الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 يناير 2025

الطعن رقم 39 لسنة 45 ق دستورية عليا " تنازع " جلسة 4 / 1 / 2025

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع مـن يناير سنة 2025م، الموافق الرابع من رجب سنة 1446هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 45 قضائية تنازع

المقامة من
شركة كليوباترا جروب للتنمية المتكاملة والاستثمار السياحي
ضد
شركة موفنبيك لإدارة الفنادق والمنتجعات (مصر)

--------------------

" الإجراءات "

بتاريخ الثلاثين من ديسمبر سنة 2023، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية بباريس، بتاريخ 15/ 4/ 2013، في الدعوى التحكيميـــة رقم 17185/ FM/ JHN/ GFG، المودع بمحكمة استئناف القاهرة، بجدول التحكيم التجاري، بموجب محضر إيداع رقم 16 لسنة 139 قضائية، والمذيل بالصيغة التنفيذية بموجب الأمر الوقتي رقم 37 لسنة 139 قضائية، لحين الفصل في موضوع هذه الدعوى، وفي الموضوع، أصليًا: بعدم الاعتداد بالحكم المار بيانه، والاعتداد بالأحكام الصادر أولها من محكمة استئناف قنا بجلسة 26/ 8/ 2012، في الاستئناف رقم 38 لسنة 31 قضائية، والصادر ثانيها من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 27/ 11/ 2012، في التظلم رقم 23 لسنة 129 قضائية، بإنهاء إجراءات التحكيم، والصادر ثالثها من محكمة النقض بجلسة 24/ 12/ 2015، في الطعنين رقمي 1491 و1497 لسنة 83 قضائية، واحتياطيًّا: بعدم الاعتداد بحكم التحكيم المار ذكره، والاعتداد بأيٍ من الأحكام الثلاثة المشار إليها.
وقدمـت الشركة المدعى عليها مذكـرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبتاريخي 16 و17/ 9/ 2024، قدمت الشركة المدعية طلبين، التمست فيهما وقف تنفيذ حكم هيئة التحكيم مار الذكر، وأرفقت بثانيهما حافظة مستندات طويت على إفادات بشأن العزم على تنفيذ الحكم ذاته.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت الشركة المدعية مذكرة، صممت فيها على طلباتها، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
--------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن الشركة المدعية تعاقدت مع الشركة المدعى عليها، بموجب العقد المؤرخ 28/ 6/ 2007، على إدارة الفندق المملوك للأولى بمنطقة هضبة أم السيد بشرم الشيخ ــــ محافظة جنوب سيناء، واتفقتا في البند رقم (20) من العقد على أن تُحَلَّ المنازعات بينهما، حال إخفاقهما في الحل الودي أو عن طريق وسيط، بطريق التحكيم، وفقًا لقواعد التوفيق والتحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس، على أن يُحتكم إلى قواعد القانون المصري في موضوع النزاع، وأن يكون التحكيم بالقاهرة، وأن تكون لغة التحكيم هي اللغة الإنجليزية. وإذ شجر خلاف بين الشركتين، فقد أودعت الشركة المدعى عليها بتاريخ 8/ 6/ 2010 طلب تحكيم لــــدى محكمة التحكيم بغرفــــة التجــــارة الدوليــــة (ICC). وبتاريــــخ 30/ 11/ 2010، اجتمعت هيئة التحكيم مع طرفي الطلب، واتفق الطرفان على الشروط المرجعية الخاصة بالتحكيم ووقعا عليها، كما اتفقا على أوجه الإجراءات الخاصة بهذه الدعوى، بما في ذلك جدول زمني أولي لهذه الإجراءات. وبجلسة 15/ 4/ 2013، قضت هيئة التحكيم بإلزام الشركة المدعية بأن تدفع للشركة المدعى عليها المبالغ المبينة بحكمها وفوائدها، اعتبارًا من أول أبريل سنة 2012 حتى تمام الســــداد، بمعــــدل 5٪، وإنهــــاء اتفاقيــــة الإدارة، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
ومن جهة أخرى، أقامت الشركة المدعية أمام محكمة البحر الأحمر الابتدائية الدعوى رقم 207 لسنة 2011 مدني كلي ضد الشركة المدعى عليها، بطلب الحكم بإلزامها بتقديم خطاب منسوب صدوره إلى أحد خبراء الدعوى التحكيمية، إلا أن الشركة المدعى عليها أمسكت عن تقديمه، فقضت المحكمة بجلسة 22/ 1/ 2012، برد وبطلان المستند السالف البيان. طعنت الشركة المدعى عليها على ذلك الحكم أمام محكمة استئناف قنا بالاستئناف رقم 38 لسنة 31 قضائية، التي قضت بجلسة 26/ 8/ 2012، بتعديل الحكم المستأنف، والقضاء بإنهاء الدعوى المستأنف حكمها. وفي أثناء نظر دعوى التحكيم، تقدمت الشركة المدعية بطلب على عريضة إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة قُيَّد برقم 15 لسنة 129 قضائية، ليصدر أمرًا بإنهاء إجراءات التحكيم في الدعوى التحكيمية الفائت بيانها، وقابلت الشركة المدعى عليها ذلك الإجراء بأن تقدمت إلى الجهة ذاتها بطلب استصدار أمر على عريضة، قُيَّد برقم 20 لسنة 129 قضائية، للاستمرار في إجراءات التحكيم. وبعد ضم الأمرين للارتباط، أصدر رئيس محكمة الاستئناف بتاريخ 25/ 6/ 2012، قراره باستمرار إجراءات التحكيم إلى موعد غايته 31/ 10/ 2012، على أن يكون هذا التاريخ آخر أجل للفصل في النزاع التحكيمي. تظلمت الشركة المدعى عليها من الأمر أمام محكمة استئناف القاهرة، وقُيَّد تظلمها برقم 23 لسنة 129 قضائية. وبجلسة 27/ 11/ 2012، قضت المحكمة برفض التظلم، وبإنهاء إجراءات التحكيم في الدعوى التحكيمية. طعنت الشركة المدعى عليها على ذلك الحكم أمام محكمة النقض بالطعنين رقمي 1491 و1497 لسنة 83 قضائية، التي قضت بجلسة 24/ 12/ 2015، في الطعن الأول بنقض الحكم المطعون فيه، وفي موضوع الطلبين رقمي 15 و20 لسنة 129 قضائية استئناف القاهرة، بإلغاء الأمر الصادر بإنهاء إجراءات التحكيم في الدعوى التحكيمية السالف بيانها، وفي موضوع التظلم رقم 23 لسنة 129 قضائية، بإجابة الشركة المتظلمة إلى طلبها بالاستمرار في إجراءات التحكيم حتى صدور حكم هيئة التحكيم، وقضت في الطعن الثاني برفضه.
وإذ ارتأت الشركة المدعية أن حكم التحكيم قد خالف حجية الحكم الصادر من محكمة استئناف قنا بجلسة 26/ 8/ 2012، في الاستئناف رقم 38 لسنة 31 قضائية، القاضي بإنهاء الدعوى المستأنف حكمها؛ على سند من اعتبار الخطاب المقدم من الخبير المالي المؤرخ 13/ 5/ 2007، غير موجود وغير منتج لأي أثر قانوني، لعدم تقديم أصله، وهو الحكم الذي صار باتًّا بعدم الطعن عليه بالنقض، وإذ استند حكم هيئة التحكيم المشار إليه في قضائه بالإلزام إلى ذلك الخطاب، فإنه يكون قد ناقض حجية هذا الحكم الاستئنافي، بما يستلزم القضاء بعدم الاعتداد به، كما أن حكم التحكيم المار ذكره ناقض حجية حكم محكمة استئناف القاهرة، الصادر بجلسة 27/ 11/ 2012، في التظلم رقم 23 لسنة 129 قضائية، فيما قضى به من إنهاء إجراءات الدعوى التحكيمية، فضلًا عن تناقضه مع حكم محكمة النقض الصادر بجلسة 24/ 12/ 2015، في الطعنين رقمي 1491 و1497 لسنة 83 قضائية، فيما قضى به في أولهما من الاستمرار في نظر الدعوى التحكيمية؛ على سند من أن ذلك القضاء قد ورد على غير محل بعد صدور حكم التحكيم في تاريخ سابق عليه؛ ومن ثم أقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في التناقض بين حكمين نهائيين وفقًا للبند ثالثًا من المادة (25) من قانونها، ليس مقررًا لها بوصفها جهة طعن تفصل فيما يعرض عليها من الطعون خلال ميعاد محدد بقاعدة آمرة لا تجوز مخالفتها؛ ذلك أن النزاع الموضوعي لا ينتقل إليها لتجيل بصرها في العناصر التي قام عليها، واقعية كانت أم قانونية، ولكنها - وأيًّا كانت الأخطاء التي تكون قد نسبت إلى الحكمين المُدعى تناقضهما - لا تفصل في شأن التناقض بينهما إلا على ضوء قواعــد الاختصــاص الولائي التي ضبطها المشرع، ليحدد بهـا لكل هيئـة قضائيـة قسطهـا أو نصيبها من المنازعات التي اختصها بالفصل فيها، حتى لا تنحل الأحكام عدوانًا من إحدى جهات القضاء على الولايــة التي أثبتهـا المشرع لجهة أخرى.
وحيث إنه في شأن ما أثارته الشركة المدعية من تنازل الشركة المدعى عليها عن اللجوء إلى قضاء التحكيم، بإقامتها أمام جهة القضاء العادي الطلب الوقتي رقم 20 لسنة 129 قضائية، وطعنها على القرار الصادر فيه بالتظلم المقيد برقم 23 لسنة 129 قضائية، مما تراءى معه للشركة المدعية زوال ولاية قضاء التحكيم، ومن ثم الاعتداد بأي من الأحكام الصادرة من جهة القضاء العادي، المار بيانها، وذلك عملًا بمفهوم نص المادة (32) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، فإنه مردود بأن لجوء الشركة المدعى عليها إلى جهة القضاء العادي لا يكشف - بحال - عن تخليها عن دعواها التحكيمية؛ إذ استهدفت من إقامة الطلب الوقتي رقم 20 لسنة 129 قضائية الاستمرار في إجراءات التحكيم، مواجهة الطلب الوقتي المقدم من الشركة المدعية المقيد برقم 15 لسنة 129 قضائية، بإنهاء إجراءات الدعوى التحكيمية، وكان تظلمها من القرار الوقتي المقيد برقم 23 لسنة 129 قضائية مبينًا لعزمها على المضي في الدعوى التحكيمية، وكان طعنها بالنقض على الحكم الصادر في التظلم برفضه، ما يؤكد تمسكها بولاية قضاء التحكيم في الفصل في موضوع النزاع محل الأحكام، حدي التناقض، في الدعوى المعروضة؛ مما يكون معه الادعاء بتنازل الشركة المدعى عليها عن ولاية هيئة التحكيم للفصل في موضوع النزاع لا سند له متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إن المادة (46) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 تنص على أنه إذا عرضت خلال إجراءات التحكيم مسألة تخرج عن ولاية هيئة التحكيم أو طعن بالتزوير في ورقة قدمت لها، أو اتخذت إجراءات جنائية عن تزويرها أو عن فعل جنائي آخر جاز لهيئة التحكيم الاستمرار في نظر موضوع النزاع إذا رأت أن الفصل في هذه المسألة أو في تزوير الورقة أو في الفعل الجنائي الآخر ليس لازمًا للفصل في موضوع النزاع وإلا أوقفت الإجراءات حتى يصدر حكم نهائي في هذا الشأن، ويترتب على ذلك وقف سريان الميعاد المحدد لإصدار حكم التحكيم.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التحكيم لا يكون إلا عملًا إراديًّا، وأن الطرفين المتنازعين إذ يبرمان فيما بينهما اتفاق تحكيم، ويركنان برضائهما إليه لحل خلافاتهما، ما كان منها قائمًا عند إبرام هذا الاتفاق أو ما يتولد منها بعده، إنما يتوخيان عرض موضوع محدد من قبلهما على هيئة من المحكمين تتولى بإرادتهما الفصل فيه بما يكفل إنهاء نزاعهما بطريقة ميسرة في إجراءاتها وتكلفتها وزمنها، ليكون التحكيم بذلك نظامًا بديلًا عن القضاء، فلا يجتمعان. يؤيد ذلك أن الآثار التي يرتبها اتفاق التحكيم من نوعين: آثار إيجابية قوامها إنفاذ هذا الاتفاق من خلال عرض المسائل التي يشتمل عليها على محكمين، وأن يبذل الطرفان المتنازعان جهدهما من أجل تعيينهم وتسهيل أدائهم لواجباتهم والامتناع عن عرقلتها، وآثار سلبية جوهرها أن اتفاق التحكيم يعزل جهة القضاء ويمنعها من الفصل في المسائل التي أحيلت إلى المحكمين، استثناءً من أصل خضوعها لولايتها.
وحيث إن البين من الأوراق أن الدعوى التحكيمية، المار بيانها، قد أودعتها الشركة المدعى عليها بتاريخ 8/ 6/ 2010 أمام محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية، بطلب إلزام الشركة المدعية بالمبالغ والتعويضات والفوائد التي رأتها مستحقة لها عن إخلال الشركة المدعية بالتزاماتها بشأن عقد إدارة الفندق السالف الإشارة إليه، وهو النزاع الذي أخضعه طرفاه، بموجب هذا العقد، للفصل فيه بطريق التحكيم، ومضت إجراءات الخصومة فيه باجتماع هيئة التحكيم مع طرفي العقد على النحو السالف البيان، وذلك كله في تاريخ سابق على إقامة الشركة المدعية الدعوى رقم 207 لسنة 2011 مدني كلي البحر الأحمر، في غضون عام 2011، مخاصمة الشركة المدعى عليها، بطلب الحكم بإلزامها بتقديم أصل الخطاب المؤرخ 13/ 5/ 2007، المنسوب صدوره إلى أحد خبراء الدعوى التحكيمية، والحكم برد وبطلان ذلك الخطاب، المحكوم فيها بجلسة 22/ 1/ 2012، للشركة المدعية بطلبها الآنف البيان، والمعدل بحكم محكمة استئناف قنا الصادر بجلسة 26/ 8/ 2012، في الاستئناف رقم 38 لسنة 31 قضائية، وهي الدعوى التي آل القضاء فيها إلى إنهائها، على سند من أن المستند المقدم من الخبير المالي، المار بيانه، غير موجود، وغير منتج لأي أثر قانوني، لعدم تقديم الشركة المدعى عليها أصل هذا المستند.
متى كان ما تقدم، وكانت المحكمة الدستورية العليا لا تفصل في شأن التناقض إلا على ضوء قواعد الاختصاص الولائي التي ضبطها الدستور والقانون، التي يتحدد بها لكل جهة قضائية أو هيئة ذات اختصاص قضائي، قسطها أو نصيبها من المنازعات التي اختصها بالفصل فيها، وكان النزاع المردد أمام هيئة التحكيم تحكمه قواعد التوفيق والتحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس على ما انتهى إليه اتفاق طرفيه، بما يتعين معه إعمال هذه القواعد ما دامت لا تتعارض مع قاعدة إجرائية آمرة في مصر، وكانت هيئة التحكيم لم تر في التعويل على تقرير الخبير المالي السالف البيان مسألة تخرج عن ولايتها في الفصل في النزاع، وأن الفصل في ادعاء الشركة المدعية بتزوير التقرير المشار إليه ليس لازمًا لإصدار حكم التحكيم، وذلك إعمالاً منها لأحكام المادة (46) من قانون التحكيم السالف البيان، بما مؤداه أن المناعي التي وجهتها الشركة المدعية لحكم هيئة التحكيم بالالتفات عن طلبها بوقف الدعوى التحكيمية لحين الفصل في الادعاء بالتزوير بحكم نهائي يصدر من المحاكم المصرية، لا يعدو أن يكون إلا طعنًا على حكم هيئة التحكيم، لا يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فيه؛ ومن ثم يغدو مضي هيئة التحكيم بالفصل في موضوع النزاع، متفقًا مع قواعد الاختصاص الولائي التي عينها المشرع، ويكون طلب الاعتداد بحكم محكمة استئناف قنا - المكون لأحد حدي التناقض - لا سند له خليقًا بعدم قبوله.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين طبقًا للبند ثالثًا من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا هو أن يكون أحد الحكمين صادرًا من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى، وأن يكونا قد تعامدا على محل واحد، وحسما النزاع في موضوعه، وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا، مما مؤداه أن لكل تناقض مُدعى به حدين متصادمين يتعذر تنفيذهما معًا، فإذا ما آل أمر الادعاء بالتناقض إلى انصرافه إلى حد واحد خرج الفصل فيه عن ولاية هذه المحكمة.
لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم الصادر من محكمة النقض بجلسة 24/ 12/ 2015، في الطعنين رقمي 1491 و1497 لسنة 83 قضائية، بنقض حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر بجلسة 27/ 11/ 2012، في التظلم رقم 23 لسنة 129 قضائية، بإنهاء إجراءات التحكيم، وفي موضوع التظلم بالاستمرار في إجراءات الدعوى التحكيمية، أنه عوَّل في قضائه على أن القواعد الوارد ذكرها في المادة (24) من قواعد التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس (ICC) سالفة البيان -والتي تقابلها المادة (30) من قواعد غرفة التجارة الدولية الحالية- باعتبارها الواجبة الإعمال على إجراءات الدعوى التحكيمية محل التداعي، والتي بمقتضاها تمنح هيئة التحكيم سلطة تقدير المدة اللازمة لإصدار حكمها فيها وفقًا لظروف كل دعوى والطلبات فيها، كما أجازت للمحكمة تمديد أجل التحكيم بناء على طلب مسبب من هيئة التحكيم أو من تلقاء نفسها إذا قررت أن ذلك ضروري، مما مؤداه أن طرفي التحكيم قد حددا بإرادتهما القانون الواجب التطبيق على التحكيم القائم بينهما، وهى قواعد التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس (ICC)، كما اتجهت إرادتهما إلى تفويض هيئة التحكيم بشأن تمديد أجل التحكيم، ومن ثم فإن ذلك الحكم قد حسم بأسبابه المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمنطوقه عدم حيازة الأمر الوقتي الصادر في التظلم رقم 23 لسنة 129 قضائية، بإنهاء إجراءات التحكيم الحجية أمام هيئة التحكيم؛ ومن ثم يضحى أمر الادعاء بالتناقض بين حكم التحكيم والحكم الصادر في ذلك التظلم منصرفًا إلى حد واحد هو الحكم الأول بعدما تم نقض الحكم الأخير، إعمالًا لنص المادة (271) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، ولا يجوز -كذلك- التحدي بوقوع تناقض بين الحكم الصادر في الدعوى التحكيمية، والحكم الصادر في الطعنين بالنقض المار ذكرهما، بعدما أقرت محكمة النقض صحة إجراءات الدعوى التحكيمية، والذي أعمل فيه قضاء النقض القواعد الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس، بشأن تحديد مدة البت في الدعوى التحكيمية على ما سلف بيانه، وإذ وافق حكم التحكيم حجية الحكم الناقض في منطوقه وأسبابه، فإن قالة تناقضه معه تكون على غير أساس؛ ومن ثم تكون الدعوى برمتها مفتقدة لمناط قبولها.
وحيث إنه عن الطلب العاجل بوقف التنفيذ، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن طلب وقف تنفيذ أحد الأحكام المتناقضة، أو أيٍ منها يُعدُّ فرعًا من أصل النزاع حول فض التناقض بينها، وإذ انتهت المحكمة -فيما تقدم- إلى عدم قبول الدعوى المعروضة؛ فإن مباشرة رئيس المحكمة الدستورية العليا اختصاص البت في هذا الطلب، وفقًا لنص المادة (32) من قانونها المشار إليه، يكون قد صار غير ذي موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق