بعد الاطلاع علي الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً .
ومن حيث إن الطعن قد أستوفي سائر أوضاعه المقررة قانوناً , فمن ثم
يكون مقبول شكلاً .
ومن حيث إن وقائع الطعن تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن النيابة
الإدارية أقامت الدعوي التأديبية رقم 356 لسنة 45 ق أمام المحكمة التأديبية بطنطا
بتاريخ 14/ 5/ 2017 متضمنة ملف القضية رقم 13 لسنة 2017 نيابة التعليم العالي
والبحث العلمي بالمحلة الكبري ، وتقرير اتهام الطاعن ..... إمام مسجد الأربعين
بقرية ميت حبيب مركز سمنود بمحافظة الغربية وذلك لأنه بتاريخ 26/ 7/ 2015 خرج علي
مقتضي الواجب في أعمال وظيفته وظهر بمظهر يخل بكرامة الوظيفة وذلك بأن زوَج / .....
إلي / ..... رغم كونها قاصر بتحريره عقد زواج عرفي وإيصالات أمانه علي الطرفين
وقيامه بإشهار الزواج بالمسجد 0
وارتأت النيابة الإدارية أن المتهم يكون قد ارتكب المخالفات الإدارية
المنصوص عليها في المواد 76/ 3 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر
بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وتعديلاته ، والمادتين 57 ، 58 من قانون الخدمة المدنية
الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 , وطلبت محاكمته تأديبياً عن المخالفة المنسوبة
إليه , وأرفقت النيابة الإدارية بتقرير الاتهام مذكرة بأسانيده وأدلة ثبوته .
وبجلسة 25/ 11/ 2017 أصدرت المحكمة الحكم المطعون فيه بمجازاة الطاعن
بالإحالة إلى المعاش .
وشيدت المحكمة قضاءها علي أن المخالفة المنسوبة للطاعن المتمثلة فى
قيامه بزواج القاصرات ثابتة في حقه ثبوتاً يقينياً للقاصر ..... مما يتعين معه
مجازاته بالإحالة إلى المعاش .
بيد أن الطاعن لم يرتض هذا الحكم فأقام الطعن الماثل ناعياً عليه
مخالفته للقانون والخطأ في تطبيق وتأويله والفساد فى الاستدلال علي النحو الوارد
تفصيلاً بتقرير الطعن ووجيزها أن الاتهام الموجه إليه نتيجة شكاوى كيدية وملفقة من
أجل الحصول على إيصالات الأمانة التى يأخذها من الزوج ويحتفظ بها ولن يسلم
الإيصالين لطرف واحد مهما كانت النتيجة , وأنه حصل على شهادات من بعض أفراد القرية
بتبرئته من ذلك الاتهام , وأنه لا يمكن أن يزوج القاصرات لأنه إمام وخطيب مسجد
يعلم الناس أصول الدين وآدابه ويستأمنه أهل بلدته لحسن سمعته , وخلص الطاعن فى
ختام تقرير الطعن إلى طلباته سالفة البيان .
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن , فإن المادة (80) من الدستور تنص علي إنه
: " يعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره
...."
وتنص المادة (1) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996
المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 تنص علي إنه : " تكفل الدولة حماية
الطفولة و الأمومة، و ترعى الأطفال ، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم
التنشئة الصحيحة من كافة النواحي في إطار من الحرية والكرامة الإنسانية . كما تكفل
الدولة ، كحد أدنى ، حقوق الطفل الواردة باتفاقية حقوق الطفل و غيرها من المواثيق
الدولية ذات الصلة النافذة في مصر .
وتنص المادة (2) من ذات القانون على إنه : " يقصد بالطفل في مجال
الرعاية المنصوص عليها في هذا القانون كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة سنة
ميلادية ... "
ومن حيث إن الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاهية الطفل الصادر عام 1990 بدأ
العمل به في 29 نوفمبر 1999 ، وانضمت إليه جمهورية مصر العربية وصدقت عليه - وهى
في قلب قارتها الإفريقية - ودخل حيز النفاذ في عام 2001 ، إلا أن التصديق أقترن
بشرط التحفظ علي المادة 21/ 2 من الميثاق ، ثم في عام 2015 أصدر رئيس الجمهورية
القرار رقم 75 لسنة 2015 بشأن الموافقة علي سحب التحفظ المشار إليه ، وبالتالي
أصبح التصديق علي كافة مواد وبنود الميثاق دون أيه تحفظات , وأضحى هذا الميثاق
داخلا في النسيج التشريعي المصري .
ومن حيث إن المادة الثانية من هذا الميثاق (تحت عنوان تعريف الطفل)
نصت على إنه : "لأغراض
هذا الميثاق , الطفل هو كل إنسان تحت سن الثامنة عشرة"
وتنص المادة الحادية والعشرون (تحت عنوان الحماية ضد الممارسات
الاجتماعية والثقافية الضارة) علي أنه :"
1- تتخذ الدول أطراف هذا الميثاق كافة الإجراءات المناسبة للتخلص من
الممارسات الاجتماعية والثقافية الضارة التي تؤثر علي رفاهية وكرامة ونمو الطفل
السليم وعلي وجه الخصوص : (أ) تلك العادات والممارسات الضارة بصحة أو حياه الطفل .
(ب) تلك العادات والممارسات التي تنطوي علي تمييز بالنسبة للطفل علي أساس الجنس أو
أي وضع أخر .
2- يحظر زواج الأطفال وخطبة الفتيات والأولاد ، وتتخذ الإجراءات - بما في
ذلك التشريعات - لتحديد الحد الأدنى لسن الزواج ليكون 18 سنة ، والقيام بتسجيل
كافة الزيجات في سجل رسمي إجباري".
ومن حيث إنه نفاذاً لذلك أضاف المشرع للقانون رقم 143 لسنة 1994 بشأن
الأحوال المدنية بموجب القانون رقم 26 لسنة 2008 نص المادة (31 مكرر) ناصاً فيها
على إنه : " لا يجوز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثمانية عشر سنة
ميلادية كاملة " , كما أجرى وزير العدل بقراره رقم 7460 لسنة 2008 تعديلا على
لائحة الموثقين المنتدبين بأن استبدل بنص المادة (28) من لائحة الموثقين المنتدبين
النص الاَتي : " لا يجوز توثيق عقد الزواج ما لم يكن سن الزوجين ثمانية عشر
سنة وقت العقد , ولا يعتد فى إثبات سن الزوجين سوى بأحكام المادة (2) من قانون
الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 "
.
ولقد كان المشرع المصري حريصاً على الالتزام بالسن المحددة للزواج
قانوناً , لذلك كان مبادراً على النص فى المادة 227 من قانون العقوبات على تجريم
التلاعب فى سن الزواج فعاقب بالحبس أو الغرامة كل شخص خوله القانون سلطة ضبط عقد
الزواج وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة فى القانون .
وحيث إن المادة رقم (18) من لائحة المأذونين الصادرة بقرار وزير العدل
رقم 1 لسنة 1955 تنص علي إنه :" يختص المأذون دون غيره بتوثيق عقود الزواج
واشهادات الطلاق والرجعة والتصادق وذلك بالنسبة للمسلمين من المصريين ومع ذلك
فللعلماء المقيدة أسماؤهم في أحد المعاهد الدينية أن يتولوا تلقين صيغة العقد
بحضور المأذون الذي يتولي توثيق العقد بعد تحصيل رسمه وعلي المأذون في هذه الحالة
أن ينبه من يلقن صيغه العقد إلي ما قد يوجد من الموانع فإن لم يقبل امتنع المأذون
عن توثيق العقد وأخطر المحكمة فوراً بذلك ."
وتنص المادة (57) من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 تنص على
إنه :" يتعين على الموظف الالتزام بأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية
وغيرهما من القوانين واللوائح والقرارات والتعليمات المنفذة لها، وما يصدر عن
الجهاز من قرارات تنظيمية أو تعليمات أو نشرات أو كتب دورية في هذا الشأن، ومدونات
السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية الصادرة من الوزير المختص."
وتنص المادة (58) من القانون المذكور على إنه : " كل موظف يخرج
على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة
يجازى تأديبياً"
وتنص المادة (61) من ذات القانون على إنه : " الجزاءات التي يجوز
توقيعها على الموظف هي:
الإنذار.
2- الخصم من الأجر لمدة أو مدد لا تجاوز ستين يومًا في السنة.
3- الوقف عن العمل لمدة لا تجاوز ستة أشهر مع صرف نصف الأجر الكامل.
4- تأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة لا تزيد على سنتين.
5- الخفض إلى وظيفة في المستوى الأدنى مباشرة.
6- الخفض إلى وظيفة في المستوى الأدنى مباشرة مع خفض الأجر إلى القدر
الذي كان عليه قبل الترقية.
7- الإحالة إلى المعاش.
8- الفصل من الخدمة."
ومن حيث إن المشرع المصري كان حريصا على حظر توثيق عقد زواج لمن لم
يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة في أكثر من نص تشريعى ولائحى ,والزم
المشرع المأذون في هذه الحالة أن ينبه من يلقن صيغه العقد إلي ما قد يوجد من
الموانع فإن لم يقبل امتنع المأذون عن توثيق العقد وأخطر المحكمة فوراً بذلك , كما
أن الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاهية الطفل الصادر عام 1990 والذى انضمت إليه
جمهورية مصر العربية وصدقت عليه - وصار جزءاً من نسيجها التشريعى حظر زواج الأطفال
وخطبة الفتيات والأولاد فى سن الطفولة , وألزم الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات -
بما في ذلك التشريعات - لتحديد الحد الأدنى لسن الزواج ليكون 18 سنة ، والقيام
بتسجيل كافة الزيجات في سجل رسمى إجبارى , وكانت مصر من أولى الدول التى سارعت
بتنفيذ الميثاق الإفريقى قناعة منها بريادتها وانتمائها إلى القارة الإفريقية وفقا
لما نصت عليه المادة الأولى من الدستور السارى , فضلا عن كونها جزء من الأمة
العربية والعالم الإسلامى واعتزازها بامتدادها الاَسيوى .
ومن حيث إن قضاء هذه المَحْكَمَة قد استقر على أن رقابتها على أحكام
المحاكم التأديبية ومجالس التأديب رقابة قانونية لا تعنى استئناف النظر في الحكم
بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة اثباتاً ونفياً فذلك تستقل به المحكمة
التأديبية وحدها , ولا تتدخل فيه المحكمة الإدارية العليا وتفرض رقابتها عليه إلا
إذا كان الدليل الذى اعتمد عليه قضاء الحكم المطعون فيه غير مستمد من أصول ثابتة
في الأوراق أو كان استخلاص هذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة فهنا
فقط يكون التدخل لأن الحكم حينئذ يكون غير قائم على سببه .
كما استقر قضاؤها على أنه متى كانت المَحْكَمَة التأديبية قد استخلصت
النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقَانُونياً
وكيَّفتها تكييفاً سليماً وكانت هذه النتيجة تبرّر اقتناعها الذي بنت عليه قضاءها
فإنه لا يكون هناك محلّ للتعقيب عليها ذلك أن لها الحرية في تكوين عقيدتها من أي
عنصر من عناصر الدَّعْوَى ولها في سبيل ذلك أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال
الشهود وأن تطرح ما عداها ممَّا لا تطمئن إليه.
ومن حيث إنه قد ورد بالتحقيقات وبأقوال ممن سمعت شهادتهم أن الطاعن
دأب على تزويج الأطفال القاصرات زواجا عرفيا مقابل ايصالات يحتفظ بها , وهو ما شهد
به كل من : ..... ه - موظف سابق بشركة المحلة للغزل والنسيج - الذى قرر أنه حضر
أكثر من فرح في البلد لبنات قاصرات ، وكان الشيخ ..... - الطاعن - هو الذي يكتب
العقد ويشهره ومنه حالة ..... و ..... ويشتهر في بلده بذلك وتوجد حوالي 28 حالة
طلاق بسبب مثل هذه الزيجات والمشاكل التي تحدث بسببها 0 وكذلك شهد / ..... - ضابط
بالقوات المسلحة برتبة ملازم شرف - الذى قرر أن الطاعن متخصص في بلده بتزويج
القاصرات ، وأنه حضر زواج اَيه العنتري والذي كتب عقد زواجها وأشهره الشيخ فرج 0
وأيضاً شهد / ..... - صاحب ورشة ميكانيكا سيارات - الذى قرر أنه حضر زواج ..... و .....
والشيخ ..... - الطاعن - هو الذي زوجهما وأخذ إيصالات الأمانة معه ورفض إرجاعها
لأهل الزوجة ، وأضاف قائلاً : " أن الشيخ ..... كان يساومنا علي نص العفش
علشان يكتب الكتاب وعملنا كذا قاعدة ومفيش فايدة " , وبهذه المثابة فإن
المخالفة المنسوبة إلي الطاعن تكون ثابتة في حقه ثبوتا يقينياً علي نحو ما سطرته
التحقيقات وأيدته شهادة الشهود / ..... ، ..... ، و ..... ، الأمر الذي يشكل في حق
الطاعن ذنباً إدارياً جسيما وهو رجل الدين الذى كان يجب عليه أن يكون قدوة فى
تعاليم الإسلام السمحاء ، مما يستوجب مجازاته عنه تأديبيا بما يردعه عن تنكبه جادة
الصواب , و بات يقينا - على نحو ما ثبت فى الأوراق والمستندات وأقوال الشهود
بالتحقيقات والمعززة بتحريات المباحث - أن المخالفة المنسوبة للطاعن ثابتة في حقه
ثبوتاً يقينياً مما يكون مجازاته بعقوبة الإحالة للمعاش , الذى ذهب إليه الحكم
المطعون فيه حقاً ويقيناً , ويغدو الطعن على الحكم المطعون فيه لا سند له من
القانون ولا ظل له من الواقع متعين الرفض .
ومن حيث إن المحكمة من مقامها هذا تلفت المجتمع إلى أن ظاهرة الزواج
العرفى القاصرات هي ظاهرة اجتماعية لها كثير من الآثار السلبية علي الأسرة
والمجتمع ، حيث إن الفتاة في هذه المرحلة العمرية وهي مرحلة الطفولة تكون غير
مهيأة من الناحية النفسية والعقلية والثقافية والجسدية لتقوم بمسئولية إدارة بيت
ورعاية زوج وتربية أطفال ، فتتحمل عبئاً لا قدرة لها عليه ، ولا تستوعب دورها به
مطلقاً ، فمثل هذا الزواج يعد اغتصاباً للحق في الطفولة ، واعتداءً صارخاً علي
كرامة الطفل ، فهو من باب فقر الأخلاق ، بل يمثل جريمة مكتملة الأركان في حق
الأطفال القاصرات.
وممّا لا شك فيه أن الزواج العرفى للأطفال القاصرات يتعارض مع الدور
الحمائى للمرأة , ويبنى زواجها على جرف هار ينهار بها وبأسرتها حال مواجهتها أنواء
الحياة , ويزيد الأمر صعوبة حال حملها فتعرض حياتها وجنينها لمخاطر صحية قد تودى
بها أو بطفلها أو بهما معاً إلى الهلاك , ثم هى وزوجها القاصر من بعد ليسا على
دراية بتربية هذا الطفل ورعايته وهما اللذان في حاجة إلى تربية ورعاية , فضلا عن
ذلك فإن لزواج القصر أثاره الاجتماعية الخطيرة كالتسريب من التعليم وتفشى الأمية
وتدنى الصحة الإنجابية بما ينعكس أثره على ذرية هذا الزوج , ويمتد هذا الأثر ليؤثر
على سلامة المجتمع في جوانبه الأسرية والصحية والتعليمية وهى أثار تترك ندوبها على
وجه المجتمع سنين عددا ويغدو اصلاحها من الصعوبة بمكان .
ومن حيث إن هذه المحكمة تسجل أن ظاهرة زواج الأطفال القصر عرفيا , يجب
مواجهتها ويقع على وسائل الإعلام التى تخاطب الشأن العام عبء كبير بالتعاون مع
رجال الدين في التوعية السليمة لبيان مخاطرها و الآثار النفسيّة السلبية لزواج
الأطفال القصر بالحرمان العاطفي من حنان الوالدين، والحرمان من التمتع بمرحلة
الطفولة التي إن مرّت بسلام، تكبر الطفلة لتصبح إنسانة سويّة في مجتمعها , لذا فإن
حرمانها من الاستمتاع بهذه السن يؤدى إلى اضطرابات الشخصيّة واضطرابات في العلاقات
الجنسيّة بين الزوجين، بفعل عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة، مما ينتج عنه عدم
نجاح هذه العلاقة.
ومن حيث إن تحديد المشرع لسن الزواج بثمانية عشرة سنة لا يعد مخالفة
لأحكام الشريعة الإسلامية وليس فيه شبهة مخالفة الدستور , بل يتفق مع مبادئ
الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وهى مبادئ وسطية مستنيرة , تخاطب الناس
في كافة المجتمعات بحسب أعرافها وأوضاعها ولا ريب أن تحديد هذه السن لا يضر الطفلة
الصغيرة توخيا لتحقيق المصلحة لدرء المفسدة , فحظر الزواج قبل بلوغ سن ثمانية عشر
عاما فيه إدراك لظروف الزمان والمكان فجاء تحديد هذا السن من المشرع المصري تقديرا
للمصلحة العامة واتساقا مع فقه الواقع ، وبهذه المثابة فتحديد سن الزواج بثمانية
عشرة سنة تتحقق معه المصلحة المعتبرة، ودرء المفسدة المترتبة على تزويج الأطفال
القصر ، ورعاية حقوقهم ومنع المتاجرة بهم من أجل تحقيق مصالح دنيوية.
كما تلفت المحكمة النظر حال أن المتهم يشغل وظيفة إمام مسجد إلى أن
الإمامة في الإسلام لها منزلة عظيمة ودوراً كبيراً في التعليم والتذكير ،
فبالتعليم يزول الجهل وبالتذكير تذهب الغفلة ، ومن أجل هذا وغيرة تعد الإمامة
رسالة عظيمة ومهمة جسيمة يوفق الله القائم بها علي الوجه المطلوب دعاة الحق وصفوة
الخلق حماة الدين ، فيتعلم علي أيديهم الجاهل ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل ،
وتسمو بتوجيهاتهم النفوس ، وتتهذب الأخلاق ، وبمنهجهم الوسطى يواجهون المتشددين فى
مفاهيم يجب أن تصحح فلا تستغلق على الفهم والإقناع , ومن ثم فيجب علي شاغل هذه
الوظيفة أن يتمتع بمجموعة من الصفات الأخلاقية في حياته وتصرفاته لينال هذه
المكانة الرفيعة ، والتي من أهمها التجرد في السعي وراء أهداف دنيوية من عمله
كالجاه أو المال أو المناصب أو التقرب من الناس ، فالأمام الناجح هو الذي يدعو
الناس إلي الصلاح بعمله وعلمه فيرى فيه الناس مثالاً حياً للصلاح والاستقامة
والنزاهة والشرف , وليكون أميناً على منبر رسول الله الذي يرتقيه فلا يقول إلا
صدقاً ولا يعمل إلا حقاً معلياً مقاصده الشرعية فى حفظ النفس والعقل والدين والعرض
والمال .وسبيله فى ذلك فقه الواقع وترتيب الأولويات بما فيه صلاح الوطن والمواطن .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً , ورفضه موضوعاً .
صدر هذا الحكم وتلي علناً بجلسة اليوم 24 ربيع الآخر لسنة 1441 هجرية
, السبت الموافق 21/ 12/ 2019 ميلادية , بالهيئة المبينة بصدره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق