الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 7 ديسمبر 2024

الدعوى رقم 216 لسنة 26 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 9 / 11 / 2024

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من نوفمبر سنة 2024م، الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1446ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري       رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود                      أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 216 لسنة 26 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية عشرة)، بحكمها الصادر بجلسة 10/7/2004، ملف الدعاوى أرقام: 30704 و31689 لسنة 57 قضائية و4151 لسنة 58 قضائية

المقامة أُولاها من

1-    رجائي ممدوح يوسف ميخائيل الراهب، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة راجا للصرافة

2-    جمال حلمي إبراهيم سلامة، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة النور للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

3-    إبراهيم غريب فارس، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الذهبية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

4-    إبراهيم غريب فارس، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الكومي للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

5-    ثابت عبد الرؤوف درياس، بصفته الممثل القانوني لشركة التضامن للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

6-    ليلى حبيب خليل، بصفتها الممثل القانوني لشركة الروماني للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

7-    سامح كميل أرميا، بصفته الممثل القانوني لشركة الفرعونية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

ضد

محافظ البنك المركزي   

والمقامة ثانيتها من

1-    سمير شاكر عبد الحافظ، بصفته الممثل القانوني لشركة جولدن ماريوت للصرافة   

2-    أحمد إسماعيل أبو المعاطي، بصفته الممثل القانوني لشركة الملك للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

3-    أحمد فرج عبد السميع، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الرحاب للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

4-    إبراهيم محمد إبراهيم السيوفي، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة البركة للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

5-    السيد حسن طه الإمام، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الجمهورية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

6-    محمد نجيب أحمد الشرقاوي، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة نيو سفنكس للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

7-    محمد عبد العليم عبد العليم، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الأهرام للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

8-    رئيس مجلس إدارة شركة النوران للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

9-    رئيس مجلس إدارة شركة الصالحين للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

10-    محمد الخضر محمد جاد الله، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الصيارفة المتحدون (خصم متدخل انضماميًّا)

11-    حلمي محمد حسن، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة مصر العربية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

12-    محمود سمير عبد الله، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الزعفران للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

13-    خميس أحمد محمد أحمد، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الرياض للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

14-    عادل محمد السيد عبد الله، بصفته نائب رئيس مجلس إدارة شركة النصر للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

15-    محمد نصر الدين عبد اللطيف، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة الإسكندرية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

16-    إبراهيم محمد إبراهيم، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة العالمية للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

17-    محمد شلبي عبد الرازق، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة طيبة للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)

18-    رئيس مجلس إدارة شركة الفردوس للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)   

19-    سعيد محمد علي مالك، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة قباء للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)   

20-    رئيس مجلس إدارة شركة الحرمين للصرافة (خصم متدخل انضماميًّا)   

ضد

1-    محافظ البنك المركزي

2-    رئيس مجلس الوزراء   

والمقامة ثالثتها من

قطب فرج سليمان، بصفته رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة المتحدة للصرافة

ضد

1-    رئيس الجمهورية

2-    رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)

3-    رئيس مجلس الوزراء

4-    محافظ البنك المركزي

----------------

الإجراءات

  بتاريخ السابع من نوفمبر سنة 2004، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعاوى أرقام: 30704 و31689 لسنة 57 قضائية و4151 لسنة 58 قضائية، نفاذًا لحكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية عشرة)، الصادر بجلسة 10/7/2004، بوقف تلك الدعاوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، والمادة (115) من هذا القانون.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وقدمت الشركة المدعية في الدعوى الموضوعية الأولى مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم دستورية النصين المحالين.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.   

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 10/12/2006، وفيها قررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لاستكمال التحضير، فأودعت تقريرًا تكميليًّا بالرأي، وأُعيد نظر الدعوى بجلسة 1/9/2024، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وصرحت بمذكرات خلال أسبوعين، وخلال الأجل قدم المدعون في الدعاوى الموضوعية الثلاث، والخصم المنضم الثاني في الدعوى الأولى منها مذكرتين، تمسكوا فيهما بعدم دستورية النصين المحالين.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن شركة راجا والشركة المتحدة للصرافة أقامتا الدعويين رقمي 30704 لسنة 57 قضائية و4151 لسنة 58 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري؛ بغية الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار محافظ البنك المركزي المصري الصادر بتاريخ 22/7/2003، بإلزامهما بتوفيق أوضاعهما خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، وذلك برفع رأس مال هذه الشركات المدفوع بالكامل بما لا يقل عن عشرة ملايين جنيه، كما أقامت شركة جولدن ماريوت للصرافة الدعوى رقم 31689 لسنة 57 قضائية، بطلب الحكم بوقف تنفيذ القانون رقم 88 لسنة 2003 السالف البيان، وفي الموضوع بإلغائه، وتساندت الشركات المدعية، والشركات المتدخلة انضماميًّا إليها، في الدعاوى الثلاث - المحالة - إلى أنها مرخص لها بالتعامل في النقد الأجنبي قبل صدور القانون المشار إليه، واكتسبت مراكز قانونية غير قابلة للتعديل، فضلاً عن سبق حصولها على أحكام قضائية نهائية بوقف تنفيذ قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 103 لسنة 2001 بزيادة الحد الأدنى لرأس المال المدفوع إلى عشرة ملايين جنيه، كما أنها غير مخاطبة بالقانون المار ذكره؛ لخلوه من أية أحكام تقرر سريانه بأثر رجعي، مما حدا بها إلى إقامة الدعاوى المحالة. وقد خلصت محكمة الموضوع إلى أن حقيقة طلبات المدعين في الدعاوى الثلاث هي وقف تنفيذ وإلغاء قرار البنك المركزي المصري، المتضمن إلزام شركات الصرافة بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكام قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 في ضوء ما ورد بالفقرة الثانية من المادة الثالثة من مواد قانون الإصدار والمادة (115) من القانون ذاته. وبعد أن ضمت المحكمة الدعاوى الثلاث، تراءى لها أن هذين النصين يعتريهما شبهة عدم الدستورية؛ إذ تضمنا أثرًا رجعيًّا ينال من الحقوق المكتسبة لشركات الصرافة القائمة في ظل القانون رقم 38 لسنة 1994 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي، الملغى بنص المادة الأولى من مواد القانون رقم 88 لسنة 2003 المشار إليه، دون تحقق الضمانات الواردة بنص المادة (187) من دستور 1971، لإنفاذ الأثر الرجعي، فضلًا عن مخالفتهما نصوص المواد (32 و34 و40 و64) منه، التي تحمي الملكية الخاصة، وتنزه تنظيمها عن أي استغلال أو انحراف يعوق دورها في بناء الاقتصاد القومي، في إطار الدور الاجتماعي لحق الملكية، وبجلسة 10/7/2004، حكمت المحكمة بوقف نظر الدعاوى الثلاث، وإحالة أوراقها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية النصين المحالين.

وحيث إن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، تنص على أنه "وتلتزم جميع شركات الصرافة القائمة في تاريخ العمل بهذا القانون بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكام القانون المرافق وذلك خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل به، ولمجلس إدارة البنك المركزي مد هذه المدة لمدة أو لمدد أخرى لا تجاوز سنة".

وتنص المادة (115) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 على أنه "يلزم أن تتخذ شركة الصرافة شكل شركة مساهمة وأن تكون جميع أسهمها اسمية مملوكة لمصريين، وأن يكون غرضها الوحيد مزاولة عمليات الصرافة، ويكون رأس مال شركة الصرافة المدفوع بالكامل لا يقل عن عشرة ملايين جنيه".

وتنص المادة (115) من القانون المار ذكره، المستبدل بها القانون رقم 93 لسنة 2005 على أنه "يلزم أن تتخذ شركة الصرافة شكل شركة مساهمة وأن تكون جميع أسهمها اسمية مملوكة لمصريين، وأن يكون غرضها الوحيد مزاولة عمليات الصرافة، وألا يقل رأس مالها المدفوع عن خمسة ملايين جنيه".   

وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، تنص على أنه "يلتزم المخاطبون بأحكام القانون المرافق بتوفيق أوضاعهم طبقًا لأحكامه وذلك خلال مدة لا تجاوز سنة من تاريخ العمل به، ولمجلس إدارة البنك المركزي مد هذه المدة لمدة أو لمدد أخرى لا تجاوز سنتين".



وتنص الفقرة الأولى من المادة (208) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 على أنه "يلزم أن تتخذ شركة الصرافة شكل شركة مساهمة مصرية، وأن يكون غرضها الوحيد مزاولة عمليات الصرافة، وألا يقل رأسمالها المصدر والمدفوع عن خمسة وعشرين مليون جنيه".

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع، أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية، للتثبت من شروط قبولها.

متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يتحدد فى طلبات الشركات المدعية، والشركات المتدخلة انضماميًّا، في الدعاوى الموضوعية الثلاث - كما حملتها أسباب تلك الدعاوى - بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ البنك المركزي الصادر بتاريخ 22/7/2003، بإلزام تلك الشركات بتوفيق أوضاعها، خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد. ولما كان النصان المحالان قضى أولهما بإلزام شركات الصرافة القائمة في تاريخ العمل بالقانون المار ذكره، بتوفيق أوضاعها خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل به، وقضى الآخر بألا يقل رأس مال شركة الصرافة المدفوع بالكامل عن عشرة ملايين جنيه، ومن ثم يكون هذان النصان هما السند التشريعي للقرار الصادر من البنك المركزي لتوفيق أوضاع تلك الشركات على النحو المتقدم، ويغدو الفصل في دستوريتهما لازمًا للقضاء في الطلبات المطروحة في الدعاوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، بما يوفر شرط المصلحة في الدعوى المعروضة.

وحيث إن قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، قد تم إلغاؤه بموجب المادة السابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، وإذ رددت المادة الرابعة من القانون الأخير الحكم ذاته الوارد بالفقرة الثانية من المادة الثالثة من مواد إصدار القانون الملغي، وتضمنت المادة (208) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 الحكم ذاته الوارد بالمادة (115) من القانون الملغي المار الذكر؛ إذ ارتكز النصان الملغيان والقائمان على قاعدة كلية حاصلها وجوب التزام المخاطبين بأحكام هذين القانونين - ومن بينهم الشركات المدعية والشركات المتدخلة انضماميًّا - بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكامهما خلال المدد المبينة بكل منهما، بزيادة الحد الأدنى لرأسمالها المدفوع، المبين قدرًا بالنصين الأخيرين، وبذلك يكون المشرع عند إقراره للقانون اللاحق قد أكد على القاعدة القائمة بالقانون السابق، مستصحبًا حكمها على حاله. متى كان ذلك، وكان الأصل المقرر بنص المادة الثانية من القانون المدني، أن كل تشريع لاحق يعتبر مُلغيًا للتشريع السابق بالقدر الذي يتحقق فيه التعارض بينهما، وكان نص هذه المادة يفترض تشريعين تعاقبا في الزمان، واختلفا في المضمون؛ إذ إن القول بالتعارض بين تشريعين يفترض أن يكون ألحقُهما قد أتى بقواعد قانونية جديدة تُعدّل القواعد القانونية القديمة أو تلغيها، فإذا كانت القاعدة القانونية الجديدة هي ذاتها القاعدة القانونية القديمة فإن القاعدتين تتلاقيان في مضمون واحد ولا تختلفان في آثارهما، ليقتصر دور القاعدة القانونية الجديدة على مجرد ترديد الحكم المقرر بالقاعدة القانونية القديمة التي استصحبتها.

وحيث إن الأصل في الرقابة القضائية على دستورية القوانين هو ربطها بالنصوص القانونية التي طُبقت على الأنزعة الموضوعية في المجال الزمني لسريانها، وكانت القاعدة القانونية التي تبناها النص في المادة الرابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020، ونص المادة (208) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، هي ذاتها القاعدة القانونية التي وردت بالنصين المحالين في مضمونها وأثرها، فإنه يكون من غير المتصور أن يستقل النصان المحالان بذاتيتهما ليحدثا في حق خصوم الدعوى الموضوعية آثارًا غير تلك التي يرتبها النصان الأخيران في مواجهتهم، مما لزامه إسناد المخالفة الدستورية لا إلى النصين المحالين وحدهما، وإنما أيضًا إلى النصين الواردين بالقانون رقم 194 لسنة 2020 المار الذكر؛ كونهما النصين التشريعيين المتعين إعمالهما على الدعاوى الموضوعية بعد زوال الوجود القانوني للنصين المحالين؛ ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما تضمنته الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، في مجال سريانها على المادة (115) من هذا القانون، بشأن رأس مال شركات الصرافة المدفوع، ونص المادة الرابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، في مجال سريانها على نص المادة (208) من هذا القانون، في الشأن ذاته.

وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النصين المحالين تضمنهما أثرًا رجعيًّا ينال من الحقوق المكتسبة لشركات الصرافة القائمة في ظل القانون القديم، دون أن تتحقق الضمانات الواردة بنص المادة (187) من دستور سنة1971، لإنفاذ القوانين بأثرٍ رجعي.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسرى على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين القانونيتين؛ ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القانونين - القديم والجديد - تخضع لحكمه، فما نشأ منها وترتبت آثاره في ظل القانون القديم يظل خاضعًا له، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره في ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده.   

وحيث إن المادة (220) من دستور سنة 2014 قد خصت البنك المركزي بوضع السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية، والإشراف على تنفيذها، ومراقبة أداء الجهاز المصرفي، والعمل على سلامة الجهاز النقدي والمصرفي، على النحو الذي ينظمه القانون، ليباشر رقابته الميدانية على شركات الصرافة، بهدف التحقق من التزامها بالقواعد والتعليمات المنظمة للتعامل في النقد الأجنبي، والمساهمة في تحقيق المحافظة على الاستقرار النقدي، وهو ما انتظمته المادة (207) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020

- المقابلة لنص المادة (114) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 - والتي أعطت لمجلس إدارة البنك المركزي سلطة الترخيص لشركات الصرافة بالتعامل في النقد الأجنبي، وتحديد شروط الترخيص، ونظام العمل في تلك الشركات، ونظام رقابة البنك عليها، وأوجب الحصول على موافقة المحافظ قبل إنشاء أي فرع جديد لها، وقبل افتتاحه، كما أن لمحافظ البنك المركزي في حالة مخالفة أي من هذه الشركات أو الجهات لشروط الترخيص أو لنظام العمل توجيه تنبيه أو إيقاف النشاط لمدة لا تجاوز سنة أو إلغاء الترخيص وشطب القيد من السجل.

  

وحيث إنه من المقرر أن الترخيص الصادر من جهة الإدارة بمزاولة نشاط تجاري، هو تصرف إداري مؤقت بطبيعته، لا يرتب حقًّا ثابتًا ونهائيًّا كحق الملكية، بل يخول المرخص له مركزًا قانونيًّا مؤقتًا، يرتبط حقه في التمتع به - وجودًا وعدمًا - بأوضاع وظروف وشروط وقيود يترتب على تغييرها أو انقضائها أو الإخلال بها أو مخالفتها، جواز تعديل أوصاف هذا الترخيص، أو سقوط الحق فيه بتخلف شرط الصلاحية للاستمرار في الانتفاع به، أو زوال سبب منحه، أو انقضاء الأجل المحدد له، أو أن تتطلب المصلحة العامة إنهاءه.

        

لما كان ما تقدم، وكانت شركات الصرافة تخضع لنظام الترخيص، الذي لا ينشئ لها مركزًّا قانونيًّا مستقرًّا مكتمل البنيان - وجودًا وأثرًا - بشكل نهائي، محصنًا في مواجهة أي تعديل تشريعي تقتضيه المصلحة العامة، إذ ينشأ هذا المركز ويظل قابلًا للمراجعة والتعديل، بما في ذلك إلغاء الترخيص والشطب، في حدود القانون، وهو ما يتماهى مع طبيعة نشاط التعامل في النقد الأجنبي والمساهمة في تحقيق المحافظة على الاستقرار النقدي، وتسييج هذا النشاط بما يحقق المصلحة العامة، وإذ تستمد شركات الصرافة حقوقها من نظام الترخيص على النحو السالف البيان، وتلتزم بالواجبات التي يقررها هذا النظام، وهو نظام يجوز تعديله فى كل وقت، وتخضع لكل تعديل يرد عليه، ويطبق عليها بأثر مباشر، فإنه لا يجوز لها أن تحتج بأن لها حقًّا مكتسبًا أو مركزًا قانونيًّا مستقرًّا يوجب أن تعامل بمقتضاه بالنظام الذى صدر الترخيص لها فى ظل أحكامه، أو الذى طُبق عليها لفترة طالت أم قصُرت، ما لم يكن التعديل قد انطوى في ذاته على مخالفة نص دستوري، فلا تتفرق هذه الشركات بين نظم قانونية متباينة، قد يناقض بعضها بعضًا، أو تفضي إلى الإخلال بالمساواة وتكافؤ الفرص فيما بينها، مما يُلحق بسوق الصرف تشوهات تُخل بالتوازن المالي له، ومن ثم فإن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد - وقد أوجبت على تلك الشركات توفيق أوضاعها خلال المدة المبينة بالنص من تاريخ العمل بهذا القانون - لا تكون منطوية على أي أثر رجعي، وهو الحكم ذاته الذي يسري في شأن المادة الرابعة من القانون رقم 194 لسنة 2020 السابق ذكره؛ ومن ثم فإن استيفاء الأغلبية المنصوص عليها في المادتين (187) من دستور سنة 1971، و(225) من دستور سنة 2014، لإقرار القوانين رجعية الأثر لا يكون لها محل، ويكون النعي عليهما في هذا الخصوص مفتقدًا لسنده.

وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النصين المحالين مخالفتهما نصوص المواد (32 و34 و40 و64) من دستور 1971، وتقابلها المواد (35 و53 و94) من دستور 2014، التي تحمي الملكية الخاصة، وتنزه تنظيمها عن أي استغلال أو انحراف يعوق دورها في بناء الاقتصاد القومي في إطار الدور الاجتماعي لهذا الحق، فضلًا عما تناله من الحقوق التي اكتسبتها شركات الصرافة في ظل القانون الملغي.

وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهها حكم الإحالة إلى النصين المحالين تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، وكان النصان المحالان قد ظلا ساريين ومعمولًا بأحكامهما حتى أدركا العمل بالدستور القائم؛ ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذين النصين، والنصين اللذين امتد إليهما نطاق الدعوى المعروضة، على ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014.   

وحيث إن الدستور قد حدد بالمادة (27) منه الأغراض التي يتوخاها النظام الاقتصادي، وهي تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر، ويلتزم  في هذا الإطار  بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافسية، ومنع الممارسات الاحتكارية، مع مراعاة الاتزان المالي، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور قد حرص على صون الملكية الخاصة، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التي أوردها باعتبارها مترتبة - في الأصل - على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزًا إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التي يرد عليها حق الملكية، والتي تُعد -كذلك- من مصادر الثروة التي لا يجوز التفريط فيها، أو استخدامها على وجه يعوق التنمية، أو يعطل مصالح الجماعة، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تَعد حقًّا مطلقًا ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية أو الأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع من خلال ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور. وفى ضوء ما تقدم، يتعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتديًا - بوجه خاص - بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والمجتمع.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في النصوص التشريعية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها، باعتبار أن كل تنظيم تشريعي ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف؛ ومن ثم يتعين دومًا استظهار ما إذا كان النص التشريعي المطعون فيه يلتزم إطارًا منطقيًّا للدائرة التي يعمل فيها، كافلًا من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أو متهادمًا مع مقاصده، أو مجاوزًا لها، ومناهضًا – من ثمَّ - لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة (94) من الدستور.

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق  وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة  أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتكون تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده لا يجوز أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية، سواء بالنقض أو الانتقاص؛ ذلك أن إهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها يُعد عدوانًا على مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها، بما مؤداه أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها التقديرية  وفيما خلا القيود التي يفرضها الدستور عليها  بعيدًا عن الرقابة القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية العليا، فلا يجوز لها أن تزن بمعاييرها الذاتية السياسة التي انتهجها المشرع في موضوع معين، ولا أن تناقشها، أو تخوض في ملاءمة تطبيقها عملًا، ولا أن تنتحل للنص المطعون فيه أهدافًا غير التي رمى المشرع إلى بلوغها، ولا أن تقيم خياراتها محل عمل السلطة التشريعية، بل يكفيها أن تمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها تلك، مستلهمة فى ذلك أغراضًا يقتضيها الصالح العام، فى شأن الموضوع محل التنظيم التشريعي، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التي حددتها مرتبطة عقلًا بها.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه فى الدائرة التي يُجيز فيها الدستور للمشرع أن يُباشر سلطته التقديرية لمواجهة مقتضيات الواقع، وهى الدائرة التي تقع بين حَدَّي الوجوب والنهي الدستوريين، فإن الاختلاف بين الأحكام التشريعية المتعاقبة التي تنظم موضوعًا واحدًا، تعبيرًا عن تغير الواقع عبر المراحل الزمنية المختلفة، لا يُعد إخلالًا بمبدأ المساواة، الذى يستقى أحد أهم مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التي يُطبق خلالها النص القانوني الخاضع لضوابط هذا المبدأ، فإذا تباينت النصوص التشريعية فى معالجتها لموضوع واحد، وكان كل منها قد طبق فى مرحلة زمنية مختلفة، فإن ذلك لا يُعد بذاته إخلالًا بمبدأ المساواة، وإلا تحول هذا المبدأ من ضابط لتحقيق العدالة إلى سد حائل دون التطور التشريعي.

متى كان ما تقدم، وكان نصَّا المادة (115) من القانون رقم 88 لسنة 2003 والمادة (208) من القانون رقم 194 لسنة 2020 السالفا البيان، قد صدرا في إطار السلطة التقديرية الممنوحة للمشرع فى مجال تنظيم الحقوق، متخيرًا من البدائل ما ارتآه محققًا للأغراض التي توخاها، وذلك بأن وضع حدًّا أدنى لرأس المال المدفوع لشركات الصرافة، حرصًا على ملاءتها وقدرتها على الوفاء بالأغراض الدستورية التي يهدف إليها النشاط الاقتصادي، مانحًا إياها المهلة المناسبة لتوفيق أوضاعها، دون أن يتضمن هذا التنظيم التشريعي مساسًا بالملكية الخاصة لتك الشركات، بل تنظيمًا يكفل ما تقدم من أغراض، ولا ينال من تملكها وحدها رأسمالها، وإن أرهقها زيادته، فإن ذلك مما يقع في إطار تحميل حق الملكية بقيود تقتضيها الموازنة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة، ويرجح من خلالها المصلحة الأولى بالرعاية، ومحققًا بها تناغم الأغراض التي يستهدفها، وإذ كان النصان قد أوجبا زيادة الحد الأدنى لرأس مال شركات الصرافة القائمة وقت العمل بأحكام هذين القانونين عما كان عليه الحال في مرحلة زمنية سابقة، فإن هذين النصين يكونان في تعاقبهما قد عبرا عن مرحلتين زمنيتين مختلفتين، تتأبى معهما المقارنة اللازمة لإعمال مبدأ المساواة؛ بما يضحى معه نعي حكم الإحالة على النصين المحالين إخلالهما بالحق في الملكية، وبمبدأي المساواة وخضوع الدولة للقانون، غير سديد، خليقًا بالرفض.

وحيث إن النصين المحالين والنصين اللذين امتد إليهما نطاق هذه الدعوى لا تخالف أي حكم آخر في الدستور؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق