جلسة 8 فبراير سنة 2004
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أنور رشاد العاصي والدكتور حنفي علي جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.
----------------
قاعدة رقم (43)
القضية رقم 223 لسنة 23 قضائية "دستورية"
(1) دستور "المادة الثانية: شريعة إسلامية - المادة (968) من القانون المدني".
اعتباراً من تاريخ تعديل المادة الثانية من الدستور في 22/ 5/ 1980 تتقيد السلطة التشريعية فيما تقرره من النصوص القانونية، بمراعاة مبادئ الشريعة الإسلامية، مؤدى ذلك: عدم امتداد هذا القيد للمادة (968) من القانون المدني الصادر قبل هذا التعديل.
(2) حق الملكية "حق دائم - حق الغير في كسب الملكية بالحيازة بشرط تمتعها بالحماية الدستورية المقررة لحق الملكية".
طبقاً لنص المادة (968) من القانون المدني تتطلب الحيازة الصحيحة لتملك العقارات بالتقادم، أن يكون هناك سيطرة فعلية على العقار محل الحيازة والاستحواذ عليه من خلال أعمال مادية ظاهرة تهدف إلى استعمال العقار بحسب طبيعته يأتيها الحائز ابتداءً أو انتقالاً من الغير ويستبقيها - ولو كان مغتصباً للحق موضوعها - مع اقتران ذلك بتوافر نيته بوضوح في تملك ذلك العقار واستمرار تلك الحيازة هادئة مدة خمس عشر سنة، أثر ذلك: تمخضها سبباً مباشراً لنقل ملكية العقار إلى الحائز - متى تمسك بذلك - بأثر رجعي من تاريخ بدئها، وتضحى الملكية الناشئة من تلك الحيازة ملكية كاملة جديرة بالحماية التي كفلها الدستور بمقتضى المادتين (32، 34) منه.
الإجراءات
بتاريخ السابع والعشرين من أغسطس سنة 2001، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (968) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948.
وقدم كل من هيئة قضايا الدولة والمدعى عليهم خامساً مذكرتين طلبا فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليهم (خامساً) استصدروا حكماً في الدعوى رقم 109 لسنة 1999 مدني كوم امبو الابتدائية ضد الشركة المدعية وآخرين بتثبيت ملكيتهم لأطيان التداعي المبينة بالأوراق، وأقام الحكم قضاءه على الأخذ بما انتهى إليه تقرير الخبير المنتدب في الدعوى من أن أطيان النزاع في وضع يد المدعى عليهم خامساً خلفاً لمورثهم ومن قبله البائع له ومورثه منذ أكثر من ثمانين عاماً، وأنهم اكتسبوا ملكية تلك الأطيان بالتقادم الطويل المستوفى لكافة الشروط التي استلزمها القانون. استأنفت الشركة المدعية هذا الحكم بالاستئناف رقم 978 لسنة 19 قضائية قنا، وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص المادة (968) من القانون المدني، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت للشركة المدعية برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (968) من القانون المدني تنص على أنه "من حاز منقولاً أو عقاراً دون أن يكون مالكاً له، أو حاز حقاً عينياً على منقول أو عقار دون أن يكون هذا الحق خاصاً به، كان له أن يكسب ملكية الشيء أو الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة سنة".
وحيث إنه عن المصلحة في الدعوى الماثلة ومدى ارتباطها بالمصلحة في الدعوى الموضوعية، فإنه لما كان جوهر النزاع الموضوعي هو تمسك الشركة المدعية بملكيتها لأطيان النزاع بموجب عقد مسجل وإنكارها حق المدعى عليهم - خامساً - في اكتساب ملكية تلك الأطيان بالتقادم الطويل والذي تقرر حكمه بموجب النص الطعين، ومن ثم فإن حسم المسألة الدستورية المثارة في الدعوى الراهنة بشأن ذلك النص له أثر جوهري على الفصل في الدعوى الموضوعية، مما تضحى معه مصلحة الشركة المدعية في الدعوى الماثلة قائمة، ويقتصر نطاق تلك الدعوى تبعاً لذلك على ما تضمنه النص الطعين من اكتساب ملكية العقار بالحيازة المستمرة دون انقطاع خمس عشرة سنة.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص الطعين - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - أنَّه اعتد بالحيازة، سواء كانت نية الحائز حسنة أو سيئة، كسبب لكسب ملكية العقار وهو ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية التي لا تعتد بالغصب كسبب لكسب الملكية، وأخل بالحماية الدستورية المقررة لحق الملكية باعتباره بحسب طبيعته حقاً دائماً لا يزول بعدم الاستعمال، وذلك بالمخالفة لأحكام المادتين (2، 34) من الدستور.
وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين لمبادئ الشريعة الإسلامية فهو مردود بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980، يدل على أن الدستور واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى الدستور بقيد على السلطة التشريعية، مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن ترد إليه هذه النصوص أو تستمد منه لضمان توافقها مع مقتضاه، ومن ثم فإن ذلك يفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بتلك المبادئ - وتراقبها فيه هذه المحكمة - صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور الذي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفاً إلى فئة من النصوص دون سواها، هي تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أُدخل على المادة الثانية من الدستور بحيث إذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية، وإذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه تظل بمنأى عن الخضوع لأحكامه. لما كان ذلك وكان نص المادة (968) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 - المطعون عليه - لم يلحقه أي تعديل منذ صدور القانون فإنه يكون بمنأى عن الخضوع لأحكام القيد المنصوص عليه في المادة الثانية من الدستور، وذلك أياً كان وجه الرأي في مدى تعارضه مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
وحيث إنه ولئن كانت الملكية حقاً دائماً لا يسقط عن المالك، إلاَّ أن من حق الغير كسب هذه الملكية إذا توافرت له الحيازة الصحيحة بالشرائط التي استلزمها القانون. ولما كانت الحيازة التي تصلح أساساً لتملك العقار بالتقادم طبقاً لنص المادة (968) من القانون المدني - المطعون عليها - هي السيطرة الفعلية على العقار، محل الحيازة والاستحواذ عليه من خلال أعمال مادية ظاهرة تهدف إلى استعمال العقار بحسب طبيعته يأتيها الحائز ابتداءً أو انتقالاً من الغير ويستبقيها - ولو كان مغتصباً للحق موضوعها - مع اقتران ذلك بتوافر نيته بوضوح في تملك ذلك العقار واستمرار تلك الحيازة هادئة مدة خمس عشر سنة. وباستيفاء الحيازة ذلك فإنها تتمخض سبباً مباشراً لنقل ملكية العقار إلى الحائز - متى تمسك بذلك - بأثر رجعي منذ تاريخ بدئها، ذلك أن الحيازة تحيل الأوضاع الفعلية التي استقر أمرها بعد أن امتد زمنها من خلال التقادم إلى حقائق قانونية لا تتزعزع بها الملكية بعد اكتمال الحق فيها حماية للأوضاع الظاهرة، وتضحى الملكية الناشئة عن تلك الحيازة ملكية كاملة جديرة بالحماية التي كفلها الدستور بمقتضى المادتين (32 و34) منه، ومن ثم فإن ما تثيره الشركة المدعية في هذا الصدد يكون على غير أساس.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق