جلسة 4 إبريل سنة 2004
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد علي سيف الدين وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.
---------------
قاعدة رقم (88)
القضية رقم 46 لسنة 20 قضائية "دستورية".
(1) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: إلغاء القاعدة أو إبدالها: لا يحول دون الطعن عليها".
المصلحة الشخصية المباشرة يحدد للخصومة الدستورية نطاقها؛ فلا تندرج تحتها إلا النصوص التشريعية التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها بصفة مباشرة على النزاع الموضوعي دون ما سواها. إلغاء القاعدة القانونية - أو بالأصح إبدالها بمثلها - لا يحول - دون الطعن عليها من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة له. أساس ذلك، تطبيق.
(2) رقابة دستورية "مناطها تعارض نص تشريعي مع نص في الدستور".
الرقابة على الدستورية - على ما تواتر عليه قضاء هذه المحكمة - مناطها مخالفة النص الطعين لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين.
(3) مبدأ تكافؤ الفرص "إعماله".
مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين وفقاً لنص المادة (8) من الدستور؛ لا يقع إعماله إلا عند التزاحم على هذه الفرص.
(4) مساواة "مراكز قانونية مختلفة".
لا يستقيم القول بمساواة مركز الحاضنة بالحاضن في اختيار المحكمة التي تقام أمامها دعوى الحضانة أو ضم الصغير؛ أساس ذلك.
(5) حق التقاضي "عدم التقيد بأشكال محددة".
سلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حدوداً لها. عدم التقيد بأشكال إجرائية محددة تعكس أنماطاً موحدة للخصومات القضائية. ليس للأخصام أصل حق في أن تنظر محكمة معينة نزاعاتهم.
الإجراءات
بتاريخ الثامن والعشرين من فبراير سنة 1998، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية نص المادة (24) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً أصلياً برأيها، أعقبته بتقرير آخر تكميلي تنفيذاً لقرار المحكمة في هذا الشأن.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليها الخامسة، كانت قد أقامت ضد المدعي الدعوى رقم 8 لسنة 1997 ملي جزئي مصر الجديدة، التي استقرت حقيقة الطلبات فيها إلى ضم وتسليم الصغيرتين "جوستينا وكلارا" لحضانتها، ومنع تعرضه لها في ذلك، قولاً منها بأنها كانت زوجة للمدعي بصحيح العقد الشرعي الكنسي المؤرخ 20/ 7/ 1987 ورزقت منه بالصغيرتين المذكورتين، وأنها أحق منه بحضانتهما مما حدا بها إلى إقامة تلك الدعوى؛ وأثناء نظرها دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (24) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931؛ وبعد تقديرها جدية الدفع، أذنت محكمة الموضوع للمدعي برفع دعواه الدستورية، فأقامها.
وحيث إن النص الطعين يجري على النحو التالي:
"ترفع الدعوى أمام المحكمة التي بدائرتها محل إقامة المدعي أو المدعى عليه إذا كانت من الزوجة أو الأم أو الحاضنة في المواد الآتية:
- الحضانة.
- انتقال الحاضنة بالصغير إلى بلد آخر.
- أجرة الحضانة والرضاعة.....".
وحيث إن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يحدد للخصومة الدستورية نطاقها؛ فلا تندرج تحتها إلا النصوص التشريعية التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها بصفة مباشرة على النزاع الموضوعي دون ما سواها؛ لما كان ذلك، وكانت حضانة الأم لصغيرتيها هي مدار الدعوى الموضوعية، فإن نطاق الدعوى الراهنة ينحصر في قاعدة الاختصاص المحلي بهذه المنازعة كما رسمه النص الطعين؛ ولا يغير من ذلك صدور القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية؛ والعمل به اعتباراً من أول مارس سنة 2000؛ ونصه في المادة الرابعة من مواد إصداره على إلغاء لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المشار إليها، ذلك أن الأصل المقرر هو سريان قوانين المرافعات، على ما لم يكن فصل فيه من الدعاوى، أو ما لم يكن قد تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها، إلا ما استثنى بنص المادة الأولى من قانون المرافعات، كالقوانين المعدلة للاختصاص. وكان البين من مطالعة نص المادة (15) من هذا القانون أنه لم يعدل قاعدة الاختصاص المحلي التي رفعت في ظلها الدعوى الموضوعية، ومن ثم، فإن إلغاء هذه القاعدة - أو بالأصح إبدالها بمثلها - لا يحول - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - دون الطعن عليها من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة له إذ تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، حتى ولو تم الطعن على هذه القاعدة بعد إلغائها.
وحيث إن المدعى ينعى على النص الطعين مخالفته لنصوص المواد (8 و40 و68) من الدستور، فضلاً عن مخالفة الأصل المقرر في قانون المرافعات من عقد الاختصاص المحلي لمحكمة موطن المدعى عليه.
وحيث إن النعي في وجهه الأخير مردود بأن الرقابة على الدستورية - على ما تواتر عليه قضاء هذه المحكمة - مناطها مخالفة النص الطعين لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين؛ ما لم يكن هذا التعارض منطوياً - بذاته - على مخالفة دستورية.
وحيث إنه لا محل كذلك للتحدي في مجال الاختصاص المحلي للمحاكم بالإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين وفقاً لنص المادة (8) من الدستور؛ إذ لا يقع إعماله إلا عند التزاحم على هذه الفرص، بغية تقرير أولوية في مجال الانتفاع بها لبعض المتزاحمين على بعض.
وحيث إنه لا يستقيم القول بمساواة مركز الحاضنة بالحاضن في اختيار المحكمة التي تقام أمامها دعوى الحضانة أو ضم الصغير؛ إذ يفرض عليها إما الانتقال إلى محكمة موطن المدعى عليه، مهما كبدها من مشقة أو نفقة، وإما الإقامة بالقرب من هذا الموطن، لينحل تعطيلاً لجوهر حريتها في الإقامة داخل بلدها، وهي فرع من حريتها الشخصية، التي كفل الدستور صونها، وضمن عدم المساس بها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن سلطة المشرع في تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حدوداً لها. وكان المشرع في مجال إنفاذ حق التقاضي غير مقيد بأشكال إجرائية محددة تعكس أنماطاً موحدة للخصومات القضائية، ولم يكن للأخصام - في الوقت ذاته - أصل حق في أن تنظر محكمة معينة نزاعاتهم. ومن ثم، فإذا ما فوض المشرع الأم طالبة الضم في اختيار المحكمة التي تتداعى إليها من بين محكمتين: المحكمة التي تقيم في دائرتها، أو محكمة موطن المدعى عليه، وجعل منه معياراً للاختصاص المحلي بدعوى ضم الصغير إلى حضانة أمه، استجابة منه للحاجات العملية، وتوخياً لمصلحة المحضون؛ فإنه يكون ملبياً أسمى غايات القضاء، وهي حماية الحقوق في أدق صورها لمن يلوذون به؛ ويغدو النعي بمخالفة النص الطعين للدستور، عارياً عما يسانده من كافة وجوهه؛ متعيناً - والحال كذلك - رفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق