بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 09-10-2025 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 1237 لسنة 2025 طعن تجاري
طاعن:
ي. ف. ل. ا. ش.
مطعون ضده:
ي. ج. ب. ا.
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2025/1587 استئناف تجاري بتاريخ 13-08-2025
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص الذي أعده وتلاه بجلسة المرافعة القاضي المقرر/أحمد عبد القوي سلامة وبعد المداولة :
ــ حيث استوفى الطعن شروط قبوله الشكلية .
و حيث إن الوقائع ــ على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ــ تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 97 لسنة 2024 تجاري على الطاعنة بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي إليه مبلغ 4,462,952 درهم والفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد ، وقال بياناً لذلك أنه اتفق مع الطاعنة في غضون شهر سبتمبر 2023 على أن يقوم بالوساطة لتوريد شحنات نفط لصالح إحدى الشركات الشقيقة للطاعنة وهي شركة (زيليون إينيرجي م.د.م.س) لقاء عمولة مقدارها 5% من قيمة الشحنة حتى لو تم التعاقد مع أي شركة أخرى من الشركات الشقيقة أو التابعة للشركة الطاعنة ، وبالفعل قام المطعون ضده بالوساطة بين الطاعنة وشركة تدعى (غازبروم نفط ش.م.ع) والتي تعاقدت بتاريخ 15/1/2024 على بيع منتجات النفط المطلوبة للشركة الشقيقة للطاعنة المشار إليها بمبلغ 24,301,562.44 دولار أمريكي ، وأعقب ذلك قيام شركة (غازبروم نفط ش.م.ع) بتوريد النفط المتعاقد عليه إلى الشركة التابعة للطاعنة ، وقامت بإصدار شهادة بتوريد النفط بتاريخ 6/2/2024 ، و صار المطعون ضده مستحقاً للعمولة المتفق عليها وقدرها 5% من قيمة الشحنة المتعاقد عليها والبالغ قيمتها 1,215,078.12 دولار أمريكي بما يعادل مبلغ 4,462,952 درهم ، وإذ لم تسدد الطاعنة ما ترصد له في ذمتها من عمولة ، أقام الدعوى بما سلف من طلبات . وإذ نظرت الدعوى أمام مكتب إدارة الدعوى وقرر القاضي المشرف ندب لجنة خبرة ثنائية ، وأحيلت الدعوى للمحكمة ، دفعت الطاعنة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة ، وبعد أن أودعت اللجنة تقريرها ، حكمت المحكمة بتاريخ 14/5/2025 أولاً : ــ رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة ، ثانياً : ــ إلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضده مبلغ 1,201,578.12 دولار أمريكي أو ما يعادله بالدرهم الإماراتي والفائدة القانونية بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصل في 4/12/2024 وحتى تمام السداد . استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 1587 لسنة 2025 تجاري ، وبجلسة 13/8/2025 قضت المحكمة " في غرفة مشورة " برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف . طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق التمييز بالطعن الراهن بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بهذه المحكمة بتاريخ 8/9/2025 بطلب نقضه ، قدم المطعون ضده مذكرة بالرد . وإذ عرض الطعن في غرفة مشورة ورأت المحكمة أنه جدير بالنظر حددت جلسة لنظره وفيها قررت حجزه للحكم بجلسة اليوم .
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب تنعي الطاعنة بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ، وفي بيان ذلك تقول أن دفاعها جرى أمام محكمة الموضوع على عدم قبول الدعوى لرفعها علي غير ذي صفة لا سيما وأن المستندات المقدمة من المطعون ضده في الدعوى تفيد انتفاء صفتها في الدعوى ، وأنه لا علاقة لما ساقه المطعون ضده بأن الشركة المستفيدة من العقد مثار النزاع شركة زيليون انيرجي تابعة للطاعنة ، إذ الثابت من الرخصة التجارية للشركة الأخيرة أنها شركة منفصلة ولها ذمة مالية مستقلة وليست فرع من الطاعنة ، بما لا يستساغ معه القول بتبعيتها للطاعنة ، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض دفاعها في هذا الخصوص معتداً في قضائه بتقرير لجنة الخبرة ، رغم أن ما انتهت إليه الخبرة في تقريرها بشأن توافر التبعية بين الشركة المستفيدة من العقد والطاعنة قام على أدلة واهية وخلت الأوراق من الدليل عليه ، هذا وبفرض صحة ما ذهب إليه المطعون ضده وما ادعاه بشأن وساطته لانعقاد العقد مثار النزاع ، فإن الطاعنة تكون قد تعاقدت معه نيابة عن الشركة المزعوم بتبعيتها لها ، ويستتبع ذلك انصراف أثر العقد إلي الشركة الأخيرة دون الطاعنة باعتبار أنها الأصيل في العقد إعمالاً لقاعدة نسبية أثر العقود ، ولازم ذلك أن تكون الشركة المقول بتبعيتها للطاعنة هي صاحبة الصفة في الدعوى ، وهو مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي ، مردود ذلك أن من المقرر ــ في قضاء هذه المحكمة ــ أن الدعوى هي حق الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق أو المركز القانوني المدعي به ، ومن ثم فإنه يلزم توافر الصفة الموضوعية لطرفي هذا الحق بأن ترفع الدعوى ممن يدعي استحقاقه لهذ الحماية وضد من يراد الاحتجاج عليه بها ، وأن الصفة في الدعوي تتوافر في جانب المدعي عليه حينما يكون هو المسئول أصالة أو تبعاً عن الحق المدعي به أو مشتركاً في المسئولية عن هذا الحق أو المركز القانوني المطلوب حمايته حال ثبوت أحقية المدع فيه ، وأن استخلاص توافر الصفة في الدعوى من عدمه هو من قبيل فهم الواقع في الدعوى مما تستقل بتقديره محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة التمييز في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة ومقبولة ولها أصل ثابت بالأوراق . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده أبرم مع الطاعنة عقد السمسرة مثار النزاع الكترونيا ، وهو ما يكفي لإضفاء الصفة على الطاعنة في الدعوى ، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة ورفض دفاع الطاعنة في هذا الخصوص بأسباب مسوغة ومقبولة لما انتهى إليه ، فإن النعي عليه لا يعدو أن يكون مجرد جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص توافر الصفة في الدعوى مما تنحسر عنه رقابة محكمة التمييز .
وحيث إن الطاعنة تنعي بالأسباب الثالث والرابع والخامس من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع حين شيد قضاءه بإلزامها بأداء المبلغ المقضي به للمطعون ضده على ما انتهت إليه لجنة الخبرة في تقريرها من أن الرسائل الالكترونية المتبادلة بين الطاعنة والمطعون ضده تضمنت تلاقى الإيجاب والقبول على المعقود عليه والاتفاق على نسبة الوساطة ــ العمولة ــ وحالات استحقاقها ، ومن أنها ــ الطاعنة ــ لم تثبت قيام وسيط آخر غير المطعون ضده بإتمام الصفقة المتفق عليها مع أن الرسائل التي استدلت بها الخبرة في تقريرها وما توصلت إليه بشأنها لا تثبت أو تفيد تطابق الإيجاب والقبول اللازمين لانعقاد العقد ، هذا إلى أن ما قررته الخبرة من عدم إثبات الطاعنة تمام الصفقة بمعرفة وسيط آخر غير المطعون ضده فيه قلب لعبء الإثبات ونقله على عاتقها وهو ما لا يجوز قانوناً ، وهو مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أن من المقرر أنه إذا كان العقد صحيحاً ولازماً فلا يجوز لأحد طرفيه أن يستقل بالرجوع فيه ولا تعديله ولا فسخه إلا برضاء المتعاقد الآخر أو بمقتضى نص في القانون ، و أنه يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية ، وأن التزام المتعاقد ليس مقصوراً على ما ورد في العقد ولكنه يشمل أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف وطبيعة التصرف ، بما مؤداه أنه يجب على طرفي العقد الوفاء بالالتزامات المتبادلة التي أنشأها العقد على أن يقوم كل طرف بما التزم به ، وأن تنفيذ الالتزام يتم بأداء محله والوفاء به ، وأن مفاد نصوص المواد 125، 126، 129، 130، 132، 140، 141 من قانون المعاملات المدنية أن وصف العقد يصدق على كل اتفاق يراد به إحداث أثر قانوني ، وأن إسباغ وصف المتعاقد إنما ينصرف إلى من يفصح عن إرادة متطابقة مع إرادة آخر على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله في خصوص موضوع معين يحدد العقد نطاقه ، وأنه يشترط لانعقاد العقد مطابقة الإيجاب للقبول وارتباطه به ، وأن المقصود بالإيجاب هو العرض الذى يعبر به الشخص الصادر منه على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين بحيث إذا ما اقترن به قبول مطابق له انعقد العقد ، ويعتبر التعاقد قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص في القانون يقضى بغير ذلك ، و أن مفاد نص المادتين 254 ، 256 /1 ، 2 ، 4 من قانون المعاملات التجارية أن السمسرة هي عقد يتعهد بمقتضاه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثاني لإبرام عقد معين وبالوساطة في مفاوضات التعاقد ، ولا يستحق السمسار أجراً عن وساطته إلا إذا أدت هذه الوساطة إلى إبرام العقد بين الطرفين ويعتبر العقد قد أبرم متى اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية فيه ، وتكون العبرة في استحقاق السمسار أجره هي بإبرام العقد ولو لم ينفذ إلا إذ قضى الاتفاق والعرف بغير ذلك ، وإذ تعذر إبرام العقد لسبب يرجع إلى العميل استحق السمسار تعويضاً لما بذله من جهد ، وأنه وفقاً للمادة 5/2 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 46 لسنة 2021 بشأن المعاملات الإلكترونية وخدمات الثقة أن للمعلومات الواردة في الرسائل الإلكترونية حجيتها القانونية متى كان الاطلاع على تفاصيل تلك المعلومات متاحاً ضمن النظام الإلكتروني الخاص بمنشئها ، وتمت الإشارة إليه في الرسالة وكيفية الاطلاع عليها ، ووفقاً للمادة 18 من ذات المرسوم بقانون تكون الرسالة الإلكترونية أو التوقيع الإلكتروني مقبولين كدليل في الإثبات ، و أن مفاد المادتين 113 و 117 من قانون المعاملات المدنية والمادة الأولى من قانون الإثبات أن يتناوب الخصمان عبء الإثبات في الدعوى تبعاً لما يدعيه كل منهما فعلى من يدعى حقاً له على آخر أن يقم الدليل على ما يدعيه بخلاف الأصل وهو براءة الذمة بينما انشغالها عارض ، فإن أثبت حقه كان للمدعي عليه تقديم الدليل على انقضاء الدين وسببه ، وكان لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداه ، ولها تفسير العقود والاتفاقات وسائر المحررات بما تراه أوفى بمقصود عاقديها وأصحاب الشأن فيها ، و استظهار انعقاد العقد وتنفيذه والإقالة منه وتقدير الوفاء بالالتزامات في العقود الملزمة للجانبين ، واستخلاص مدى تنفيذ كل طرف من المتعاقدين للالتزامات التي التزم بها في العقد ، وتحديد الجانب المقصر في العقد ونفي التقصير عنه ، ولها تقدير حجية رسائل البريد الالكتروني وقوتها في الإثبات والأخذ بالنتيجة التي انتهى إليها الخبير محمولة على الأسباب التي بنى عليها وذلك متى اطمأنت المحكمة إلى هذه النتيجة والأسباب التي بنيت عليها ورأت كفايتها لتكوين عقيدتها في الدعوى مضافاً إليها باقي العناصر المقدمة في الدعوى ودون أن تكون ملزمة بالرد على اعتراضات الخصوم على التقرير أو تتبع الخصوم في كافة أوجه دفاعهم لأن في أخذها بما اطمأنت إليه ما يفيد أنها رأت كفاية تقرير الخبرة الذي اقتنعت به وأن المطاعن التي وجهت له من الخصوم لا تستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنها التقرير طالما أن الخبير قد تناول نقاط الخلاف المثارة بين الطرفين ودلل عليها بأسباب سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق ودون حاجة لإلزام الخبير بأن يؤدي المأمورية على وجه معين إذ حسبه أن يقوم بها على النحو الذي يراه محققاً للغاية التي ندب إليها وطالما أن عمله خاضعا في النهاية لتقدير محكمة الموضوع . وكان الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم المستأنف لأسبابه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضد المبلغ المقضي به على ما خلص إليه من أوراق الدعوى ومستنداتها وتقرير الخبير الذي اطمأن إليه تلاقى الإيجاب والقبول بين الطاعنة والمطعون ضده لعقد السمسرة مثار النزاع عن طريق التعاقد الإلكتروني وإبرام هذا العقد بينهما ونتج عنه قيام المطعون ضده بأعمال الوساطة التي تفرع عنها عقد توريد النفط من شركة غاز بروم نفط س . م . ع الروسية لصالح شركة زيليون انيرجى م . د . س وأحقية المطعون ضده في العمولة المتفق عليها عن هذا العقد وانشغال ذمة الطاعنة بالمبلغ المطالب به ، وكان هذا الذي خلص إليه الحكم المطعون فيه سائغاً ومستمداً مما له أصل ثابت بالأوراق وكافِ لحمل قضائه ويتضمن الرد الضمني المسقط لما يخالفه ، فإن النعي عليه بما سلف لا يعدو أن يكون مجرد جدل موضوعي فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره واستخلاصه من واقع المستندات والأدلة المطروحة عليها ومنها تقرير الخبير واستخلاص تلاقي الإيجاب والقبول وانعقاد العقد وما يرتبه من التزامات بين عاقديه وهو مما تنحسر عنه رقابة هذه المحكمة . وإذ كان الثابت أن المطعون ضده قد التزم الأصل العام في الإثبات وقدم الدليل على ادعائه في مواجهة الطاعنة بما ينتقل معه عبء دحض ما أثبته المطعون ضده على عاتق الطاعنة ، ومن ثم فإن ما ذهبت إليه الطاعنة في دفاعها في هذا الخصوص يكون غير صحيح ، والنعي على الحكم المطعون فيه يكون في جملته على غير أساس متعينا رفضه .
وحيث إنه ولما تقدم يتعين رفض الطعن .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : برفض الطعن وألزمت الطاعنة المصروفات ومبلغ ألفين درهم مقابل أتعاب المحاماة مع مصادرة التأمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق