بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 23-10-2025 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعنين رقمي 1278 ، 1351 لسنة 2025 طعن تجاري
طاعن:
د. ب. ق. ش. م. ح.
مطعون ضده:
ش. إ. ل. ا. ا. ا. ا. س. ب. ش. إ. ل. ا. ا. ا.
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2025/24 استئناف أمر أداء بتاريخ 03-09-2025
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص الذي أعده وتلاه بجلسة المرافعة القاضي المقرر/أحمد عبد القوي سلامة وبعد المداولة :
ــ حيث استوفى الطعنان شروط قبولهما الشكلية .
وحيث إن الوقائع ــ على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ــ تتحصل في أن المطعون ضدها في الطعن الأول رقم 1278 لسنة 2025 تجاري كانت قد تقدمت بطلب على العريضة رقم 60 / 2025 / 50 إلى القاضي المختص بإصدار أمر الأداء لإلزام الطاعنة فيه بأداء مبلغ 1,128,757 دولار أمريكي أو ما يعادله بالدرهم الإماراتي مبلغ 4,145,941.39 درهم و الفائدة الاتفاقية بواقع 15% من تاريخ التوقف عن السداد الحاصل في 30/8/2024 وحتى تمام السداد ، وذلك علي سند أنها أبرمت مع الطاعنة بتاريخ 30/5/2019 اتفاقية لتقديم خدمات ، وأن الأخيرة طلبت منها بتاريخ 16/4/2024 إغلاـق جميع المعاملات محل التعاقـد وتزويـدها بكشف حساب نهائي يتضمن كافة المبالغ المترصدة في ذمتها ، وعلى أثر ذلك قامت المطعون ضدها بتزويدها بهذا البيان ، إلا أنها تقاعست عن السداد ، مما حدا بالطرفين إلى إبرام ملحق لتلك الاتفاقية في 16/5/2024 أقرت فيه الطاعنة بالمديونية ، وجري الاتفاق بينها بموجبها على سداد المبلغ المستحق عليها والفوائد الاتفاقية على ثلاث دفعات ، وفى حال التخلف عن السداد تطبق فائدة اتفاقية بواقع 15 % على المبلغ المترصد من تاريخ الاستحقاق وحتى تمام السداد . و أن الطاعنة لم تسدد من المبلغ المستحق عليها سوى مبلغ 149,930 دولار أمريكي فقط رغم تكرار إقرارها بالمديونية في الرسائل الإلكترونية المتبادلة بينهما ، وإذ كلفتها المطعون ضدها بالوفاء دون جدوي ، ومن ثم تقدمت بالعريضة بطلباتها سالفة البيان . بتاريخ 22/1/2025 رفض القاضي المختص الطلب . استأنفت المطعون ضدها هذا القرار بالاستئناف رقم 24 لسنة 2025 أمر أداء ، دفعت الطاعنة بعدم اختصاص محاكم دبي دوليا بنظر النزاع ، ندبت المحكمة خبيراً ، وبعد أن أودع تقريره ، قضت بجلسة 3/9/2025 بإلغاء الأمر المستأنف والقضاء بإلزام الطاعنة بأن تؤدى للمطعون ضدها مبلغ 1,128,757 دولار أمريكي أو ما يعادله بالدرهم الإماراتي مبلغ 4,145,941.39 درهم والفائدة الاتفاقية بواقع 15% على مبلغ الإغلاق الحاصل في 30/8/2024 وعلى أن تصير فائدة قانونية بواقع 5 % سنوياً اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصل في 19/12/2024 وحتى تمام السداد . طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق التمييز بالطعن رقم 1278 لسنة 2025 تجاري بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بهذه المحكمة بتاريخ 15/9/2025 بطلب نقضه ، قدمت المطعون ضدها مذكرة بالرد ، كما طعنت المطعون ضدها في ذات الحكم بالطعن رقم 1351 لسنة 2025 تجاري بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بتاريخ 30/9/2025 بطلب نقضه ، قدمت الطاعنة مذكرة بالرد . وإذ عرض الطعنان في غرفة مشورة ورأت المحكمة أنه جديران بالنظر حددت جلسة لنظرهما في المرافعة وفيها قررت حجزه للحكم ليصدر فيهما حكماً واحداً للارتباط بجلسة اليوم .
وحيث إن الطعن الأول رقم 1278 لسنة 2025 تجاري أقيم على خمسة أسباب تنعي الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ، وفى بيان ذلك تقول أنها تمسكت بعدم اختصاص محاكم دبي دوليا بنظر النزاع واختصاص محاكم جنيف بدولة سويسرا بنظره لثبوت الاتفاق بينها والمطعون ضدها بموجب البند 29 من الاتفاقية المبرمة بينهما على اختصاص المحاكم الأخيرة بنظره ، و دللت على دفاعها بإقامتها دعوى موضوعية عن ذات الطلبات في دعوى الحال ومثول المطعون ضدها فيها أمام محاكم جنيف بسويسرا ، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض دفاعها على ما ساقه بأن للمدعى الحق في اختيار المحكمة التي يرفع الدعوى أمامها مادامت أن المعاملة تجارية وأن للمطعون ضدها موطن معلوم بإمارة دبي ، وهو مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أنه من المقرر ــ في قضاء محكمة التمييز ــ أنه متى كانت محاكم دبي هي المختصة بنظر النزاع وفقاً لقواعد الاختصاص الدولي لمحاكم دبي الواردة في قانون الإجراءات المدنية ، فإنه يبطل أي اتفاق بين الطرفين يخالف ذلك ، فإذا كانت علاقة الطرفين تجارية فإن الاختصاص المحلي ينعقد للمحكمة التي يقع بدائرتها موطن المدعى عليه ، أو للمحكمة التي تم الاتفاق أو نُفذ كله أو بعضه في دائرتها ، أو للمحكمة التي يجب تنفيذ الاتفاق في دائرتها ، والخيار هنا للمدعي فمتى اختار إحداها صارت هي المختصة محليا بنظر الدعوى ، وأنه وفقاً لنصوص المواد 19، 20 ، 23 ، 33 من قانون الإجراءات المدنية الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 42 لسنة 2022 تسري على قواعد الاختصاص وجميع المسائل الإجرائية قانون الدولة التي تقام فيها الدعوى أو تباشر فيها الإجراءات على أن تسري أحكام هذا القانون على جميع القضايا المدنية والتجارية والأحوال الشخصية التي ترفع أمام محاكم الدولة ، وأنه فيما عدا الدعاوى العينية المتعلقة بعقار في الخارج تختص محاكم الدولة بنظر الدعاوى التي ترفع على المواطن والدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الدولة على أن تختص المحاكم بنظر الدعوى على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في الدولة في حالة تعدد المدعى عليهم وكان لأحدهم موطن أو محل إقامة فيها ، وأن الاختصاص المكاني يكون للمحكمة التي يقع بدائرتها موطن المدعى عليه أو للمحكمة التي أبرم الاتفاق أو نُفذ كله أو بعضه في دائرتها أو للمحكمة التي يجب أن ينفذ الاتفاق كله أو بعضه في دائرتها ، كما يكون الاختصاص المكاني بالنسبة للشركات والمؤسسات للمحكمة التي يقع في دائرتها مركزها الرئيسي أو للمحكمة التي يقع في دائرتها أحد فروعها وذلك في المسائل المتصلة بهذا الفرع ، لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعنة الوارد بوجه النعي وأطرحه على ما انتهى إليه أن الطاعنة شركة منطقة حرة تأسست بالمنطقة الحرة بمطار دبي بتاريخ 1/8/2012 ونشاطها تجارة السكر وغيرها من السلع الأخرى بموجب الرخصة التجارية الصادرة لها برقم 2324 من المنطقة الحرة لمطار دبي ــ وهو ما لم تمار فيه ــ بما يعد هذا موطنها ، وقد اختارت المطعون ضدها موطن الطاعنة ــ أحد معايير الاختصاص ــ وأقامت دعواها فيه مختصمة إياها ، وهو ما ينعقد به الاختصاص بنظر الدعوى المطروحة لمحاكم دبي ، وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه سائغاً ولا مخالفة فيه للقانون ، ولا يقدح فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه تمسك الطاعنة بالشرط الذي تضمنته الاتفاقية مثار النزاع بين المتخاصمين على اختصاص محاكم جنيف بسويسرا ، إذ أن هذا الشرط وقع باطلاً ولا أثر له وليس من شأنه أن يسلب الاختصاص عن محاكم دبي بنظر الدعوى ، ومن ثم النعي يكون على غير أساس متعيناً رفضه .
وحيث إن الطاعنة تنعي بالأسباب الثاني والثالث والرابع من أسباب الطعن على الحكم المطعون مخالفة القانون حين قضى بإلزامها بأن تؤدى للمطعون ضدها المبلغ المقضي به رغم تمسك الطاعنة بأن الدين المطالب به غير ثابت بالكتابة وغير معين المقدار وغير حال الأداء وأنه متنازع فيه وفى كيفية سداده ، واستدلت على ذلك بالرسائل الإلكترونية المتبادلة بينها والمطعون ضدها وصولاً لجدولة مبلغ المديونية ، وإقامتها دعوى موضوعية بشأن ذات الطلبات في الدعوى المعروضة أمام محاكم سويسرا ، ومن ثم انتفاء شروط استصدار أمر الأداء ، بما كان يوجب على الحكم المطعون فيه التخلي عن نظر الموضوع و أن يمسك عن القضاء للمطعون ضدها بالطلبات ويتركه لقاضي الموضوع ويقضى بعدم قبول الدعوى لانتفاء شروط استصدار أمر الأداء ، هذا إلى تمسكها بأنها لم تطلب من المطعون ضدها إغلاق التعاملات بل اقتصر الطلب علي مجرد وقف النشاط مؤقتاً لوجود ظروف طارئة وقوة قاهرة تمثلت في قيام ثورة بنغلاديش التي تحول دون تنفيذ الاتفاق ولحين استقرار السوق والأسعار وفقا لما جرى الاتفاق عليه والذى ما زال سارياً ، وهو ما لا يحق معه للمطعون ضدها طلب أية مبالغ إضافية عن مبلغ الدين أو أية فوائد عنه ، إلا أن الحكم المطعون فيه أعرض عما تمسكت به الطاعنة ومضى إلى نظر موضوع الدعوى وأجاب المطعون ضدها لطلباتها فيها معولاً في قضائه على مذكرات التفاهم بين الأطراف واعتبرها تسوية نهائية رغم أن الثابت من الايميلات المتبادلة بينهما أنه لم يتم الاتفاق على تسوية المبلغ والانتهاء إلى طريقة سداده وهو ما يعد من الحكم إخلال بمبدأ التقاضي على درجتين ، هذا إلى التفات الحكم المطعون فيه عن تمسكها بعدم قبول أمر الأداء كون أن المبالغ المطالب بها بموجبه تزيد عن تلك الواردة بأمر التكليف بالوفاء علي خلاف مقتضى المادة 144/1 من قانون الإجراءات المدنية ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أنه من المقرر ــ في قضاء هذه المحكمة ــ أن أمر الأداء كطريق استثنائي لرفع الدعوى يصدر من القاضي المختص بمقتضي سلطته القضائية ، وبذلك تتوافر فيه كل مقومات العمل القضائي ويرتب نفس آثار الأحكام ، وقد أجاز المشرع الطعن فيه بطريق الاستئناف ، ويكون لمحكمة الاستئناف عند نظر استئناف أمر الأداء ذات السلطات المقررة لها في حالة استئناف الحكم القضائي ، ومن ثم إذا هي رأت تأييد أمر القاضي برفض طلب الدائن إصدار الأمر أو إلغاء الأمر الصادر ضد المدين لعدم توافر الشروط الموضوعية لاستصداره ، كأن يكون الدين المطالب به غير ثابت بالكتابة أو متنازعاً عليه أو غير حال الأداء أو غير معين المقدار ، دون أن يمتد هذا العيب إلى ذات عريضة طلب الأمر أو إجراءات تقديمه ، تعين عليها ألا تقف عند حد القضاء بإلغاء أمر الأداء أو تأييد قرار القاضي برفض إصداره ، بل يجب عليها ن تمضي في نظر موضوع النزاع والفصل فيه بحكم جديد ، دون أن يعد ذلك منها إخلالاً بمبدأ التقاضي على درجتي ن ، وأنه يشترط لإعمال نظرية الحوادث الطارئة أو القوة القاهرة التي توقف أو تحد من تنفيذ الالتزام ألا يكون تراخي تنفيذ التزام المدين إلى ما بعد وقوع الحادث الطارئ راجعاً إلى خطئه إذ لا يستفيد في هذه الحالة من تقصيره ، كما وأن هذه النظرية لا تقوم أصلاً في نظر المتعاقدين أو بنصوص القانون المنظم لها إلا بتوافر الشروط التي يتطلبها القانون في وصف الحادث الطارئ بمعناه العام بأن يكون حادثاً استثنائياً طارئاً وغير مألوف وليس في الوسع توقعه وقت التعاقد كما لا يمكن دفعه بعد وقوعه وأن يثبت أن التراخي في تنفيذ الالتزام كان نتيجة لتلك القوة ، وأن تقدير ما إذا كانت الواقعة المدعى بها تعتبر قوة قاهرة وأن تراخي التنفيذ كان بسببها هو تقدير موضوعي تملكه محكمة الموضوع في حدود سلطاتها التقديرية متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة مستمدة من أصل ثابت في الأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها ، وأن النص في المادة 28 من قانون الإثبات الصادر بمرسوم بقانون اتحادي رقم 35 لسنة 2022 على أنه يعد المحرر العرفي صادراً ممن وقعه وحجة عليه ، ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة ، مفاده أن المشرع قد جعل الورقة العرفية حجة بما دون فيها قبل من نسب إليه توقيعه عليها إلا إذا أنكر ذات الإمضاء أو الختم الموقع به إنكاراً صريحاً ، فإن هو اقتصر على إنكار مضمون الورقة كله أو بعضه فإنه لا يكون قد أنكر التوقيع على الورقة العرفية بالمعنى المقصود في هذه المادة وتبقى للورقة قوتها الكاملة في الإثبات قبل من وقع عليها ما لم يتخذ إجراءات الادعاء بتزويرها ، وأن مفاد المادتين 113 و 117 من قانون المعاملات المدنية والمادة الأولى من قانون الإثبات أن يتناوب الخصمان عبء الإثبات في الدعوى تبعاً لما يدعيه كل منهما فعلى من يدعى حقاً له على آخر أن يقم الدليل على ما يدعيه بخلاف الأصل وهو براءة الذمة بينما انشغالها عارض ، فإن أثبت حقه كان للمدعي عليه تقديم الدليل على انقضاء الدين وسببه ، وكان لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداه ، لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء الأمر المستأنف وبإلزام الطاعنة بأن تؤدى للمطعون ضدها المبلغ المقضي به وفوائده على ما انتهى إليه من أوراق الدعوى ومستنداتها وملحق الاتفاقية المؤرخة 16/5/2024 المبرمة بين المطعون ضدها والطاعنة أن الأخيرة أقرت بمديونيتها للمطعون ضدها بالمبلغ المطالب به وفوائده من تاريخ التوقف الحاصل في 30/8/2024 بما يتوافر معه شروط استصدار أمر الأداء ، ولا يغير من ذلك ما ذهبت إليه الطاعنة في دفاعها أن المبلغ موضوع الدعوى غير حال الأداء ومتنازع فيه إذ أن الرسائل المتبادلة بين الطاعنة والمطعون ضدها وإقامة الطاعنة دعوى موضوعية أمام محاكم سويسرا في هذا الخصوص والتي تستدل بهما على دفاعها ليس من شأنهما أن يفضيا إلى القول بأن الدين غير حال الأداء ومتنازع فيه لا سيما وأن البين أن تلك الرسائل التي تستدل بها الطاعنة لا تنصرف إلى الدين واستحقاقه وانشغال ذمتها به إنما هي محاولة لإعادة جدولة السداد بينها والمطعون ضدها ، وأن إقامة الدعوي التي تتذرع بها الطاعنة لا تؤدى إلى اعتبار أن الدين متنازعاً فيه بحسبان أنه يشترط لاعتبار الدين متنازعاً فيه أن يكون بطبيعته مما يقبل المنازعة فيه وهو ما خلا منه الدين موضوع الدعوى المرددة . وأما ما تثيره الطاعنة بشأن التفات الحكم المطعون فيه عن دفعها بعدم قبول أمر الأداء لتضمنه مبالغ تزيد عن تلك الواردة في التكليف بالوفاء ــ وهو في حقيقته دفع ببطلان التكليف بالوفاء ــ وكان الثابت أن المبلغ المطالب به في صحيفة استصدار أمر الأداء يقل عن المبلغ الوارد في التكليف بالوفاء . ولا يجدي الطاعنة تمسكها بالقوة القاهرة لثبوت امتناعها عن السداد رغم زوال القوة القاهرة التي من شأنها وقف الالتزام دون انقضائه ، ومن ثم يكون هذا الذى انتهى إليه الحكم المطعون فيه سائغاً ومستمداً مما له أصل ثابت بالأوراق ويتضمن الرد الضمني المسقط لكل حجة مخالفة ، فإن النعي عليه بما سلف لا يعدو أن يكون جدل موضوعي فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره واستخلاصه من واقع الأدلة والمستندات المطروحة عليها ومنها توافر شروط أمر الأداء وتقدير جدية المنازعة في الدين محله أو عدم جديتها وتوافر القوة القاهرة من عدمه وهو ما تنحسر عنه رقابة هذه المحكمة . وإذ كان من سلطة محكمة الاستئناف إن هي رأت إلغاء الأمر الصادر من القاضي المختص برفض إصداره أن تمضي في نظر موضوع النزاع والفصل فيه بحكم جديد ، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر ومضى في نظر موضوع النزاع وفصل فيه ، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو اخطأ في تطبيقه ، والنعي عليه بهذا الوجه على غير أساس متعيناً رفضه .
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الخامس من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق حين ركن الحكم المطعون فيه في قضائه إلى تقرير الخبرة رغم ما اعتراه من قصور وابتنائه على استنتاج فاسد لا يكشف عن الإلمام بوقائع النزاع ، ذلك أن الخبرة ادعت وعلى خلاف الحقيقة أنه تم إخطار الطاعنة بمباشرة المأمورية وأن الخبرة قعدت عن الانتقال إلى مقر الطاعنة للاطلاع على ما لديها من سجلات وصولاً إلى حقيقة التعاملات بينها والمطعون ضدها وعلى النحو الذى أناط به الحكم التمهيدي المأمورية للخبرة ، كما اكتفت الخبرة بنقل بعض من شروط الاتفاقية واعتبرتها الحاكمة للعلاقة بين الطرفين وأغفلت المستندات والإجراءات اللاحقة على هذه الاتفاقية ، كما أغفلت الخبرة القوة القاهرة التي تعرضت لها الطاعنة نتيجة الظروف السياسية في دولة بنجلاديش والتي كانت سبباً مباشراً في تعثر الطاعنة ، وقد أبدت الطاعنة اعتراضها على هذا التقرير ، غير أن الحكم المطعون فيه أعرض عن بحث اعتراضاتها ولم يستدع الخبير لمناقشته في النتيجة التي انتهى إليها ودون أن يضمن حكمه الأسباب التي ترفع القصور عن التقرير ، وهو مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أن من المقرر أنه متى رأت المحكمة الأخذ بتقرير الخبير محمولاً على أسبابه وأحالت إليه اعتبر جزءاً من أسباب حكمها دون حاجة إلى تدعيمه بأسباب خاصه أو الرد استقلالاً على الطعون الموجهة إليه ، وهى غير ملزمة بالرد على كل ما يقدمه الخصوم مــــــــــــــــن مستندات أو قول أو حجة أو طلب أثاروه ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لتلك المستندات والأقوال والحجج والطلبات ، و أن الخبير يستمد صلاحيته من قرار المحكمة التي ندبته ولا إلزام عليه في القانون بأداء عمله على وجه معين وحسبه في ذلك أن يقوم بما ندب من أجله على النحو الذى يراه محققاً للغاية من ندبه ما دام قد التزم حدود المأمورية المرسومة له ، ولا يؤثر على عمل الخبير عدم استرساله في أداء مأموريته على النحو الذي يروق للخصوم طالما أنه فصل الأمر تفصيلاً أقنع المحكمة بما رأت معه وضوح الحقيقة دون حاجة لتحقيق ما طلبه هؤلاء الخصوم في دفاعهم ، ولا يعيب التقرير عدم انتقال الخبير لمقرات الأطراف إذ حسب الأصل يتعين أن يقدم له كل طرف مستنداته التي يعول عليها في إثبات أو مناهضة الدعوى ، وأنه لا ينتقل إلى مقرات الخصوم للاطلاع على ما لديهم من مستندات إلا إذ تعذر عليه الحصول على المستندات التي تمكنه من إنجاز المأمورية المسندة إليه ، وله أن يستقي معلوماته من أية أوراق تقدم له من كلا الخصمين باعتبار أن عمله في النهاية هو مما يخضع لتقدير محكمة الموضوع ، ولا عليه إن لم ينتقل إلى مقرات الخصوم متى وجد في المستندات المقدمة له ما يكفي لإبداء رأيه ، لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد حمل قضاءه في الدعوى على ما انتهى إليه الخبير وفى ضوء اطمئنانه لسلامة النتيجة التي خلص إليها ، فإن ما تثيره الطاعنة بوجه النعي لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير محكمة الموضوع لعمل الخبرة والأخذ به في قضائها وهو ما لا تجوز إثارته أمام هذه المحكمة متعيناً رفضه .
وحيث إن الطعن الثاني رقم 1351 لسنة 2025 تجاري أقيم على سبب واحد تنعى به الطاعنة على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق ، وفي بيان ذلك تقول أنها طلبت إلى المحكمة إلزام المطعون ضدها بأن تؤدى إليها الفوائد الاتفاقية بواقع 15% على مبلغ المديونية المشغول بها ذمتها من تاريخ التوقف عن السداد الحاصل في 30/8/2024 حتى السداد التام ، وأنها أسست هذا الطلب على التزام المطعون ضدها بأدائه بموجب الاتفاق الذى جرى بينهما المؤرخ 16/5/2024 وأبدته في صورة صريحة جازمة تقرع آذان المحكمة وهو ما أثبته تقرير الخبرة المنتدبة في الدعوى ، إلا أن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الاتفاق الصريح مع وضوح عبارته ودلالته وجرى في قضائه لها بالفوائد الاتفاقية بواقع 15% على مبلغ المديونية الحاصل في 30/8/2024 وعلى أن تصير فائدة قانونية بواقع 5 % سنوياً اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصل في 19/12/2024 وحتى تمام السداد وعلى خلاف مقتضى الاتفاق المشار إليه ، وهو مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي سديد ، ذلك أنه من المقرر أن العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز لأحد المتعاقدين الرجوع فيه ولا تعديله ولا فسخه إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون ، وأن الأصل في العقد رضاء المتعاقدين وما التزماه في التعاقد ، وأنه إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها ، إذ يجب اعتبارها تعبيراً صادقاً عن إرادتهما المشتركة وذلك رعاية لمبدأ سلطان الإرادة وتحقيقاً لاستقرار المعاملات ، وأن مؤدى نص المادتين 73 ، 84 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 50 لسنة 2022 بإصدار قانون المعاملات التجارية أنه إذا تضمن العقد اتفاقاً على سعر الفائدة ، وتأخر المدين في الوفاء به ، احتسبت الفائدة التأخيرية على أساس السعر المتفق عليه حتى تمام السداد ، وإذا كان محل الالتزام التجاري مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام وتأخر المدين في الوفاء به ، كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير الفائدة المحددة في المادتين 72 ، 73 ما لم يتفق على غير ذلك ، وأنه من المقرر ــ في قضاء محكمة التمييز ــ أن الفائدة الاتفاقية التي يقضى بها للدائن عند تأخير المدين في الوفاء بالدين رغم حلول موعد استحقاقه هي صورة من صور التعويض عن الضرر الذى يحيق بالدائن من جراء مطل مدينه في الوفاء بالدين رغم حلول أجله ، والحيلولة بين الدائن وبين الانتفاع به ، وهو ضرر مفترض لا يقبل إثبات العكس ويتعين تعويض الدائن عنه مقابل خطأ مدينه ، لمجرد التأخير في الوفاء في حد ذاته ، ولا يغير من طبيعتها كتعويض ، ومشروعيتها ، وتحديدها بنسبة معينة ، حسبما يتفق عليه الطرفان عند إبرام العقد ، وأن الفوائد التأخيرية المطالب بها تكون مستحقة عندما يتراخى المدين عن الوفاء بالتزامه وتعد بمثابة تعويض أيضا عما لحق الدائن من ضرر نتيجة التأخير في الوفاء ــ سواءً كان هذا الالتزام مدنياً أو تجارياً ــ وكان مؤدى قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز رقم 1 لسنة 2021 أن مناط القضاء بفائدة بسيطة يكون حال عدم وجود ثمة اتفاق بين الأطراف على سعر الفائدة ، ولازم ذلك ــ وبمفهوم المخالفة ـ ما يوجب إعمال إرادة الطرفين على سعر الفائدة المتفق عليه في العقد إذا تم الاتفاق عليه كما هو الحال في الدعوى المطروحة ، وأنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير صيغ العقود والاتفاقات وسائر المحررات بما تراه أوفى إلى نية أصحاب الشأن فيها مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها ، إلا أن ذلك مشروط بألا تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي تحتمله عبارات العقد ، فإن عدلت عن المدلول الظاهر لصيغ العقود والشروط كان عليها أن تبين في حكمها لم عدلت عنه إلى خلافه ، وكيف أفادت تلك الصيغ ذلك المعنى الذي أخذت به ورجحت أنه هو مقصود المتعاقدين ، بحيث يتضح من هذا البيان أنها اعتمدت في تأويلها على اعتبارات معقولة يصح معها استخلاص ما استخلصته منها ، وأنه يتعين على محكمة الموضوع أن تقيم قضاءها على ما له أصل ثابت بأوراق الدعوى ، فإذا كانت المحكمة قد استخلصت الواقعة التي بنت عليها قضاءها من مصدر لا وجود له أو موجود ، ولكنه مناقض لما أثبتته ، أو غير مناقض ، ولكنه يخالف الوقائع الثابتة مادياً بأوراق الدعوى ، فإن حكمها يكون معيباً بمخالفة الثابت بالأوراق ، وأنه يتعين على محكمة الموضوع أن تقيم قضاءها على عناصر مستقاة مما له أصل ثابت في الأوراق وأن يشتمل حكمها على ما يطمئن المطلع عليه أنها قد محصت الأدلة والمستندات المقدمة في الدعوى بحيث يبنى الحكم على ما يدعمه من أسباب تكون منصبة على مقطع النزاع في الدعوى ومؤدية إلى النتيجة التي بنى عليها قضاءه ، فإذا لم تتفحص الأدلة ولم تطلع على المستندات المقدمة لها والمؤثرة في الدعوى والتي تمسك الخصم بدلالتها أو لم ترد على أوجه الدفاع الجوهري التي طرحها عليها بما يفيد أنها أحاطت بحقيقة الواقع في الدعوى وبالأدلة والمستندات المقدمة فيها ، فإن حكمها يكون مشوباً بمخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع . لما كان ذلك ، وكان الواقع الثابت في الدعوى أن الطاعنة طلبت إلى المحكمة القضاء لها بإلزام المطعون ضدها بأن تؤدى إليها الفوائد الاتفاقية بواقع 15% من تاريخ التوقف عن السداد الحاصل في 30/8/2024 وحتى تمام السداد ، وأن هذا الطلب تأسس على ماجري عليه الاتفاق بينهما المؤرخ 16/5/2024 والذي تمسكت الطاعنة بإعمال أثره في الدعوى ، وإذ كان يبين من الاتفاق المشار إليه التزام المطعون ضدها بموجبه بأن تؤدى للطاعنة فائدة اتفاقية بواقع 15% على المبلغ المشغول به ذمتها حتى تمام السداد ، وكان من مقتضى هذا الاتفاق ــ واضح العبارة والدلالة ــ ما يوجب على المحكمة إعمال أثره في الدعوى والقضاء في طلب الفوائد على مقتضاه ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأطرح اتفاق المتخاصمين دون أن تكشف أسبابه عن سبب هذا الإطراح ومضى في قضائه للطاعنة بالفائدة الاتفاقية بواقع 15% على مبلغ المديونية الحاصل في 30/8/2024 وعلى أن تصير فائدة قانونية بواقع 5% سنوياً اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصل في 19/12/2024 وحتى تمام السداد ، فإنه فضلاً عن مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه يكون معيبا بالقصور في التسبيب ، بما يوجب نقضه جزئياً في هذا الخصوص .
وحيث إنه عن موضوع الاستئناف ــ فيما نقض من الحكم ــ صالح للفصل فيه ، وكان الثابت من الأوراق اتفاق الطرفين بموجب الاتفاقية المؤرخة 16/5/2024 المبرمة بينهما على سداد المطعون ضدها للطاعنة فائدة اتفاقية عن التأخير بنسبة 15% سنوياً بما يوجب إعمال أثر هذا الاتفاق في الدعوى والحكم لها بهذه الفائدة من تاريخ التوقف عن السداد وحتى تمام السداد .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : أولاً : ــ في الطعن رقم 1278 لسنة 2025 تجاري برفضه وألزمت الطاعنة المصروفات ومبلغ ألفين درهم مقابل أتعاب المحاماة مع مصادرة التأمين .
ثانياً : ــ في الطعن رقم 1351 لسنة 2025 تجاري بنقض الحكم المطعون فيه جزئياً بخصوص قضائه بالفائدة وألزمت المطعون ضدها المصروفات ومبلغ ألفين درهم مقابل أتعاب المحاماة ، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم 24 لسنة 2025 أمر أداء وفي شقه المنقوض بإلزام المستأنف ضدها بأن تؤدى للمستأنفة الفائدة الاتفاقية على المبلغ المقضي به بواقع 15% سنوياً من تاريخ التوقف عن السداد الحاصل في 30/8/2024 حتى تمام السداد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق