جلسة 8 من مايو سنة 2023
برئاسة السيد القاضي/ رفعت فهمي العزب "نائب رئيس المحكمة"، وعضوية السادة القضـاة/ طلبه مهني محمد، حاتم عبد الوهاب حمودة، عادل محمد عبدالحميد ومحمد عبد المولى شحاته "نواب رئيس المحكمة".
---------------
(62)
الطعنان رقما 13739، 13865 لسنة 91 القضائية
(1- 7) حوادث طارئة "تطبيق نظرية الحوادث الطارئة: نطاقها". محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع بالنسبة للمنازعات الناشئة عن العقود: سلطة محكمة الموضوع في تنفيذ العقد". مسئولية "المسئولية التقصيرية: عناصر المسئولية: الضرر". نقض "إجراءات الطعن بالنقض: إيداع الأوراق والمستندات".
(1) قضاء الحكم المطعون فيه باستنزال المبلغ الذي استلمه المؤجر باعتباره تأمينًا من قيمة الأجرة المقضي بها له دون المبلغ الثابت بإيصال الأمانة طرف المستأجر على سبيل زيادة التأمين والمشار إليهما ببنود عقد الإيجار محل التداعي. صحيح. النعي عليه في هذا الخصوص. غير مقبول. علة ذلك.
(2) نظرية الظروف الطارئة. نطاقها. العقود المؤجلة التي يطرأ بين إبرامها وتنفيذها حادث استثنائي غير متوقع يرهق المدين في التنفيذ. تأجيل التنفيذ هو الباعث على حماية القانون للمدين بإصلاح ما اختل من توازن عقدي نتج عن الظروف الاستثنائية الطارئة. يستوي في ذلك الالتزامات المؤجلة أو دورية التنفيذ. م 147/2 مدني.
(٣) تقصي شروط نظرية الظروف الطارئة. استقلال قاضي الموضوع به. شرطه.
(٤) انتهاء الحكم المطعون فيه لرفض دفاع الطاعن المستأجر بإعمال نظرية الظروف الطارئة وإلزامه بكامل الأجرة المتأخرة استنادًا لكون الحادث الاستثنائي مرور البلاد بجائحة كورونا متوقعًا أو يمكن توقعه رغم تعليق العمل بالعين المؤجرة وفقًا للقرارات الصادرة في هذا الشأن من الجهات المختصة منعًا لانتشار الفيروس باعتبارها مركزًا للتجمع لتحفيظ القرآن الكريم مما يجعل التزام الطاعن بسداد الأجرة مرهقًا. إخلال بحق الدفاع وقصور.
(5) الضرر ركن من أركان المسؤولية. ثبوته. شرط لازم لقيامها وللقضاء بالتعويض. عبء إثباته. وقوعه على الدائن.
(6) التزام الخصوم في الطعن بالنقض بتقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون. اعتبارها من الإجراءات الجوهرية في الطعن بالنقض. م 255 مرافعات المُعدلة بق 76 لسنة 2007. إجراءاته.
(7) قضاء الحكم المطعون فيه برفض طلب الطاعن المؤجر لقيمة التلفيات الحاصلة بالعين المؤجرة استنادًا لعدم تقديمه الدليل على تلك التلفيات. سائغ. النعي عليه في هذا الخصوص دون تقديمه أدلته المشار إليها بسبب طعنه بالنقض. غير مقبول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- إذ كان الثابت من صورتي عقد الإيجار سند الدعوى المقدمتين من الطاعن والمطعون ضده رفق حافظتي المستندات المقدمتين منهما أمام المحكمة أنه نص في البند الخامس من هذا العقد أن قيمة التأمين التي تسلمها المؤجر مبلغ عشرة آلاف جنيه وقد تضمن البند الثالث عشر منه أنه تم التوقيع على إيصال أمانة بمبلغ عشرة آلاف جنيه " طرف المستأجر " على سبيل زيادة مبلغ التأمين ليصبح مبلغ عشرين ألف جنيه، إلا أنه لم يثبت من هذا العقد تسلم المؤجر لهذا الإيصال أو هذا المبلغ، ومن ثم يكون النعي بهذا السبب (بأن الثابت من البندين الخامس والثالث عشر من عقد الإيجار المُبرم بين الطاعن والمطعون ضده أنه تم زيادة مبلغ التأمين بجعله عشرين ألف جنيه بدلًا من عشرة آلاف جنيه، وأن الحكم المطعون فيه قضى باستنزال مبلغ عشرة آلاف جنيه من قيمة الأجرة المقضي بها للمؤجر بالمخالفة لعقد الإيجار) غير صحيح ومن ثم غير مقبول.
2- المقرر- في قضاء محكمة النقض – أن مفاد الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني يبين منه أنه ورد بصيغة عامة تتسع لتطبيق نظرية الظروف الطارئة على جميع العقود التي يفصل بين إبرامها وتنفيذها فترة زمنية يطرأ خلالها حادث استثنائي غير متوقع يؤدي إلى جعل تنفيذ الالتزام مرهقًا للمدين، ذلك أن تأجيل التنفيذ هو الباعث على حماية القانون التي قُصد منها رفع العنت عن المدين وإصلاح ما اختل من التوازن العقدي نتيجة للظروف الاستثنائية الطارئة، هذا الاختلال الذي يقوم في الالتزامات المؤجلة التنفيذ، كما يقوم في الالتزامات التي تُنفذ بصفة دورية.
3- المقرر- في قضاء محكمة النقض – أن تقصي شروط نظرية الظروف والحوادث الطارئة مما يدخل في السلطة التقديرية لقاضي الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة لها مردودها الصحيح بالأوراق.
4- إذ كان رئيس مجلس الوزراء بما خوله الدستور في إصدار لوائح الضبط - بعد موافقة مجلس الوزراء - قد أصدر عدة قرارات - بعد تفشي فيروس كورونا المُستجد عالميًا (كوفيد 19) في البلاد - القصد منها اتخاذ كافة التدابير الاحترازية والاحتياطات الصحية للحماية من هذا الفيروس والحد من انتشاره وتوفير الحماية اللازمة للمواطنين، منها القرار رقم 606 لسنة 2020 والقرار رقم 1246 لسنة 2020 والتي تضمنت التعليق المؤقت لجميع الفعاليات التي تتطلب تواجد تجمعات كبيرة للمواطنين مثل الحفلات الفنية والاحتفالات الشعبية والموالد والمعارض والمهرجانات ووضع قيودًا على انتقال وتحرك المواطنين بكافة أنحاء البلاد - باستثناء العاملين بالمرافق الحيوية -، وكذلك تضمنت هذه القرارات عدة قيود منها تعليق الدراسة في جميع المدارس والمعاهد والجامعات - أيًا كان نوعها - بهدف تلقي العلم تحت أي مسمى كتدبير احترازي في إطار خطة الدولة الشاملة للتعامل مع أي تداعيات محتملة لهذا الفيروس بقصد الحد من انتشار هذا الوباء العالمي، وإعمالًا للقرار الأخير فقد أصدرت الإدارة العامة لشؤون القرآن الكريم بالأزهر الشريف بتاريخ 30/6/2020 قرارها بتعليق العمل بالمكاتب الأهلية لتحفيظ القرآن الكريم؛ لما كان ذلك، وكان مرجع تلك القرارات جميعها هو تعرض البلاد لقوة قاهرة وهي جائحة وباء فيروس كورونا المستجد والذي هو ظرف استثنائي لم يكن في وسع الطاعن أن يتوقعه وترتب عليه أن أصبح تنفيذ التزامه التعاقدي بسداد الأجرة الملزم بها بموجب عقد الإيجار موضوع الدعوى خلال فترة انتشار هذا الفيروس نتيجة توقف النشاط الذي يمارسه في العين المؤجرة - مركز تحفيظ القرآن الكريم – مرهقًا له ويهدده بخسارة فادحة بما تتوافر معه شروط إعمال نظرية الظروف الطارئة، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى رفض دفاع الطاعن بإعمال تلك النظرية على مجرد قوله أن الدفع بإعمالها يُشترط فيه أن يكون الحادث استثنائيًا عامًا غير ممكن توقعه ويخرج عن المألوف، وأن الحادث الذي تمسك به الطاعن متوقع أو كان يمكن توقعه، وانتهى إلى أن الدفع بنظرية الظروف الطارئة قد جاء على غير سند ورتب على ذلك قضاءه بإلزامه بكامل الأجرة المتأخرة، وهو ما لا يواجه هذا الدفاع ولا يصلح ردًا عليه، فإنه يكون معيبًا بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب.
5- المقرر- في قضاء محكمة النقض – أن الضرر ركن من أركان المسؤولية وثبوته شرط لازم لقيامها وللقضاء بالتعويض، ويقع على الدائن عبء إثبات الضرر الذي يدعيه.
6- المقرر- في قضاء محكمة النقض – أن المادة 255 من قانون المرافعات المُعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007 قد عَدل بها المشرع عن نظام ضم الملفات وعاد إلى الأخذ بنظام الصور الذي كان معمولًا به من قبل، إذ أوجبت على الطاعن أن يرفق بصحيفة طعنه المستندات التي تؤيد طعنه، كما أوجبت على قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه أو الحكم الابتدائي بحسب الأحوال أن يُسلم - دون المطالبة بالرسوم - لمن يشاء من الخصوم - خلال سبعة أيام على الأكثر - ما يطلبه من صور الأحكام أو المستندات مذيلةً بعبارة "صورة لتقديمها لمحكمة النقض" بما مفاده أن المشرع عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها.
7- إذ كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب الطاعن (المؤجر) لقيمة التلفيات المشار إليها بسبب النعي (الحاصلة بالعين المؤجرة) على ما خلص إليه من أوراق الدعوى ومستنداتها من أن الطاعن لم يقدم المعاينة المثبت بها تلك التلفيات، وأن المحضر رقم .... لسنة 2020 إداري المقطم والمحرر عن هذه التلفيات قد تم حفظه إداريًا، كما أن أوراق الدعوى ومستنداتها قد خلت من ثمة دليل على وقوع هذه التلفيات، وكان هذا الذي خلص إليه الحكم المطعون فيه سائغًا وله أصله الثابت في الأوراق ويكفي لحمل قضائه، وإذ كان الطاعن لم يقدم رفق طعنه صورة من الفواتير والشهادة التي أشار إليها بسبب الطعن (بالنقض) حتى تستطيع المحكمة التحقق من صحة ما ينعاه على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص، فإن النعي برمته يكون عاريًا عن الدليل، ومن ثم غير مقبول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المــقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع – تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن المطعون ضده في الطعن الأول (الطاعن في الطعن الثاني) أقام على الطاعن في الطعن الأول (المطعون ضده في الطعن الثاني) الدعوى رقم .... سنة 2020 مدني محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم - وفق طلباته الختامية - بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/12/1995 وإلزامه بتسليم الفيلا المبينة بالصحيفة وبأن يؤدي إليه مبلغ 51240 واحد وخمسون ألفًا ومائتان وأربعون جنيهًا قيمة الأجرة المستحقة عن العين المؤجرة عن الفترة من أول مايو حتى نهاية نوفمبر 2020 ومبلغ 500000 خمسمائة ألف جنيه تعويضًا عما لحقه من أضرار وما فاته من كسب، ومبلغ 500 خمسمائة جنيه عن كل يوم تأخير في تسليم العين ابتداءً من 12/9/2020 وحتى صدور حكم نهائي، وقال بيان لذلك: إنه بموجب العقد المشار إليه استأجر منه الطاعن في الطعن الأول العين محل النزاع بقصد استعمالها مركزًا لتحفيظ القرآن الكريم وتضمن العقد النص على التزامه بسداد الأجرة في موعد أقصاه اليوم السابع من كل شهر وبعدم إحداث أية تعديلات بالعين إلا بتصريح من المالك، ولما كان الطاعن في الطعن الأول قد أحدث تعديلات وتلفيات عدة بالعين يستحق التعويض عنها ولم يسدد الأجرة عن المدة المشار إليها فأقام الدعوى. وجه الطاعن في الطعن الأول دعوى فرعية بطلب إلزام المطعون ضده في الطعن الأول برد مبلغ 20000 عشرون ألف جنيه قيمة التأمين الذي تسلمه منه الطاعن في الطعن الثاني عند تحرير عقد الإيجار. حكمت المحكمة في الدعوى الأصلية بإخلاء الطاعن في الطعن الأول من العين محل النزاع والتسليم وإلزامه أن يؤدي إلى المطعون ضده في الطعن الأول مبلغًا مقداره 41243,50 جنيهًا ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، وفي الدعوى الفرعية برفضها. استأنف الطاعن في الطعن الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم .... لسنة 138 ق القاهرة، كما استأنفه المطعون ضده في الطعن الأول بالاستئناف رقم .... لسنة 138 ق أمام ذات المحكمة. ضمت المحكمة الاستئنافين، وبتاريخ 13/6/2021 قضت فيهما بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في الطعن الأول في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 13739 لسنة 91 ق، كما طعن المطعون ضده في الطعن الأخير في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 13865 لسنة 91 ق، وأودعت النيابة مذكرة في كل طعن طلبت في الطعن الأول نقض الحكم المطعون فيه جزئيًا وفي الطعن الثاني برفضه، وإذ عُرض الطعنان على المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظرهما وفيهما التزمت النيابة رأيها.
أولًا: الطعن رقم 13739 لسنة 91 ق:
حيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول: إن الثابت من البندين الخامس والثالث عشر من عقد الإيجار المُبرم بينه وبين المطعون ضده أنه تم زيادة مبلغ التأمين بجعله 20000 عشرين ألف جنيه بدلًا من 10000 عشرة آلاف جنيه إلا أن الحكم المطعون فيه أيد الحكم المستأنف في قضائه باستنزاله لمبلغ عشرة آلاف جنيه فقط من قيمة الأجرة المقضي بها استنادًا إلى أن مبلغ التأمين هو عشرة آلاف جنيه بالمخالفة للثابت بعقد الإيجار، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح؛ ذلك أن الثابت من صورتي عقد الإيجار سندي الدعوى المقدمتين من الطاعن والمطعون ضده رفق حافظتي المستندات المقدمتين منهما أمام المحكمة أنه نص في البند الخامس من هذا العقد أن قيمة التأمين التي تسلمها المؤجر مبلغ عشرة آلاف جنيه وقد تضمن البند الثالث عشر منه أنه تم التوقيع على إيصال أمانة بمبلغ عشرة آلاف جنيه "طرف المستأجر" على سبيل زيادة مبلغ التأمين ليصبح مبلغ عشرين ألف جنيه، إلا أنه لم يثبت من هذا العقد تسلم المؤجر لهذا الإيصال أو هذا المبلغ، ومن ثم يكون النعي بهذا السبب غير صحيح، ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الأول والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول: إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بإعمال نظرية الظروف الطارئة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني نظرًا لتعرض البلاد لجائحة كورونا وما ترتب عليها من توقف نشاط مركز تحفيظ القرآن الكريم الذي كان يباشره بالفيلا المؤجرة له، وهو أمر خارج عن إرادته وتتحقق به شروط إعمال أحكام تلك المادة، خاصة وأنه كان مُلتزمًا مع المطعون ضده طوال أكثر من أربع سنوات على سداد الأجرة، وقدم المستندات المؤيدة لدفاعه من بينها الإنذار المؤرخ 30/5/2020 الموجه منه إلى المطعون ضده والمتضمن عدم استطاعته سداد الأجرة وعدم ممانعته في فسخ عقد الإيجار المبرم بينهما، والمحضر رقم .... لسنة 2020 إداري المقطم بامتناع المطعون ضده عن استلام الفيلا، وصورة طبق الأصل من قرار الأزهر الشريف بتعليق نشاط تحفيظ القرآن الكريم اعتبارًا من 15/3/2020، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض دفاعه وقضى بفسخ عقد الإيجار وألزمه بسداد كامل الأجرة المتأخرة، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله؛ ذلك أن المادة 147 من القانون المدني قد نصت في فقرتها الثانية على أنه "ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلًا صار مرهقًا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويقع باطلًا كل اتفاق على خلاف ذلك."، ويبين من هذا النص أنه ورد بصيغة عامة تتسع لتطبيق نظرية الظروف الطارئة على جميع العقود التي يفصل بين إبرامها وتنفيذها فترة زمنية يطرأ خلالها حادث استثنائي غير متوقع يؤدي إلى جعل تنفيذ الالتزام مرهقًا للمدين، ذلك أن تأجيل التنفيذ هو الباعث على حماية القانون التي قصد منها رفع العنت عن المدين وإصلاح ما اختل من التوازن العقدي نتيجة للظروف الاستثنائية الطارئة، هذا الاختلال الذي يقوم في الالتزامات المؤجلة التنفيذ كما يقوم في الالتزامات التي تنفذ بصفة دورية، كما أنه من المقرر- في قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان تقصي شروط نظرية الظروف والحوادث الطارئة مما يدخل في السلطة التقديرية لقاضي الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة لها مردودها الصحيح بالأوراق، وكان رئيس مجلس الوزراء بما خوله الدستور في إصدار لوائح الضبط - بعد موافقة مجلس الوزراء - قد أصدر عدة قرارات - بعد تفشي فيروس كورونا المستجد عالميًا (كوفيد 19) في البلاد - القصد منها اتخاذ كافة التدابير الاحترازية والاحتياطات الصحية للحماية من هذا الفيروس والحد من انتشاره وتوفير الحماية اللازمة للمواطنين، منها القرار رقم 606 لسنة 2020 والقرار رقم 1246 لسنة 2020 والتي تضمنت التعليق المؤقت لجميع الفعاليات التي تتطلب تواجد تجمعات كبيرة للمواطنين مثل الحفلات الفنية والاحتفالات الشعبية والموالد والمعارض والمهرجانات ووضع قيودًا على انتقال وتحرك المواطنين بكافة أنحاء البلاد - باستثناء العاملين بالمرافق الحيوية -، وكذلك تضمنت هذه القرارات عدة قيود منها تعليق الدراسة في جميع المدارس والمعاهد والجامعات - أيًا كان نوعها - بهدف تلقي العلم تحت أي مسمى كتدبير احترازي في إطار خطة الدولة الشاملة للتعامل مع أي تداعيات محتملة لهذا الفيروس بقصد الحد من انتشار هذا الوباء العالمي، وإعمالًا للقرار الأخير فقد أصدرت الإدارة العامة لشؤون القرآن الكريم بالأزهر الشريف بتاريخ 30/6/2020 قرارها بتعليق العمل بالمكاتب الأهلية لتحفيظ القرآن الكريم؛ لما كان ذلك، وكان مرجع تلك القرارات جميعها هو تعرض البلاد لقوة قاهرة وهي جائحة وباء فيروس كورونا المستجد والذي هو ظرف استثنائي لم يكن في وسع الطاعن أن يتوقعه وترتب عليه أن أصبح تنفيذ التزامه التعاقدي بسداد الأجرة الملزم بها بموجب عقد الإيجار موضوع الدعوى خلال فترة انتشار هذا الفيروس نتيجة توقف النشاط الذي يمارسه في العين المؤجرة - مركز تحفيظ القرآن الكريم – مرهقًا له ويهدده بخسارة فادحة بما تتوافر معه شروط إعمال نظرية الظروف الطارئة، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى رفض دفاع الطاعن بإعمال تلك النظرية على مجرد قوله أن الدفع بإعمالها يشترط فيه أن يكون الحادث استثنائيًا عامًا غير ممكن توقعه ويخرج عن المألوف، وأن الحادث الذي تمسك به الطاعن متوقع أو كان يمكن توقعه، وانتهى إلى أن الدفع بنظرية الظروف الطارئة قد جاء على غير سند ورتب على ذلك قضاءه بإلزامه بكامل الأجرة المتأخرة، وهو ما لا يواجه هذا الدفاع ولا يصلح ردًا عليه، فإنه يكون معيبًا بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب بما يوجب نقضه فيما قضى به في هذا الخصوص.
ثانيًا: الطعن رقم 13865 لسنة 91 ق مدني:
حيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى الطاعن به على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيان ذلك يقول: إنه وفقًا للبند الثامن من عقد الإيجار سند الدعوى يحق له كمالك للعين المؤجرة تقدير قيمة التلفيات الحاصلة بالعين المؤجرة ويلتزم المطعون ضده بكافة التعويضات التي يقدرها المالك، كما يلتزم بإعادة العين إلى الحالة التي كانت عليها وقت تسلمها، وقد قدم أمام محكمة الاستئناف شهادة صادرة من شركة مياه الشرب بالقاهرة تفيد وجود مديونية على العين المؤجرة بمبلغ ستة آلاف وسبعمائة وثلاثة وثلاثين جنيهًا وكذلك فواتير أخرى تفيد أن هناك مبالغ مستحقة لشركة مياه الشرب خلال فترة سريان عقد الإيجار طلب إلزام المطعون ضده بسدادها طبقًا لبنود العقد، إلا أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول؛ ذلك بأن من المقرر- في قضاء هذه المحكمة - أن الضرر ركن من أركان المسؤولية وثبوته شرط لازم لقيامها وللقضاء بالتعويض، ويقع على الدائن عبء إثبات الضرر الذي يدعيه، كما أنه من المقرر أيضًا - أن المادة 255 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007 قد عدل بها المشرع عن نظام ضم الملفات وعاد إلى الأخذ بنظام الصور الذي كان معمولًا به من قبل، إذ أوجبت على الطاعن أن يرفق بصحيفة طعنه المستندات التي تؤيد طعنه، كما أوجبت على قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه أو الحكم الابتدائي بحسب الأحوال أن يسلم - دون المطالبة بالرسوم - لمن يشاء من الخصوم - خلال سبعة أيام على الأكثر - ما يطلبه من صور الأحكام أو المستندات مذيلة بعبارة "صورة لتقديمها لمحكمة النقض" - بما مفاده أن المشرع عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها؛ لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب الطاعن لقيمة التلفيات المشار إليها بسبب النعي على ما خلص إليه من أوراق الدعوى ومستنداتها من أن الطاعن لم يقدم المعاينة المثبت بها تلك التلفيات، وأن المحضر رقم .... لسنة 2020 إداري المقطم والمحرر عن هذه التلفيات قد تم حفظه إداريًا، كما أن أوراق الدعوى ومستنداتها قد خلت من ثمة دليل على وقوع هذه التلفيات، وكان هذا الذي خلُص إليه الحكم المطعون فيه سائغًا وله أصله الثابت في الأوراق ويكفي لحمل قضائه، وإذ كان الطاعن لم يقدم رفق طعنه صورة من الفواتير والشهادة التي أشار إليها بسبب الطعن حتى تستطيع المحكمة التحقق من صحة ما ينعاه على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص، فإن النعي برمته يكون عاريًا عن الدليل، ومن ثم غير مقبول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق