باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع مـن يناير سنة 2025م،
الموافق الرابع من رجب سنة 1446هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 327 لسنة 23
قضائية دستورية
المقامة من
محمود محمد خليفة قاسم
ضــــد
1- رئيس مجلــس الوزراء
2- وزيــــر التأمينات
3- رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، بصفته الرئيس
الأعلى لصندوق العاملين بقطاع الأعمال العام والخاص
----------------
" الإجـراءات "
بتاريخ السابع من نوفمبر سنة 2001، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم
كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة السابعة من قرار
وزير التأمينات رقم 81 لسنة 1995 بشأن صرف مكافأة للعاملين بالهيئة القومية
للتأمين الاجتماعي عند انتهاء الخدمة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم
اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وقدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي مذكرة، طلبت فيها الحكم،
أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا
الدولة مذكرة، تمسكت فيها بطلباتها السابقة، كما قدم المدعي مذكرة ردد فيها طلباته
الواردة بصحيفة دعواه الدستورية. وقدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي مذكرة،
طلبت فيها الحكم، أصليًّا: أولًا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، ثانيًا: بعدم
قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
-----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
في أن المدعي أقام الدعوى، التي آل قيدها أمام محكمة سوهاج الابتدائية برقم 157
لسنة 1995 عمال، ضد المدعى عليهمــــا الثانــي والثالــث، طلبًا للحكــم -طبقًا
لطلباته الختامية- أصليًّا: بإلزام المدعى عليه الثالث بصرف المكافأة المستحقة له
وفقًا لقرار وزير التأمينات رقم 81 لسنة 1995، واحتياطيًّا: بإلزام المدعى عليهما
الثاني والثالث بأن يدفعا له تعويضًا يعادل أجر تسعين شهرًا من إجمالي الأجر
الأساسي والمتغير الذي حصل عليه عند تركه الخدمة، وعلى سبيل الاحتياط الكلي: (أ)
إيقاف الدعوى وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في
دستورية المادة السابعة من قرار وزير التأمينات رقم 81 لسنة 1995، بشأن صرف مكافأة
للعاملين بالهيئة القومية للتأمين الاجتماعي عند انتهاء الخدمة. (ب) الدفع بعدم دستورية
المادة السابعة من القرار السالف الذكر لمخالفته المواد (7 و34 و40) من دستور سنة
1971. وقال شرحًا لدعواه إنه عُين بالهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بتاريخ 15/
6/ 1964، وتدرج في وظائفها حتى شغل وظيفة مدير عام الإدارة العامة للقضايا
والتحكيم، وانتهت خدمته بتاريخ 25/ 11/ 1995، وكان وزير التأمينات قد أصدر بتاريخ
11/ 11/ 1995، القرار رقم 81 لسنة 1995 بشأن صرف مكافأة للعاملين بالهيئة القومية
للتأمين الاجتماعي عند انتهاء الخدمة، ونصت المادة السابعة منه على أن يُعمل
بأحكامه اعتبارًا من 1/ 1/ 1996 للموجودين بالخدمة في هذا الشهر، وبذلك يكون ذلك
القرار قد أحدث تمييزًا منهيًّا عنه بنص الدستور؛ لحرمانه العاملين الذين كانوا
بالخدمة وقت صدوره، وانتهت خدمتهم قبل تاريخ العمل به، من صرف المكافأة المقررة.
وبجلسة 24/ 9/ 2001، قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى
الدستورية، فأقام دعواه المعروضة، ناعيًا على القرار المطعون فيه مخالفته المواد
(7 و8 و13 و34 و39 و188) من دستور سنة 1971.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائيًّا بنظر
دعوى بذاتها يسبق الخوض في شروط قبولها أو موضوعها. ولما كان الدستور الحالي قد
عهد بنص المادة (192) منه إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة
القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وكان قانون المحكمة الدستورية العليا
الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، قد بيَّن اختصاصاتها وحدد ما يدخل في ولايتها
حصرًا، مستبعدًا من مهامها ما لا يندرج تحتها، فخولها اختصاصًا منفردًا بالرقابة
على دستورية القوانين واللوائح، وينحصر هذا الاختصاص في النصوص التشريعية، أيًّا
كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أصدرتها، فلا تنبسط هذه الولاية إلا
على القانون بمعناه الموضوعي، باعتباره منصرفًا إلى النصوص القانونية التي تتولد
عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواءً وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي
أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة
التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها، وأن تنقبض تلك الرقابة -
تبعًا لذلك - عما سواها.
وحيث إن الفقرة الرابعة من المادة (160) من قانون التأمين الاجتماعي
الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، المستبدل بها المادة الخامسة من القانون رقم
175 لسنة 1993 بزيادة المعاشات، قد نصت على أنه ومـع مراعاة حكم الفقرة السادسة من
المادة (123) يفرض بقرار مـن وزير التأمينات رسم يتحمله صاحب المعاش أو المستحق
بحد أقصى مقداره جنيه مقابل صرف أي مـن المبالـغ المستحقة وفـقًا لأحـكام قـوانين
التأمـين الاجـتماعي والقوانين المكملة لها، وفـى حـالة وجـود قائم بالصرف عن أكثر
مـن مستحق لا يزيد الرسم الذي يتحملونه عـن الحد الأقصـى المشار إليه، ويحدد
القرار الصادر في هذا الشأن حالات الإعفاء من أداء هذا الرسم.
وإعمالًا لهذا التفويض التشريعي أصدر وزير التأمينات في 11/ 11/ 1995،
القرار رقم 81 لسنة 1995 بشأن صرف مكافأة للعاملين بالهيئة القومية للتأمين
الاجتماعي عند انتهاء الخدمة، متضمنًا في مادته الأولى تقرير مكافأة للعاملين
بالهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بواقع مرتب شهرين ونصف عن كل سنة من سنوات
الخدمة الفعلية، وذلك في حالات انتهاء الخدمة لبلوغ سن التقاعد أو الوفاة أو
العجز... ونصت المادة الثانية على أن يتحدد المرتب الذي يحسب على أساسه المكافأة
بواقع مرتب الشهر الذي انتهت فيه الخدمة مضافًا إليه العلاوات الخاصة التي ضمت إلى
المرتب الأساسي حتى تاريخ انتهاء الخدمة. ونصت المادة السابعة على أن يُعمل بهذا
القرار اعتبارًا من 1/ 1/ 1996 للموجودين بالخدمة في هذا الشهر.
متى كان ما تقدم، وكان القرار المطعون فيه قد جاء متضمنًا قواعد
تنظيمية عامة مجردة، تسري على المخاطبين بها في مجال المكافأة التي قررها، فإنه
ينحل بهذه المثابة إلى تشريع بمعناه الموضوعي، على النحو الذي قصده الدستور
والقانون؛ ومن ثم، فإن الفصل في دستورية هذا القرار يدخل في نطاق الرقابة التي
تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين واللوائح، مما يغدو معه
الدفع المبدى من كل من هيئة قضايا الدولة والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بعدم
اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فاقدًا لسنده، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية -
مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون
الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها،
المطروحة على محكمة الموضوع.
متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول طلب المدعي صرف المكافأة
التي نص عليها القرار المطعون فيه بمقدار تسعين شهرًا من آخر مرتــب أســـاسي
ومتغير، والتي لم يتقاضها عند انتهاء خدمته، وكان نص المادة السابعة من قرار وزير
التأمينات رقم 81 لسنة 1995 المعمول به اعتبارًا من 1/ 1/ 1996، هو المحدد
للمستحقين لتلك المكافأة، وكان المدعي قد بلغ السن المقررة لترك الخدمة في 25/ 11/
1995؛ ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الدعوى المعروضة تكون
متحققة، ويتحدد نطاقها في المادة السابعة من قرار وزير التأمينات رقم 81 لسنة 1995
السالف الذكر.
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه ألا تخلَّ تشريعات الدولة
بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًّا لقيام
الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان، ومنها الحقوق المتصلة بالحرية
الشخصية.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التحقق من استيفاء النصوص
التشريعية لأوضاعها الشكلية يعتبر أمرًا سابقًا بالضرورة على الخوض في عيوبها
الموضوعيـة، كما أن الأوضاع الشكلية سـواءً في ذلك تلك المتعلقـة باقتراحهـا أو
إقرارها أو إصدارها أو نفاذها، إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام
الدستور المعمول بها حين صدورها.
وحيث إن كل قاعدة قانونية لا تكتمل في شأنها الأوضاع الشكلية التي
تطلبها الدستور فيها، كتلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط
نفاذها، إنما تفقد مقوماتها باعتبارها كذلك، فلا يستقيم بنيانها، وكان تطبيقها في
شأن المشمولين بحكمها - مع افتقارها لقوالبها الشكلية - لا يلتئم ومفهوم الدولة
القانونية، التي لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها بعيدًا عن خضوعها
للقانون وسموه عليها، باعتباره قيدًا على كل تصرفاتها وأعمالها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نشر القاعدة القانونية ضمان
لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها،
وكان هذا النشر يُعتبر كافلًا وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلًا دون
تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيًّا، أو كان إدراكهم لمضمونها
واهيًا، وكان حملهم قبل نشرها على النزول عليها - وهم من الأغيار في مجال تطبيقها
- متضمنًا إخلالًا بحرياتهم أو الحقوق التي كفلها الدستور لهم، دون التقيد
بالوسائل القانونية التي حدد تخومها وفَصَّل أوضاعها، فقد تعين القول بأن القاعدة
القانونية التي لا تُنشر لا تتضمن إخطارًا كافيًا بمضمونهــــا ولا بشروط تطبيقها،
فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها شرطًا لجواز التدخل بها لتنظيم
الحقوق والواجبات على اختلافها، وعلى الأخص ما اتصل منها بصون الحرية الشخصية
والحق في الملكية.
متى كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن قرار وزير التأمينات رقم 81
لسنة 1995 -المطعون فيه- لم يُنشر في الجريدة الرسمية الوقائع المصرية؛ ومــــن
ثــــم فإن تطبيقه دون نشــــره يخالف مفهوم الدولة القانونية، ويجترِئ على الحرية
الشخصية، مما لزامه الحكم بعدم دستوريته.
وحيث إن مقتضى حكم المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا -
بعد تعديلها بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998 - هو عدم تطبيق النص
المقضي بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم الصادر
بذلك، وكذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر، إلا إذا حدد الحكم الصادر بعدم
الدستورية تاريخًا آخر لسريانه. لما كان ذلك، وكان إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم
دستورية القرار المطعون فيه، مؤداه رد العاملين الذين أفادوا من حكمه المبالغ التي
سبق صرفها إليهم إعمالًا لذلك القرار، وهو ما يترتب عليه تحميل هؤلاء العاملين
بأعباء مالية جسيمة تجاوز قدرتهم على ردها؛ ومن ثم فإن المحكمة تُعمِل الرخصة
المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها، وتحدد اليوم التالي
لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال آثاره.
فلهذه الأسبـاب
حكمت المحكمة:
أولًا: بعدم دستورية قرار وزير التأمينات رقم 81 لسنة 1995، بشأن صرف
مكافأة للعاملين بالهيئة القومية للتأمين الاجتماعي عند انتهاء الخدمة.
ثانيًا: بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال آثاره.
ثالثًا: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب
المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق