الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 يناير 2025

الطعن رقم 20 لسنة 43 ق دستورية عليا " تنازع " جلسة 4 / 1 / 2025

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع مــــن يناير سنة 2025م، الموافق الرابع من رجب سنة 1446هـ.
أصدرت الحكم الآتي
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 20 لسنة 43 قضائية تنازع
المقامة من
شركة النيل العامة للإنشاء والطرق
ضد
1- محمد عبد اللاه علي يوسف
2- وزيــــر النقــــل
3- رئيس مجلس الــوزراء
----------------
" الإجراءات "
بتاريخ العشرين من يونيه سنة 2021، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بتعيين جهة القضاء المختصة بنظر النزاع المعروض على كل من محكمة القضاء الإداري، في الدعوى رقم 31839 لسنة 65 قضائية، ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية، في الدعوى رقم 7015 لسنة 2010 مدني كلي.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وقدم المدعى عليه الأول مذكرة، طلب فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
وبموجب صحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 30/ 10/ 2023، تم تصحيح اسم الشركة المدعية من شركة النيل العامة لإنشاء الطرق إلى شركة النيل العامة للإنشاء والطرق، ويمثلها العضو المنتدب التنفيذي بها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 14/ 5/ 2022، وقررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير، فأودعت الهيئة تقريرًا تكميليًّا برأيها، وأُعيد نظر الدعوى بجلسة 9/ 11/ 2024، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أنه بموجب عقد مقاولة من الباطن، مؤرخ 16/ 1/ 2008، أسندت الشركة المدعية إلى المدعى عليه الأول تنفيذ أعمال المقاولة المبينة بذلك العقد، نظير مبلغ مقداره مليونان وستمائة وخمسة وتسعون ألف جنيه، على أن يتم الانتهاء من تنفيذ الأعمال في مدة مقدارها أحد عشر شهرًا من تاريخ تسلمه الموقع. وإزاء تراخيه في تنفيذ بعض الأعمال، قامت الشركة باستكمالها من خلال مقاولين آخرين، مع تحميله فروق الأسعار الناتجة عن ذلك؛ خصمًــا من مستحقاته لديها، فأقام أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 5372 لسنة 2010 مدني كلي، ضد الشركة المدعية والمدعى عليه الثاني، طالبًــا الحكم بإلزامهما، على سبيل التضامم، بأن يؤديا إليه مبلغًا مقداره (875812) جنيهًــا، تمثل مستحقاته المالية عن عقد المقاولة المشار إليه، ومستحقات مالية عن عقود مقاولات أخرى. وحال نظر الدعوى، وجهت له الشركة طلبًــا عارضًــا بإلزامه بأن يؤدى إليها تعويضًــا عن فروق الأسعار التي تكبدتها جراء استكمال أعمال المقاولة التي لم ينفذها. وبجلسة 27/ 2/ 2011، قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّــا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طعنت الشركة على الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة مأمورية شمال بالاستئناف رقم 13464 لسنة 23 قضائية. وبجلسة 24/ 9/ 2020، قضت المحكمة بسقوط الحق في الاستئناف، وقيدت الدعوى المحالة لدى الدائرة الثامنة - عقود، بمحكمة القضاء الإداري برقم 31839 لسنة 65 قضائية. وبجلسة 8/ 12/ 2015، أصدرت حكمًا تمهيديًّا بندب خبير في الدعوى، باشر المأمورية المنوطة به، وأودع تقريره عنها. وبجلسة 19/ 8/ 2021، حكمت المحكمة بوقف الدعوى تعليقًــا لحين الفصل في دعوى التنازع المعروضة.
ومن جهة أخرى، أقامت الشركة المدعية أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 7015 لسنة 2010 مدني كلي، ضد المدعى عليه الأول، طالبة الحكم بإلزامه بأن يؤدى إليها تعويضًــا عن فروق الأسعار التي تكبدتها جراء استكمال أعمال المقاولة التي لم ينفذها بمعرفة مقاولين آخرين. وقد أصدرت تلك المحكمة حكمين تمهيديين بندب خبير في الدعوى، باشر كل منهما المأمورية المنوطة به، وأودع تقريره عنها. وبجلسة 30/ 1/ 2020، حكمت المحكمة بوقف الدعوى تعليقًا لحين صدور حكم نهائي من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 31839 لسنة 65 قضائية.
وإذ تراءى للشركة المدعية أن ثمة تنازعًا إيجابيًّا على الاختصاص بنظر النزاع المردد بينها وبين المدعى عليه الأول، المعروض على محكمتي القضاء الإداري وشمال القاهرة الابتدائية في الدعويين السالفتي الذكر، فقد أقامت الدعوى المعروضة، طالبة تعيين جهة القضاء المختصة بنظره.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليهما الثاني والثالث، فمردود بالنسبة للمدعى عليه الثاني - وزير النقل - بأن المدعى عليه الأول اختصمه في الدعوى رقم 5372 لسنة 2010 مدني كلي شمال القاهرة، التي آل قيدها أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، برقم 31839 لسنة 65 قضائية، للحكم بإلزامه على سبيل التضامم مع الشركة المدعية في الدعوى المعروضة، بأن يؤديا إليه المبلغ المبين بصحيفة تلك الدعوى. أما بشأن المدعى عليه الثالث - رئيس مجلس الوزراء - فالدفع سديد؛ لأنه لم يكن من بين أطراف النزاع الموضوعي في أي من الدعويين.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول دعوى تنازع الاختصاص، وفقًــا لنص البند ثانيًا من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تُطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء، أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، ولا تتخلى إحداهما عن نظرها، أو تتخلى كلتاهما عنها. وشرط انطباقه بالنسبة للتنازع الإيجابي أن تكون الخصومة قائمة في وقت واحد أمام الجهتين المتنازعتين، وأن تكون كل منهما قد تمسكت باختصاصها بنظرها عند رفع الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا، مما يبرر الالتجاء إلى هذه المحكمة لتعيين الجهة المختصة بنظرها والفصل فيها، وهو ما حدا بالمشرع إلى النص في الفقرة الثالثة من المادة (31) من قانون هذه المحكمة على أنه ويترتب على تقديم الطلب وقف الدعاوى القائمة المتعلقة به حتى الفصل فيه، بما مؤداه أن دعوى تنازع الاختصاص يتحدد وضعها أمام المحكمة الدستورية العليا بالحالة التي تكون عليها الخصومة أمام كل من جهتي القضاء المدعى بتنازعهما على الاختصاص في تاريخ تقديم طلب تعيين جهة القضاء المختصة إلى هذه المحكمة، وأن يثبت أن مسألة الاختصاص - حتى هذا التاريخ - قد طُرحت عليهما، وأن كلتيهما قد تمسكت تمسكًــا جازمًــا باختصاصها في الدعوى المطروحة عليها.
وحيث إن النزاع الموضوعي المردد أمام محكمة القضاء الإداري الدائرة الثامنة - عقود، في الدعوى رقم 31839 لسنة 65 قضائية، وأمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، في الدعوى رقم 7015 لسنة 2010 مدني كلي، تدور رحاه بين الشركة المدعية في الدعوى المعروضة، والمدعى عليه الأول، حول مدى أحقية كل منهما في مطالبة الآخر بالمبالغ المالية المبينة بصحيفة دعواه، جراء ما يدعيه من إخلال بالالتزامات الناشئة عن عقد المقاولة من الباطن المؤرخ 16/ 1/ 2008، ومؤدى ذلك ولازمه تعامد الدعويين الموضوعيتين على محل واحد، وقد اجتازت الدعوى المعروضة على القضاء الإداري مرحلة التحضير أمام هيئة مفوضي الدولة، بإيداعها تقريرًا بالرأي فيها، ومن ثم تعتبر المنازعة معروضة على محكمة القضاء الإداري مهيأة للفصل فيها، وفقًا لنصوص المواد (27 و28 و29) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972، وقد سعت تلك المحكمة للوقوف على مدى وجه الحق في الدعوى، بندب خبير فيها بجلسة 8/ 12/ 2015، باشر المأمورية وأودع تقريرًا عنها، إلى أن حكمت بجلسة 19/ 8/ 2021، بوقف الدعوى تعليقًا لحين الفصل في دعوى التنازع المعروضة. وعلى النهج ذاته، قامت محكمة شمال القاهرة الابتدائية، في سعيها لبلوغ وجه الحق في الدعوى المقيدة برقم 7015 لسنة 2010 مدني كلي، بإصدار حكمين تمهيديين فيها، بجلستي 25/ 11/ 2010 و28/ 1/ 2016، بندب خبير في الدعوى، إلى أن قضت بجلسة 30/ 1/ 2020، بوقف الدعوى تعليقًا لحين الفصل بحكم نهائي في الدعوى المعروضة على محكمة القضاء الإداري. ومؤدى ذلك ولازمه أن كلًّا من محكمة القضاء الإداري ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية قد تمسكت باختصاصها بنظر الدعوى المعروضة عليها، ومضت في نظرها، متجاوزة بذلك مسألة الاختصاص، كونه مسألة قانونية تتعلق بالنظام العام، يُعد بحثها من المسائل الأولية التي يتعين التصدي لها ابتداء قبل البحث في الشروط الشكلية لقبول الدعوى، وبحث موضوعها؛ لاتصاله بولاية الجهة القضائية المنظور أمامها الدعوى، الأمر الذي يتحقق معه مناط الفصل في دعوى التنازع المعروضة، وفقًا لنص البند ثانيًا من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إن تعيين الجهة القضائية المختصة بنظر النزاع في أحوال تنازع الاختصاص - إيجابيًّا كان أم سلبيًّا - إنما يتم وفقًا للقواعد التي أوردها الدستور لتوزيع الاختصاص بين الجهات القضائية المختلفة، تحديدًا لولاية كل منها.
وحيث إن النزاع الموضوعي الذي ثار بشأنه التنازع الإيجابي على الاختصاص بين جهتي القضاء الإداري والقضاء العادي، يتوقف أساسًا على الطبيعة القانونية لعقد المقاولة من الباطن المؤرخ 16/ 1/ 2008، المبرم بين الشركة المدعية والمدعى عليه الأول في الدعوى المعروضة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن العقد لا يعتبر إداريًّا ما لم يكن أحد طرفيه شخصًا من أشخاص القانون العام، وكان - في موضوعه - متصلًا بتسيير أو بتنظيم أو تطوير مرفق عام، ومتضمنًا شروطًا استثنائية تخرج بطبيعتها عن تلك التي ألفها الأفراد فيما يدخلون فيه من عقود القانون الخاص، فلا يكون إيراد هذه الشروط في العقد إلا تعبيرًا عن خصائص السلطة العامة، وانتهاجًا لوسائل القانون العام، التي لا تتكافأ بها في العقود مصالح أطرافها، بل تكون المصلحة العامة موطئها وغايتها، وبها ترجح الحقوق التي تقارنها أو تتصل بها على ما دونها.
وحيث إن الأصل في العقود هو بطبيعتها المدنية، التي لا يجوز الخروج عليها إلا في الأحوال الاستثنائية التي تفصح الإدارة فيها عن نيتها في انتهاج وسائل القانون العام في شأن العقود التي تبرمها، وعلى الأخص من خلال امتيازاتها التي تباشرها قبل المتعاقد معها، أو عن طريق تخويلها هذا المتعاقد جانبًا من سلطاتها لاستخدامها في تسيير وتنظيم المرافق العامة، التي كان ينبغي أن تقوم أصلًا عليها.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن عقد المقاولة من الباطن المؤرخ 16/ 1/ 2008، محور النزاع الموضوعي، قد أُبرم بين المدعى عليه الأول وبين الشركة المدعية، وهي إحدى شركات القطاع العام التابعة للشركة القابضة لمشروعات الطرق والكباري والنقل البري، وفقًا لنص المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 274 لسنة 2002 بإنشاء شركات في مجال الطرق والكباري والنقل البري. وكان من المقرر أن شركات القطاع العام لا تعتبر من أشخاص القانون العام، بل تظل رغم ملكية الدولة لها شخصًا من أشخاص القانون الخاص، فإن مقتضى ذلك اعتبار عقد المقاولة المشار إليه من العقود المدنية التي يحكمها القانون الخاص، ومن ثمَّ فإن المنازعة في شأن الحقوق والالتزامات المترتبة عليه تدخل في اختصاص القضاء العادي، صاحب الولاية العامة طبقًا لنص المادة (188) من الدستور والمادة (15) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم انطواء عقد المقاولة المشار إليه على بعض الشروط الاستثنائية غير المألوفة في روابط القانون الخاص، ذلك أنه بفرض توافر هذه الشروط فإنها لا تنهض وحدها سندًا لاعتبار العقد من العقود الإدارية، متى ثبت تخلف الشرط الأول لذلك، وهو أن يكون أحد طرفيه شخصًا من أشخاص القانون العام.
وحيث كان ما تقدم، فإنه يتعين الحكم باختصاص محكمة شمال القاهرة الابتدائية، التابعة لجهة القضاء العادي، بنظر النزاع المردد بين الشركة المدعية والمدعى عليه الأول، دون أن ينال من ذلك سبق صدور حكم - صار نهائيًّا - من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى رقم 5372 لسنة 2010 مدني كلي، وإحالتها لمحكمة القضاء الإداري بالقاهرة؛ ذلك أن المادة (192) من الدستور، والبند ثانيًا من المادة (25) من قانون هذه المحكمة المشار إليه، قد ناطا بالمحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، الفصل في تنازع الاختصاص، وتعيين الجهة القضائية المختصة بنظر النزاع، ومقتضى ذلك أن الحكم الصادر منها بتعيين جهة القضاء العادي مختصة بنظر النزاع، مؤداه إسباغ الولاية على محكمة شمال القاهرة الابتدائية، من جديد، بحيث تلتزم بنظر الدعوى، غير مقيدة بقضائها السابق في هذا الشأن ولو صار نهائيًّا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة باختصاص جهة القضاء العادي بنظر الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق