الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 يناير 2025

الطعن 2364 لسنة 40 ق جلسة 26 / 12 / 1995 إدارية عليا مكتب فني 41 ج 1 ق 23 ص 187

جلسة 26 من ديسمبر سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: د. محمد عبد السلام مخلص، و. د. حمدي محمد أمين الوكيل، والصغير محمد محمود بدران، ومحمد إبراهيم قشطه - نواب رئيس مجلس الدولة.

-------------------

(23)

الطعن رقم 2364 لسنة 40 القضائية

جامعة الدول العربية - موظفي الجامعة - تسوية أوضاعهم.
القانون رقم 107 لسنة 1980 بالتحفظ على أموال جامعة الدول العربية ومنظماتها.
قرارات جمهورية مصر العربية بعدم الاعتداد بقرارات مؤتمري بغداد 1979 - قرار رئيس الجمهورية رقم 533 لسنة 1980 بإنشاء الجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب العربية والإسلامية - وزير خارجية جمهورية مصر العربية يتولى الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام للجامعة العربية - عودة مقر الجامعة العربية إلى القاهرة في سبتمبر 1990 - تسوية أوضاع موظفي الجامعة بعد عودة الجامعة إلى القاهرة - اختصاص محكمة القضاء الإداري بالقرارات الصادرة من الجامعة في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية - وزير الخارجية المصري هو صاحب الصفة في الدعوى - القرارات الصادرة بصرف مكافآت نهاية الخدمة والتعويضات الأخرى المرتبطة بها - حجية الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية بعدم اختصاصها في هذا الشأن. تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 9/ 5/ 1994 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعن بصفته تقرير الطعن الماثل قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا طعناً في حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 28/ 3/ 1994 في الدعوى رقم 9006 لسنة 46 ق والذي قضى: أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، ثانياً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليه، ثالثاً: بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعي وما يترتب على ذلك من آثار وأحقية المدعي في تعويض يعادل مرتبه الأصلي على النحو الوارد بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن، للأسباب الواردة بصحيفة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه والقضاء أولاً وأصلياً بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الخارجية بصفته، ومن باب الاحتياط الكلي برفض الدعوى بطلباتها إلغاءً وتعويضاً مع إلزام رافعها المصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وقد تم إعلان المطعون ضده بعريضة الطعن على النحو المبين بالأوراق.
كما تم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة موضوع وحددت لنظره أمامها جلسة 2/ 5/ 1995 وتدوول الطعن أمام المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن تقرر إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضده في الطعن الماثل قد أقام الدعوى رقم 9006 لسنة 46 أمام محكمة القضاء الإداري - دائرة الجزاءات - وذلك بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 27/ 9/ 1992 طالباً في ختامها الحكم أولاً: وبصفة أصلية إلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمته، ثانياً: بإلزام المدعى عليه بأن يؤدي له تعويضاً عما أصابه من ضرر بسبب القرار المطعون فيه بالإضافة إلى تعويض يعادل الفروق المالية المستحقة قانوناً المترتبة على تسوية أوضاعه الوظيفية طبقاً للنظام الأساسي الموحد لموظفي الجامعة العربية، وبصفة احتياطية بإلزام المدعى عليه بأن يؤدي له تعويضاً كاملاً يجبر ما أصابه من أضرار بسبب القرار الطعين وإلزام المدعى عليه المصروفات. وقال شرحاً لدعواه أنه يعمل بمركز التنمية الصناعية للدول العربية وهو من المراكز التابعة لجامعة الدول العربية واستمر يعمل بهذا المركز حتى بعد تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية الذي رفضته حكومة مصر وأعلنت أمين عام الجامعة بأنها سوف تعمل على رعاية مصالح العاملين بالجامعة وبينهم المدعي وحفظ حقوقهم، إلا أنه رغم ذلك أصدر المدعى عليه الأول القرار المطعون عليه رقم 34 لسنة 1990 الصادر بتاريخ 30/ 8/ 1990 بإنهاء خدمة المدعي وآخرين، وأنه قد تظلم من القرار المشار إليه بتاريخ 25/ 9/ 1990 إلا أنه لم يتلق رداً على تظلمه. وقد نعى المدعي على القرار المطعون فيه بأنه صدر مخالفاً لأحكام القانون فهو قد صدر استناداً إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 21 لسنة 1983 الذي ناط بوزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة لأمين عام الجامعة ولأمناء الرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المختصة في نطاق جامعة الدول العربية وليس من بين هذه الاختصاصات سلطة إنهاء خدمة موظفي الجامعة وعلى ذلك فإن وزير الخارجية بإصداره قرار إنهاء خدمة المدعي يكون قد تجاوز حدود التفويض المخول له بموجب قرار رئيس الجمهورية المشار إليه، لما كان قرار رئيس الجمهورية رقم 21 لسنة 1983 الصادر استناداً إليه القرار المطعون فيه هو بدوره استند إلى القانون رقم 103 لسنة 1980 الخاص بتفويض رئيس الجمهورية إصدار قرارات لها قوة القانون بشأن تأمين اقتصاديات البلاد، وعلى ذلك فإن قيام رئيس الجمهورية بتفويض وزير الخارجية بموجب القرار رقم 21 لسنة 1983 بالاختصاصات المشار إليها لا تبرر لوزير الخارجية إصدار قرارات بإنهاء خدمة موظفي الجامعة فلا صلة بين ذلك وتأمين اقتصاديات البلاد بالإضافة إلى ما تقدم فإن القرار المطعون فيه لم يكن له أي سبب يبرره من النظام الأساسي لموظفي جامعة الدول العربية الذي حدد أسباب انتهاء الخدمة على سبيل الحصر وهي تتمثل في الآتي:
1 - إذا اقتضى صالح العمل إلغاء الوظيفة أو تخفيض عدد الموظفين أو إذا كان الموظف عاجزاًً لأسباب صحية عن الاستمرار في الخدمة.
2 - إذا دل سلوك الموظف ونشاطه على أنه لا يرقى إلى مستوى الصفات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية من النظام أو إذا ثبت أن خدمات الموظف غير مرضيه وفقاً للمعايير المطلوبة أو إذا انكشفت وقائع سابقة على تعيين الموظف كانت توجب أصلاً منع التعيين.
وأضاف المدعي أن القرار المطعون فيه قد حرم المدعي من تسوية معاشه على أساس الدرجات والمرتبات التي يستحقها قانوناً أسوة بزملائه في مقر الجامعة بتونس وكذلك حرمانه من التعويضات المجزية والمكافآت المستحقة له طبقاً للقواعد التي قررها مجلس الجامعة.
واستطرد المدعي قائلاً أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية استناداً إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 21 لسنة 1983 الذي لم يصدر من سلطة من سلطات الجامعة وبالتالي فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر من سلطة وطنية وعلى ذلك يكون القضاء الوطني ومن ثم القضاء الإداري هو المختص بنظر الطعن عليه.
وبجلسة 28/ 3/ 1994 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه، وأسست المحكمة قضاءها برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى تأسيساً على أن المدعي كان يعمل بإحدى المراكز التطبيقية لجامعة الدول العربية وأنه عقب إبرام حكومة جمهورية مصر العربية اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام عقد مؤتمر بغداد في مارس سنة 1979 وفيه اتخذت الدول العربية المجتمعة عدة قرارات من بينها تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة وجميع المنظمات والمكاتب التابعة لها من القاهرة إلى تونس، وتبع ذلك أن العاملين بجامعة الدول العربية ومنظماتها من غير المصريين نقلوا تبعاً لذلك، أما بعض العاملين بالجامعة ممن يحملون جنسية جمهورية مصر العربية ومنهم المدعي فقد آثر البقاء في القاهرة ورفض الانتقال إلى مقر الجامعة الجديد في تونس واستمر يباشر أعماله بالقاهرة، وبتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1980 أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 533 لسنة 1980 بإنشاء الجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب العربية والإسلامية ونصت المادة السابقة منه على أن يتولى الأمين العام لجامعة الشعوب الإسلامية والعربية الإشراف على جامعة الدول العربية السابقة ومنظماتها بالقاهرة، وقد استدلت تلك المادة بالقرار الجمهوري رقم 558 لسنة 1980 بما يستفاد منه أن موظفو جامعة الدول العربية السابقة يباشرون أعمال وظائفهم تحت الإشراف المباشر للأمين العام لجامعة العربية والإسلامية آنذاك، كما صدر بعد ذلك قرار رئيس الجمهورية رقم 613 لسنة 1980 بتولي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الاختصاصات المالية والإدارية الفنية المقررة للأمين العام للجامعة وصدر القرار الجمهوري رقم 245 لسنة 1981 بتعيين أمين عام لجامعة الدول العربية ثم القانون رقم 21 لسنة 1983 ومن ثم تكون حكومة جمهورية مصر العربية بهذا القرار قد أقامت جهازاً إدارياً يقوم على شئون الجامعة بمصر يضم ما بقى من موظفيها وعينت لها إدارة مصرية بصفة شخصية تحت إشراف ورئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وذلك نتيجة للظروف التي أحاطت بها بتجميد عضوية جمهورية مصر العربية بجامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة ومنظماتها المتخصصة إلى تونس وبالتالي فلم يعد للجامعة وجود دولي في مصر بالمعنى القانوني الدولي وأن بقاء مبنى الجامعة في مصر ومنظماتها بالفعل لا يسبغ عليها الصبغة الدولية التي زالت عنها بصدور قرارات الدول العربية في مؤتمر بغداد ونقل مقر الجامعة إلى تونس، ولذلك فإن القول بإعمال اتفاقية حصانات وامتيازات الجامعة العربية على موظفي الجامعة السابقة الموجودين في مصر لا يجد له سنداً من القانون الدولي بعد تجميد عضوية مصر بها ونقل مقر الجامعة فيها إلى تونس. وأشارت المحكمة في حكمها إلى حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 3512 لسنة 29 ق. ع، 1362 لسنة 30 ق. ع الصادر بجلسة 16/ 2/ 1988 - وأضافت المحكمة أن الثابت من القرار رقم 34 لسنة 1990 المطعون فيه صدر من نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية استناداً إلى أحكام القرار الجمهوري بالقانون رقم 21 لسنة 1983 الذي ناط بوزير الخارجية بعض الاختصاصات المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية المتخصصة في نطاق جامعة الدول العربية ومن ثم يكون القرار المطعون فيه صادراً من سلطة وطنية استناداً إلى أحكام التشريعات المصرية بما يجعله قراراً إدارياً في مفهوم أحكام قانون مجلس الدولة، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظر الطعن فيه لمحاكم مجلس الدولة صاحب الرقابة على مشروعية كافة القرارات الإدارية عدا المتعلقة منها بأعمال السيادة، وهو أي القرار المطعون فيه ليس من بينها، ومن ثم يكون الدفع المبدى بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى غير قائم على سند صحيح من القانون مستوجباً رفضه، والحكم باختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وعن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الخارجية لزوال صفته بعد عودة مصر إلى جامعة الدول العربية اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1990 قالت المحكمة رداً على هذا الدفع أن الثابت أن وزير الخارجية هو مصدر القرار المطعون فيه فمن ثم تكون له الصفة التي تبرر اختصاصه في الدعوى بما يجعل الدفع المبدى في هذا الشأن غير مستند على أساس صحيح من القانون مستوجباً الرفض.
وفي موضوع الدعوى - استعرضت المحكمة القرارات الجمهورية التي صدرت من السلطات المصرية عقب مؤتمر بغداد والتي سبقت الإشارة إليها وكان آخرها صدور القرار الجمهوري رقم 21 لسنة 1983 وقضت بإلغاء القرار المطعون فيه مؤسسة قضاءها على أن ما أصدرته جمهورية مصر العربية من قرارات أو قرارات لها قوة القانون على النحو المتقدم في حدود تأمين استقرار الجامعة العربية ومنظماتها في أداء أعمالها على النحو الذي كشفت عنه صراحة ديباجة كل منهما وذلك لواجهة حالة الضرورة الناشئة عن قرارات مؤتمر بغداد في نوفمبر 1978 ومارس 1979 بتجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس ومن ثم فإن هذه القرارات موقوتة بطبيعتها ومرتبطة بحالة الضرورة التي اقتضتها وجوداً وعدماً دون أن يمتد أثرها إلى أبعد من ذلك ومن ثم فلا يجوز الاستناد إليها بعد زوال مبرراتها. وأضافت المحكمة أن الثابت أنه بتاريخ 5/ 7/ 1988 وفي اجتماع المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية الثقافية والعلوم في دورته الرابعة والأربعين في الفترة من 2 - 7 يوليو سنة 1988 بتونس تقرر إلغاء القرار السابق صدوره في أبريل 1979 بتعليق عضوية مصر في المنظمة وإعادتها عضواً فعالاً من هذا التاريخ.
وبتاريخ 11/ 3/ 1990 أصدر وزراء الخارجية العرب القرار رقم 4983 بعودة مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة في دورة سبتمبر 1990 وتضمن البند (4) منه تسوية أوضاع الموظفين والعاملين الذي لا يمكنهم الانتقال إلى القاهرة تسوية مجزية وتضمن البند (5) تسوية أوضاع الموظفين والعاملين في المقر الدائم لجامعة الدول العربية في القاهرة في حالة فقدانهم لوظائفهم عند عودة الجامعة إلى القاهرة تسوية مجزية كما تضمن البند (6) تكليف لجنه مكونه من وزير خارجية كل من العراق ومصر وتونس والمغرب وسلطنة عمان بالإضافة على الأمين العام لجامعة الدول العربية بدراسة التدابير الكفيلة بتنفيذ بنود هذا القرار ووضع تقريرها في هذا الشأن إلى مجلس الجامعة في دون انعقاده في سبتمبر - أيلول 1990 بتونس - وفي ضوء ما تقدم فإنه وقد تقرر إلغاء تعليق عضوية مصر في الجامعة وتقرير عودة مقرها إلى القاهرة وتكليف لجنة من أمين الجامعة لدراسة شئون موظفيها وعمالها على النحو الذي تضمنه القرار فإنه يعود للجامعة العربية وضعها القانون الدولي كمنظمة دولية تمارس وظائفها القانونية عن طريق أجهزتها الخاصة بها وبذلك تنتفي حالة الضرورة التي استلزمت مواجهتها بتشريعات داخلية - ويترتب على ذلك أن أي قرار يصدر من أي سلطة غير أجهزة الجامعة نفسها في شأن العاملين بها يعد صادراً من سلطة غير مختصة بإصداره مشوباً بغصب السلطة مما يؤدي به إلى الانعدام.
واستطردت المحكمة قائلة أن الثابت أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية المصرية بوصفه متولياً اختصاصات أمين عام الجامعة والمنظمات التابعة لها بتاريخ 26/ 8/ 1990 أي بعد إلغاء تعليق عضوية مصر بالجامعة العربية وبعد الإعلان عن عودة مقر الجامعة إلى القاهرة وتشكيل لجنة خاصة لبحث شئون العاملين على النحو المتقدم الإيضاح، فإن هذا القرار يكون مشوباً بغصب السلطة مما يجعله بمثابة العقبة المادية التي يتعين إزالتها بحيث لا يلحقه حصانة ولا يتقيد بإجراءات ومواعيد دعوى الإلغاء، ولذلك تكون الدعوى مقبولة شكلاً، وفي الموضوع يكون القرار المطعون فيه مستوجباً الإلغاء مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبالنسبة للتعويض أسست المحكمة حكمها بأحقية المطعون ضدهم في التعويض على أن أساس مسئولية الإدارة عن القرارات الصادرة منها هو خطأ في جانبها بأن يكون القرار غير مشرع لعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر وقيام علاقة السببية بين الخطأ والضرر - وأنه قد يبين من العرض السابق عدم مشروعية قرار إنهاء خدمة المدعي وأنه ترتب على هذا القرار حرمان المدعي من راتبه فمن ثم تتوافر أركان المسئولية التقصيرية الثلاثة وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما بما يكون معه طلب التعويض قائماً على سببه القانوني المبرر له ويستحق المدعي تعويضاً لجبر الضرر الذي أصابه والذي تقدره المحكمة بما يعادل المرتب الأصلي خلال فترة إبعاده عن العمل نتيجة للقرار المطعون فيه دون غيره من بدلات وتعويضات أخرى إذ أن البدلات والتعويضات إنما ترتبط بالأداء الفعلي للعمل لمواجهة متطلباته فإذا لم يقم العامل بالعمل فعلاً فإنه لا يستحق تلك البدلات والتعويضات ويقتصر التعويض على المرتب الأصلي باعتباره القصور المتعين في حقه والذي خسره من جراء إنهاء الخدمة غير المشروع وعلى أن يخصم منه ما يكون قد صرفه للمدعي من تعويضات ومكافآت نهاية الخدمة المنصوص عليها بذات القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أساس مخالفة الحكم المطعون فيه لأحكام القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله على النحو التالي:
أولاً: وبصفه أصلية: عدم اختصاص القضاء المصري ولائياً بنظر الدعوى. ذلك أن الحكم المطعون فيه أخطأ برفضه الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، لأن المطعون ضده كان يعمل بإحدى المنظمات التابعة لجامعة الدول العربية، وهي منظمات لها الشخصية الدولية كمنظمة دولية لا اختصاص للقضاء المصري بمنازعات موظفيها هذا فضلاً عن أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية المصري بصفته أميناً عاماً لجامعة الدول العربية وفقاً للقانون رقم 21 لسنة 1983 الذي قضى في المادة الأولى فيه على أن "يتولى وزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة في نطاق جامعة الدول العربية" كما أن القرار صدر في شأن من شئون الجامعة وإعمالاً لتوصيات مجلسها وبذلك فإن هذا القرار لم يصدر في شأن موظف مصري ولم يصدر في شأن يتعلق بالسلطة التنفيذية المصرية، ويغير من صفتهم كموظفين دوليين في نظر الحكومة المصرية بقاؤهم في مصر وعدم انتقالهم إلى المقار الجديدة للمنظمات العربية التابعة للجامعة فكل هذا لا يجعل منهم موظفين تابعين للحكومة المصرية، ومن ثم فإنه يخرج عن اختصاص المحاكم المصرية فحص مشروعية القرار.
ثانياً: وبصفة احتياطية: أخطأ الحكم برفضه الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الخارجية - ذلك أن القرار المطعون فيه لم يصدر من وزير الخارجية المصري بصفته هذه بل صدر عنه بصفته عضواً في اللجنة المشكلة بقرار مجلس الجامعة رقم 4983 في 11/ 3/ 1990 وكذلك بصفته أمين عام الجامعة العربية التي منحت له بالقانون رقم 21 لسنة 1983 السالف ذكره وأن صفته هذه زالت بعد صدور قرار مجلس الجامعة بتعيين أمين عام لها بعد تنفيذ قرار إعادة الجامعة إلى مقرها بالقاهرة - وبذلك أصبح وزير الخارجية المصري لا صفة له في تمثيل جامعة الدول العربية أمام القضاء.
ثالثاً: ومن باب الاحتياط الكلي: رفض الدعوى ذلك أن الحكم المطعون أخطأ حين بنى قضاءه على أساس أن وزير الخارجية اغتصب سلطة أمين عام جامعة الدول العربية حين أصدر القرار المطعون فيه وذلك للأسباب الآتية:
(1) أن عيب غصب السلطة كعيب من عيوب القرار الإداري لا يجوز للقضاء المصري القول به طعناً على قرار وزير الخارجية المصري لأن المقصود من المراقبة القانونية للقرارات الإدارية هو منع العدوان من سلطة على اختصاصات سلطة أخرى داخلية ولا يمتد في حالة الزعم باغتصاب وزير الخارجية سلطة أمين عام جامعة الدول العربية لأن هذا الزعم يتعلق بعلاقة مصر بالمنظمة الدولية مما يخرج عن رقابة القضاء المصري.
(2) أن وزير الخارجية المصري استخدم سلطاته كأمين عام للجامعة بالقانون رقم 21 لسنة 1983 الذي ظل قائماً عندما أصدر القرار ولم يعين مجلس الجامعة أميناً عاماً جديداً إلا بعد أن تم تنفيذ قرار عودة المقر إلى مصر فضلاً عن أنه كان عضواً في اللجنة المشكلة بالقرار رقم 4983 في 11/ 3/ 1990 والتي اختصت ببحث أوضاع الموظفين العاملين بمقر الجامعة بالقاهرة وانتهت إلى إنهاء خدمة بعضهم وتعويضهم عن ذلك في 23/ 8/ 1990 الأمر الذي حدا بوزير الخارجية المصري بصفته عضواً بهذه اللجنة إلى إصدار القرار المطعون فيه وقد أشير إلى ذلك في ديباجة القرار 34 لسنة 1990. وبذلك لا يعدو هذا القرار أن يكون مجرد قراراً تنفيذياً كاشفاً للمركز القانوني للمطعون ضده في نظر الجامعة العربية وهو انتهاء خدمتهم بالمنظمة الدولية وصدر في شأن المنظمة ولم يستحوذ مركزاً جديداً من وجهة نظر جامعة الدول العربية واستهدف تصفية أوضاعهم وحفظ حقوقهم المترتبة على انتهاء خدمتهم ولا شك أن النزاع حول هذه الحقوق يدخل في اختصاص المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية.
ومن حيث إنه وقد استبان لهذه المحكمة من الأوراق، أنه عقب إبرام حكومة جمهورية مصر العربية لاتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، عقد في نوفمبر سنة 1978 ومارس سنة 1979 مؤتمري بغداد اتخذت فيهما الدول العربية عدة قرارات في غيبة جمهورية مصر العربية، من بينهما تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات العربية التابعة للجامعة ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، وكذلك نقل مقار المنظمات العربية الأخرى إلى بعض عواصم الدول العربية وذلك بالمخالفة لأحكام المادة (10) من ميثاق جامعة الدول العربية التي نصت على أن يكون القاهرة المقر الدائم لجامعة الدول العربية مما مقتضاه أن تغير المقر الدائم للجامعة العربية يتطلب تعديلاً في الميثاق ذاته.
ومن حيث إن جمهورية مصر العربية رفضت الاعتراف بقرارات مؤتمري بغداد المشار إليهما فأصدرت بتاريخ 3 من إبريل 1979 بياناً بعدم الاعتداد بتلك القرارات واتخذت مجموعة من الإجراءات لكفالة تأمين استمرار الجامعة ومنظماتها في أداء أعمالها في القاهرة فأصدرت القانون رقم 107 لسنة 1980 بالتحفظ على أموال جامعة الدول العربية ومنظماتها، كما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 533 لسنة 1980 بإنشاء الجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب العربية الإسلامية الذي قضى في المادة السابقة منه على أن "يتولى الأمين العام للجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب العربية والإسلامية الإشراف على جامعة الدول العربية ومنظماتها بالقاهرة وصدرت مجموعة من القرارات بتحديد من يتولى الاختصاصات المالية والإدارية والفنية للأمين العام لجامعة الدول العربية كان آخرها قرار رئيس الجمهورية الصادر في 3/ 4/ 1979 بشأن الجامعة عن العربية ومنظماتها وعدم الاعتداد بالقرارات غير الشرعية التي صدرت من الدول العربية في مؤتمري بغداد في نوفمبر سنة 1978 ومارس سنة 1979 واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين استمرار الجامعة ومنظماتها في أداء أعمالها ثم مضت المادة الأولى من هذا القانون على أن يتولى وزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة وكذلك بالنسبة للأرصدة التنفيذية والحسابات الجارية والودائع وجميع الحقوق أياً كانت قبل البنوك وجميع الهيئات وكافة الأشخاص الطبيعيين وغير الطبيعيين.
ومن حيث إنه في نطاق الإجراءات المشار إليها فقد استمر وزير خارجية جمهورية مصر العربية بصفته متولياً للاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة التابعة وفي معاملة العاملين بالجامعة ومنظماتها من المصريين باعتبار أن علاقتهم الوظيفية مستمر مع استمرار صرف مرتباتهم مما تحت يده من أرصدة نقدية وحسابات جارية وودائع وفقاً لأحكام القوانين المشار إليها.
ومن حيث إنه صدر بعد ذلك قرار مجلس الجامعة العربية رقم 4983 في 11/ 3/ 1990 بالإعلان عن عودة مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة في دور انعقاد سبتمبر سنة 1990 وتضمن هذا الإعلان تسوية أوضاع الموظفين العاملين في المقر الدائم للجامعة بالقاهرة في حالة فقدانهم لوظائفهم عند عودة الجامعة إلى القاهرة تسوية مجزيه - وتكليف لجنة لتنفيذ بنود القرار ومن بينها بند تسوية أوضاع الموظفين المشار إليه، على أن ترفع تقريرها في هذا الشأن إلى مجلس الجامعة في دور انعقاده في سبتمبر سنة 1990.
وبتاريخ 10/ 6/ 1990 تقدم وزير الخارجية المصري بمذكرة إلى مجلس الوزراء بشأن أوضاع الجامعة العربية ومنظماتها بالقاهرة في ضوء العودة إلى القاهرة أوضح فيها ما يلي:
1 - ترتب على انتقال مقر الجامعة ومنظماتها إلى تونس أن قامت حياله ضرورة اضطرت معها الحكومة المصرية إلى استصدار القوانين اللازمة للحفاظ على الكيان الشرعي للجامعة العربية ومنظماتها واستمرارها في تأدية واجباتها من القاهرة.
2 - إزاء صدور قرار عودة مقر الأمانة العامة إلى القاهرة، أصبحنا أمام ضرورة اتخاذ قرارات تستوجب موافقة مجلس الوزراء وهي تتعلق بالأمانة العامة للجامعة العربية والمنظمات بصفة عامة والعاملين بالمنظمات بصفة خاصة وذلك قبل انتهاء تفويض وزير الخارجية إدارة شئون الجامعة العربية ومنظماتها بالقاهرة على ضوء انحسار العمل بالقانونين رقمي 307 لسنة 1981، 21 لسنة 1983 من ناحية وحتى لا تترك مصالح هؤلاء الموظفين في أرض غير مصرية من ناحية أخرى.
3 - تم دراسة وبحث هذا الموضوع من كافة جوانبه القانونية والإدارية والمالية وقد أسفرت هذه الدراسة والمشتملة على كافة المقترحات الواجب اتخاذها مع المذكرة المرفقة، عن ضرورة استصدار القرارات الآتية:
(1) إنهاء خدمة الموظفين بالمنظمات الموجودة بالقاهرة وذلك اعتباراً من 1/ 6/ 1990.
(2) إجراء اتصال مع مدير فرع البنك العربي الموجود بالقاهرة لسرعة تحويل مبلغ 8.5 مليون دولار أمريكي من حساب الصندوق العربي للمعونة الفنية لتغطية العجز المطلوب لتسوية مكافآت نهاية خدمة هؤلاء الموظفين.
(3) تسوية الأوضاع الوظيفية واستحقاقات العاملين بالأمانة العامة والصندوق العربي للمعونة الفنية بالقاهرة وذلك اعتباراً من 1/ 6/ 1990.
(4).......
كما أصدر وزير الخارجية بتاريخ 26/ 8/ 1990 القرار رقم 34 لسنة 1990 أشار فيه إلى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 21 لسنة 1983 بتولي وزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للامين العام لجامعة الدول العربية، ونعى في المادة الأولى منه على أن تنتهي خدمة الموظفين العاملين بالمنظمات العربية المتخصصة بالقاهرة والموضحة أسماؤهم بالكشف المرفق اعتباراًً من أول سبتمبر سنة 1990، ونصت المادة الثانية منه على أن تسوى مكافأة نهاية خدمة الموظفين المشار إليهم في المادة الأولى على أساس جدول الرواتب لموظفي الأمانة العامة المطبق في المقر المؤقت للجامعة بتونس، ونصت المادة الثانية على أن "تصرف تعويضات انتهاء الخدمة والأجازات المتراكمة للموظفين المذكورين على أساس النظم والمرتبات المالية، ونصت المادة الرابعة على أن "تصرف للموظفين المشار إليهم بعالية فروق العلاوات والتسويات السابق تجميدها بقرار الأمين العام بالنيابة للجامعة رقم 70 لسنة 1979 وقرار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية رقم 34 لسنة 1983، وقضت المادة الخامسة على أن يكون للموظفين الذين انتهت خدمتهم وفقاً لأحكام هذا القرار الأولوية في الترشيح للتعيين بالأمانة العامة للجامعة والمنظمات العربية المتخصصة العاملة في نطاقها، وقد كان المطعون ضده من بين من شملتهم الكشوف المرفقة بالقرار المشار إليه.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الطعن في القرار المشار إليه إلغاءً وتعويضاً فإن الثابت مما تقدم أن القانون رقم 21 لسنة 1983 الذي صدر القرار المطعون فيه استناداً إلى أحكامه لم يقض بتنصيب وزير الخارجية لجمهورية مصر العربية أميناً عاماً لجامعة الدول العربية وذلك باعتبار أن القانون الوطني يقصر أن يمتد إلى حد تعيين أمين عام لجامعة الدول العربية الذي يعين وفقاً لحكم المادة (12) من ميثاق الجامعة العربية بقرار من مجلس الجامعة بأكثر من ثلثي دول الجامعة ومن ثم فإن غاية ما يمكن القول به أن حكومة جمهورية مصر العربية بعد أن قررت بالقانون رقم 107 لسنة 1980 التحفظ على أموال الجامعة العربية ومنظماتها ناط القانون رقم 21 لسنة 1983 بوزير الخارجية الاختصاصات المالية والفنية والإدارية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية وللأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية المتخصصة وكذلك بالنسبة للأرصدة النقدية والحسابات الجارية والودائع وجميع حقوق الجامعة أياً كانت قبل البنوك وجميع الهيئات وكافة الأشخاص الطبيعيين وغير الطبيعيين كل ذلك لمواجهة حالة الضرورة التي نشأت نتيجة للقرارات التي صدرت في نوفمبر سنة 1978 ومارس سنة 1979 والتي اعتبرتها حكومة جمهورية مصر العربية غير شرعية. وإذا كان القانون الداخلي وعلى ما سلف إيضاحه يقصر أن يمتد إلى إسباغ الصفة الدولية على سلطة إدارية وأصلية أقامها لمواجهة ظروف استثنائية وناط بها اختصاصات محددة لإبطال آثار قرارات صادرة من جامعة الدول العربية ومنظماتها اعتبرتها الحكومة المصرية غير شرعية فإن المفهوم الصحيح لهذا القانون أنه أقام سلطة وطنية داخلية عهد إليها ببعض الاختصاصات المقررة للأمين العام للجامعة العربية وأمناء ورؤساء المنظمات العربية التنفيذية لمواجهة هذا الوضع الاستثنائي وبالتالي فإن ما تتخذه هذه السلطة من قرارات وإجراءات يجب أن تكون خاضعة لرقابة القضاء الوطني باعتبارها صادرة من سلطة إدارية وطنية والقول بغير ذلك من شأنه أن يجرد هذه القرارات من كل رقابة قضائية على خلاف الأصول العامة التي تقضي بخضوع الدولة المدنية الحديثة للقانون بما يتفرع عنه من وجوب خضوع ما تصدره من قرارات إدارية للرقابة القضائية، ذلك أن هذه القرارات وبحكم صدورها من سلطة أقامها القانون الوطني ومن غير إحدى سلطات الجامعة العربية أو منظماتها فإن جامعة الدول العربية ومنا ينبثق عنها من هيئات قضائية سوف تعاملها على هذا الأساس وبالتالي فإن الطعن فيها يخرج بالضرورة عن الولاية القضائية للمحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية وهو ما قضت به تلك المحكمة في دور انعقادها البادي لسنة 1992 في الدعاوى التي أقامها الطاعن وزملائه طعناً في قرار وزير الخارجية المشار إليه حيث قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر تلك الدعاوى.
ومن حيث إنه على ضوء ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى باعتبارها طعناً في قرار إداري نهائي صادر من سلطة وطنية إنما يكون قد صادف صحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه في هذا الشق فيه لا أساس له من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة فإن الثابت مما تقدم أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية المصري باعتباره السلطة التي ناط بها القانون رقم 21 لسنة 1983 الاختصاصات المالية والإدارية والفنية المقررة للأمين العام لجامعة الدول العربية والأمناء والرؤساء التنفيذيين للمنظمات العربية الأخرى، وإذا كانت صفته المشار إليه قد زالت منذ إلغاء تعليق عضوية جمهورية مصر العربية بالجامعة عودة مقر الجامعة العربية إلى القاهرة فإنه لا محيص الإبقاء له على هذا الصفة فيما قام من طعون بالنسبة للقرارات التي أصدرها من قبل بهذه الصفة والتي تعلق حق أصحاب الشأن بالطعن عليها أمام القضاء الإداري باعتبارها صادرة عن سلطة وطنية إلى أن يصدر حكم نهائي فيما تقدم من منازعات عن تلك القرارات أمام القضاء الوطني وبالتالي يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة لا أساس له من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه بالنسبة للموضوع فإن الثابت مما تقدم أن القرار المطعون فيه صدر من وزير الخارجية المصري بوصفه متولي اختصاصات أمين عام الجامعة والمنظمات التابعة وفقاً للقانون رقم 21 لسنة 1983 المشار إليه وذلك بتاريخ 30/ 8/ 1990 أي بعد إلغاء تعليق عضوية مصر بالجامعة وبعد الإعلان عن عودة مقر الجامعة إلى القاهرة وتشكيل لجنة خاصة تختص ببحث أوضاع الموظفين المصريين على النحو السالف بيانه. وكان الثابت وفق ما تقدم أن القانون رقم 21 لسنة 1983 إنما قصد به مواجهة وضع استثنائي بوقف ترتيب أي أثر على ما اتخذته مجموعة الدول العربية في مؤتمري بغداد المشار إليهما بتعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، مما مقتضاه انتهاء العمل بأحكامه بعد زوال هذا الوضع المؤقت الذي صدر لمواجهته فإن محكمة القضاء الإداري وقد قضت بانعدام هذا القرار باعتباره متضمناً غصباً لسلطة أمين عام جامعة الدول العربية ينحدر به إلى الانعدام وبهذه المثابة لا تلحقه حصانة ولا يتقيد الطعن عليه بمواعيد وإجراءات دعوى الإلغاء وقضت على هذا الأساس بإلغائه فيما تضمنه من إنهاء خدمة المطعون ضده وما يترتب على ذلك من آثار فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً سليماً.
ومن حيث إنه وإن كان مقتضى الحكم المشار إليه هو إزالة القرار المطعون فيه باعتباره عقبة مادية في سبيل استعمال المطعون ضده لمركزه القانوني السابق على صدور القرار المطعون فيه والذي أعدمه الحكم المطعون فيه وهو حكم نهائي وحائز لقوة الأمر المقضي به الثابت بمقتضى الحكم في الطعن الماثل، فإن ذلك ليس من شأنه إلزام وزير الخارجية المصري بإصدار قرار بإعادة المطعون ضده إلى وظيفته بمركز التنمية الصناعية التابع لجامعة الدول العربية التي كان يعمل بها عند نقل مقر الجامعة ومنظماتها من القاهرة باعتبار أن الأمر مما يخرج عن اختصاصه إذ أن من لا يملك إنهاء الخدمة لا يملك الإعادة إلى الخدمة وفقدان الولاية يشمل الأمرين معاً. ويتصل بما تقدم أنه لا يكون للمطعون ضده مطالبة وزير الخارجية بصفته بأية حقوق تتعلق بمرتبه وفي المقابل فإنه لا يجوز للطاعن بصفته أن يسترد ما صرف له طبقاً للبنود 352 و4 من القرار.
ومن حيث إنه عن طلب التعويض فإن مناط مسئولية السلطة الإدارية عن القرارات الإدارية التي تصدرها هو توافر الخطأ في جانبها وأن يترتب على قراراتها الخاطئة ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
ومن حيث إن المحكمة لم تتبين أن ثمة ضرر قد لحق بالمطعون ضده نتيجة صدور القرار المطعون فيه، ذلك أنه منذ عودة الجامعة العربية إلى القاهرة وإلغاء تعليق عضوية مصر بها وما يترتب على ذلك من إنهاء الوضع الاستثنائي الذي واجهته الدولة بالقانون رقم 107 لسنة 1980 بالتحفظ على أموال الجامعة ومنظماتها والقانون رقم 21 لسنة 1983 السابق الإشارة إليه، فإن مظلة الحماية الوطنية للمطعون ضده وزملائه استناداً إلى ذلك القانون الأخير قد انطوت، وبالتالي فإنه حتى ولو لم يصدر القرار المطعون فيه، فإنه ما كان يجوز قانوناً للسلطة الوطنية الاستمرار في أداء مرتباتهم بعد أن زالت ولايتها بالنسبة لهم وبالنسبة لأموال الجامعة وحقوقها، كما أنه وعلى ما سلف إيضاحه فإن هذه السلطة ما كانت تملك شيئاً بالنسبة لمراكزهم القانونية الثابتة لهم قبل الجامعة ومنظماتها، وقد كان للجامعة العربية ومنظماتها أن تمنحهم تلك المراكز دون التوقف طويلاً أمام القرار المطعون فيه وكل تعلل قد تكون استندت إليه في هذا الشأن ساقط ولا ينفي أن أية أضرار قد تكون لحقت بالمطعون ضده وزملائه إنما تكون ناشئة عن جزاءات وتصرفات صادرة عنها وعن منظماتها إيجاباً أو سلباً وتكون علاقة السببية بين تلك الإضرار إن وجدت وبين القرار المطعون فيه منتفية، فليس صحيحاً، القرار المطعون فيه قد رتب أية آثار بالنسبة للمركز القانوني للمطعون ضده في علاقته بالجامعة العربية، كما أنه لا وجه للقول بأن القرار قد فوت عليه فرصة تسوية حالته تسوية مجزية بأكثر مما قرره ذلك القرار بالنسبة لمكافآت نهاية الخدمة والتعويضات الأخرى المرتبطة بها، إذ فضلاً عما سلف إيضاحه فإن هذا القرار وبحكم صدوره من سلطة وطنية أحقية بالنسبة للجامعة ومنظماتها، فإنه ما كان يحول بين الجامعة ومنظماتها من منح المطعون ضده لحقوقه والتي تكون ثابتة له وفقاً لقرارات تنظيمية صدرت عنها في هذا الشأن, كما أن الباب لا زال مفتوحاً أمامه للمطالبة بما عسى أن يكون ثابتاً له من الحقوق بالطريق الودي أو الطريق القضائي أمام المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية باعتبار أن حقوقه إنما يستئدها في هذا الشأن من قواعد ولوائح وضعتها الجامعة ومنظماتها وبمراعاة ما عسى أن يكون ثابتاً له من مركز قانوني في علاقته بالجامعة إذ كان يعمل بها قبل إلغاء القرار وبعده، لأن هذا الطريق لم يستغلق عليه وخاصة بعد إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إنهاء خدمته بحكم من محكمة القضاء الإداري حائز لقوة الأمر المقضي به والذي أبدته هذه المحكمة في هذا الشق منه، وغني عن البيان أن الأحكام التي أصدرتها المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية بعدم اختصاصها بنظر طلب إلغاء قرار وزير الخارجية المطعون فيه لا يحوز حجية الأمر المقضي به بالنسبة للطلب المكمل لما صرف له من مكافآت نهاية الخدمة والتعويضات الأخرى المرتبطة بها وفقاً لما عسى أن يكون قد صدر عن الجامعة أو منظماتها من قواعد أو قرارات في هذا الشأن قبل أو بعد صدور القرار المطعون فيه وذلك لاختلاف المحل في الدعويين الأمر الذي ينتفي منه مظنة أن يكون القرار المطعون قد فوت على المطعون ضده أية فرصة مما تقدم.
ومن حيث إنه وقد ثبت مما تقدم انتهاء علاقة السببية بين الأضرار التي يقول بها المطعون ضده والقرار المطعون فيه فإن طلب التعويض عن ذلك القرار بكل صورة الواردة في عريضة الدعوى يكون لا أساس له من القانون، متعيناً رفضه. إذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وقضى للمطعون ضده بتعويض عن ذلك القرار يعادل مرتبه الأصلي فيه وفقاً لمنطوقه المحمول على أسبابه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه في هذا الشق منه ورفض طلب التعويض.
ومن حيث إن الحكومة معفاة من الرسوم القضائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون عليه ليكون بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إنهاء خدمة المطعون ضده على النحو المبين بالأسباب وبرفض طلب التعويض وألزمت المطعون ضده نصف المصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق