاء القانون ذاته وإدماج نصوصه في قانون المرافعات، مما قد يفسح المجال لتأول هذا الإلغاء. ومن أجل ذلك أثر المشروع العود إلى تقرير هذا الاستثناء بنص صريح دفعا لكل لبس.
ثانيا - عالج المشروع في المادة 178 مشكلة من أبرز المشاكل التي ترهق كاهل القضاء وتقتطع الكثير من جهده ووقته، وهي مشكلة الإسراف في تسبيب الأحكام، وفيما ينبغي أن يشتمل عليه الحكم القضائي من عناصر وبيانات. وإذا كانت الغاية الأساسية من تسبيب الحكم هي توفير الرقابة على عمل القاضي، والتحقق من حسن استيعابه لوقائع النزاع، ودفاع طرفيه، والوقوف على أسباب قضاء المحكمة فيه. فإنه يكفي لتحقق هذه الغاية أن يشتمل الحكم على عرض وجيز لوقائع النزاع. وإجمال للجوهري من دفاع طرفيه، ثم إيراد الأسباب التي تحمل قضاء المحكمة فيه. وكل تجاوز لهذا القدر الواجب في التسبيب، هو تزيد لا غناء فيه، ولا طائل من ورائه، ولقد جرى قانون المرافعات الحالي على سنن التشريعات السابقة عليه من حيث الإسراف في تعداد العناصر التي ينبغي أن يشتمل عليها الحكم القضائي، فأوجبت المادة 178 أن يشتمل الحكم - إلى جانب البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم - على "ما قدموه من دفاع أو دفوع، وخلاصة ما استندوا إليه من الأدلة الواقعية والحجج القانونية، ومراحل الدعوى ورأي النيابة ثم تذكر بعد ذلك أسباب الحكم ومنطوقه". وقد كشف التطبيق العملي لهذا النص على ازدحام الأحكام القضائية في كثير من الأحيان بتعداد المستندات، والوثائق والأوراق التي يقدمها الخصوم ولو لم يكن يقتضيها الفصل في النزاع أو يتعلق بها دفاع جوهري للخصم. هذا بالإضافة إلى تفصيل الخطوات والمراحل التي قطعها النزاع أمام المحكمة على نحو قد يطول سرده في بعض الأحوال، ويغني عنه في جميع الأحوال ما سجلته محاضر الجلسات، وهي جميعها أمور تزدحم بها الأحكام القضائية، وقد تضيع في غمارها أمام القاضي معالم الطريق إلى نقاط النزاع الجوهرية، فضلا عما يستغرقه إثباتها من وقت وجهد قد يكون من الأصوب توجيهه إلى باقي المنازعات المعلقة أمام المحكمة.
لهذه الاعتبارات جميعها رؤى إعادة النظر في نص المادة 178 وتعديلها بما يحقق الإيجاز في تحرير الأحكام ويقصر تسبيبها على العناصر الجوهرية اللازمة لإقامة الحكم دون إطالة أو تزيد. فقضى المشروع بأن يشتمل الحكم - إلى جانب البيانات العامة المتعلقة بالمحكمة والخصوم - على عرض مجمل لوقائع النزاع، وطلبات الخصوم وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم الجوهري، ورأي النيابة، ثم أسباب الحكم ومنطوقه، وبذلك استبعد المشروع من بيانات الحكم بيان مراحل الدعوى اكتفاء بمحاضر الجلسات، كما قصر ما ينبغي إثباته من دفاع الخصوم على خلاصة موجزة لدفاعهم الجوهري، وهو الدفاع الذي قد تتأثر به نتيجة النزاع ويتغير به وجه الرأي في الدعوى.
ولا يخفي ما في ذلك جميعه من توفير لجهد القاضي ووقته، وإتاحة المجال أمامه للمزيد من الإنتاج، مع عدم الإخلال - في الوقت ذاته - بالضمانات الأساسية للأحكام القضائية.
ثالثا - لم ير المشروع الإبقاء على الحكم الوارد في المادة 255 والخاص بضم ملف الدعوى أمام محكمة النقض متى طعن أمامها في الحكم الصادر فيها. ذلك أن الشكوى قد استفاضت من العمل بهذا النظام الذي استحدثه القانون رقم 106 لسنة 1962، واستبقاه قانون المرافعات الحالي. إذ فضلا عما أدى إليه العمل بهذا النظام من تعريض المستندات والمفردات للضياع، وتعطيل نظر الطعون انتظارا لورود الملف، فإن ضم ملف الدعوى الموضوعية - في ذاته - من شأنه أن يبعد محكمة النقض عن وظيفتها الأولى بوصفها محكمة القانون، ويؤدي إلى إنفاق الوقت في قراءة ومراجعة أوراق تتصل بأمور موضوعية تخرج بطبيعتها عن مهمة محكمة النقض، ولا يقتضيها الفصل في الطعن. يضاف إلى ذلك أنه كثيرا ما يحدث أن تفصل محكمة الاستئناف في شق من النزاع، وتستمر في نظر الدعوى بالنسبة لباقي الطلبات، فإذا طعن بالنقض في هذا الشق، فإن ضم الملف من شأنه أن يعطل الفصل في باقي الطلبات، كما أن عدم ضمه من شأنه أن يعطل الفصل في الطعن بالنقض، وهي نتيجة غير مقبولة في الحالين. لذلك جميعه رؤى العدول عن هذا النظام. ولما كانت الحكمة التي دعت إلى الأخذ به هي ما يعانيه الخصوم من صعوبات في استخراج صور الأحكام والأوراق اللازمة لتقديمها لمحكمة النقض نظرا لوجوب أداء جميع الرسوم المستحقة على الدعوى في مرحلتيها الابتدائية والاستئنافية عند استخراج هذه الصور، وكثيرا ما تكون هذه الرسوم باهظة، فقد عني المشروع بتذليل هذه العقبة، فأوجب على قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه أو الحكم الابتدائي أن يسلم لمن شاء من الخصوم الطعن بطريق النقض ما يطلبه من صور الأحكام أو المستندات أو الأوراق بدون رسوم، على أن تذيل هذه الصور بعبارة "لتقديمها لمحكمة النقض"، وذلك كله دون إخلال بحق قلم الكتاب في المطالبة بعد ذلك بما يكون مستحقا على القضية أو على أصل الأوراق من رسوم.
كما أجاز المشروع - في الوقت ذاته - لمحكمة النقض أن تأمر - عند الاقتضاء - بضم ملف الدعوى سواء من تلقاء ذاتها، أو بناء على طلب النيابة أو أحد الخصوم وغني عن البيان أن استخدام هذه الرخصة إنما يكون في حالات الضرورة التي تقدر فيها المحكمة لزوم الاطلاع على ملف الدعوى أو أصول الأوراق المقدمة لإمكان الفصل في الطعن.
وحتى لا يتأخر الفصل في الطعن في هذه الحالة أوجب القانون على قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم أن ترسل الملف خلال سبعة أيام على الأكثر من تاريخ طلبه.
رابعا - استحدث المشروع في المادة 263 نظاما جديدا لمراجعة الطعون بالنقض وتصفيتها قبل نظرها أمام المحكمة، وذلك تخفيفا للعبء عن الدوائر المدنية بمحكمة النقض، وتوفيرا لجهدها، وإتاحة السبيل أمامها للتوفر على دراسة الطعون الجديرة بالبحث والنظر وقد حرص المشروع أن يتفادى بالنظام الجديد ما كشف عنه تطبيق نظام دوائر فحص الطعون - السابق إلغاؤه - من عيوب. ومن أبرزها تخصيص دوائر معينة للفحص، وقصر جهودها على هذا العمل وحده دون مشاركة في عمل الدوائر الأصلية بالمحكمة مما يتأثر به إنتاج هذه الدوائر. فضلا عما يترتب على نظر الطعن على مرحلتين وأمام دائرتين مختلفتين من تكرار للجهد وإطالة في الوقت والإجراءات. وقد توصل المشروع في ذلك إلى نظام أكثر يسرا تفادى به العيوب السابقة جميعها، فناط بالدوائر المدنية ذاتها مراجعة وتصفية الطعون المحالة إليها قبل نظرها، لتستبعد منها بقرار يصدر في غرفة مشورة ما كان منها ظاهر الرفض لإقامته على أسباب موضوعية، أو واضح البطلان لعيب في الشكل، بحيث لا ينظر بعد ذلك أمام المحكمة إلا الطعون الجدية الجديرة بالنظر، وتحقيقا لهذا الغرض أضاف المشروع إلى المادة 263 حكما جديدا، استهدى فيه بأحكام قانون المرافعات الإيطالي (م 375). ويقضي هذا الحكم بأنه بعد انقضاء مواعيد تحضير الطعن، وتقديم مذكرة برأي النيابة، يعين رئيس المحكمة المستشار المقرر، ثم يعرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة. فإذا رأت أنه غير جائز القبول لسقوط أو بطلان إجراءاته أو إقامته على غير الأسباب المبينة في المادتين 248 و249 أمرت بعدم قبوله بقرار يثبت في محضر الجلسة مع إشارة موجزة إلى سبب القرار وألزمت الطاعن المصروفات فضلا عن مصادرة الكفالة، أما إذا قدرت المحكمة أن الطعن جدير بالنظر حددت جلسة لنظره. ويجوز لها في هذه الحالة أن تستبعد من الطعن ما لا يقبل من الأسباب أمام محكمة النقض، وأن تقصر نظره على باقي الأسباب مع إشارة موجزة إلى سبب الاستبعاد. وإنما خول المشروع للمحكمة حق استبعاد الأسباب غير المقبولة في مرحلة الفحص نظرا لما لوحظ عن اشتمال الكثير من الطعون على أسباب موضوعية تخرج عن مهمة محكمة النقض ويستغرق تحصيلها والرد عليها في الأحكام من جهد المحكمة ووقتها ما ينبغي صرفه إلى الجوهري من الأسباب.
كما حرص المشروع على أن يقصر مرحلة المراجعة والفحص على المحكمة وحدها دون حاجة لإعلان الخصوم، اعتبارا بأن نظر الطعن أمام محكمة النقض إنما يجري على نظام الدفاع المكتوب الذي يبديه الخصوم سلفا في الآجال التي حددها القانون، فإذا انقضت هذه الآجال أصبح الطعن مهيأ للحكم فيه، وقضت فيه المحكمة بغير مرافعة إلا إذا رأت ضرورة لسماع الخصوم. ولما كان الطعن لا يعرض على المحكمة لفحصه إلا بعد تمام تحضيره واستيفاء الخصوم دفاعهم فيه، فقد استغنى المشروع عن دعوة الخصوم في مرحلة الفحص اكتفاء بدفاعهم المقدم في الطعن. فإذا قدرت المحكمة عند الفحص ضرورة سماع مرافعة الخصوم فيه، حددت جلسة لنظره أمامها بالطريق العادي.
ويتشرف وزير العدل بعرض المشروع على مجلس الوزراء رجاء التفضل بالموافقة عليه، واستصدار القرار الجمهوري بإحالته إلى مجلس الشعب.
وزير العدل
محمد سلامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق