جلسة 2 من سبتمبر سنة 2000
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عويس عبد الوهاب عويس - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: محمد أبو الوفا عبد المتعال ومصطفى محمد عبد المنعم صالح وأسامة محمود عبد العزيز محرم وعبد المنعم أحمد عامر - نواب رئيس مجلس الدولة.
-----------------
(106)
الطعنان رقما 5977، 6077 لسنة 42 قضائية عليا
( أ ) اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - المنازعات الخاصة بالعاملين بجامعة الدول العربية أثناء تجميد عضوية مصر بها.
القرارات الصادرة بشأن العاملين بجامعة الدول العربية ومنظماتها بالقاهرة منذ تجميد عضوية مصر بها مؤتمر بغداد عام 1979 وحتى تاريخ إعادة الجامعة إلى مقرها بالقاهرة تعتبر قرارات صادرة من سلطة وطنية طبقاً للتشريعات المصرية - مؤدى ذلك: أن الاختصاص بنظر المنازعات التي تثور بشأنها ينعقد لمحاكم مجلس الدولة، كما يكون لوزير الخارجية المصري صفة أصلية في هذه المنازعات باعتبار أنه مصدر هذه القرارات - تطبيق.
(ب) جامعة الدول العربية - إعلان عودة الجامعة إلى مقرها بالقاهرة - أثره - زوال ولاية وزير الخارجية - مركز العاملين بها.
منذ إعلان عودة جامعة الدول العربية إلى مقرها بالقاهرة وإلغاء تعليق عضوية مصر بها وما ترتب على ذلك من إنهاء للوضع الاستثنائي الذي واجهته الدول سواء بقرارات أو تشريعات، فإن مظلة الحماية الوطنية التي أضفتها الدولة على العاملين بالجامعة والمنظمات التابعة لها بالقاهرة تكون قد انتهت - ما كان للسلطة الوطنية أن تستمر في أداء مرتبات أو حقوق وظيفية لهؤلاء بعد أن زالت ولايتها عنهم، خاصة أنه بذلك الإعلان زالت أيضاً ولاية وزير الخارجية بالنسبة لأموال الجامعة التي كان متحفظاً عليها ولم يعدله سلطة التصرف بشأنها - أثر ذلك - انعدام القوة التنفيذية لقرار وزير الخارجية بإنهاء خدمة العاملين بالجامعة بعد أن زالت ولاية مصر بالنسبة لأي شأن من شئونها - أساس ذلك: القرار لم يكن حائلاً دون وصول هؤلاء إلى مراكزهم أو حقوقهم القانونية قبل الجامعة - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين الموافق 19/ 8/ 1996 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن وزير الخارجية (بصفته) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 5977 لسنة 42 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) في الدعوى رقم 5270 لسنة 47 ق بجلسة 24/ 6/ 1996 والقاضي أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها، وثانياً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، وثالثاً: بعدم قبول طلب الإلغاء لانتفاء شرط المصلحة وإلزام المدعي مصروفاته، ورابعاً: بقبول طلب التعويض شكلاً وفي الموضوع بأحقية المدعي في تعويض ما يعادل مرتبه الأصلي على النحو الموضح بالأسباب وبإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن بصفته - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم بوقف تنفيذ ثم بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى واحتياطياً بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، ومن باب الاحتياط الكلي برفضها مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي في أي من الحالات.
وفي يوم الخميس الموافق 22/ 8/ 1996 أودع الأستاذ/ ........ بصفته وكيلاً عن السيد/ ........ قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن برقم 6077 لسنة 42 ق. ع في حكم القضاء الإداري المشار إليه، وطلب - في ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة فيه - الحكم (1) بتعديل البند الرابع من الحكم المطعون فيه ليشمل التعويض المقضى به والبدلات وسائر الفروق المالية الأخرى المستحقة له والمترتبة على تسوية أوضاعه الوظيفية طبقاً للنظام الأساسي الموحد لموظفي جامعة الدول العربية، وفروق مكافأة نهاية الخدمة حتى 28/ 4/ 1993 ومقابل إجازاته الاعتيادية المتراكمة وغير ذلك من الحقوق والامتيازات الأخرى. (2) بإلزام المطعون ضده بصفته بأن يؤدي للطاعن تعويضاً جابراً لما لحقه من ضرر مادي وأدبي يعادل مرتبه شاملاً كافة الملحقات خلال فترة إبعاده عن عمله من 1/ 9/ 1990 حتى 28/ 4/ 1993 مع إلزام المطعون ضده بصفته المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت فيه الحكم بقبولهما شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه في بنديه ثالثاً ورابعاً ليكون بإلغاء القرار المطعون فيه لانعدامه لصدوره من غير مختص وبرفض طلب التعويض مع إلزام الطاعنين المصروفات مناصفة.
ونظر الطعنان أمام الدائرة الثالثة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا حيث قررت إحالتهما إلى الدائرة الثالثة (موضوع) والتي قررت إحالتها إلى الدائرة الثانية (موضوع) للاختصاص وتدول نظرهما على النحو المثبت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت ضم الطعنين وإصدار الحكم بجلسة اليوم، وبها صدر وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن المدعي (......) أقام الدعوى رقم 5270 لسنة 47 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 12/ 5/ 1993 طالباً في ختامها الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 34 لسنة 1990 فيما تضمنه من إنهاء خدمته اعتباراً من 1/ 9/ 1990 مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي له الفروق المالية المستحقة له والمترتبة على تسوية أوضاعه الوظيفية طبقاً للنظام الأساسي الموحد لموظفي جامعة الدولة العربية وكذلك فروق مكافأة نهاية الخدمة حتى 28/ 4/ 1993 ومقابل إجازاته الاعتيادية المتراكمة وغير ذلك من الحقوق والامتيازات، وبأن تؤدي له تعويضاً جابراً لما لحقه من ضرر مادي وأدبي يعادل مرتبه شاملاً كافة ملحقاته خلال فترة إبعاده عن عمله اعتباراً من 1/ 9/ 1990 حتى 28/ 4/ 1993 تاريخ بلوغه سن الستين.
وقال - شرحاً لدعواه - أنه كان يعمل بمجلس الوحدة الاقتصادية بالقاهرة وعلى أثر اتفاقيات كامب ديفيد تم نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس مع تعليق عضوية مصر بها. إلا أنه بقى بالقاهرة تنفيذاً لقرار رئيس الجمهورية بعدم مشروعية قرارات دول الرفض. وتم تكليف وزير الخارجية المصري بإدارة الجامعة وبذلك ظل العاملون بها يباشرون أعمالهم تحت الإشراف المباشر للحكومة المصرية إلى أن صدر قرار مجلس جامعة الدول العربية في شهر مارس عام 1990 بعودة مصر إلى عضوية الجامعة وإعادة مقر الجامعة الدائم إلى القاهرة. إلا أنه بتاريخ 30/ 8/ 1990 أصدر نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القرار رقم 34 لسنة 1990 متضمناً إنهاء خدمة المدعي اعتباراً من 1/ 9/ 1990 بالمخالفة لأحكام القانون وبغير سبب يبرره فأقام دعواه للحكم له بالطلبات سالفة البيان.
وبجلسة 24/ 6/ 1996 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه وشيدت قضاءها على أن القرار رقم 34 لسنة 1990 المطعون فيه صدر استناداً إلى القرار الجمهوري بالقانون رقم 21 لسنة 1982 الذي ناط بوزير الخارجية الاختصاصات المقررة للأمين العام لجامعة الدولة العربية ومن ثم يكون القرار المطعون فيه صادراً من سلطة وطنية استناداً إلى أحكام التشريعات المصرية وينعقد الاختصاص بنظره لمحاكم مجلس الدولة مما يتعين معه رفض الدفع المبدى بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاص المحكمة بنظرها.
وأضافت المحكمة أن الثابت أن وزير الخارجية هو مصدر القرار المطعون فيه ومن ثم تكون له الصفة التي تبرر اختصاصه في الدعوى بما يجعل الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة غير قائم على أساس صحيح من القانون مستوجب الرفض، ثم تناولت المحكمة طلب التعويض وخلصت إلى عدم مشروعية القرار المطعون فيه لصدوره من وزير الخارجية المصري بصفته قائماً بأعمال أمين عام الجامعة والمنظمات التابعة بتاريخ 26/ 8/ 1990 أي بعد عودة مقر الجامعة إلى القاهرة وتشكيل لجنة خاصة لبحث شئون العاملين بالجامعة، فيكون هذا القرار بمثابة العقبة المادية التي يتعين إزالتها، وإذ ترتب على هذا القرار غير المشروع حرمان المدعي من مرتبه فيمن ثم تتوافر أركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بما يكون معه طلب التعويض قائماً على سببه القانوني المبرر له، وقد قدرت المحكمة التعويض المستحق للمدعي بما يعادل مرتبه الأصلي خلال فترة إبعاده عن العمل نتيجة للقرار المطعون فيه دون غيره من البدلات أو التعويضات الأخرى والتي ترتبط بالأداء الفعلي للعمل ولمواجهة متطلباته، وعلى أن يخصم من التعويض المحكوم به ما يكون قد صرف للمدعي من تعويضات ومكافأة نهاية الخدمة والمنصوص عليها بالقرار المطعون فيه.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الجهة الإدارية، فقد أقامت الطعن رقم 5977 لسنة 42 ق. ع استناداً إلى أن القرار رقم 34 لسنة 1990 المتضمن إنهاء خدمة المطعون ضده صدر من وزير الخارجية المصري لا بصفته وزيراً للخارجية وإنما بصفته عضواً باللجنة المشكلة بقرار مجلس جامعة الدول العربية وبالتالي فلا يختص القضاء المصري بفحص مشروعيته كما أن الدعوى تكون - للسبب المشار إليه - مرفوعة على غير ذي صفة، بالإضافة إلى أن القرار المطعون فيه صدر في إطار علاقة مصر ومنظمة دولية أي أنه يتعلق بعمل من أعمال السيادة التي تخرج عن مجال الرقابة القضائية لمحاكم مجلس الدولة، وبالتالي فإنه لا يجوز مطالبة وزير الخارجية بصفته بأية حقوق مترتبة على القرار المطعون فيه خاصة أن هذا القرار لم يرتب ضرراً للمطعون ضده لأنه حتى ولو لم يصدر هذا القرار فإنه ما كان يجوز للسلطة الوطنية الاستمرار في أداء مرتبه بعد أن زالت ولايتها بالنسبة لشئون الجامعة كما تنتفي علاقة السببية بين الضرر إن وجد وبين القرار المطعون فيه.
ويقوم الطعن رقم 6077 لسنة 42 ق. ع على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي فهم وقائع الدعوى، لأنه وقد تبين عدم مشروعية القرار المطعون فيه وانعدامه فقد كان يتعين الحكم للمدعي بتعويضين الأول يتعلق بفروق مرتبه عن المدة من تاريخ إنهاء خدمته حتى سن خروجه على المعاش والثاني عن إنهاء خدمته تعسفياً بقرار معيب، وقد خلط الحكم المطعون فيه بين الطلبين واعتبرهما طلباً واحداً دون سند من القانون.
ومن حيث إنه عن اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعة الماثلة، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن القرارات الصادرة بشأن العاملين بجامعة الدولة العربية ومنظماتها بالقاهرة منذ تجميد عضوية مصر بها في مؤتمر بغداد عام 1979 وحتى تاريخ إعادة الجامعة إلى مقرها بالقاهرة تعتبر قرارات صادرة من سلطة وطنية طبقاً للتشريعات المصرية ومن ثم فإن الاختصاص بنظر المنازعات التي تثور بشأنها ينعقد لمحاكم مجلس الدولة، كما يكون لوزير الخارجية المصري صفة أصلية في هذه المنازعات باعتبار أنه مصدر هذه القرارات ومن ضمنها القرار موضوع المنازعات رقم 34 لسنة 1990.
ومن حيث إن المنازعة تنحصر - وفقاً للطلبات الواردة في الطعنين الماثلين في مدى جواز تعويض المدعي عن قرار وزير الخارجية رقم 34 لسنة 1990 وفي مقدار هذا التعويض.
ومن حيث إن مناط مسئولية السلطة الإدارية عن القرارات التي تصدرها هو توافر ركن الخطأ في القرار وأن يترتب على ذلك ضرر محدد، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
وإذ لم يتبين للمحكمة أن ثمة أضراراً محددة قد لحقت بالطاعن في الطعن رقم 6077 لسنة 42 ق. ع (المطعون ضده في الطعن رقم 5977 لسنة 42 ق. ع) نتيجة صدور القرار رقم 34 لسنة 1990، ذلك لأنه منذ عودة الجامعة العربية إلى مقرها في القاهرة وإلغاء تعليق عضوية مصر بها وما يترتب على ذلك من إنهاء للوضع الاستثنائي الذي واجهته الدولة سواء بقرارات وبتشريعات فإن مظلة الحماية الوطنية التي أضفتها الدولة على العاملين بجامعة الدول العربية والمنظمات التابعة لها بالقاهرة تكون قد انتهت، وبالتالي فإنه حتى ولو لم يصدر القرار المطعون فيه رقم 34 لسنة 1990 فإنه ما كان للسلطة الوطنية أن تستمر في أداء مرتبات أو حقوق وظيفية لهؤلاء بعد أن زالت ولايتها عنهم منذ إعلان عودة الجامعة العربية إلى مقرها بالقاهرة وإنهاء تعليق عضوية مصر بها، خاصة أنه بذلك الإعلان زالت أيضاً ولاية وزير الخارجية بالنسبة لأموال الجامعة التي كان متحفظاً عليها ولم يعد له سلطة التصرف بشأنها الأمر الذي يؤكد أن القرار المطعون فيه لم يكن حائلاً دون وصول هؤلاء إلى مراكزهم أو حقوقهم القانونية قبل الجامعة وذلك لانعدام القوة التنفيذية لهذا القرار في مواجهة جامعة الدول العربية والتي يتعين عليها ألا تقف طويلاً أمام صدور القرار المطعون فيه بعد أن زالت ولاية مصدره بالنسبة لأي شأن من شئونها.
ومن حيث إنه ولما تقدم فإن علاقة السببية، بين ما زعمه المدعي من وجود أضرار لحقت به وبين صدور القرار المطعون فيه، تكون منتفية، إذ أنه فضلاً عما سلف إيضاحه من أن هذا القرار وبحكم صدوره من سلطة وطنية هي أجنبية بالنسبة لجامعة الدول العربية ومنظماتها، فإنه ما كان يحول دون حصول المدعي على حقوقه التي صدرت بها قرارات من الجامعة تنظم أوضاع من انتهت خدمته بها إذ أنه يستمد هذه الحقوق طبقاً لمركزه السابق وذلك وفقاً للتنظيمات الصادرة من الجامعة.
وبناء على ما تقدم يكون طلب التعويض عن القرار رقم 34 لسنة 1990 غير قائم على أساس من صحيح حكم القانون الأمر الذي يتعين معه القضاء برفضه.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وقضى في البند رابعاً بقبول طلب التعويض شكلاً وفي الموضوع بأحقية المدعي في تعويض يعادل مرتبه الأصلي على النحو الموضح بالأسباب وبإلزام الجهة الإدارية المصروفات، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله الأمر الذي يتعين القضاء بتعديله ليكون بقبول طلب التعويض شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به في البند "رابعاً" ليكون بقبول طلب التعويض شكلاً ورفضه موضوعاً، وألزمت المدعي المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق